حضرة الكاتب المحقق الدكتور أحمد بك أمين أشكر لك كتابك القيم عن هرون الرشيد وأهنئك لتوفقك في تأليفه هو كتاب نفيس جدا ولا أظن مؤلفا آخر أجاد كما أجدت في وصف حياة هرون الرشيد ووصف الأحوال الاجتماعية والسياسية في عصره وحول عصره
وقد لفت نظري دفاعك عن أخطائه وفحوى الدفاع أن عذره في ظروف عصره التى اقتضت تلك الأخطاء ونحن نعلم أن الحق والصواب عنصران أديان مطلقان فى كل مكان وزمان فلا شأن للبيئة ولا للظروف فيها فالخطأ خطأ فى أى زمان
عفوا لم تدافع عن جريمة الرشيد الكبرى فى قتل أخته العباسة وولديها فى حين أنه هو الذى أمر بزواجها من جعفر وأخذ عليه عهدا ألا يمسها على حين أن مساسها توجيه الطبيعة الطبيعة البشرية وتحلله الشريعة السماوية فلا حرج في أن يجتمع زوجان شرعيان بمقتضى الطبع وبمقتضى الشرع وهل كان يخفى على هرون اجتماعهما سرا وإنجاب ولدين
قد يكون للخليفة هرون الرشيد عذر في غدره بجعفر وبألف من البرامكة قد يكون له عذر سياسى لأن زوجته زبيدة وبعض ذويه أوغروا صدره على جعفر وقومه لأن أمرهم في الدولة استفحل جدا حتى صار يخشى من خطره على الخلافة ولكن هذا الاستفحال لم يكن جريمة جعفر وإنما كان جريمة الرشيد نفسه لأنه لو لم يترك له ولقومه الحبل بل الغارب ما أمكنهم أن يستفحلوا ولا أثروا ذلك الثراء الضخم كان حريا به أن يسهر على ملكه لكيلا يضيعه لا أن يسلمه تسليما مطلقا لجعفر وسائر البرامكة وهم أغراب عنه وعن قومه حتى إذا نجحوا في سياسة الدولة وإدارة الملكة وصار الشعب ينظر إليهم كأنهم السادة انتبه
إلى خطرهم وغدر بهم غدرا لا يغفره الله
قد نعذره بعض العذر في نكبة البرامكة بحكم ظروف العصر كما قلتم ولكننا لا يمكن أن نعذره في قتل أخته العباسة وهي لم تذنب إليه قط بل هو الجانى عليها زوجها من وزيره وحرم عليها مساكنته وهذا استبداد لا مثيل له في تاريخ العالم فهو يحظى ألقى امرأة ويحرم على أخته مساكنة زوجها الشرعي يحرمها المتعة الطبيعية البشرية ولماذا فهل كان يجد لها زوجا أفضل من وزيره الذى ساس الدولة وأحسن إدارة الملكة
ثم ما ذنب الوفدين حتي يقتلهما لأنهما يرمكيان دما وهل هما اختارا هذه العصبية أم هو اختارها لهما لو أبقى عليهما وتركهما ينشان في عهدة أمهما لربما صارا من أركان الدولة العباسية لأن الوراثة الاجتماعية تتغلب على الوراثة البيولوجية بل هذه تختفى في ظل ذلك لو تبنانى زوجان مسلمان النشأت مسلما بكل معنى الكلمة وكنت متعصبا للاسلام ضد النصرانية أفليس فظيعا جدا أن يذبحهما بعد أن أتى بهما إليه فيراهما حسنى النظر ويستنطقهما فيجدهما فصيحين ويتكلمان بفصاحة هاشمية ثم يأمر بضرب عنقهما
أى قلب هذا الذى يفعل هذا
أي وحش ضار يفترس هذا الافتراس أليس هرون الرشيد إنسانا أم كان حيوانا شرسا لا تغتفر لهرون هذه الفظاعة وقد كان في وسعه أن يستبقى أخته العباسة وولديها وهي تربى الولدين خير تربية على سنة هاشمية وأخلاق عباسية فيصبحان من خير أركان الدولة
ولكن هكذا يكون بطر حب الذات وهكذا تكون عقلية الحكام المستبدين الذين يعتقدون أن الملك لهم لا لله

