يا موجة للدهر لم تُهْزَمِ تعلو عُلُوَّ الجبل الأعظم
وما رأينا قبلها موجة تعلو فلا تحدر للمحطم
ما الناس والآثار من بَعْدِهم إلا كموج إن علا يُهْزَمِ
موج لبحر ما له ساحل إلا الردى في لحده المظلم
كم عند شط الموت شِلْوِ رَدى يقذفه الدهر إِلى ضيغم
هل أنت شِلْوٌ لزمان مضى رفاته الآثار لم تُرْدَمِ
لم يبق من عمران من قد مضوا إلا بقايا الجلد والأعْظُمِ
كأنما يُذْخَرُ من مجدهم ما يُذْخَرُ النمل من المَطعم
كيف نُرَجِّى الدهر ذا عفة إِن ذاق طعم اللحم لم يقرم (1)
لا يسمع الدهرَ سوى مُنْصِتٍ بالروح إن يُصْغِ له يبكم
همهمة يطلقها عارم إن يمضغ المودى به يبغم
هل خاف هذا الدهر صرف الردى فشاد صَرْحاً منك لم يُثْلَمِ
لا يجرؤ الموت على بيته فى هرم كالجبل الأدهم
أم شادك العقلَ لكيما يرى من فوقك الأقدار لم تهجم
بعيدة لم تَبْدُ أشخاصها تهفو لنا فى يومها الايومِ
كي يؤْذِنَ الناس بِإقبالها من قبل أن تفجأ بالمَقْدَمِ
إِن أرزم الرعد على شاهق ففوقك الأيام كالمرزم
أو كللت هَامَته ديمة وطفاءُ مثل المِجْسَدِ المسهم
فوقك أرواح عصور خلت كديمة سوداء لم تحسمِ
هدت يدُ الدهر مشيدَ البنى وهو إذا أمَّكَ كالأجذم
كم أنزل الدهر شآبيبه على جبين منك لَم يهرم
كالمزن فوق الزهر يحيا به زهر الرُّبى من غيثه المُرْهِم
كأنما روح زمان مضى معشش فوقك كالقشعم
يا معبداً يُعْبَد فيه الحجا إلى الحجا في صنعه ينتمي
أجلُّ ما تعبد فيه النهى سليلها فى صنعه المحكم
يا عَلَم الدنيا الذى قد غدا عجيبة الغائر والمتْهَمِ
علت بك الأرض كمن قد علا برأسه الكبر فلم يُهضم
رفعت رأساً منك ما طاله رأس البناء الشامخ الأقوم
كأنما كل البنى سُجَّدٌ من هيبة للملك الأعظم
يا ملكا ما انحلَّ سلطانهُ قد هُدِمَ الماضي ولم يُهدَم
كم دولة قد ضاع سلطانُها ودولة الأهرام لم تهرم
يا غِيَرَ الأيام فى كَرِّها من أبيض نأمن أو أسحم
تباعَدِى إن شئت أو فاهجمى على شبيه البطل المُعْلَمِ
هيهات لم يبدُ له مَقْتَلٌ قد أخطأ الرامى فأشْوَى الرَّمى
كم خال فيك الناس سرا طوا هـ الدهر لم يُكشَفْ ولم يُعلم
خالوا الأُولَى شادوك قد أوعدوا فيك رموز المطلب الأكرم
ما أودعوا إلا كنوزاً غدت . نهبة كف الصائل المجرم
وكل ما لم يَبْدُ كُنهٌ له يخالُ كنز الحق والمغنم
والمرء يبغي الحق فى خدره ولو بدا فى أعين الأنجم
ورمه خبأها كاهنٌ لفَاتِك الآراء والمخذم
رمة رب رائع عزمه قد أُخرجَت من بعدُ للمرجم
جلال روح منه ذى همة مجسم فى صنعه المحكم
لا تحسبنَّ الناس لم يُغنهم غير منال البُرْد والمطعم
فالنفس تبغى أن ترى كُنْههَا مُجَسَّماً فى صنعها الأعظم
لم يُصلح الناسَ لِذِي أمرهم ... غيرُ شفيع السيف والدرهم
أظلمهم من ساغ طعم الأذى ليس الذى يَظلمُ بالأَظْلَمِ
كل ضعيف خيره علة من ذا الذى صح فلم يعرم

