سيدي الأستاذ. . . . الزيات
كنت قد قرأت في العدد التاسع والسبعين من (الرسالة) الغراء كلمة عن اتصال نسب شاعر الحب والجمال (لامرتين) بالعرب، وحثكم الباحثين على التنقيب عن هذه الصلة، لعلهم يوفقون إلى إضافة هذه العبقرية الخالدة إلى عبقريات العرب. وإذ كنت أقرأ في (حياة لامرتين الغرامية للكاتب المعروف (لوكادوبريتين -صفحة ١٢٨، عثرت على نبذة لها علاقة متينة بذلك الأصل الذي يعترف به (لامرتين) نفسه بصراحة وثقة. وهأنذا أرسلها إلى (الرسالة) لعل فيها شعاعاً يضيء طريق البحث عن ذلك النسب. قال لوكا:
(لما نفض لامرتين يده من السياسة تسنى له سنة ١٨٣٢ أن يحقق أمنية طالما فكر فيها: وهي السفر إلى الشرق، لا حاملاً حقيبته وعصاه كما قد سبق له أن تخيل، بل على سفينة شراعية جميلة. . . هنالك نساء الشرق أرينه في عيونهن كما يقول: (أشعة من المخمل الرطب لم يكن قد رآها في عيني امرأة.) ففعلت بلبه تلك العيون ما تفعل الخمر. لذلك كان في قصصه التي عاد بها من سفره تلك اللجة الحادة، وذلك الخيال الذي تجده في قصائد (أريوست من هذا النوع قصيدته التي بارى بها شاعراً من الصحراء في الاشادة بمحاسن الآنسة الرائعة الجمال (مالاجمبا وأصدق هذه القصص على ما يظهر قصة زيارته (لادي استيراستهوب تلك الإنجليزية المحاطة بالأسرار التي كانت تعيش كسلطانة في قصرها القائم على أحد منحدرات لبنان، وقد تنبأت له بمكانة رفيعة وحظ عظيم؛ فسر بنبوءتها وارتاح إلى تصديقها. وأهم ما لفت نظر السلطانة في الشاعر تفاخره الساذج. وإليك حديثها
عنه إلى زائر آخر هو الأمير (دي بويكليرموسكو - قالت:
(بينما كان لامرتين يمد قدمه ليلفت نظري إلى جمال تقوسها، بينت له أن ذلك الشكل ينم عن أصل عربي، يدل عليه أيضاً بريق عينيه ورسم حاجبيه:
Comme Lamartine allongeait obstinémeut un pied avec l'intention manifeste d'en faire admirer la cambrure, je lui fis croire que cette conformation révélait une origine arabe, indiquée en outre par l'éclat de ses yeux et le dessin de ses paupières
فاعجب بفراستي واستنتاجي؛ ثم روى لي كيف أن مائة وخمسين عربياً أسروا في غزة أيام الحرب الصليبية، فقيدوا إلى فرنسا واستوطنوا (ما كونيه) حيث أسسوا قريتين، وشادوا القصر الذي يسكنه لامرتين نفسه:
et il expliqua qu 'au temps des croisades cent cinquante arabes prisonniers de Gaza avaient été emmenés en France et s'étaient établis dans le Mâconnais au' ils avaient construit deux villages et le château que lui méme habitait.
ثم تابع قائلاً: - كان عليك أيضاً أن تلاحظي في خاصة وراثية شوهدت في الاسكندر، وهي ميل الرأس قليلا نحو الكتف. . أليس هذا طابع البلاد الجنوبية؟. . . . فأجبته بالتأكيد:
" Vous devez avoir aussi remarqué chez moi une particu- larité congénitale qu'on a observé chez Alexandre et qui consiste à pencher légèrement la téte vers une épaule. Ceci n'est-il pas un cachet des pays du Sud ? ... Je répondis affirmativement. »
وكأن هذا الانتساب لم يرق للكاتب الفرنسي (لوكا) فقال فيه:
(إن هذا الحديث ينم عن حقد (لادي استير) على الشاعر الذي أدرك ببصيرته الثاقبة (ما وراء تلك المظاهر الخلابة التي كانت لادي تحيط نفسها بها، من دسائس سياسية) .
وليس في فراسة (لادي) ما ينم عن حقد أو تشف؛ وإنما هو استنتاج استنتجته من ملامح الشاعر وتكوين بعض
أعضائه، وكانت فيه جد موفقة، لأنه صادف ارتياحاً من لامرتين، فقص عليها من نبأ الأسرى ما يؤيد فراستها ويدعم هذا الانتساب الذي يفتخر به، وبرهن لها أن القرية التي يسكنها والقصر القديم الذي توارثته أسرة لامرتين هما من بناء أولئك الأسرى العرب
ويروي أن لامرتين حاول مرة أن يبيع هذا القصر الأثري ليوفي ديونه، فأبت عليه ذلك ابنه أخته (فالنتين: وآثرت بيع معظم أملاكها حتى لا يفرط في هذا التراث الثمين، تراث أجداده العرب
بيروت (دار العلمين)
