نشرت الرسالة الغراء بالعدد (٨٩٥) بضعة سطور ظن كاتباها أنه قد استدرك علينا فيما نشرناه بالعدد ٨٩٢ من أن وفاة البارودي كانت في يوم الاثنين ١٢ ديسمبر سنة ١٩٠٤ فقال: أن هذه وفاة كانت ليلة الثلاثاء ١٣ ديسمبر سنة ١٩٠٤ وكأننا بهذا الاستدراك (التجاري) قد احتملنا وزر تقديم تاريخ وفاة البارودي ساعة أو بعض ساعة!!
وقد كنا نود لو أن هذا الاستدراك قد ظهر من عشر سنين يوم أن كتب هيكل باشا في مقدمة الجزء الأول من ديوان البارودي الذي طبع سنة ١٩٤٠ أن الوفاة: كانت في الأيام الأخيرة من شهر ديسمبر سنة ١٩٠٤!!
إن الذي يتصدى لمثل هذه الأمور يجب عليه أن يتحرى التحقيق البالغ لكي يصيب الغرض الذي يرمي إليه وهو ما في توخيناه في تحقيق وفاة البارودي رحمه الله فقد رجعا فيه إلى ثلاثة مصادر كبيرة لايشك أحد في روايتها ولا يجادل مكابر في تحقيقها في حين أنه كان يكفي في هذا التحقيق مصدر واحد منها وهذه المصادر هي مجلات: المقتطف والهلال المنار.
أما المقتطف فقد قال في الصفحة ٧ من المجلد ٣٠ جزء يناير سنة ١٩٠٥ من ترجمة مستفيضة للبارودي بقلم العلامة الدكتور يعقوب صروف ما يأتي: (وعاد إلى القطر المصري ليموت فقضى إلى رحمة ربه يوم الاثنين في الثاني عشر من الشهر (ديسمبر) ودفن بما يليق من الإكرام) وقال في الصفحة ٩٢ من جزء فبراير سنة ١٩٠٥ هو يتكلم عن حفلة تأبينه ما يلي:(وقد أجتمع الأدباء بدعوة الكاتب البليغ والشاعر المطبوع خليل أفندي مطران صاحب جريدة الجوائب المصرية في العشرين من يناير فتلوا ما نضموه من المرائي الخ) . وقالت مجلة الهلال في الصفحة ٢٦١ من عدد فبراير سنة ١٩٠٥
(السنة الثالثة عشرة) من كلمة لصاحبها جورجي زيدان بك (وظل بين أهله وذويه حتى توفاه الله في ١٢ ديسمبر سنة ١٩٠٤ - وفي الصفحة ٢٤٦ من هذا العدد قالت المجلة (ونظراً لمنزلته الرفيعة في نفوس الشعراء فقد اجتمعوا على ضريحه في الإمام الشافعي يوم الأربعين من وفاته الموافق ٢٠ يناير الخ).
أما مجلة المنار فقد زادت الأمر تحقيقاً وبالغت فيه إثباتاً، ذلك أنها ذكرت في الصفحة ٨٣٢ من المجلد السابع ما نصه: توفاه الله تعالى في يوم الاثنين لخمس خلون من شهر شوال (سنة ١٣٢٢) فشيعت جنازته باحتفال عظيم وصلى عليه الأستاذ الإمام (الشيخ محمد عبده) ولم أر صلى على ميت غيره إلا مأموماً، وسيجتمع شعراء مصر أدباؤها في اليوم (التاسع والثلاثين) لموته (الجمعة ١٤) ذي القعدة (٢٠ يناير) عند ضريحه ويؤبنونه ويرثونه الخ). فنظر إلى هذا التحقيق الذي تحراه صاحب هذه المجلة هو العلامة الجليل السيد رشيد رضا رحمه الله فإنه بعد أن ذكر أن وفاته كانت يوم الاثنين الموافق ١٢ ديسمبر سنة ١٩٠٤لم يقل كما قال غيره أن حفلة تأبينه كانت في ٢٠ يناير الذي هو يوم الأربعين، وإنما قال إنها كانت في اليوم التاسع الثلاثين لموته، وذلك لأن الأيام الباقية من شهر ديسمبر بعد اليوم الذي توفي فيه تبلغ تسعة عشر يوما فإذا ضم إليها ٢٠ يوماً من شهر يناير كان مجموع ذلك ٣٩ يوماً. وأن لرواية هذا الإمام لمنزلة محترمة من التقدير والثقة فأنه على دقته المعروفة عنه كان صديقاً حميماً للبارودي وكان كذلك في مقدمة من شيعوا جنازته هو وأستاذه الإمام محمد عبده.
أما ما جاء في ظهر الورقة (و) من مقدمة الجزء إلاول من ديوان البارودي فهذا لا يعول عليه ولا يؤخذ به وقد طلعنا على هذا الجزء عند ظهوره في سنة ١٩١٦ وأغضينا طرفنا حينئذ عما جاء به شارح الديون في المقدمة مما أساء به إلى البارودي (وقصيدته) !! رحمهما الله، وانتقدنا بعض ما شرحه ونشرناه في جريدة السفور وكنا نريد المضي في هذا النقد ولكن الأستاذ
الجليل الشيخ مصطفى عبد الرازق رحمه الله رغب إلينا أن نكف عن نقده بكلمة رقيقة(١) هذا هو الحق في أمر تاريخ وفاة البارودي ننشره على قراء الرسالة في بعضه غنية لمن أراد أن يقنع أو يقتنع بأن الوفاة قد كانت في يوم الاثنين ١٢ ديسمبر سنة ١٩٠٤. المنصورة

