استأثر الله في يوم الخميس الماضي بالعالم الكاتب والفقيه الحجة السيد محمد رشيد رضاصاحب (المنار) ؛ أدركه موت الفجاءة وهو في السيارة عائداً من توديع الأمير سعود في السويس. وليس في العالم الإسلامي مثقف يجهل تلميذ الأستاذ محمد عبده، وحامل لواء الإصلاح الديني من بعده؛ فإن أربعين سنة قضاها الفقيد الكريم في تحرير المنار يفسر كتاب الله على طريقة الإمام، ويبسط أحاديث الرسول على نهج السلف، ويحرر الفتاوى في المسائل الدينية المختلفة، ويقطع ألسنة المبشرين والملحدين بالأدلة النواهض، ويجلو عن الشريعة ظلام الشُبه بالعقل النير، ويزيد في ثروة الأدب الإسلامي بالمصنفات القيمة، حرية أن تحله من قلوب المؤمنين موضع التجلة، وتبوئه من صفحات التاريخ مكان الأئمة
ولد الفقيد في قرية (القلمون) إحدى قرى لبنان القريبة من طرابلس، فتلقى العلم طفلاً ويافعاً في هذه المدينة، ثم هاجر إلى مصر، فدخل الأزهر واتصل بالإمام محمد عبده اتصالاً وثيقاً، فأشار عليه أن يصدر (المنار) فكانت سجلاً لآراء الأستاذ الاجتهادية في حياته، واستمرار لدعوته الإصلاحية بعد مماته. ثم ساهم في النهضة العربية واتصل بجمعياتها السرية في أطوارها المختلفة من سنة ١٩٠٨ إلى قيام الحرب الكبرى. فلما أُعلنت الهدنة عاد إلى سورية فانتخب رئيساً للمؤتمر السوري الذي نادى بالأمير فيصل ملكاً؛ ثم ظل في خدمة هذه الدولة العربية الجديدة حتى ثل عرشها الفرنسيون سنة ١٩٢٠، فارتد إلى القاهرة يحرر المنار ويعالج التأليف، فأصدر طائفة من الكتب القيمة أشهرها تكملة تفسير الإمام على هديه ووحيه، ثم الجزء الأول من تاريخ الإمام وكان قد أصدر منه جزءه الثاني فيما قاله، والثالث فيما قيل فيه، ثم كتابه
الجليل (الوحي المحمدي) وهو من غير شك معجزة نبوغه وكتاب خلوده. رحمه الله رحمة واسعة وعوض فيه الإسلام والمسلمين خيراً
