الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 752الرجوع إلى "الرسالة"

١ - تأريخ المساجد الأثرية التي صلى بها جلالة الملك فاروق

Share

يجود الدهر أحايين بملوك عظام، هم قلائد حسان، يتحلى  بهم الزمان. ينسب العصر كله إليهم، ويسمى بهم. وعلى يدهم  يبعث العلم، ويزهر الشعر، ويزدهر الفن، فإذا نهضت فرنسة  بفضل لويس الرابع عشر، ورفت الحضارة في بغداد أيام الرشيد  والمأمون وزهت دمشق أيام الوليد، فإنما تفخر وتنهض اليوم  مصر في عهد الملك فاروق.

هذا العصر الذي يرعاه الملك اليوم، عصر نهضة قوية رائعة،  بدأ بها محمد عل الكبير، وساهم في تقويتها إسماعيل وفؤاد،  واليوم يدفع بها إلى الأمام جلالة الملك فاروق.

إن لديك أمثلة كثيرة عن تشجيع الملك العلم، وأخذه بيد  العلماء والأدباء، والفنانين، والكتاب الذب أحدثك اليوم عنه،  هو فضل للملك العظيم.

فلقد   (استن جلالته سنة حسنة بأدائه فريضة الجمعة في  مساجد متفرقة من أنحاء عاصمة ملكه السعيد " .

" وخص جلالته المساجد الثرية بعنايته، فأولاها النصيب  الأوفر من اختياره. وكان هذا أكبر الأسباب لإصلاحها  وإعدادها، إذ تفضل - رعاه الله - فأمر بإصلاح كثير منها ".

وقد كان الأستاذ العالم حسن عبد الوهاب، مفتش الآثار  العربية في القاهرة، يكتب نبذة تاريخية عن هذه المساجد التي  يصلي جلالة الملك بها فريضة الجمعة، ثم رأى جمعها، وشمله جلالة  الملك برعايته، فأمر بطبعها على نفقة جلالته.

فهذه الرعاية الملكية، لرجل عالم، عصامي، بذ أقرانه بجده

وتنقيره واطلاعه؛ لآية من آيات عظمة المليك، ودليل  على روح جلالته المتوثبة للعلم المحبة للعلماء. وتشجيعه  مساهمته في هذه النهضة التي يعود إليه الفضل الكبير منها والكتاب في جزأين. في الأول (مجموعة من المساجد  حوت أهمها أكبرها. جمعت بين المسجد الجامع، والمدرسة،  والخانقاه، وتنوعت فيها العمارة الإسلامية في عصورها المختلفة  بمصر تنوعاً يساعد الباحث على الوقوف على تطور تصميماتها  وزخارفها، وتفاصيلها العمارية).

وقد مهد الأستاذ المؤلف كتابه تمهيداً حسناً موفقاً عن  نشأة المساجد، وعن أثر الدول الإسلامية التي حكمت مصر في  العمارة الإسلامية.

وقد اتبع الأستاذ طريقة جيدة في كلامه على هذه المدارس  أو المساجد، فهو يترجم بادئ بدء للباني، وبدلنا على عصره  وشأنه. ثم يتكلم على تأريخ المدرسة أو المسجد، فيصفه وصفاً  مستمداً من المصادر التاريخية القديمة الموثوقة، ويضيف إليه الوصف  العلمي الواقعي، ويعرض عليك التصميم ويحدثك عن الإصلاحات  المختلفة التي طرأت على الأثر التاريخي ويستشهد بالكتابات القديمة  الموجودة فيه، ويدلك على نواحي الجمال والروعة في بنائه أو عمارته  أو ريازته أو زخارفه ونقوشه، وهو لا يغفل عن إيراد أقوال كبار  الآثاريين الفرنسيين أو الإنجليز في البناء الذي يتكلم عليه، وعن  مناقشتها ببصيرة، إذا كان مجال المناقشة ذا سعة.

أما الجزء الثاني فهو مجموعة صور فوتوغرافية توضح المساجد  التي تناولها المؤلف بالبحث في الجزء الأول. وهي مجموعة ذات  شأن لأنك تجد فيها   (نماذج مختلفة للواجهات والأبواب والقباب  والمنارات والمصاريع الخشبية المطعمة بالسن والمكسوة بالنحاس،  والزخارف المنقوشة على السن والخشب والرخام والحجر والجص  كما أنك تجد فيها أنموذجات من المنابر والمحاريب والوزرات

والأرضياب الرخامية، والشبابيك النحاسية، والجصية،  والكتابات الكوفية، والثريات مما يساعد الباحث والمهندس  على تتبع تتطور العمارة وتدرجها في عصورها المختلفة) .

وفي هذا الجزء مائتان وخمس وسبعون صورة. وقد أردف المؤلف بحثه بذكر المراجع العربية والمراجع

الفرنجية التي اعتمد عليها. وجعل لكتابه فهارس علمية مختلفة،  كفهرس الموضوعات، وفهرس الأعلام، وفهرس الأماكن. وقد عنى بإخراج الكتاب عناية فائقة من حيث إخراجه  الفني وطبعه وورقه.

إن هذا الكتاب لجدير بأن يقرأ ويقتنى، وجدير بأن يرجع  إليه في هذا الموضوع لأن فيه زبدة مطالعات، وخبرة  أعوام طوال.

وإن من واجبنا، نحن الذين نهتم بالأمور الآثارية، أن  نهنئ المؤلف على كتابه، كما هنأناه على نجاح المعرض الذي  أقامه في مؤتمر الآثار بدمشق، وأن ترفع آيات الشكر إلى جلالة  الملك فاروق لرعايته العلم، وتشجيعه العلماء، وأمره أن يطبع  هذا الكتاب القيم على نفقة جلالته.

اشترك في نشرتنا البريدية