الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 457الرجوع إلى "الثقافة"

١ - سلاح الدعاية

Share

سبق تكلمنا في المقال الماضي عن الدعاية وقيمتها في الحرب وفي السلم وعن استغلال المحاربين لها . والآن نتكلم عن الأسلحة السرية والجبهة الثانية وصلة الدعاية بها .

الأسلحة السرية :

كان غرض الآلمان الرئيسي من نشر أخبارها التأثير على جنود الأعداء وزعزعة الثقة في نفوسهم .

ولنضرب مثلا علي ذلك أنه حدث في إحدى المرات أن فصيلة من الجنود الألمان تقدمت في حركاتها كثيرا فبعدت عن مرا كزها وأصبحت في عزلة ، فلجأ قائدها بعد أن نفذت ذخيرته إلى آخر محاولة لإنقاذ موقفه ، فأمر جنوده بإطلاق نوع من الصواريخ متعددة الألوان ، فظنه الأعداء سلاحا سريا جديدا من الأسلحة الفتاكة وولوا هاربين تاركين الميدان للآلمان ، فنظموا صفوفهم من جديد .

وقد ورد في رسالة لمراسل أميركي في برلين أن أحد المتكلمين بلسان وزارة الطيران الألمانية ؛ أكد أن الطيارين الألمان أخذوا يستخدمون في غاراتهم على لندن جهازا سريا للرؤيا خلال السحب والضباب والأمطار كما لو كان الجو صحوا ، ولذا كانوا يسمونه "اشعة رونتجن للرؤية خلال السحب" وقد ذكر ذلك المتكلم أن هذا الجهاز الذي يشبه جهاز التليفزيون الصغير وضع في قاذفات قنابل " تكسر السحب " .

ثم أعقب هذا المراسل هذه الرسالة برسالة أخرى أوضح فيها أن متكلما ثانيا بلسان وزارة الطيران الألمانية ذكر في بيان له أن سوء الأحوال الجوية كان سببا في فشل الغارات الألمانية على بريطانيا . وقد أشارت صحف نيويورك متهكمة إلى هذا البيان .

وكان الإيطاليون يذيعون بإستمرار أن من ضمن الأسلحة السرية التى كانت لدي دول المحور ، غاز لا رائحة له ولا يرى بالعين ، من خواصه شل الأعصاب ؛ أو أن هنالك آلة اخترعت لكتابة الرسائل على شكل رموز خفية ؛ أو غواصات لحمل آلاف الجنود ؛ أو أن لديهم أشعة خفية ؛ او وحدات حربية سرية أو جنودا من الشبان غير المتزوجين تقل سنهم عن الثالثة والعشرين على أهبة الاستعداد لغزو بريطانيا بحرا بواسطة زحافات صنعت خصيصا من الفل للسير بها على سطح الماء بسرعة خمسة أميال ونصف في الساعة .

وقد ردت الدعاية البريطانية على ذلك بأن البريطانيين كانوا يجربون طريقة جديدة لإسقاط الطائرات الألمانية وهي ليست أشعة ولا مدفعاً مضاداً للطائرات ولا بالونا . كما اذاعوا أنهم قد يكون لديهم دبابة سرية أو سلاح سري للدبابات .

وذكر أحد الكتاب البريطانيين أن النازيين استفادوا من هذه الدعاية ومن تهديدهم بغزو بريطانيا أكثر من فائدتهم من طائراتهم المنقضة أو فرقهم المصفحة ، لأنهم جعلوا البريطانيين لا يهدأ لهم بال وفي شغل شاغل بهذا الأمر متوقعين حدوثه بين لحظة وأخرى .

وقد نشرت الصحف الأمريكية بعض فقرات من الإذاعات الإيطالية والسويدية والسويسرية التي تلقتها محطات بريطانيا عن الغزو ، وقد ورد فيها ذكر تحليق جورج بالطائرة فوق العاصمة الإنكليزية ، وقول الفيلد مرشال كيسلرنج عن استعداد النازي لهجومهم العظيم بأسلحة سرية وطرق مستحدثة ، وأنه كان يؤلمه تخريب لندن ويفضل أن لو سلم الإنكليز دون تخريبها .

وكان من دعايات اليابان محاولتها في بدء الحرب فصل أستراليا عن الحلفاء ، كما حاولت إضعاف الروح المعنوية لدى

الأمريكيين بتشبيههم بالفرنسيين ، وادعائها أن "خط ماجينو" الذي أنشأه الأمريكيون في المحيط الهادي حطم . وقد حاولت إظهار امريكا بأنها غلبت بالرغم من أنها لم تكن قد بدأت الحرب بعد

الجبهة الثانية

أذاع المحور حوالى أواخر شهر أبريل سنة ١٩٤٢ أن يريطانيا والولايات المتحدة لم تستطيعا غزو القارة الأوربية لأن أساطيله "أعجزت" أساطيل الحلفاء وسفنهم التجارية ، وأن آية محاولة من جانب هذه الدول سيكون مصيرها الفشل الذريع بالنسبة لاستعداد المحور

وكم من مرة دعا الآلمان الحلفاء للهجوم وتمنوا ذلك لثقة القيادة الألمانية من أنهم كانوا سيلاقون نصيبهم المحتوم .

وكان الألمان يستعرضون فرقا من خيرة جنودهم في شوارع باريس على أنها قادمة من الجبهة الروسية للدلالة على استعدادهم ، وعلى أنه كان لديهم من الجند كثير . كما ألقت طائراتهم على جنود الروس نشرات كتب عليها : " أين الجبهة الثانية ؟ " لإضعاف روحهم المعنوية .

وما قلت الدعاية الروسية أن ردت على ذلك وهي تضحك ملء شدقيها معلنة أسماء وعدد الوحدات الآلمانية التي نقلت من الغرب إلى الشرق ، وأنه لم يكن لدى الألمان من يدافع عن الجبهة الغربية .

ثم أخذ الراديو الروسي يذيع باللغة الآلمانية محذرا الشعب الألماني من خطر الجبهة الثانية ومن هجوم منظم عليهم في الغرب . كان غرضهم من ذلك إبقاء الفرق

النازية هنالك ، ولو لم يتحقق فتح جبهة ثانية ليخف ضغط الألمان على الروس في حربهم معهم .

كلمة ختامية

كان لعدم ارتباط مكاتب الدعاية أو " مكاتب الاستعلامات أو الأنباء" - كما كانت تسعى في الولايات المتحدة وبريطانيا وباقي بلاد الأمم المتحدة - بعضها ببعض ، أن شوهت الحقائق بعض التشويه لا عن قصد ولكن لعدم توافر الدقة .

وقد تبين لمراسل المانشستر جارديان المختص بالشؤون البحرية من البلاغات التى كانت تذيعها الأمم المتحدة أن المدمرات اليابانية التي قالت إن أساطيلها فتكت بها أكثر مما كان موجودا فعلا لدى اليابان عند بدء الحرب .كما تبين له من البلاغات البريطانية التي كانت تصدر عن الحرب في الصحراء الغربية وهجوم روميل ، أن خسائر المحور التي ورد ذكرها بها أكثر مما كان لدى روميل ، وقد اثر هذا تأثيراً سيئاً عند تقدم ذلك القائد في بادئ الأمر.

إن الأمم المتحدة اتفقت على المسائل الرئيسية الخطيرة المتعلقةة بالدعاية ، ولكنها تركت غيرها من المسائل ، كما شاهدنا فيها تقدم ، بعكس دول المحور فكانت لا توزع أخبارا واحدة على مختلف انحاء العالم ، فما أعد منها للإذاعة الخارجية لا يذاع غالبا في داخل البلاد ؛ وهي طريقة لا بأس بها إلي حد ما إذا روعي أن للأمة حق الإطلاع ما أمكن على مجريات الأحوال دون تسرب شئ إلي الأعداء قد يفيدهم بدل أن يضللهم .

اشترك في نشرتنا البريدية