الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 43الرجوع إلى "الثقافة"

٢ - الفخ

Share

" كان مسترسميسون  يشتغل مديراً لاحدى شركات التأمين ، وقد تردد على الشركة التى يعمل فيها مستر سلكتون لتسهيل التأمين على حياة شخص يدعى بكويت ، زعم أنه صديق له، وقد أثر هذا الرجل في نفس سميسون شعور الكراهية والارتياب للنظرة الأولى ، وزاد هذا الشعور في الله ما سأله عن مأساة زميل له يدعى سلام كان مديراً لاحدى الشركات وتخلى عن عمله وعظم مستقبله إثر صدمة حطمت قلبة  ، وهى وفاة الفتاة التى أحبها

وقدم لى سلتكتون هذه الفتاة على أنها ابنة أخيه لم أر سلتكتون بعد ذلك مدى ستة أشهر ، وإن كان مر على بمنزلى مرة فلم يجدنى ، ودعانى مرة أخرى للعشاء ولكنى كنت مشغولاً في ذلك الوقت فاعتذرت عن تلبية دعوته ؛ وفي أواخر سبتمبر أو أوائل أكتوبر على ما أظن كنت أقضى بضعة أيام للاستجمام على شاطئ البحر في سكار برو فلقيته بالصدقة بدرع الشاطي في أمسية أحد الأيام الدافئة برفقة سيدة صغيرة المن ترتدى ملابس الحداد ، وتشيع في وجهها الباهت الهزيل علامات الحزن والمرض برغم ما يبدو في تقاطيعها من سحر وجمال

وقدم في سلتكتون هذه الفتاة على انها ابنة اخيه

الصغرى مس نيتر ، وسألنى عما إذا كنت لا أمانع في أن تعریض سوياً ، فأبديت مرورى بمرافقتهما ، ومضينا تذرع الشاطئ الرملى فى خطى متشدة وقد سارت بيننا ابنة أخيه، ولم تكد تسير بضع خطوات على الشاطئ حتى صباح سلنسكتون :

ها هو أثر المجلات يا عزيزتي إنه ظلك مرة ثانية بلا شك

قلت مستفهما وقد نظرت إلى الآثار الممتدة على الشاطئ: ظل مس نيتر ؟ وقال سلنكتون ضاحكا : أجل ظلها يا عزیزی . أخبريه يا مرجريت ، ماذا أعنى .

والتفت إلى مس نيتر مستوضحا فقالت : أجل يا مستر سميسون ، ليس لدى ما أقول إلا أننى حيثما سرت وأينما ذهبت أرى هذا السيد الكهل يتبعنى في عربة صغيرة يدفعها شخص ، ولقد أخبرت عمى بقصته فأطلق عليه ظلى الملازم.

وهل يقيم هذا السيد في سكاربرو . - ما أعلمه هو أنه يقيم بها . وأنت . هل تقيمين هنا ؟ كلا وإنما أقيم لوقت معين حيث مهد لى عمى الإقامة مع أسرة هنا مراعاة لصحتى

وتلك ؟ إنه مثلى على ما أظن يقيم لدى أسرة هنا ، وإنه ليخيل لى أنه يقيم لنفس السبب. وعلى أية حال فإنه يحدث أن أفتقده أحياناً فلا أجده ، ولكن الغريب في الأمر أني قد أذهب إلى مكان ما تبضعة أيام فلا ألبث أن أراء في نفس المكان !

ولاحت من بعيد عربة صغيرة تسير على حافة الشاطئ فأشرت إليها قائلا :

- هل هذا هو ظلك يا مس نيغر ؟ وأجابت مس نيتر بالإيجاب ، بينما مضيت أنا أراقب العربة وهى تقترب منا ، حتى إذا صارت على قيد خطوات لحت فيها رجلاً كبير السن قد تدلى رأسه على صدره ، ولم ألبث طويلا حتى عرفت هذا الرجل ، فاستأذت دقائق من سلنكتون ومضيت لتحيته

وعدت بعد لحظات فكان سلنكتون هو البادي بالكلام : لقد أحسنت بالعودة سريعاً بامستر سميسون، فقد كانت ابنة أخى تموت لهفة على معرفة هذا السيد الذى يتبعها كظلها.

وأجبت : إنه الماجور يا نكس المدير السابق لشركة الهند الشرقية للتأمين ، وهو صديق حميم لصاحبي الذي عرفتك في منزله أول مرة . ألم تسمع عنه قبل الآن ؟ وأجاب سلنكتون قلقاً : أبدا

والتفت إلى مس نيتر قائلا : - إنه رجل واسع الثراء يا مس نيتر ، وهو شديد الاعجاب بك وبتلك الصلة التي بينك وبين عمك .

وبدا لي إذ ذاك أن سلنكتون يمر بيده على رأسه متحسساً الفرق ، كأنما هو نفسه يوشك أن يتعداه حرصاً

على أن يصدني عن تلك النظرات التي تنحرف يمينا وشمالاً عن مظهره البادي .

- مستر سميسون. إن ما بيني وبين ابنة أخي من علاقة لأقوى مما يتصور إنسان . ولعل السر في ذلك أننا أقل الناس أقارب ، مما يشعرنا دائماً بالحاجة إلى التواصل والعطف ، أضف إلى ذلك أن ذكريات مريرة وأحزاناً عميقة النور تجمعنا . لملك تذكر أننا تحدثنا يوما عن المأساة التي حلت بى ؟

وحانت منه التفاتة إلى مس نير فإذا هي شاحبة الوجه قد تبلل وجهها بالدموع فصاح سلتكتون

دعى الحزن یا مرجريت بربك وكفى عن البكاء رفقاً بصحتك يا عزيزتي ، إني لا أطيق رؤيتك على هذه الحال

وسادنا الوجوم لحظة بهذا الجو الحزين الذى أفلح سلنكتون في إشاعته بيننا ؛ ولأمر ما انصرف إلى بعض شأنه وتركني أنا وابنة أخيه منفردين على جانب إحدى الصخور.

آثار دهشتي إذ ذاك الحماس الذي مضت هذه الفتاة تتكلم به عن عمها . لقد مضت تمتدحه لى ونصف لي عنايته بها وتضحيته لراحته في سبيلها ، وتضحيته بكل شيء قبل ذلك في سبيل العناية بأختها التي ماتت . كانت تتكلم في تأثر وشعور عميقين مبدية إعجابها لنكران الذات الذي بيديه هذا العم حين يصرف حياته في العناية بمخلوقتين هالكتين ينحلهما المرض وتسحقهما الأسقام .

- مستر سميسون. إنى أحس أني سأغادر هذا العالم قريباً ، وإذ ذاك سوف يستطيع هذا العم الحنون أن يتفرغ لنفسه فيتزوج ويعيش سعيداً. إنى واثقة أنه لا يعيش وحيداً إلا من أجلى أنا ومن أجل شقيقتي المسكينة ...

وخنقتها العبرات ، ولكن حدث ما هدأ شجونها فقد مرت أمامنا مرة أخرى تلك العربة التي يتربض عليها

الماجور بانکس، فاسترعى صوت عجلاتها انتباهنا، وإذ ذاك التفت إلى مس نيتر وقلت وأنا ألمس ذراعها بيدى :

- سيدتى الصغيرة. إن الوقت يمر بسرعة. هل تسمعين هدير البحر ؟

وأجابتني وقد عرتها دهشة بالغة. - أجل قلت :

اترين كم هو هادئ الآن أمامنا ، وتعرفين كم يكون مفزعاً مرعباً لا يعرف الرحمة حين تعصف الزوابع ؟ وقالت وقد زاد اضطرابها :

أجل . ! إنك لتفزعنى يا سيدى بهذا الحديث. - إذاً فاعلمى يا سيدتي أنك لو أنقى بك وسط أمواج هذا البحر في أشد أوقات هياجه هولاً لما كنت في خطر أكثر من الخطر الذي يحدق بك الآن والذى أرجو مخلصاً أن أنقذك منه ..

وكانت العربة تدنو منا للمرة الثالثة عند ما عقدت الدهشة لسان مس نيتر ، وأضحى ما بيننا وبينها لا يزيد عن بضع خطوات . فالتفت يمنة ويسرة ثم استأنفت الكلام قائلا :

- إننى كما يعلم الله وهو الحكم العدل بين كل الناس أحب لك الخير كما كنت أحبه لأختك من قبل. إن الوقت ضيق جداً ، فأستحلفك بالله إنفاذاً لحياتك أن تأتى إلى هذا السيد الذى تعالقين عليه ظلك . إن في ذلك إنقاذ حياتك ، وأقسم لك على ذلك

إنى لأشك كثيراً في أننى كنت سأوفق في هذه المعاصرة لو لم تكن العربة قريبة بشكل لا يدع لمس نيتر مجالا في التفكير ؛ ما حدث بالضبط هو أننا كنا بجانب العربة قبل أن تستعيد هي تفكيرها ويغلب عليها التردد فيها دعونها إليه ، وقد قدمتها إلى ذلك السيد الكمل وتركتهما منفردين، ومضيت وحدى إلى الصخرة أنتظر

عودة سلنكتون ، ولم يطل في الوقت فقد عاد بعد لحظات ، وكان أول ما لاحظه عدم وجود ابنة أخيه ، فقال في لهجة تم على الاستنكار :

ترى أين ذهبت ابنة أخى ؟ لقد شعرت بيرد طفيف فآثرت أن تمضى إلى المنزل. وبدا عليه الاندهاش، كأنما كان لا يتوقع أبداً أن تفعل شيئاً دون استشارته ، حتى في مجرد تصرف بسيط كالانصراف إلى المنزل ، فقلت له على سبيل الإيضاح :

لقد نصحتها أنا بالذهاب إلى المنزل وأقنعتها بأن  تعتكف.

آه. إذاً فهو أنت الذي نصحها بذلك . ! إنى الأمر عنها أنها سريعة الانقياد ، خصوصاً إذا تعلق الأمر بصحتها . على أي حال فأنا أشكرك على ذلك ، فما من شك أنه خير لها أن تعتكف فى مثل هذا الجو الرطب .

- إن مس نيتر مرهقة الاحساس جداً كما يبدو لى يا مستر سلنكتون .

أوه إلى أقسى حد. إنها لا زالت تضطرب تحت هول الصدمة التي القيتها في أحتها ، وتخيل إلى أن هذا الكابوس الذى جسم على صدر شقيقتها في مقتبل العمر فلم يغادرها إلا جثة هامدة ، يوشك أن يطبق على صدرها هي، بل أمله قد جسم فعلا و يزداد ضغطه يوماً بعد يوم مسكينة مرجريت ... لكن لن نيأس من روح الله

كانت العربة التي نقل السيد إذ ذاك تمضى مسرعة مبتعدة عنا مسرعة بشكل يلفت النظر ، حتى إن سلنكتون نظر إلى قائلا :

إنه ليبدو أن قائد عربة صديقك قل لا يدرى ما يفعل، يدفع العربة بشكل جنوني يعرض صاحبك للخطر

واجبت ضاحكا : - إن من يتصدون لخدمة الكهول لا بد أن يعزوا أنفسهم أحياناً بقليل من الخمر

وسرنا في طريقنا، على حين بدأت آثار العربة تتلاشى في الظلام ، مختفية في العثير الذي تثيرة أقدام قائدها ، وفجأة سألنى سلنكتون :

أنمكث هنا طويلا ؟ - إني سأرحل هذا المساء. هكذا مريعاً ! ولكن لك العذر ، فإن أمثالك من رجال الأعمال لا يملكون وقتهم ، إنهم ملك للجماهير ، وليس من حقهم أن يعنوا بصحتهم وراحتهم ، ولكن اترحل إلى لندن ؟

- أجل وأنا أيضاً سأرحل بعدك سريعاً إلى هناك، فإن لدى أعمالاً .

كنت أعلم ذلك جيداً كما يعلمه هو ، فقد عرفت كثيراً حين التقيت بهذا السيد الذى يركب العربة ، عرفت أشياء كان من التعلق أن أتوقع عودته سريعاً إلى لندن بعدها ، ولكنى جهدت فى أن أتلقى نبأ عودته بالدهشة حتى لا أثير شكوكه ، وحتى لا أنهه إلى ذلك الخنجر الجاد الذي يشحذ تصله لطعنه طعنة قاتلة

وتركنا الشاطئ متجهين إلى المنازل المتناثرة، وأقبلنا على مفترق الطرق حيث يمضى كل منا إلى سبيله، فسألني سلنكتون وقد تظاهر بالتأثر الزائد :

- هل لي أن أسأل يا مستر سمبسون : ماذا حل بصاحبك المسكين ملتام ! لقد انقطعت أخباره مرة واحدة ، فهل مات ؟

- إن آخر ما عرفته عنه أنه صار إلى حال يرثى لها ، وأن صحته تتدهور بسرعة مغلقة ، فقد فقد ذاكرته تقريباً

محزن حقاً هذا المصير، إلى لأرتى الحال هذا المسكين، إن الدنيا كما قلت لك قبر كبير !

على هذا الحديث افترقنا كل إلى سبيله ، أنا إلى النزل حيث أعددت حقاني استعداداً للسفر ، وهو إلى المنزل الذى أودع فيه مس نيتر . ومنذ ذلك الحين ، أى من أواخر سبتمبر لم أر سلنكتون إلا في منتصف شهر توفير والمرة الأخيرة ، فقد دعيت إلى تناول طعام الافطار عند الفرد بكويت من حى ميدل تميل ، وكان ذلك في صباح أحد الأيام الشديدة البرد ، حيث يكسو الثلج الشوارع وتتصاعد منه الأبخرة فتشيع في الجو شيئاً من الضباب يبعث على الكآبة والوجوم.

كان الداعي يقطن أحد المنازل المنعزلة في أقصى الحى ، وكان سكنه عبارة عن غرفتين يقود إليهما باب يواجه تماماً باباً لغرفتين أخريين يقطنهما سانكتون ، وقد ثبتت على هذا الباب لوحة كتب عليها «جولياس سلنكتون». ( لها بقية )

اشترك في نشرتنا البريدية