الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 120الرجوع إلى "الثقافة"

٢ - المصريون من لهجاتهم

Share

تكلمنا في المقال السابق(1) عن الاختلاف بين المصريين في الحروف وارتباطه بلهجات العرب بوجه عام . وتريد أن تبين هنا الألفاط التي اختلفت فيها القبائل العربية ، وصلة ذلك بما يجري على ألسنة الكثير من المصريين ، حتى نستطيع أن نضيق الدائرة ونلم شعث الموضوع ؛ وذلك هو ما نبغيه ، ونريد أن نصل إليه . فإذا نحن رجعنا إلى بعض كتب اللغة وجدنا أن بني تميم يقولون اسأل ربك الخير ، وأكدت هذا الأمر تأكيدًا ، وأنا أفلي الحمص ، وفلان بريء من فلان وبرئت منك ، ويرجعون الضمير مذكرًا على التمر والبر والشعير والذهب ؛ لكن الحجازيين يقولون سل ربك الخير ووكدت هذا الأمر توكيدًا ، وأنا أفلو الحمص ، وفلان براء من فلان وبرأت

منك ، ويرجعون الضمير مؤنثًا على التمر والبر والشعير والذهب ، بعكس التميميين ؛ ونحن نلحظ أن أكثر المصريين يشبهون بني تميم في جميع ما تقدم ، ولا نكاد نجد منهم من يتبع طريقة الحجازين ، فهم يقولون اسأله عن كذا ولا يقولون سله ؟ وأنا أكدت عليه أن يفعل كذا وبالتأكيد سأفعله ولا يقولون وكدت عليه ولا بالتوكيد ؟ وأنا أفلي الفول والحمص ولا يقولون أنا أفلوه ، وأنا بريء منك وبرئت منك ولا يقولون أنا براء منك وبرأت منك ؛ ويعبرون عن الذهب والتمر والشعير بألفاظ التذكير لا التأنيث ، فيقولون الذهب الذي أملكه والشعير الذي باعه فلان والتمر الذي نأكله ، ولا يقولون الذهب التي أملكها والشعير التي باعها والتمر التي نأكلها . ونجد كذلك أن فريقًا من بني تميم يقولون الحمد لله بكسر الدال ، وعندنا من العامة في الأرياف والقرى كثيرون يكسرون الدال كالتميميين . هذا وإن هناك من المظاهر الأخرى في الألفاظ أو في طريقة الأداء التي تقربنا إلى ما نريد من غاية - فتعين لنا صلة المصريين بقبائل عربية بعينها بعد أن كان الأمر مختلطًا وكادت الصلة تكون مفقودة حلقاتها المهمة - ما نوردها فيما يلي :

١ - بنو تميم لا يفكون المثلين المدغمين في الفعل المضارع المضعف المجزوم ، ولا في أمره ، فيقولون شدَّ وجرَّ وعدَّ وهو لم يشد ولم يعد ولم يجر . أما الحجازيون فإنهم يفكون المدغمين ، فيقولون أشدد ولم يجرر ولم يعدد ؛ وجلي أن المصريين يخالفون الحجازيين في طريقتهم هذه ،

فلا يفكون ، بل يفعلون كما يفعل بنو تميم فيقولون : عدَّ وشدَّ وهكذا .

2 - اللغة العربية المشهورة في المثنى أن يقال في الرفع اثنان ويدان وفيما عداه اثنين ويدين ، وتلك طريقة الحجازيين ؛ غير أن بني تميم وقيس عيلان وأسد من مدركة يميلون الفتحة والألف في حالة الرفع إلى جهة الكسرة والياء ، ويكون النطق مشابهًا لنطق الحرف " د " في مثل النطق الانجليزي " date" فيقولون : اثنين ويدين ، وقد توسع العامة عندنا في هذا ، فجرى المرفوع وغيره على هذا النحو ، ما عدا البلاد التي تتعلق في مصر بالقاف الصريحة ، فإنها تخلص الحركة من غير إمالة فيما ليس بمرفوع ، فيقولون حسنين ويدين كالنطق المشهور سواء بسواء .

3 - الكثرة الغالبة في المصريين تقول فلان مديون ومعيوب ، وهذا ما تجري به طريقة بني تميم ، فلا يحصل إعلال في اللفظ . أما الحجازيون فإنهم يقولون فلان مدين ومعيب بالإعلال بالحذف .

4 - ينطق المصريون العدد من ثلاثة عشر إلى تسعة عشر على طريقتين ، فمنهم من يقول أربعتاشر ، خمستاشر بفتح الشين ، ومنهم من يقول أربعتاشر ، خمستاشر بكسرها ؛ وفتح الشين وكسرها من عشر المركبة مع الثلاثة إلى التسعة لغة بني تميم . أما الحجازيون فهم يسكنون الشين ؛ غير أن حذف العين من عشر أو تسهيلها تسهيلًا يكاد يخفيها إنما هو من عمل العامة لكثرة الاستعمال وثقلها في النطق ، وليس من تخفيف القبائل التي ذكرناها آنفًا .

5 - قبائل تميم وقيس وعامة العرب ما عدا الحجازيين يكسرون حرف المضارعة فيقولون فلان يكتب ونحن نِنجح وأنت تِفتح بكسر الياء والنون والتاء ، وذلك الكسر هو الغالب على نطق المصريين .

٦ - يلاحظ أن نطق كثير من المصريين بكلمة " لا" يكون هكذا  "لأ" بالهمز بدل الألف . وقلب الألف المتطرفة همزة طريقة بني تميم .

٧ - يظهر أن ما يجري في ألسنة بعض العامة في القرى والأرياف وبوادي مصر من قولهم في " لا " " لع " وفي اسأل "اسعل " وفي قرآن " قرعان " بقلب الهمزة عينا إنما هو توسع سرى إليهم من بني تميم وقيس عيلان الذين يقلبون الهمزة الواقعة في أول الكلمة عينا .

٨ - كثير المصريين يسكنون الجيم في قولهم عند تثنية رجل "رجْلين" ويبدو أن هذا التسكين من بقايا بعض بني تميم الذين يسكنون المتحرك تخفيفًا اطرادًا في الثلاثي المتحرك الوسط .

٩ - لغة ربيعة ومضر تزيد بعد كاف الخطاب المؤنثة شينًا في حالة الوقف للفرق بينها وبين المذكر ، سواء أكان قبلها نفي أم لم يكن ، فيقولون رأيتكش وما سمعتكش ، وقد توسع العامة في زيادة الشين فجعلوها عند النفي بعد كاف الخطاب للمذكر ، ثم توسعوا أكثر من ذلك فغلب وقوعها في حالة النفي مطلقًا أو في حالة الاستفهام التقريري ، سواء أكانت هناك كاف أم لم تمكن فيقولون يافلان ما تلعبش وما قابلتكش ، ويا فلانة ما رأيتكش ، وسافرش فلان ؟ وهكذا ونستطيع أن نرجع هذا التوسع إلى أحد عاملين : الأول أن تكون كل شين جاءت بعد نفي أصلها " شيء " على شريطة ألا تكون عقب كاف الخطاب مذكرًا أو مؤنثًا . فجملة ما رأيتش " مثلًا كانت ما رأيت شيئًا ، ثم خففت الهمزة فصارت ما رأيت شيًّا ، ثم ضاعت الحركة الإعرابية مع التنوين بسبب العامية ، فانتهت الكلمة أخيرًا إلى ما رأيتيشي أو ما رأيتش ؛ أما ما كانت الشين فيه عقب كاف الخطاب في النفي مثل ما رأيتكش وما سمعتكش فهذه لا يمكن أن يكون أصلها لفظة شيء ، إذ لا يؤدي المعنى

المقصود من ما سمعتكش قولك ما سمعتك شيئًا إلا بتجوز بعيد وتكلف ظاهر ؛ ولهذا ترجع الشين التي تجيء عقب الكاف إلى توسع العامة في لغة ربيعة ومضر التى قلنا إنها تزيد بعد كاف الخطاب المؤنثة شيئًا للفرق بينها وبين المذكر في حالة الوقف ، وقد زاد هذا التوسع فشمل ما جاء على طريقة الاستفهام التقريري كما تقدم ، مثل قولك سافرش فلان ؟ وقا بلتش أحمد ؟ ونحن إذا قلنا إن هذه لغة ربيعة ومضر فإنما تدخل ضمنًا قبليتي بني تميم قيس عيلان . لأننا إذا نسبنا تميمًا نجدها تنتمي إلى تميم بن مر بن(1) أد بن طابخة بن إلياس بن مضر ، ونجد أن قيسًا تتفرع عن قيس عيلان بن مضر .

تلك تسعة من الأمثلة المختلفة نجد قبيلة بني تميم مشتركة فيها جميعًا ، كما أن بني قيس عيلان مشتركون في بعضها على وجه التحقيق ، وفي أكثرها على وجه التغليب ؛ أضف إلى هذه التسعة المثلين السابقين وهما : " اسأل وأكدت إلخ . . . والحمدِ لله " مضافًا إليها ما سبق لنا أن بناء في الحروف من أن تميمًا وقيسًا وعامة العرب ما عدا القرشيين ينطقون القاف مشابهين القاف الصعيدية الآن ، ومضافًا إليها أيضًا ما يجري على ألسنة بعض المصريين من تحريك ياء المتكلم بحركة الكسر , فيقولون في رجليِّ ويديِّ وليِّ : رجليِّه ويديِّه وليِّه وهكذا ، وهذه الطريقة لبعض بني تميم ، وقد قرئ على طريقتهم قول الله تعالى " بمصرخيِّ " . أما القراءة المشهورة والطريقة المتبعة فهي " بمصرخي " بالفتح ، غير أن الهاء في " رجليِّه " إلخ ، هي هاء السكت اجتلبها العامة أنفسهم ؛ وبهذا تبلغ الأدلة ثلاثة عشر دليلًا نستطيع أن نقول ونحن مطمئنون اعتمادًا عليها : إن الأكثرية في القطر المصري

تتصل ببني تميم أو قيس اتصال نسب أو ولاء أو محالفة . على أن المراجع التاريخية - والحمد لله - لم تكن ضدنا ولم تخطئنا فيما ذهبنا إليه من رأي ؛ فإننا لو بحثنا في تفرق القبائل لوجدنا أن قبائل بني هلال بن عامر بن صعصعة من هوازن من قيس عيلان بن مضر كان لها صعيد مصر كله ؟ كما أن المصادر تذكر لنا أن تميمًا توزعت على بكرة أبيها في الفتوح الإسلامية ، وما دامت قيس عيلان التي تجاورها في المسكن في أرض نجد قد وردت إلى مصر ، وما دامت الظواهر الكثيرة في لهجات أغلب العصرين تتفق إلى حد كبير جدًا مع بني تميم - وذلك الاتفاق أعظم برهان على الصلة - إذاً فكثير من المصريين من بني تميم أو اتصلوا بهم وإذا أردنا أن نكون أدق في حكمنا نقول : إن أغلب المصريين هم من بني مضر الذين سكنوا نجدًا وأكثرية هؤلاء من بني تميم وقيس عيلان . وهناك من المضريين الذين سكنوا نجدًا قبيلة أسد من مدركة من مضر ، وتشترك في قليل من المظاهر التي قدمناها ؟ ولكنا لم نجد من المصادر التاريخية ما يذكر لنا أن بني أسد قد وردوا إلى مصر ، ولم تقل إنهم توزعوا في الفتوح كما توزعت تميم . ومن القبائل المشهورة التي تنتمي إلى مضر قبيلة هذيل ، ولا نجد من مظاهر لهجتها في مصر شيئًا ذا أثر ؛ فهذيل وبعض القبائل تقلب العين الواقعة قبل طاء نونا ، فتقول في أعطى أنطى ، وتقلب الحاء عينًا ، فتقول في حسن " عسن " , وتستعمل " منى " استعمال " مِن " لفظًا ومعنى .

قال شاعرهم :

شربن بماء البحر ثم تيممت

" منى " لجج خضر لهن نئيج

هذا وفي مقالنا الأخير إن شاء الله سنتكلم على القاهريين ومن شابههم لنراهم إلى من ينتمون أو بمن يرتبطون .

اشترك في نشرتنا البريدية