الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 291الرجوع إلى "الثقافة"

٢ - حقوق المرأة

Share

على أنه مضت قرون بعد بابل وروما ، وقرون أخرى بعد الإسلام أسئ فيها إلى المرأة  أكثر مما أساءت . وقد هضمت حقوق المرأة في الغرب ، كما هضمت هذه الحقوق في الشرق ؛ فقد لقيت في الغرب ضروبا من الغين نزلت فيها إلى الموضع الأدنى من درجات المجتمع . كانت المرأة في عصور الإقطاع لازمة من لازمات الإقطاع نفسه ، وكانت العلاقة بينها وبين سيد الإقطاع علاقة مادية محضة . واختلفت دنيا النساء عن دنيا الرجال اختلافا سحيقا ، حتى غدت المرأة إما سيدة سكنت القصر ، او ساحرة سكنت الكوخ ، أو عذراء سكنت الدير . أما حقوق المرأة فقد كانت مضيعة بين سلطة الكنيسة ، وسطة البابا ، وسلطة رب الإقطاع .

كذلك غيرت قرون على الشرق الإسلامي نزلت فيها المرأة إلى المكان الوضيع ؛ لأن الحرب كانت من بين النظم الاجتماعية التى قامت عليها معظم الهيئات الإسلامية ، ولان كثيرا من الشرقيين أحلوا لانفسهم التسري واتخاذ الجواري ، ولأن الترف طغي علي الكثير منهم فمالوا الى اللهو بالمرأة ، ولأن الحياة الفكرية العامة انحطت في بعض الأحيان ، وأغلق باب الاجتهاد . وتشبث الناس ببعض الذرائع الفقهية الواهية ، فأساءوا في استعمال الشريعة ، وافرطوا في تعدد الزوجات والطلاق والتحجب ، وأمنوا بالأوهام والخرافات .

والفرق بين الغرب وبين الشرق في ذلك لم يكن الا فرق وقت فحسب ، فقد بدأت تنجاب هذه الظلمات عن الغرب في مبدأ القرن السادس عشر ، أي حين كانت النهضة الأوروبية في إبانها ، لكنها لم تبدأ تنجاب عن الشرق إلا في القرن التاسع عشر . فلا تصدقن ما يقوله البعض من أن الدين في الشرق هو الذي نزل بالمرأة إلي منزلها هذا ، فقد أسئ إلي الدين في الغرب مثل ما اسي إليه في الشرق ، وقد ظهرت في الغرب نفس السيئات التي ظهرت في الشرق . كان هناك الفسق والفجور ؛ وكان هنا الرق وتعدد الزوجات . كان هناك الانفصال الشرعي الأوهي الأسباب ؛ وكان هنا الطلاق . وكان هناك إهمال شئون المرأة واستعبادها ؛ وكان هنا الحجاب . لكن أوروبا نهضت كما قلنا في القرن السادس عشر وما يليه ، أما نحن فلم ننهض إلا منذ قرن من الزمان . والإختلاف بين نظمنا الاجتماعية ونظمهم واضح إذا قدرنا ثلاثة القرون التي تفصل بين نهضتهم ونهضتنا .

لم تبلغ المرأة الأوربية حقوقها كاملة إلا في اعقاب القرن التاسع عشر . وقد كانت الثورة الفرنسية ، موجهة إلى

المساواة ، لكنها كانت تنصب على المساواة بين الرجل والرجل ، لا علي المساواة بين الرجل والمرأة . وقد بدأت قصة الحياة السياسية في القرن التاسع عشر بمنح الرجل هذه المساواة السياسية . ومازال هذا المبدأ يغزو الحكومات والممالك ، حتى شمل كثيرا من الطبقات ؛ فمنحت الطبقة الوسطى أولا نفس الحقوق التي كانت للطبقة الحاكمة ، ثم منحت بعض الطبقات الدنيا حقوقا اخري ما زالت تمتد وتمتد حتى شملت جميع طبقات المجتمع ما عدا النساء . وهنا فامت بين النساء حركات بلغت في احيان مبلغ الثورة ، كان من أهدافها أن تبلغ المرأة حقوق الرجل ، وان تكون مساوية له في كل شئ : في حقوقه السياسية ، وفي حقوقه المدنية والاقتصادية والاجتماعية

حقا لقد كانت المرأة في أمريكا وأستراليا ونيوزيلندا وغيرها من الممالك الحديثة في حال احسن من حال المرأة في أوروبا من جهة المساواة السياسية . لقد هاجر إلى هذه المالك كثير من الأوروبين ونزلوها مستعمرين . وقد تركت المرأة شئون العمل العنيف للرجل ، لكنها احتفظت بموضع سام من حيث التحضر والتثقف والتعلم .

لذلك كان لها في هذه الأقطار الجديدة شأن لا يقل عن شأن الرجل ، ولذلك استطاعت المرأة في مقاطعة يومنح بأمريكا ان تتساوي والرجل في حق التوظف في سنة ١٨٦٥ . كان هذا شأن المرأة في امريكا ؛ لكن المرأة في فرنسا ظلت في مكانها حتى أوائل القرن العشرين ؛ أما المرأة الإنجليزية فإنها لم تعط حق الانتخاب إلا في سنة ١٩٢٨ . وقد كانت الحركة النسائية في أوروبا عاملة مجاهدة طول القرن التاسع عشر ، لان حقوق المرأة قد انكرت عليها ، ولأن المساواة بينها وبين الرجل كانت حلما من الآحلام يهزأ به رجال السياسة ، ويتخيله بعض الفلاسفة ، ولا يجرؤون على الجهر به .

* وقد ساءت حال المرأة في أوروبا حين أقبل عليها عصر

الانقلاب الصناعي . فقد كانت النساء قبل ذلك بشتغلن في منازلهن الخاصة ، لكن الآلات الجديدة لم تترك لهن فرصة للعمل القليل الذي كان يدر عليهن بعض المال . لذلك تزايلت هذه المهن الضئيلة التي كانت تمارسها النساء . وخرجت صناعات ضخمة لم تكن النساء فيها إلا إماء يستعبدهن صاحب العمل . كان النساء يقضين أوقاتهن في بطن الأرض بجررون عجلات ويمشين على أربع ، وكان بعضهن يقضين ايامهن وليالهن على المناسج والمغازل ويتعرضن لخطر الموت ؛ ثم كن بعد ذلك يستلمن اجورهن الضئيلة فيأخذها الآباء أو الأزواج قسرا ، لأن المرأة المتزوجة ثم تكن تستطيع أن تدعي ملكية شئ قبل قانونية الملكية الذي صدر في سنة ١٨٨٢

مثل هذه الحال كانت جديرة بأن تبعث كثيرا من المفكرين على التفكير في شأن تحرير المرأة . وفي الحق لقد وجد المفكرون السياسيون نواة لحقوق المرأة في القانون الروماني ، بل إن القانون الروماني نفسه كان هو المشكاة التي اهتدى بها المشرعون الغربيون خلال القرون الوسطى وفي عصر النهضة . كانت رجعة إلي القانون الروماني وتنشئة لعنصر الاستقلال عند المرأة ؛ كان كل ذلك هو الأصل في تحرير المرأة ، لكن المرأة لم تنل حقوقها إلا بعد جهاد طويل عنيف .

وقد ارتفع أول صوت لنيل حقوق النساء في سنة ١٧٩٢ حينما كتبت ماري واستونكرافت كتابها " في تبرير حقوق المرأة " . لم يكن للمرأة حين ذاك حق التعلم ولا حق التملك ، ولا حق العمل ، وخرجت ماري واستونكرافت ، وهي زوجة الفيلسوف جودوين ، بكتابها هذا تبشر بكل هذه الحقوق . كانت تعلم أنها تدافع عن نصف مجموع الأمية ، وكانت تريد أن تنتشل النساء من الدرك الذي نزلن إليه ؛ كانت تريد المرأة أن تكون مساوية للرجل في القانون والسياسة والعمل والتربية

والخلق ، بل لقد كانت تريد أن تساويها بالرجل في حقوق الانتخاب ؟ و كانت متحمسة في ذلك كل التحمس ، متطرفة كل التطرف ، لكن البيئة التى استقبلت هذا الكتاب كانت بيئة محافظة سخرت من هذه الاوهام

ثم يمضي قرن على هذا الكتاب وإذا بالفلسفة السياسية في إنجلترا تنقلب من محافظة متزمتة إلى حرة نفعية . بدأ المذهب الديمقراطي يغزو المجتمع الإنجليزي ، فذهب فلاسفة السياسة من أمثال بنتام وجون ستيوارت مل إلى أن لكل فرد من العقل والتمييز ما يسمح له بممارسة حقوق السياسة ، ولم يستثن النساء من هذا الذي . ذهب إليه بنتام وجون ستيوارت مل . بل لقد كتب مل كتابا عن المرأة بحث فيه أسباب تأخرها وأسباب استعباد الرجل لها ، ثم لقد أخرج كتابا في سنة ١٨٦١ عن " الحكومات النيابية " دافع فيه عن حق النساء في الانتخابات والتمثيل النيابي ؛ وهو يري أن المرأة كالرجل تماما في اهتمامها بالحكومة الصالحة ، وأن لكل امرأة الحق في إعطاء صوتها حتى تضمن بذلك الانتفاع مثل هذه الحكومات ؛ بل هو يذهب إلي أنه إذا كان هناك اختلاف بين المرأة والرجل ، فيجب أن تتقدم المرأة الرجل إلى الانتخاب ، حيث إنها هي أضعف الأثنين ، وحيث إنها ينبغي أن تعبر عن رأيها تعبيرا صادقا . ثم إنه يري أن المرأة الإنجليزية كانت قد تقدمت بعض التقدم ، وكانت قد اشتغلت بالتدريس والتمريض ، وأنها لم تصبح كما كانت قبل ذلك عالة على الرجل في كل شئ ، فهي إذن جديرة بأن تأخذ حقها من حيث الانتخابات

على أن هذا الرأي الذي ذهب إليه فيلسوف سياسي مثل جون سنيورات رمل ، لم يكن له كبير اثر . لذلك انتقلت الحركة النسائية في إنجلترا من ايدى الرجال إلي أيدي النساء ، وتألف في سنة ١٩٠٣ اتحاد نسائي تزعمته مسزينكهرست ، وفي سنة ١٩٠٥ تولت الحكم وزارة

الأحرار ، فاتبع النساء وسائل العنف ، لأن الأحرار لم يكونوا أكثر رعاية لمطالبهن من المحافظين ؛ فبدأن فتنة صاخبة ، وتظاهرن في الشوارع ، وحاولن دخول السجون والإضراب عن الطعام فيها . وظلت هذه الحملة يشهرها النساء حتى قامت الحرب الكبرى الاولىى سنة ١٩١٤ ؛ وعند ذلك فقط اعلنت مسز ينكهرست الهدنة ، وخصصت وقتها ووقت النساء في إنجلترا للعمل المجدي . وحينما تقدم الرجال إلي ساحة القتال تقدمت النساء يحملن اعباءهم . وقد عمل النساء في المزارع وفي المصانع ، وفي صنع الذخائر وسياقة السيارات ؛ وقد برهن النساء في كل هذه الأعمال على أنهن جديرات بهذه المساواة التي ظللن يطالبن بها نصف قرن أو يزيد . وفي سنة ١٩١٨ منح النساء فوق الثلاثين حق الانتخاب ، وفي سنة ١٩٢٨ منحت المرأة الإنجليزية حتى الانتخاب المطلق

على أنه ينبغى إلا نقف عند هذه الحقوق السياسية ، بل يجب أن نقدر ما وراء هذه الحقوق من الخطوات الواسعة التي اتخذتها المرأة . فقد اتجه القانون الإنجليزي إلى حفظ حقوق المرأة في علاقاتها الزوجية ؛ فقد اصبح الملرأة المتزوجة الحق في ملكية ما تشاء من العقار بعد أن كان كل ذلك ملكا لزوجها ، وقد منحت هذا الحق بقانون صدر في سنة ١٨٨٢ ؛ ثم كان لها حق رعاية أولادها وحضانتهم ، وقد منحت هذا الحق في سنة ١٨٨٦ واتسع حقها في هذا الشأن سنة ١٩٢٥ . اما من حيث التوظف فقد فتحت لها أبواب الوظائف العامة واستوات النساء على كثير من المراكز في وزارات الصحة والتربية والبريد . وحينما تألفت مكاتب عصبة الامم في سنة ١٩١٩ فتحت وظائفها المرأة والرجل على السواء . وفي سنة ١٩١٩ أيضا ظهر قانون إنجليزى يسوي بين المرأة وبين الرجل في الوظائف العامة وكذلك خرجت

المرأة الإنجليزية من العشرين سنة الأولى من القرن العشرين وقد كسبت كل الحقوق التي فكرت فيها ماري واستونكرافت وجون ستيوارت مل . وقد اصبح الآن في مجلس النواب الإنجليزي اربع عشرة عضوة من النساء . وأصبح للمرأة في كل العالم المتمدن هذا المركز الذي افاد الدول المحارية في وقت الحرب ، كما أفادها في وقت السلم ،

هذه خلاصة لقصة حقوق المرأة ، وهي قصة كما ترى ذات سياق واحد . وكان الأمر في امريكا والبلاد الإسكندينارية أسرع من ذلك بكثير ؛ وكان الامر في فرنسا أبطأ من ذلك بقليل . لكن هذه الموجة التي شملت أنحاء العالم المتمدن كان لا بد لها أن تصل إلي الشرق الأدنى . وكان عند الأمم المسلمة تلك الشريعة السمحة التي ضمت في أصولها كثيرا من حقوق المرأة وكان لا بد لهذه الأمم المسلمة أن ترجع إلي هذه الأصول : لذلك قام فقهاء في الهند مثل سيد امير على ، وقام فقهاء في مصر مثل الشيخ محمد عبده ، يشرحون حقوق المرأة في الإسلام . وإذا كان قاسم أمين قد تشبع بفكرة محرير المرأة ، فانما كان ذلك لأنه عاش في فرنسا ودرس الحياة الفرنسية عن كتب ، ورأي ما منحه النساء هنالك . وما كان يطالب به النساء ؛ ثم إنه درس حياة المرأة الإنجليزية وحياة أختها الأمريكية ، ثم لم يجد بعد ذلك أن الدين الإسلامي يحول دون كسبها بعض هذه الحقوق .

المنسورة

اشترك في نشرتنا البريدية