الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 157الرجوع إلى "الرسالة"

٣ - سعيد بن المسيب

Share

تزويجه ابنته

قال يحيى بن سعيد: كان لسعيد بن المسيب جليس يقال له  عبد الله بن أبى وداعة، فأبطأ عنه أياماً، فسأل عنه فقيل له:  إن سعيد بن المسيب سأل عنك، فأتاه وسلم عليه، ثم جلس.  فقال له سعيد: أين كانت غيبتك يا أبا محمد؟ فقال: إن أهلى  كانت مريضة فمرضتها ثم ماتت فدفنتها. فقال يا عبد الله، أفلا  أعلمتنا بمرضها فنعودها، أو بموتها فنشهد جنازتها؟ ثم عزّاه  عنها ودعا له ولها، ثم قال: يا عبد الله، تزوج ولا تلق الله وأنت  عزب(1) . فقال: يرحمك الله! من يزوجنى؟ فوالله ما أملك  غير أربعة دراهم(2). فقال: سبحان الله! أو ليس فى أربعة  دراهم ما يستعف به الرجل المسلم؟ يا عبد الله! أنا أزوجك  ابنتى إن رضيت. قال عبد الله: فسكت استحياء منه وإعظاماً  لمكانه. فقال مالك سكت؟ ألعلك سخطت ما عرضنا عليك؟  قال: يرحمك الله! وأين المذهب عنك؟ فوالله إنى لأعلم أنك  لو شئت زوجتها بأربعة آلاف وأربعة آلاف(3)، قال: قم  يا عبد الله فادع لى نفراً من الأنصار، فقمت فدعوت له حلقة  من بعض حلق الأنصار، فأشهدهم على النكاح بأربعة دراهم،  ثم انقلبنا، فلما صلينا العشاء الآخرة وصرت إلى منزلى (4)،

إذا برجل يقرع الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: سعيد.  فوالله خطر ببالى كل سعيد بالمدينة غير سعيد بن المسيب؛ وذلك  انه ما رؤى قط خارجاً من داره إلا إلى جنازة أو إلى المسجد.  فقلت مَن سعيد؟ قال: سعيد بن المسيب. فارتعدت فرائضى،  وقلت: لعل الشيخ ندم فجاء يستقيلنى، فخرجت إليه أجر رجلى وفتحت الباب فإذا بشابة ملتفة بساج، ودواب عليها مذابح؛  وخادم بيضاء؛ فسلم على (1) ثم قال لى: يا عبد الله هذه زوجتك. فقلت  مستحيياً منه: يرحمك الله! كنت أحب أن يتأخر ذلك أياماً.  فقال لى: لمَه؟ أولست أخبرتنى أن عندك أربعة دراهم؟ قلت:  هو كما ذكرت، ولكن كنت أحب أن يتأخر ذلك. قال: إنها  إذن عليك لغير ميمونة، وما كان الله ليسألنى عن عزبتك الليلة  وعندى لك أهل. هذه زوجتك، وهذا متاعكم، وهذه خادم  تخدمكم معها ألف درهم نفقة لكم، فخذها يا عبد الله أمانة لك،  فوالله إنك لتأخذها صوامة قوامة، عارفة بكتاب الله وسنة رسول  الله صلى الله عليه وسلم، فاتق الله فيها، ولا يمنعك مكانها منى إن  رأيت منها ما تكره أن تحسن أدبها. ثم سلمها إلى ومضى (2) . قال: فوالله ما رأيت امرأة قط أقرأ لكتاب الله تعالى، ولا  أعرف بسنة رسول الله صلى عليه وسلم، ولا أخوف لله عز وجل  منها. لقد كانت المسألة المعضلة تعي الفقهاء فأسألها عنها فأجد  فأجد عندها منها علماً

وروى(3) أنها لما تزوجت، وبكر زوجها خارجاً سألته:  أين يذهب؟ فقال لها إلى حلقة أبيك سعيد. قالت له:

اجلس أعلمك علم سعيد!

تقشفه وعبادته

قال ميمون بن مهران: بلغني أن سعيد بن المسيب عمّر أربعين سنة، لم يأت المسجد فيجد أهله قد استقبلوه خارجين  منه قد قضوا صلاتهم

وقال ابن حرملة: اشتكى سعيد عينه، فقالوا له: لو خرجت  يا أبا محمد إلى العقيق فنظرت إلى الخضرة (1) لوجدت ذلك خفة،  قال: كيف أصنع بشهود العتمة والصبح؟!

وقال عمران: قال سعيد: ما أظلنى بيت بالمدينة بعد منزلى،  إلا أنى آتى ابنة لى فأسلم عليها أحياناً،  (قال) : وكان سعيد  يكثر الاختلاف إلى السوق

وقال محمد بن سعيد: كان سعيد بن المسيب أيام الحرة (2) فى المسجد لم يبايع ولم يبرح، وكان يصلى معهم الجمعة، ويخرج  إلى العيد، وكان الناس يقتتلون وينتهبون وهو في المسجد  لا يبرح إلى الليل. قال: فكنت إذا حانت الصلاة أسمع أذاناً  يخرج من قبل القبر حتى أمن الناس، وما رأيت خيراً  من الجماعة (3)

وقال ابن حرملة: قلت لمبرد مولى ابن المسيب: ما صلاة  ابن المسيب؟ فأما صلاته فقد عرفناها. فقال: والله ما أدرى،  إنه ليصلى صلاة كثيرة، إلا أنه يقرأ بـ   "ص والقرآن ذى الذكر"

وقال عطاء: إن سعيد بن المسيب كان إذا دخل المسجد يوم  الجمعة لم يتكلم كلاماً حتى يفرغ من صلاته، وينصرف الأمام،  ثم يصلى ركعات، ثم يقبل على جلسائه ويُسأل

وقال عاصم بن العباس: كان سعيد بن المسيب يذكّر ويخوف

وقال: سمعت سعيد بن المسيب يقرأ القرآن بالليل  على راحلته فيكثر

وقال: سمعت سعيد بن المسيب يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم

وقال عمران : كان فى رمضان يؤتى بالأشربة فى مسجد  النبي صلى الله عليه وسلم فليس أحد يطمع أن يأتي سعيد بن المسيب  بشرابه  فيشربه، فان أتى من منزله بشراب شربه، وان لم يؤت  من منزله بشىء لم يشرب شيئاً حتى ينصرف

وقال عبد الله بن يزيد الهذلى : إنه كان يصوم بالدهر ويفطر  أيام التشريق بالمدينة. وكان يقول لنفسه إذا دخل الليل، قومى  يا مأوى كل شر، والله لأدعنّك ترجفي رجف البعير، فكان  يصبح وقدماه منتفختان، فيقول لنفسه: بذا أمرت ولذا خلقت

وكان يقول: ما فاتتنى فريضة فى جماعة منذ أربعين سنة،  وما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا فى المسجد. وصلى الصبح  بوضوء العشاء خمسين سنة. وكان يقول: ما فاتتنى تكبيرة  الاحرام منذ خمسين سنة

وقال عبد الرحمن بن حرملة: سمعت سعيداً يقول: حججت  أربعين حجة

وقال سعيد ما دخل على وقت صلاة إلا وقد أخذت أهبتها  ولا دخل على قضاء فرض إلا وأنا إليه مشتاق

وكان يقول وقد أتت عليه أربع وثمانون سنة: ما شىء  أخوف عندى من النساء. فقالوا يا أبا محمد، إن مثلك لا يريد  النساء ولا تريده النساء قال: هو ما أقول لكم

هيبته

قال عبد الرحمن بن حرملة: ما كان إنسان يجترئ عل سعيد  ابن المسيب يسأله عن شىء حتى يستأذنه كما يستأذن الأمير

وقد ذكرنا أن الحرس، عند دخول الوليد المسجد،  أخرجوا جميع من في المسجد وبقى سعيد لم يجترئ أحد منهم  أن يخرجه

سماعه الشعر

قال: ابن أبي ربيعة أشعر فى الغزل، وابن قيس أكثر  أفانين شعر

وقال عاصم: كان يحب أن يسمع الشعر ولا ينشده

وقال الأصمعى: قيل لسعيد بن المسيب: هاهنا قوم نسّاك

يعيبون انشاد الشعر قال: نسكوا نسكا أعجمياً

وروى صاحب الأغاني عن إبراهيم بن محمد بن عباس المطلبى  أنه قال:

مر سعيد بن المسيب فى بعض أزقة مكة فسمع الأخضر  الحربى يتغنى في دار العاص بن وائل:

تضوع مسكا بطن نعمان إذا مشت   به زينب فى نسوة خفرات

فضرب برجله وقال: هذا والله مما يلذ استماعه، ثم قال:

وليست كأخرى أوسعت جيب درعها

وأبدت بنان الكف للجمرات

وعلت بنان المسك وحفاً مرجلاً   على مثل بدر لاح فى الظلمات

وقامت تراءى يوم جمع فأفتنت   برؤيتها من راح من عرفات

قال: فكانوا يروون أن هذا الشعر لسعيد بن المسيب (1)

(البقية فى العدد القادم)

اشترك في نشرتنا البريدية