الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 776الرجوع إلى "الرسالة"

٣ - عبد الله بن سبأ

Share

رأيت أن أقدم رواية وردت إلينا عن   (عبد الله بن سبأ)   هي رواية تعود إلى القرن الثالث للهجرة. وهي أقدم من رواية  الطبري، والطبري أول من تعرض   (لابن سبأ)  في  تفصيل واطناب بالنسبة لحوادث الفتنة. وقد تعرض (أبو محمد  الحسن بن موسى النوبختي وهو من رجال القرن الثالث للهجرة  ومن رجال الشيعة لعبد الله بن سبأ في معرض كلامه عن فرق  الشيعة؛ وهي رواية مهمة لأنها تمثل رأي الشيعة في هذا  الرجل، وما قالوه فيه. وأنت إذا ما قرأت ما كتبه النوبختي عن    (السبأية)  تيقن من أن بعض علماء الكلام قد نقلوا عنه.

قال النوبختي: (السبأية أصحاب عبد الله بن سبأ، وكان ممن  أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم،  وقال إن علياً عليه السلام أمره بذلك. فأخذه عليّ فسأله عن قوله  هذا فأقر به، فأمر بقتله. فصاح الناس إليه: يا أمير المؤمنين  أتقتل رجل يدعوا إلى حبكم أهل البيت وإلى ولايتك والبراءة من  أعدائك؟ فصيره إلى المدائن. وحكى جماعة من أهل العلم من  أصحاب عليّ عليه السلام، أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم  ووالي علياً عليه السلام؛ وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع  ابن نون بعد موسى عليه السلام بهذه المقالة؛ فقال في إسلامه بعد  وفاة النبي صلى الله عليه وآله في عليّ عليه السلام بمثل ذلك. وهو  أول من شهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام وأظهر البراءة  من أعدائه وكاشف مخالفيه.

فمن هنا قال المخالفون إن أصل الرفض مأخوذ من  اليهودية. ولما بلغ عبد الله بن سبأ نعي علي بالمدائن قال للذي نعاه:  كذبت! لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة، وأقمت على قتله سبعين  عدلا، لعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل؛ ولا يموت حتى يملك الأرض. والنوبختي من المعاصرين لابن قتيبة الدينوري صاحب  كتاب المعارف(المتوفي سنة ٢٧٦ للهجرة)  وللطبري   (المتوفي  سنة ٣١٠ للهجرة)  ولابن عبد ربه   (المتوفي سنة ٣٢٨ للهجرة) . ولعالم شيعي آخر ذكر   (ابن سبأ)  بعبارة تكاد تكون عبارة  النوبختي بعينها وهذا الرجل هو   (أبو عمر ومحمد بن عمر  بن عبد العزيز الكشي)  صاحب كتاب   (معرفة أخبار الرجال) وقد عاش في بغداد وكانت داره من الدور المقصودة، وملتقى  طلاب العلم. ولابد لنا من ذكر عبارة الكشي عن     (عبد الله  ابن سبأ)   لنتمكن من تكوين فكرة عنه وعما ورد فيه

وقد أخذ الكشي روايته هذه - على ما يقوله - عن ابن  قولويه عن سعد بن عبد الله بن أبي خلف القميّ عن محمد بن عثمان  العبدي عن يونس بنعبد الرحمن عن عبد الله بن سنان عن أبيه،  وتنتهي هذه السلسلة بالإمام جعفر الصادق المتوفي سنة ١٤٨  للهجرة. والمعاصر للخليفة العباسي المنصور.

جاء في كتاب معرفة أخبار الرجال أن الإمام قال   (إن  عبد الله بن سبأ كان يدعي النبوة ويزعم أن أمير المؤمنين عليه  السلام فدعاه وسأله فأقر بذلك وقال نعم أنت هو، وقد كان ألقى  في روعي أنك أنت الله وأني نبي. فقال له أمير المؤمنين عليه السلام:  ويلك! قد سخر منك الشيطان فارجع عن هذا ثكلتك أمك وتب  فأبى فحبسه واستتابه ثلاثة أيام فلم يتب، فأحرقه بالنار وقال إن  الشيطان استهواه فكان يأتيه ويلقي في روعه ذلك) .

وذكر رواية أخرى هي أن الإمام جعفر الصادق ذكر  عبد الله بن سبأ فقال   (لعن الله عبد الله بن سبأ! إنه ادعى الربوبية  في أمير المؤمنين عليه السلام، وكان والله أمير المؤمنين عليه السلام  عبداً لله طائعاً. الويل لمن كذب علينا؛ وأن قوماً يقولون فينا  ما لا نقوله في أنفسنا نبرأ إلى الله منهم؛ نبراً إلى الله منهم) . إلى أن قال   (ذكر بعض أهل العلم أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً  فأسلم ووالى علياً عليه السلام، وكان يقول وهو على يهوديته في

يوشع بن نون وصي موسى بالغلو فقال بعد إسلامه، بعد وفاة  رسول الله صلى الله عليه وآله في عليّ عليه السلام مثل ذلك. وكان  أول من أشهر القول بفرض إمامة علي، وأظهر البراءة من  أعدائه وكاشف مخالفيه وكفرهم، فمن ههنا قال من خالف  الشيعة أصل التشيع والرفض مأخوذ من اليهودية) . والعبارة الأخيرة هي نفس العبارة التي ذكرها النوبختي في  كتابه   (فرق الشيعة)  عن عبد الله بن سبأ، وحيت أن  الشخصين كانا متعاصرين، فمن الجائز ان يكون قد نقل أحدهما  عن الآخر، غير أن مقدمة خبر كل واحد منهما عن     (عبد الله  ابن سبأ)   وعن السبائية تدل على أنهما معا من مصدر  آخر لعله أقدم من مصدرهما. والظاهر أنهما أخذاه عن كتاب  لا رواية لأن الكشي يسلك سبيل الأخباريين والرواة فيذكر عادة في كل رواية سلسلة الرواية، ولم يفعل ذلك في هذه العبارة  التي يظهر أنها كانت عبارة كتاب آخر وأنهما نقلاها نقلا يكاد يكون حرفياً من   (ذكر بعض أهل العلم)  إلى آخر هذه الفقرة.  ولعلهما نقلا ذلك عن كتاب آخر يعود إلى سعد بن عبد الله  الأشعري القميّ المتوفي سنة ٢٩٩ أو ٣٠١ للهجرة، وهو عالم له  مصنف في هذا الموضوع.

ومما يستحق الملاحظة كذلك أن النوبختي كان قد ذكر  في آخر خبره عن السبأية أن عبد الله بن سبأ لما بلغه خبر مقتل  الإمام عليّ وهو بالمدائن   (قال للذي نعاه: كذبت لو جئتنا  بدماغه في سبعين صرة وأقمت على قتله سبعين عدلا، لعلمنا أنه  لم يمت، ولم يقتل، ولا يموت حتى يملك الأرض) . وهذه العبارة قريبة في المعنى من العبارة التي ذكرها الجاحظ  في كتابه   (البيان والتبيان)  والتي نسبت إلى جرير بن قيس،  ولعلهما أخذا من منبع واحد واستعمل كل واحد منهما العبارة  التي اختارها لهذا المعنى.

وتجد في كتاب   (الفرق بين الفرق)  لعبد القاهر  ابن طاهر البغدادي المتوفي سنة ٤٢٩ للهجرة ذكراً   (لعبد الله  ابن سبأ)  في معرض حديثه عن الفرق ومنهما فرقة     (السبأية)  

اتباع عبد الله بن سبأ وقد سماهم     (السبأية)   وقد عرفت هذه  التسمية بهذه الصورة في كتب أخرى. وقد نقل عنه  (أبو المظفر عماد الدين شاهفور طاهر بن محمد الاسفرائيني المتوفي  سنة ٤٧١ للهجرة. نقل عنه نقلا يكاد يكون بالحرف.  لذلك يكرر ما ذكره البغدادي في هذا الباب. واختص  عبد الرزاق بن رزق الله بن أبي بكر بن خلف الرسغي من رجال  القرن السابع للهجرة كتاب البغدادي وأدخل ما ذكرة  البغدادي في كتابه.

ويعد كتاب   (الملل والنحل)  للشهرستاني المتوفي سنة  ٥٤٨ من أهم المراجع التي تعرضت لبحث   (عبد الله بن سبأ)   وأتباعه   (السبائية)  وقد اعتمد عليه جماعة من العلماء منهم  الإيجي المتوفي سنة ٧٥٦ للهجرة وعلى الأخص المقريزي  المتوفي سنة ٨٤٥ للهجرة. الذي نقل عنه نقلا حرفياً؛ ثم  المؤرخ الشهير ابن خلدون المتوفي سنة ٨٠٨ للهجرة.  والجرجاني المتوفي سنة ٨١٦ للهجرة صاحب   (شرح المواقف) . ونضيف إلى هذه المراجع ما ذكره ابن حزم الظاهري  المتوفي سنة ٤٥٦ للهجرة في كتابه   (الفصل في الملل والأهواء  والنحل)  وقد دعاهم   (السبابية) . وما كتبه أصحاب  الكتب الأخرى.

اشترك في نشرتنا البريدية