الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 80الرجوع إلى "الرسالة"

-٨ محاورات افلاطون، الحوار الثانى، كريتون أو واجب المواطن

Share

أشخاص الحوار : سقراط . كريتون مكان الحوار : سجن سقراط

سقراط - وستقول القوانين بعدئذ:   (اعلم يا سقراط،  إن صح هذا، أنك بهذه المحاولة إنما تسيء الينا، لأننا بعد إذ  أتينا بك الى الدنيا، وأطمعناك وأنشأناك وأعطيناك كما أعطينا  سائر أبنا الوطن قسطا من الخير، ما استطعنا للخير عطاء،  فقد أعلنا فوق ذلك على رءؤس الأشهاد أن من حق كل اثنيني  أن يرحل الى حيث شاء حاملا متاعه معه، إذا هو نفر منا بعد  أن تقدمت به السن فعرفنا حق المعرفة وعرف على أي الأسس  تسير المدينة، وليس فينا نحن القوانين ما يحول دونه أو يتدخل  معه في أمره، فلكل منكم إذا ما كرهنا وكره المدينة، وأراد  الرحيل الى إحدى المستعمرات أو الى أية مدينة أخرى، أن

وذهب حيث شاء , وان ينقل متاعه معه اما ذلك الذى عمر كنا فعرف كيف تقيم العدل وكيف ندير الدولة ، ثم رضي بعد ذلك المقام بينتا , فهو بذلك قد تعاقد ضمنا على أنه لابد فاعل ما محن فآمرون . فمن عصانا , ونحن مانحن , فقد أخطأ مرات ثلاثا : الأولى أنه عصى والديه بعصيانه إيمانا ،. والثانية أننا نحن الذين وسمناله طريق نشأته , والثالثة أنه قطع معنا على نفسه عهدا أنه سيطيع أوامرنا , فلا هو أطاعها , ولا هو أقنعنا بأنها خاطئة , ونحن لا نفرضها عليه فرصا غشومآ , ولكنا بخير ه , فلما طاعتنا وإما إقناعنا . هذا ما قدمناه إليه , وهذا ما رفضه جميعا . تلك هى صنوف المآخذ التى ستقيم من نفسك هدفا لها ياسقراط إذا أنت أنجزت عز بمتك , كما سبق لنا بذلك القول . ولا سيما أنت دون الآثينيين جميعا " وهب أنى سألت ولم هذا ؟ فستجيب حقا بأننى قد سلمت مهذا الاتفاق دون سائر الناس . تقول

القوانين " إن تمت ابرهانا ساطعا يا سقراط , بآننا والمدينة معنا لم نكن لنعكر عليك صفو العيش , فقد كنت ادوم الآتينيين جميعا مقاما فى المدينة : لم تعادرها قط ، حتى ليجوز لنا الفرض بآنك كنت بحبها ؛ إنك لم تغادرها مطلقا لتشيد الالعاب , اللهم إلا مرة واحدة حين ذهبت لترى البرزخ (١)، ولم تفصل عنها لتقصد إلى أي مكان آخر , إلا إذا كنت فى خدمةالجيش , ولم تسافر كما يسافر الناس , ولم يدفعك حبالاستطلاع إلى رؤية الدول الاخرى

بحبك لم يتجاوز به حدود دولتنا , فكنا مح. اصفياءك المخلصين , وقد رصدت بحكمنا إياك . ان هذه مي الدولة التى أعقبت فيها أبناءك , وإن ذلك لينهض دليلا على هناك . هذا وقد كنت تستطيع لو أردت أن تقرر عقوبة النفى اثناء المحاكمة - وإن كان الآن تمت دولة تغلق دونك أبوابها فقد كانت حينئذ تسمح بذهابك إليها , ولكنك ادعيت انك تؤثر

الموت على النفي، وأنك لم تبتئس من لموت. ولكن هأنت ذا  الآن قد أنسيت تلك العواطف الجميلة، وترفض أن تحترمنا -  نحن القوانين، التي أنت هادمها، وإنك الآن لتفعل ما لا يفعله إلا  العبد الخسيس، فتولي أدبارك هارباً من العقود والعهود التي  قطعتها على نفسك باعتبارك واحداً من أبناء الوطن؛ فأجب  لنا أولاً عن هذا السؤال: أنحن صادقون في القول بأنك اتفقت  على أن تُحكم وفقاً لنا، بالفعل لا بالقول فقط؟ أهذا حق أم  كذب؟ بماذا نجيب عن ذلك يا كريتون، ألسنا مضطرين إلى  التسليم؟

كريتون - ليس عن ذلك منصرف يا سقراط

سقراط - أفلن تقول القوانين إذن: (إنك يا سقرط ناقض  للمواثيق والعهود التي أخذتها معنا على نفس اختياراً، فما  كنت في أخذها عجلان ولا مجبراً ولا مخدوعاً، ولكنك لبثت  سبعين عاماً تفكر فيها، وكنت خللها تستطيع أن تغادر المدينة  إن كنا لم نصادف من نفسك قبولاً، أو كنت قد رأيت فيما  اتفقنا عليه احجافاً بك. كنت في ذك مخيراً، وكان في مقدورك  أن ترحل إما إلى لا قيديمون أو إلى كريت اللتين كثيراً  ما امتدحتهما لحسن حكومتيها، أو ترحل إلى أية دولة أجنية  

يونانية أخرى. ولكنك كنت تبدو أكثر من سائر الأثينيين  جميعاً، شغوفاً بالدولة، أو بعبارة أخرى، بنا - أي بقوانينها    (إذ من ذا الذي يحب دولة لا قوانين لها)  فلم تتزحزح عنها قط،  ولم يكن العُمى، والعُرج، والمقعدون، بأكثر منك قبوعاً  بها؛ وهأنت ذا الآن تفر ناقضاً ما قطعته من عهود. ما هكذا  يا سقراط إن أردت بنا انتصاحاً، لا تضع نفسك بهروبك من  المدينة موضع الشخرية

(وحسبك أن ترى أي خير تقدمه لنفسك أو لأصدقائك،  ان أنت اعتديت أو أخطأت على هذا الوجه؟ أما أصدقاؤك  فالأرجح أن يشردوا نفياً، وأن يسبو حق انتسابهم للوطن  أو أن يفقدوا أملاكهم. أما عن نفسك أنت، فلو تسللت إلى  إحدى المدن المجاورة، إلى طيبة أو ميفاراً مثلاً، وهما مدينتان تسيطر  عليهما حكومة حازمة، فستدخلهما عدواً يا سقراط وستناصبك  حكومتناهما العداء، وسينظر اليك أبناؤهما الوطنيون بعين ملؤها  الشر لأنك هادم للقوانين، وسيقر في عقول القضاة أنهم كانوا  في إذانتهم إياك عدولاً. فأغلب الظن أن يكون مفسد القوانين  مفسداً للشبان، وأن يكون بلاء ينزل بالغفلة على بني الانسان.

فلم يبق لديك إلا أن تفر من هذه المدن المنظمة ومن ذوي الفضل  من الرجال، ولكن أيكون الوجود حقيقياً بالبقاء على هذه الحال؟ أم أنك ستغثى هؤلاء الناس في صفاقة يا سقراط لتتحدث اليهم؟ وماذا أنت قائل لهم؟ أفتقول ما تقوله هنا من أن الفضيلة والعدالة  والتقاليد والقوانين أنفس ما أنعم به على الناس؟ أيكون ذلك  منك جميلاً؟ كلا ولا ريب. أما إن فررت من الدول ذوات  الحكم الحازم، الى تساليا حيث أصدقاء كريتون، وحيت  الاباحية والفوضى، فسيجدون متعاً في قصة عروبك من

السجن، مضافاً اليها ما يبعث على الشخرية من التفصيل عن  كيفية تنكرك في جلد عنزة أو ما عداه من أسباب التنكير،  وعما بذلته من ملامحك كما جرت بذل عادة الآيقين - ليس ذلك  كله ببعيد، ولن ألن تجد هناك من يذكرك بأنك وأنت  هذا الشيخ الكهل، قد نقضت أشد القوانين تقديساً، من  أجل رغبة حقيرة في إستزادة الحياة زيادى ضئيلة؟ قد لا تجد إذا  استرضيتهم، ولكن لا تلبث أن تثور منهم سورة الغضب،  حتى يصكوا مسمعيك با يجللك عاراً. إنك ستعيش، ولكن

كيف؟ - متملقاً للناس جميعاً وخادماً للناس جميعاً. وماذا أنت  صانع؟ - ستأكل في تساليا وتشرب، لأنك قد غادرت البلاد  لكي تصيب في الغربة طعاماً لغذاءك، وأين ترى ستكون تلك  العواطف الجميلة التي تبدلها حول العدل والفضيلة؟ قل إنك  راغب في الحياة من أجل أبنائك لتتعهدهم تربية وإنشاء -

ولكن أأنت مصطحبهم الى تساليا، فتقضي عليهم بذلك ألا  يكونوا أبنء الوطن الأثيني؟ أذاك ما سمنحهم إياه من نفع؟  أم أنت تاركهم واثقاً بأنهم سبكونون أحسن رعابة وتربية مادمت  أنت حياً، حتى ولو كنت غائباً عنهم، إذ يعني بهم أصدقاؤك؟  هل تخيل لنفسك أنهم سيعنون بهم ما أقمت في تساليا، أما إن صرت  من أهل العالم الآخر، فلن يعنوابهم؟ كلا، فان كان من يسمون  أنفسهم أصدقاء، أصدقاءك حقاً، فانهم لاشك معينون بأبنائك

(اضغ إلينا إذن يا سقرا، نحن الذين أنشأناك. لا تفكر  في الحياة والأبناء اولاً، وفي العدل آخراً، بل فكر في العدل  أولاً، وارج أن تصيب البراءة عند ولاة العالم الأسفل. فان  فعلت ما يأمرك به كريتون، فلن تكون أنت ولا من يتعلق  بك كائناً من كان، أسعد أو أقدس أو أعدل في هذا الحياة  ولا في أية حياة أخرى , فأرحل الآن بريئاً، مجاهداً لا فاعلاً  للرذيلة، ضحية الناس لا ضحية القوانين. أما إن صممت أن ترد

الشر بالشر والضر بالضر، ناقضاً ما قطعته أمامنا على نفسك من  عهود ومواثيق، مسيئاً إلى أولئك الذين ينبغي ألا يمسهم من  إساءتك إلا أقلها، أعني نفسك، وأصدقائك، ووطنط، ونحن،  فسننقم عليك ما دمت حياً، وستستقبك قوانين العالم الأسفل،  وهي إخوتنا، عدواً، لأنها ستعلم أنك لم تدخر وسعاً في هدمنا.  اصغ إذن إلينا، لا إلى كريتون)

هذا هو الصوت الذي كانفى له بهمس فى مسمى , كما تفعل فغمات القيثارة فى أذان التصوف . أقول إن هذا هو الصوت الذى يدوى فى اذنى , فيممعنى من ان استمع الى اي صوت سواه وإني لأعلم أن كل ما قد تقوله بعد هذا سيذهب أدراج الرياح ،

ومع هذا , تكلم إن كان لديك ما تقوله

كريتون - ليس لدي ما أقوله يا سقراط سقراط - ذرني إذن أتبع ما تةحي به إلى إرادة الله

انتهى الحوار الثاني، وسننشر الحوار الثالث ابتداء من العدد الآتي.

اشترك في نشرتنا البريدية