الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 65الرجوع إلى "الرسالة"

1- خالد بن الوليد *، في حروب الردة

Share

(لقد شهدت مائة زحف أو زهاءها وما في بدني  شبر إلا وفيه ضربة أو طعنة، وهأنذا أموت على فراشي  كما يموت البعير! فلا نامت أعين الجبناء)                                     خالد بن الوليد

يعد خالد بن الوليد من اكبر قادة العرب في عهد الفتوح  الأولى، وهو بلا منازع من أفذاذ الرجال الذين حالفهم النصر  وأيدهم الظفر في المعامع والحروب بلا استثناء.

ولم يذكر قط له التاريخ وقعة خسر فيها المعركة وهو قائدها،  حتى في معركة موته التي وقعت في السنة الثانية للهجرة في شرقي  الأردن بين الطفيلة والكرك، أنقذ خالد المسلمين ببطولته وإقدامه،  برغم تفوق الأعداء الأكيد وموت الذين تولوا القيادة على التعاقب  عملا بوصايا الرسول.

وفي غزوة أُحد كان خالد يقود خيالة قريش فبقى في الميمنة  يشاغل ربيئة المسلمين الموفدة لحماية الميسرة بالهجوم عليها من حين  إلى آخر، ويراقب سير القتال بين المسلمين وقريش إلى أن رأى  ربيئة المسلمين تركت موقعها وسارعت للاشتراك في الغنيمة.  فهجم بخيالته ملتفا وراء المسلمين وقاطعا عليهم خط الرجعة،  فقلب نصر المسلمين إلى انكسار انتهى إلى انهزام المسلمين  وجرح الرسول.

قلنا من الوقائع التي اشترك فيها خالد بن الوليد في عهد  إشراكه وإسلامه أن تلك الوقائع جميعا انتهت إلى النصر المبين. ومما لا شك فيه أن خالدا من اقدر قواد العرب على القيادة.

فجدير بالضباط أن يدرسوا حركاته إن في حروب الردة أو في فتح

العراق أو فتح سوريه. ومن الواضح انهم سيطلعون على الأسس  القويمة التي كان يسير عليها ويرون فيها تنفيذ مبادئ الحرب التي  لا تزال مرعيه حتى يومنا هذا.

ولقد قال خالد قبل وفاته انه شهد مائه زحف أو زهاءها، وما  في بدنه موضع شبر إلا وفيه ضربة أو طعنة. ولا نبالغ إذا قلنا  إنه خرج من تلك الزحوف بأجمعها غالبا منصورا.

١ - مصادر البحث:

من العسير جدا البحث في أخبار الفتوح الأولى بحثا يمكننا  من الاطلاع على الخطط العسكرية والأسباب التي أدت إلى وضعها  والنتائج التي أسفرت عنها الحركات. ذلك لان القصاصين أو  مدوني السير والمغازي أو مؤرخي الفتوح ليسوا من أبناء الجيل  الفاتح، فقد دونوا الأخبار بالسماع أو نقلاً بالإسناد. وقد نراهم غير  متفقين في تدوينهم الأخبار على التاريخ والمكان اللذين وقعت  فيهما المعركة، ولا على مقدار القوة التي اشتركت فيها، ومن المعارك  ما لم يتفق المؤرخون على زمن وقوعها. والحقيقة أن التاريخ  العسكري يثبت المعارك التي جرت قبل الميلاد بمقدماتها ونتائجها  وتفاصيلها، وقد يستخرج منها الباحث الأسس الحربية دون عناء.

فالمعارك التي نشبت بين الجيش المكدوني بقيادة الاسكندر  والجيش الفارسي في نهاية القرن الرابع قبل الميلاد تم تدوينها  بصورة أقرب إلى الصحة من الوقائع التي نحن بصددها.

أما المعارك التي جرت بين الجيوش الرومانية وجيوش  الأقوام المهاجرة، والقتال الذي نشب بين القياصرة والقواد المطالبين  بالعرش، فأخبارها مفصلة في كتب التاريخ إلى حد أن الباحث  فيها لا يرى مشقة في استقصاء الحوادث.

فمعركة (كانية) التي نشبت سنة ٢١٦ قبل الميلاد بين الجيش  القرطاجي بقيادة هنبال والجيش الروماني، كانت ولا تزال مثالا  ينسج القادة العظام على منواله تعبئة الجيش في ميدان المعركة، وهي  بلا منازع معركة نموذجية تتوق نفس كل قائد إلى تقليدها.

والسبب في تدوين أخبار هذه المعارك تدوينا صحيحا مع أنها  نشبت قبل الفتوح العربية بعدة قرون، هو أن المؤخرين الذين  اثبتوا أخبارها إما أنهم اشتركوا فيها فعلا، وأما انهم قادوها  بأنفسهم، وأما انهم عاشوا في زمن وقوعها.فالقائد زينوفون

اليوناني الذي قاد العشرة الآلاف من بلاد بابل إلى اليونان راجعاً  بهم إلى بلاده سجل حوادث تلك الرجعة في كتابه (الزحف)   (أنا باسيس Anbasis) وهذا الكتاب لا يزال مرجعا ثقة للباحثين  العسكريين. وكذلك سجل يوليوس قيصر أخبار فتوحه في  بلاد جرمانية في كتاب (الحروب الغالية) .

أما المؤرخون العرب الأولون فلم يدونوا أخبار الغزوات  النبوية وحروب الردة والفتوح التي تمت في النصف الأول من  القرن الهجري إلا بعد انقضاء جيلين على أقل تقدير.

وأول من جمع الوثائق الباحثة في الغزوات والفتوح الأولى  عروة بن الزبير المتوفى سنة ٩٤ هجرية. فان عروة جمع تلك  الوثائق في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان - أي بعد  وفاة الرسول بستين سنة، ودونها دون إسناد. ويلى عروة في  التدوين ابن اسحق المتوفى سنة ١٥١ هجرية مقتبسا معلوماته من  عروة. أما ابن هشام المؤرخ للسير النبوية فاستقى أخباره من ابن  اسحق، مع انه توفي بعده بقرن ونصف قرن - أي سنة 213 هجرية ويأتي بعده ابن سعد الواقدي الباحث في حروب الردة  والمدون للمفتوح العربية في العراق وفي سورية، وتوفي سنة 230 هجرية، بعد أن عاش ٦٢ سنة. ويليه المؤرخ المشهور الطبري وهو  بلا منازع أول مؤرخ عربي أثبت الأخبار التاريخية بطريقة علمية.

وتوفي سنة ٣١٠ هجرية بعد الفتوح العربية الأولى بقرنين  ونصف قرن على أقل تقدير.

والحقيقة أن كتاب تاريخ الطبري هو العمدة في استقصاء  أخبار الفتوح العربية وهو المرجع الأول والأخير. وهكذا يتضح  لك أن رواة الفتوح أو مؤرخيها لم يشتركوا في وقائع الفتوح أو  انهم لم يعاصروا أولئك الفاتحين، بل انهم دونوا أخبارها سماعا  أو نقلا بعد مرور مدة غير يسيرة على الفتوح. وكان لزاما أن  تأتى الأخبار ناقصة ومشوشة ومتناقضة. حتى أمسى الباحث فيها  لا يهتدي إلى استنباط بعض الحقائق إلا بشق النفس. والذي  يزيد البحث إشكالا كثرة الرواة الذين استند إليهم المؤرخون  في تدوين الأخبار. وأنت تراهم يسخون برواية غثها ويبخلون  بسميها.

وثمة تناقض بين أخبار الرواة المنتمين إلى الديوان الحجازي

والرواة المنتمين إلى الديوان العراقي. وكذلك نجد تناقضا في  الروايات التي ينقلها المضري والربيعي واليماني والقيسي، لان كلا من  هؤلاء حاول أن ينسب مفخرة الوقعة إلى قبيلته وقد يكون  غير مشترك فيها.

٢ - دار الحركات:

إن الساحة التي جرت فيها الحركات تمتد من سواحل البحر  الأحمر في الحجاز وتنتهي في ارض الدهناء التي تفصل بين مقاطعة  الحسا ومقاطعتي العارض والسدير، وهذه الساحة تتناول شمالي  الحجاز وجبل شمر وبلاد نجد.

والأرض التي تتكون منها هذه الساحة صحراوية الوصف على  العموم، والمياه فيها قليلة، والغابات لا أثر لها فيها، وتتخللها واحات  نبتت فيها أشجار النخيل وبعض أشجار الفاكهة. وقد تكونت  في المنخفضات التي تتصرف إليها مياه الأمطار بسهولة حيث تكثر  الآبار الضحلة، وتقطع الوديان هذه الساحة، وتكاد تبدأ جميعا من  هضبة نجد المرتفعة فتجري في جهات مختلفة، ويصب بعضها في  البحر الأحمر والبعض الآخر في خليج فارس أو في جهة الربع  الخالي. والوديان يابسة على العموم وهي ضيقة ووعرة عند اجتيازها  المناطق الجبلية وعريضة سهلة عند مرورها بالبادية.

وينبت في بعض أنحائها شجر الأثل والشوك والطلح وغير ذلك  من الأشجار التي تتحمل العطش، وعندما تنزل الأمطار تجري  إليها المياه من كل جانب فتغطي الوديان سيول المياه الجارفة  الجارية بسرعة، وتصب أما في البحر وأما في الانفدة الرملية.

والجبال في المنطقة التي جرت فيها الحركات قليلة. وهي لا  تتعدى سلسلة طويق في نجد تمتد من الشمال إلى الجنوب في جبلين  متوازيين، ويشرف الجبل الغربي على الانفدة الغربية بين نجد  والحجاز. ويشرف الجبل الشرقي على رمال الدهناء الواقعة بين  خليج فارس ونجد. والسلسلة جرداء، لا نبت فيها ولا ماء. وفي  القسم الجنوبي من منطقة العارض يفصل وادي حنيفة هذين  الجبلين أحدهما عن الآخر، فيجري أولا من الشمال إلى الجنوب بعد  أن تصب فيه عدة شعب من الشرق والغرب، وفي جنوبي الرياض  يغير مجراه إلى الجنوب الشرقي فيصب في رمال الأحقاف.

وما عدا سلسلة طويق نجد سلسلتين أخريين في منطقة جبل

اشترك في نشرتنا البريدية