الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 1018الرجوع إلى "الرسالة"

Share

السجن ودعاية الشاعر

" أنا لست محتالا.أنا شاعر أحب أن أداعب المجتمع . وهل دعاية الشاعر جرم؟"

هكذا وقف ( فاومستينو فالانتين ) أمام المحكمة في إحدى مدن الأندلس منذ أيام يناشد القضاة بأن يغفروا له دعابة شعرية من نوع غريب

فقد أبى شيطان الشعر لهذا المواطن الأندلسي الشاب إلا أن ينشر في الناس سلسلة من القصائد الرقيقة يحيي بها فتاة فقيرة من اللقطاء تخيلها شاعرنا وريثة مال وفير تركه لها والدها الحقيقي وهو مركيز إسبانى من طبقة الأشراف . وبلغ من جمال هذه القصائد أنها رسخت في عقول الناس على أنها قصة حقيقية . وساعد على ذلك أن الشاعر استعمل أسماء لأشخاص حقيقيين فآمنت بها الفتاة وآمن بها أحد البنوك الإسبانية فوضع تحت تصرف الفتاة مبلغا وفيرا من المال يساعدها على تهيئ نفسها لتلقي الإرث العظيم ريثما تفرغ الإجراءات الحكومية التي تصاحب عادة نظام الوراثة في إسبانيا وعاشت هذه الفتاة اللقيطة خمسة عشر يوما عيشة

المترفين من النبلاء وأصحاب الألقاب الرفيعة بعد أن أثبت صاحبنا الشاعر في قصائده قبل موعدها ونسبها الرفيع ثم تبين للبنك أن نسب الفتاة وإرثها المنتظر لا وجود له إلا في مخيلة الشاعر . فقاضى البنك الشاعر أمام المحاكم المدنية بدعوى الاحتيال والتزوير , وقال المدعي العام إن خيال الشاعر يجب أن يتطرف بحيث يستغل ظروفا تعسة لفتاة فقيرة ويشهر بها على أنها لقيطة ، ثم يدخل السعادة المزيفة إلى قلبها في دعابة شعرية " شيطانية " متقنة بحيث أقنعت أشد القلوب قساوة : قلوب الصيارفة وأصحاب البنوك - فأضاعت عليهم مبلغا من المال قدموه للفتاة " الوارثة " فأنفقته في ثورة ترف وبذخ طارئ

وطلبت المحكمة قبل إصدار القرار من الفتاة أن تدلي بشهادتها فقالت : أجل لقد كذب هذا الشاعر ، ولكن أليس من الممكن أن تكون قصته عن أصلي وفصلي وإرثي حقيقية ؟ وبعد فلم يصبني من دعابته الشعرية أذى فإني شاكرة له أن أتاح لي تذوق حياة الأشراف المترفين خمسة عشر يوما هي أيام لم يقو خيالي على أن يتصورها قبل أن آل إلي هذا الإرث الشعري الجميل

ويبدو أن القضاة في هذه المدينة الأندلسية لم يكونوا على قسط كاف من الإحساس الشعري , يدركون به قوة شيطان الشعر , فحكموا على الشاعر بالسجن بضعة أشهر وبالغرامة المالية أيضا

اشترك في نشرتنا البريدية