الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 1الرجوع إلى "الفكر"

Share

في القانون الذي بموجبه تأسست . فهى من الناحية الرسمية لا ترتبط بأى مبدأ ميتا فيزيقى كما أن مشكلتها هي مشكلة جميع الجامعات غير الدينية وهى من ناحية عامة أعظم الجامعات فى عالم اليوم . والمشكلة هي : كيف يمكن ، مع قبول التنوع الدينى والميتافيزيقي ، خلق وحدة أدبية وفكرية قوية لدرجة يمكن معها انشاء جامعة بكل معنى الكلمة ؟ وكيف يمكن من عدم وجود معتقدات دينية وميتافيزيقية مشتركة وضع معيار متفق عليه ومستقر راسخ الاركان لما يجب أن يعلم في الجامعة ومدى التشديد على كل نوع من العلوم ؟ ان الجامعات العلمانية في العالم الحديث تتمسك بمبدأين يلعبان نفس الدور الذي لعباه في جامعة باريس أو جامعة الازهر فى العصور الوسطى وهو دور تحديد وتعريف مجموعة من الحقائق التي تتجلى للانسان والدفاع عنها . والمبدأ الاول هو فكرة العقل  واستقلاله الذاتى وكفايته ومكانه الاول فى حياة الانسان وفكرة الحياة التأملية  على أساس أنها حياة ذات قيمة أصلية ، والمبدأ الثاني هو فكرة التاريخ مع النظر اليه كوحدة كاملة يقدم مادة مشتركة ( والى حد ما ) طريقة مشتركة  للعلوم الانسانية الاخرى كما يقدم أيضا وحده للتحادث بين الناس ومعيارا   للاهتمام ومركز تدريب على القيم الاجتماعية والسياسية.

ان الموضوع هام جدا بحيث يصعب تتبعه هنا ولكن يجدر بنا أن نتحدث بشكل أوفى عن المتطلب الثانى من المتطلبين الاثنين اللذين تكلمنا عنهما . أن الرياضيات والعلوم الطبيعية لا تعرف حدودا ، ولكن دراسة العلوم الانسانية والعلوم الاجتماعية تتصل بطريقة دقيقة ومعقدة باللغة التي تعلم بواسطتها وبالمجتمع الذى تعلم بين ظهرانيه . وفى هذا المجال يوجد شعور ما بأن الجامعة الاجنبية لا تستطيع أن تعكس صورة كاملة للمجتمع الذى تعمل فيه . والسبب في ذلك هو ليس مجرد كون هذه الجامعة تعلم وتقوم ببحوثها العلمية بلغة أجنبية : أن ازدواج اللغات متأصل الجذور في الثقافة العصرية في الشرق الاوسط ، ومن الضرورى أن تعرف الطبقة المثقفة فى أى بلد من بلدان العالم لغتين ، اذا لم تكن لغة هذا البلد الأصلية هى الانقليزية أو الفرنسية أو الروسية . والاهم مما ذكرنا أن الاتزان النهائى المالي والادارى على الجامعات الاجنبية يوجد في أيدى أفراد وهيئات ليست من البلاد التي تعمل فيها الجامعات ، ولذلك ترى هذه الجامعات نفسها مضطرة لان تستجيب لمجموعتين من المصالح ولفكرتين عما يجب أن تكون عليه الجامعات أو لا تكون . وهنا يوجد شعور بأن الجامعات الاجنبية ليست مرتبطة كل الارتباط بلبنان وبالشعوب العربية وغير قادرة على ذلك التكليف المتبادل والاستجابة المتبادلة اللذين يقعان دون شعور بهما بين مجتمع من المجتمعات وبين الجامعة التي توجد في صميم

الثقافة القومية . وبالفعل فأن ثمة ما يوحى لنا فى بعض الاحيان بأن مفهوم الشرق الاوسط وعلاقاته مع الغرب كما تتجلى فى عمل الجامعتين فى بيروت قد أصبحت قديمة العهد لا تلائم الزمن الحاضر . يوجه الانتقاد للجامعة اليسوعية لانها تشدد كثيرا على مسألة انفصال لبنان وارتباطه الوثيق بالدول المسيحية من حوض البحر الابيض المتوسط الغربى . كما أن من بعض كاثوليك الشرق الاوسط من يعتقد بأن الكاثوليكية يجب أن تصبح أكثر عروبة مما كانت عليه وأن تعرب عن فلسفتها الدينية وتمارس عبادتها باللغة العربية وأن تشعر بالعالم العربي المحيط بها ليس كخطر يتهددها بل بأنه ميدان تعتبر نفسها مسؤولة أمامه . ويتم القوميون اللبنانيون الجامعة الامريكية بأنها تدعو أكثر من اللازم الى فكرة أمة عربية لا تقوم على أساس وجود لبنان كدولة مستقلة كما يتهمها بعض القوميين العرب بأنها تعمل فى سبيل توجيه العرب نحو منهج ثقافى واقتصادى غربى لم يعد ممكنا الآن أو مرغوبا فيه . اننا لا نقول بأن هذه الاراء صحيحة بحكم الضرورة ولكن اصحابها يؤمنون بها أيمانا قويا وهذا يعنى بأن الجامعات الاجنبية في لبنان ستدفع نحو هامش الحياة الفكرية للبنان العربى ما لم تتمكن هذه الجامعات من تغيير طبيعتها تغييرا أساسيا . ولكن ادخال هذا التغيير الراديكالي صعب بالنسبة لمعاهد قد خلقت لنفسها طابعا خاصا بها وتقاليد خاصة بها . ان اعتبار هذه الجامعات من الناحية المالية على الاموال الفرنسية أو الامريكية هو أوضح المصاعب التى تواجهها ولكنه ليس أهمها

ومن ناحية مبدئية ،  نستطيع القول بأن حاجات الشرق الاوسط فى عهده الجديد يمكن سدها بواسطة الجامعات الوطنية التى هى مراكز الابحاث العلمية والتعليم العالى ومراكز للتعليم حتى مستوى التخرج والتكوين المهنى . وسواء أكانت هذه الجامعات تنال مساعدات مالية حكومية أو لا تنال ، يجب أن تسيطر عليها هيئات ذات استقلال ذاتي تغار على حرية الجامعة وترتبط ارتباطا أكاديميا وثيقا بجامعة عظيمة فى أوروبا أو في أمريكا ، ولكن مثل هذه المعاهد لا يمكن أن تنمو في يوم واحد ، ولذلك فأنه حتى تظهر جامعات تملك كل هذه المزايا ، يظل المجال متسعا لتلك الجامعات التى تملك بعض هذه المزايا ومن ضمنها بعض المعاهد الاجنبية على أقل تقدير %

اشترك في نشرتنا البريدية