الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد السادسالرجوع إلى "الرسالة"

Share

ماهية الحقائق العلمية

انه لخطأ كبير أن نظن الحقائق العلمية تختلف اختلافا  جوهريا عن تلك التى نشاهدها كل يوم وهى أن امتازت بشىء  فبسعة أحاطتها ومبلغ دقتها، أما من الوجهة العملية فالاختلاف  عظيم الأهمية، ويجب ألا ننسى فى نفس الوقت أن قوة  الملاحظة عند العالم مقصورة على ظواهر الأشياء وما يجرى  فى الطبيعة، ولكنها لن تستطيع أن تنفذ ألى باطن المادة أو  تعرف شيئا عن حقائق الأشياء؛ والعين التى تستعين بالمجهر  ما تزال عينا أنسانية؛ نعم أنها أكثر إبصارا من العين المجردة،  ولكنهما لا تختلفان فى الوسيلة. وأن العالم ليزيد من صلات  الأنسان بالطبيعة ومعرفته بها، ولكن يستحيل عليه بأى حال  أن يحدد الخواص الجوهرية لتلك العلاقات المتبادلة بين  الاثنين، وهو يشاهد كيفية حدوث بعض الظواهر الطبيعية  ولكن سبب حدوثها بمثل هذه الكيفية يبقى عليه كما هو علينا  سرا محجوبا وبابا مغلقا.

وإننا لنبوء بالخيبة اللاذعة حين نتطلب فى العلم قانونا

أخلاقيا، فقد كان الناس يعتقدون منذ ثلاثمائة سنة أن الأرض  مركز الكون، ولكننا نعلم الآن أنها جزء من الشمس قد  انفصل عنها وأن هذا الكون الذى نحن فيه كذرة التراب الهائمة  أنما هو فى حركة دائمة وعمل مستمر لا ينفك ينشأ ثم، يبيد  وأن الأجرام السماوية لا تفتأ تموت ثم تولد. ولكن  من أية ناحية قد تغيرت طبائعنا وأخلاقنا بهذه  الاستكشافات العظيمة؟ أترى الأمهات قد تأثر حبهن  لأطفالهن قوة وضعفا؟ أم ترى تقديرنا لجمال المرأة قد كثر  أو قل؟ أم أن نبض قلب البطل المغوار فى صدره قد اختلف  عن ذى قبل؟ كلا! فلتكن الأرض كبيرة أو صغيرة فماذا يعنى  الناس من كل هذا؟ أن فى سعتها ما يكفى ليجعل منها مسرحا  للألم والحب، فهما منبعان متلازمان لجمالها الذى لا ينفد،  نعم الألم ما أجله وأقدسه! وما أجهلنا بقدره وقيمته! فنحن ندين  له بكل ما هو حسن فينا وكل ما يجعل الحياة جديرة بالعيش  فيها، ندين له بعاطفة الرحمة والشجاعة وسائر الفضائل، وما  الأرض إلا ذرة من الرمل فى اللانهاية المجدبة للعوالم التى  تحيط بنا

ولكن إذا كان على الأرض وحدها نقاسى الخلائق  المتعددة فهى أعظم قدرا من تلك العوالم بأجمعها، بل هى  كل شيء والباقي لا شىء، فبدونها لن يكون للفضيلة ولا  للعقل وجود. وما هو الذكاء اذا لم يكن فنا يقصد به إبعاد  الألم؟ على اننى أعلم أن هناك عقولا كبيرة قد تطلعت إلى  آمال أخرى غير هذا، فقد كان رينان يعلل نفسه فى فرح  الواثق بحلم هو انتظار قانون أخلاقى مؤسس على العلم إذ كان  يثق به ثقة لا حد لها، وكان يعتقد أنه ما دام العلم قد استطاع  أن يتخذ فى الجبال نفقا فلن يعجز عن تغيير العالم برمته فى  المستقبل، ولكننى لا أظن مثله أنه قادر على أن يجعل منا  آلهة كاملة، والحق أقول أننى لا أريد ذلك ولا أرغب فيه،  فاننى لا أحس فى نفسي عناصر الألوهية بعد غض النظر عن  بساطىي، فضعفى عزيز على محبب الى وهو نقص ولكنه أهم  مميزات وجودى.

سذاجة العلماء

لقد عهدت العلماء كالأطفال فى سذاجتهم وبعدهم عن  الادعاء، وفي كل يوم نلقى أدعياء يتوهمون أنهم محور العالم،  ومن المؤسف أن يعتبر كل منا نفسه مركز الكون. وهذا وهم  شائع فى جميع الناس لا يخلو منه الكناس العابر تنبئه به عيناه  حين ينظر حوله فيرى قبة السماء تستدير به من كل الجهات، جاعلة  إياه مركز السماء والأرض، وقد يتزعزع هذا الاعتقاد  فى نفس من يفكر تفكيرا عميقا، فالتواضع وهو شئ  نادر بين المتعلمين ما زال أندر منه بين الجاهلين!

ماهية الجهل

الجهل شرط ضرورى لا بد منه لا للسعادة فحسب  بل للحياة نفسها. فلو أحطنا بكل شىء علما لما استطعنا احتمال  الوجود ساعة واحدة، لأن الشعور الذى يحببه الينا أو  يجعله محتملا على الأقل أنما ينبع من الأباطيل ويتغذى  بالأوهام، فلو استطاع إنسان أن يستحوذ كمالا له على الحق  المطلق ثم يفلته من يديه لبادت الدنيا واختفى العالم كما يختفى  الظل، فالحق الأهلى كيوم القيامة يسحق هذا الوجود سحقا

اشترك في نشرتنا البريدية