عيد الشمس والقمر :
اعتقد الأقدمون أن الشمس خلقت في يوم الانقلاب الشتوي ، حيث تبدأ سيطرتها ) التي يمثلها النهار ( في الزيادة ، حتى تبلغ نهايتها العظمي في يوم الانقلاب الصيفى ثم تبدأ في النقصان حتي تبلغ نهايتها الدنيا في يوم الانقلاب الشتوى ، ثم تعود الشمس من جديد ، وبذلك تتم الشمس دورتها الحيوية المتجددة بين كل انقلابين شتويين . ولما كانت الشمس رمز الحيوية على هذه الأرض فقد احتفي بها القوم ، واقاموا لها عيدا فى يوم الانقلاب الشتوي ، حيث يقدمون القرابين ، شكرا على عودة العجلة الملتهبة .
واعتقد الأقدمون ايضا ان الأرض ولدت القمر بدرا في يوم الاعتدال الربيعي ، وان الخليقة بدأت أيضا في مثل هذا اليوم البهي ، حيث اجتمعت نضارة السنة الشمسية بنضارة الشهر القمري ، واحتفي القوم بمثل هذا اليوم عيدا للقمر . ولما كان اتفاق النضارتين متعذرا في اغلب الاحيان ، فقد قربوا بين النضارتين ، فأحيوا العيد في يوم البدر الذي يلى يوم الاعتدال الربيعي مباشرة.
واحتفي القوم بهذين العيدين ، ولما كان عيد القمر يقع في أنضر أيام السنة ، فقد ثبت اقدامه ، واحتفلت به جميع الأمم القديمة ، وتعددت اسماؤه ، فسمى عيد القمر ، وعيد شم النسيم ، وعيد الربيع ، وعيد استر إلاهة الربيع . وعيد الفصح ؟ أما عيد الشمس فلم تهتم به غير الامم الشمالية ، وبعض الامم الوسطى ، واستمروا علي الاحتفال به في يوم الانقلاب الشتوي .
وقام القوم بتعيين مواعيد هذين العيدين بالوسائل
الأولية التي كانت تحت أيديهم ، وبما كان عندهم من تقويم أولى بسيط ؛ واختلفت مواعيد هذه الأعياد بالنسبة لعدم دقة التقويم المستعمل . وفي سنة ٧٠٨ رومانية ( ٤٦ ق. م ) جعل يوليوس قيصر التقويم الروماني تقويما شمسيا ، وقام الحاسبون بحساب الاعتدال الربيعي والإنقلاب الصيفي والاعتدال الخريفي والانقلاب الشتوي ؛ فكان بناء على حسابهم وقتذاك في ٢٥ مارس و ٢٤ يونيو و ٢٤ سبتمبر و ٢٥ ديسمبر . وبدأ القوم يحتفلون بعيد الربيع في ٢٥ مارس ، وبعيد الشمس في ٢٥ دسمبر ؛ ثم أخطأ الأحبار القائمون بتنفيذ التقويم ، فأضافوا اليوم الزائد في السنة الكبيسة كل ثلاث سنوات عوضا عن كل أربع سنوات ، حتى لحظ أغسطس أن الاعتدال الربيبي والانقلاب الشتوي في سنة ٧٤٦ وومانية ( ٨ ق. م ) حلا في 22 مارس و ٢٢ دسمبر ، بينما يحتفل بهما القوم في ٢٥ مارس و ٢٥ دسمبر ، فأمر بالرجوع إلي تقويم يوليوس وملاحظة الدورة الرباعية ، ولم يشأ أن يجعل الجمهور يشعر بأي تغيير ، بل يستمر على الاحتفال بيوميه المعهودين ، ولذلك قرر أن تكون السنين - ٧٤٩ ( ٥ ق. م ) ، ٧٥٣ (١ ق. م )، ٧٥٧ (٤ ق. م ) سنين بسيطة ، وأن تكون أول سنة كبيسة ٧٦١ (8 م ) ، وبذلك يتأخر الاعتدال الربيعي والانقلاب الشتوي إلي ٢٣ مارس و ٢٣ دسمبر في سنة ٥ ق . م ، وإلى ٢٤ مارس و ٢٤ دسمبر في سنة ١ ق . م ، وإلى ٢٥ مارس و ٢٥ دسمبر في سنة 4 م ، ويستمر على ذلك .
ثم اختلط الأمر على المسيحيين في تعيين عيد الفصح واجتمع مجمع نيقية سنة ٤١ شهداء ) ٣٢٥ م ( وقرر كيفية تعيين هذا العيد ؛ وقام الحاسبون بحساب الاعتدال الربيعي وقتذاك ، فوجدوه طبقا لحسابهم في 21 مارس ، وأعلن ذلك ، واتيمه القوم ؛ وبمرور الزمن اصبح 21 مارس
معتبرا يوم الاعتدال الربيعي ؛ ومع ذلك لم يفقد ٢٥ مارس ولا 25 دسمبر قيمتهما عند غير المسيحيين ، بل وعند المسيحيين أنفسهم
صدر المسيحية والاعياد:
ولد المسيح ، وكانت ولادته معجزة ، فاتهمت امه فبراها الله بمعجزات بينات ، فصدقها من صدق ، وكذبها من كذب . ولما كبر المسيح ، ودعا إلى الايمان ، تبعه من صفا قلبه ، وزالت الغشاوة عن بصيرته وتألب عليه الباقون ، شأنهم نحو كل مصلح يأتيهم بأمر جديد ؟ واضطهدوه ومن تبعه ، واستمروا في اضطهادهم ، حتى زين لهم الشيطان ، فتامروا على صلبه في صبيحة عيد الفصح ، وكانت نتيجة هذه المؤامرة ان ترك المسيح هذه الدنيا ، وخلف وراءه تلاميذه ومريديه واتباعه ، الذين اعتصموا بدينهم ، وتمسكوا بعقيدتهم . وما زادهم التعذيب والأيذاء إلا إيمانا ، وهم على ربهم يتوكلون
وخلا حزب المؤمنين من السطوة والنفوذ ، اللهم إلا من الايمان الصادق ، والعقيدة الثابتة ، وتدرع الحزب الآخر بالسطوة والقوة ، والنفوذ والسلطان ، وتمكن بذلك من التنكيل بالحزب الأول تنكيلا ماديا وتنكيلا روحيا ، فنكل به ماديا بما قام به من تعذيب وإيذاء ، كلما سنحت الفرصة ، وواتت المناسبات ، ونكل به روحيا بما شنه من حرب الدعاية ، فجند دعاته ، فنشروا اسلحتهم المسمومة بما وضعوه من تشكيك في العقائد ، وتفسير يساعد على هذا التشكيك ، فأثر ذلك في ضعاف النفوس ، وتسرب منه الشريرون ، فجعلوه ستارا احتموا خلفه ، في سبيل قضاء مصالحهم الشخصية ، وفي سبيل التمتع بالسلطة الدنيوية .
وطبيعي في هذه الظروف القاسية ، ان يقوم المؤمنون
بتادية فروضهم الدينية في معزل بعيدا عن الانظار ، وان يتفقوا فيما بينهم على اعياد يقيمونها ، تجمع شملهم روحيا وتذكرهم بمرشدهم الأعظم المسيح ، وطبيعي الا يكون لهذه الأعياد أثر ذو بال في العالم الخارجي
وتدور عجلة الزمن ، وتسدل في أثناء دورانها ستارا ضافيا من النسيان على بعض تفاصيل الأعياد ومواعيدها ، ثم تنتشر المسيحية من بلد إلى آخر ، وقد يحمل الدعاة مواعيد الأعياد وتفاصيل إحيائها منقوصة غير كاملة ، ويتدخل عامل بعد الشقة وصعوبة المواصلات في توضيح ما انبهم ، وتفسير ما غمض ، فيقوم القوم في جهتهم بالتوضيح والتفسير ، حسب رأيهم وحسب ما فهموه ، وقد يختلف هذا التفسير في بلد عنه في بلد آخر ، وبذلك تفترق الأعياد في مواعيدها أو في تفاصيلها
وقد تختلط الأعياد القومية بالأعياد الدينية ، وإما تتفقان فيقوم القوم بإحياء هذه وإحياء تلك ، وإما تتصادمان وتتصارعان ، فتنتصر الاعياد الدينية ، وبذلك ينتهي امر الأعياد القومية ، او تنتصر الأعياد القومية فيسرع القوم في صبغ هذه الاعياد بالصبغة الدينية ليمنعوا هذا الانتصار
وقد يحدث الاتصال بين هذه البلاد بعضها والبعض الآخر ، عن طريق التجارة أو الرحلات أو الغزوات . فيجد القوم اختلافا في أعيادهم ، فتنعقد المؤتمرات ، وتجتمع المجامع ، رغبة في التوفيق والتوحيد ، ثم تنفض هذه المجامع وتلك المؤتمرات عن اتفاق ، او عن تأجيل في ثانياه الخلاف ؛ وقد يعظم نفوذ إحدي الامم ، وتبسط سيطرتها ، ويكون لهذا النفوذ ولهذه السيطرة دخل كبير في جعل اعياد هذه الامة اساسا صالحا لاتفاق الأعياد عند باقي الأمم
ويستمر الزمن في دوراته ، فتكتسب هذه الاعياد
صيغتها التي اصطبغت بها ، وتفقد هذه الصبغةة عرضها ، وتصبح جوهرا ، حتى إذا ما قام المؤرخون بالتحقيق والتدقيق ، ورجعوا إلى مستنداتهم واضابيرهم ، انبهم عليهم الامر ، واخذوا في التفسير والتوضيح طبقا لأساليبهم العلمية ، او تأثرا بمعتقداتهم الدينية ، او اتجاها نحو الحدس والتخمين .
وعيد الميلاد من بين الأعياد التي حدث لها ما حدث .
عيد الميلاد :
لم يكن عيد الميلاد عيدا كنسيا في صدر المسيحية ، ولم يعن به المسيحيون عنايتهم بعيد الفصح ، جريا وراء عادات قومهم ، الذين لا يحتفلون بأعياد ميلادهم ، وإنما يحتفلون بذكري وفاة أعزائهم
وقد ذكر Poly carp قبل سنة ١٦٠ م أن المسيح ولد في يوم الأحد يوم بدء الخليقة ، وعمد في يوم الأربعاء يوم خلق الشمس ، وهنا لم يرد ذكر للاحتفال بهذا او ذاك ، كما لم يرد موضع هذين اليومين بالنسبة للتقويم
وذكر كليمنت سنة ٢٠٠ م أن علماء التاريخ اختلفوا في تعيين يوم الميلاد ، فجعله بعضهم في ٢٥ بشنس ) ٢٠ مايو ( ، وجعله آخرون في ٢٤ برمودة أو ٢٥ منه ) ١٩ ابريل او ٢٥ منه ، وراي كليمنت ان الميلاد في ١٧ نوفمبر
ووردت جملة ضمن رسالة سنة ٢٠٢ م تشير إلى ان المسيح ولد في يوم الأربعاء ٢٥ دسمبر ، ولم يرد أي ذكر في هذه الرسالة للاحتفال بالميلاد او اعتباره مبدأ ، على ان اعتباره عيدا يتنافي مع الآراء الأرثوذكسية وقتذاك .
وذكر أحد الكتاب في سنة ٢٤٣ م أن الميلاد
كان في يوم الأربعاء ٢٨ مارس
وفي سنة ٢٤٥ م شدد Origen اللائمة على فكرة الاحتفاظ بيوم عيد الميلاد المسيح كأنه أحد الملوك ولم يتعرض مجمع نيقية سنة ٣٢٥ م لعيد الميلاد ، ويقول امبروز إنه حتى زمن البابا ليبربوس ) ٣٥٢-٣٥٦ ( كان عيد الميلاد في ٦ يناير .
وورد في تقويم فيلوكالوس سنة ٣٥٤ م أن المسيح ولد في الجمعة ٢٥ دسمبر سنة ١ م وفي يوم ١٥ من الشهر القمري ، ولم يرد في هذا التقويم اي ذكر للاحتفال به كيوم عيد . وفي سنة ٣٥٤ م ايضا جعل اللاتين يوم البلاد يوم الأربعاء يوم خلق الشمس ، اي في ٢٥ دسمبر بدلا من ٦ يناير ؛ ولذلك قامت قيامة السوريان والارمن ضد الرومان ، واتهموهم بعبادة الشمس لجعلهم يوم ٢٥ دسمبر عيدا الميلاد .
وفي سنة ٣٧٥ م ازاح ابيغانيوس عيد الغطاس إلي ٨ نوفمبر ، وقال إن ٦ يناير هو عيد الميلاد . وفي سنة ٣٨٠ م امر مجمع سرقسة بعدم إقامة الملاهي وحفلات الرقص لمدة ٢١ يوما من ١٧ دسمبر لغاية ٦ يناير ، وفي سنه ٣٨٥ م اعتبر ٦ يناير عيدا الميلاد في بيت لحم .
وبقول كريسستوم سنة ٣٨٨ م إن عيد الميلاد في الغرب في ٢٥ دسمبر ، ثم انتقل منهم إلي الشرق .
وفي ستة ٤٠٠ م صدر في روما مرسوم إمبراطوري ادخل فيه عيد الميلاد ضمن الاعياد التي تغلق فيها دور الملاهي ، ولم يجعل عيد الميلاد عطلة لدور القضاء إلا في سنة ٥٣٤ م .
ويظهر أن نفوذ الرومان كامة مسيحية أثر تأثيرا كبيرا ، فثبت يوم ٢٥ دسمبر اقدامه كعيد الميلاد ؛ ولكي يتفق اقباط مصر مع الرومان جعلوا عيد الميلاد في ٢٨ كيهك في السنة القبطية التي تقبل القسمة على ٤ ، وفي
٢٩ كيهك في السنين الآخري .
وفي أواخر القرن السادس عشر الميلادي قام جريجوري بإصلاح التقويم الروماني ، وجعل اليوم الذي يلس يوم ٤ أكتوبر سنة ١٥٨١ يوم ١٥ منه أى بزيادة عشرة ايام ، وان تكون السنين القرنية التي لا تقبل القسمة على ٤٠٠ سنين بسيطة ، وقد رفضت بعض الطوائف المسيحية ، ومنهم اقباط مصر ، هذا الاصلاح ؛ وعلى ذلك اصبح يوم ٢٨ كيهك او ٢٩ منه يوافق يوم ٧ يناير في القرن الحالي ، بعد أن كان يوافق ٢٥ دسمبر في القرن السادس عشر ، ويكون يوم ٧ يناير الذي تحتفل به الكنيسة الشرقية هو يوم ٢٥ دسمبر بالتقويم البولياني الذي كان سائرا قبل إصلاح جريجوري .
متى ولد المسيح :
طبقا لما ذكره يوسف Josephus من أن المسيح ولد في حكم هيرود ، وان هيرود مات والمسيح طفل تكون ولادة المسيح قبل ١٣ مارس سنة ٤ ق . م بأشهر ولكن في أي شهر ولد المسيح ؟ وفي أي يوم من هذا الشهر ؟ ليس لدينا معلومات واضحة عن هذا الموضوع . والأراء التي قيلت ، والأراء التي عثر عليها مكتوبة ، تضاربت بشكل غريب ! فبعضها يتناقض كلية مع الحساب ، والبعض الآخر يتفق مع الحساب في بعض التفاصيل ، ويتناقض معه في التفاصيل الأخرى ؛ وتنتحي بعض الاراء ناحية تفسير الخلاف يجعل ميلاد المسيح جملة موالد ، ميلاد المسيح من النور ، وميلاد المسيح بالتجسيد وميلاد المسيح بالتعميد ، وميلاد المسيح بظهور براءة امه حينما اتهمت بحمله ، وهكذا .
ويكون من الاحتياط الاكتفاء بالقول بأن المسيح ولد قبل ١٣ مارس سنة ٤ ق . م بأشهر
أما الاحتفال بيوم ٢٥ مارس كعيد للبشارة حينما بشر جبريل العذراء بحملها المسيح ، وبيوم ٢٥ ديسمبر كعيد الميلاد ، فما هو إلي استمرار اميدي الربيع والشتاء ، بعد أن صبغا بالصبغة الدينية
وليس هناك مانع مطلقا من ان تكون البشارة في ٢٥ مارس ، وان يكون الميلاد في ٢٥ ديسمبر ، ويكون اتجاه المسيحيين نحو صبغ عبدي الربيع والشتاء بالصبغة الدينية ، ما هو إلا توفيق إلهي لوضع الشئ في محله . كما انه ليس هناك مانع ايضا من الا تكون البشارة في ٢٥ مارس ، والا يكون الميلاد في ٢٥ ديسمبر
أما احتفال اقباط مصر بعيد البشارة في ٢٩ برمهات فما ذلك إلا لأنه كان موافقا ٢٥ مارس وقتئذاك ، أما الآن يوافق ٧ أبريل ، كما وافق ٢٨ كيهك أو ٢٩ منه يوم 7 يناير

