ديوان الفراتى
مطبعة باييل أخوان - دمشق
يقع هذا الديوان في أربعين ومائتي صفحة من القطع الكبير، جيد الورق متقن الطبع قسم ناظمه ما جاء فيه من قصائد إلى مصريات وسوريات وحجازيات وعراقيات وبحرينيات! ولست أذكر ديواناً في هذا الحجم تنوعت قصائده على نحو ما تنوعت القصائد في هذا الديوان، فلقد نظم الشاعر في الاجتماعات وفي شكوى الزمان وفي الرثاء والمديح والعتاب، وتغني بحنينه إلى البادية، وتفاخر بمجد الأوائل، ونظم يستنهض أهل عصره، ثم نظم في الوصف فوصف الكهرباء وصاغ شعراً في الأكسجين والنتروجين! وناجى الكواكب، ولم تكفه الأرض بما رحبت فطار على أجنحة الشعر إلى المريخ ونظم قصائد في وصفه وشط به خياله فاخترع ألفاظاً أشار في الحواشي إلى أنها من لغة المريخ!!
وهكذا أطلق الشاعر العنان لخياله في غير تحفظ ولا احتراس وسجل كل ما جادت به قريحته من غير حذف ولا إصلاح
من أجل ذلك أرجع أن الفراتي الفاضل يعنى حقاً ما أثبته في مقدمة ديوانه إذ يقول (لم أنظمة للناس وإنما نظمته لنفسي، وحسبي أن نفسي عنه راضية، ولم أقدم على نشره ليذيع اسمي ويشتهر، وإنما نشرته حرصاً عليه من الضياع) أقول أني أرجح أنه يعني ما كتب، وقد كنت أحسب ذلك منه تواضعاً أول الأمر، على أنني لست أقصد بذلك أن الديوان لا يستحق النشر، كلا ففيه عدد من القصائد يستحق الشاعر من أجلها التهنئة الصادقة، ثم أن شعره في الجملة مشرق الديباجة جيد الصياغة بله تنوعه
المدهش، ومن قصائده البارعة قصيدته المسماة (درة في جبين الدهر) وأختها (نفثت مصدور) وقصيدته تحت عنوان (يا ابنة عمي) ومرثيته لسعيد وغيرها.
وإنما أقصد بما ذكرت أنه كمان ينبغي أن يحذف الشاعر من ديوانه بعض القصائد التي لا تسمو إلى مستوى شعره، ولئن فعل فما كان ذلك بضائره، فبضاعته موفورة، ولا سيما وأن هذا هو الجزء الأول، وخير له أن ينتقي من الجزءين ديواناً جيداً. ثم ليسمح لي أن أنبهه في احترام إلى ألفاظ استعملها بكثرة وهي في زعمي مما يمجه الذوق الشعري (كالقطقط والعجنفل والصنبر ونفنف اللوح وغيرها مما يجب أن يخلص منها شعر الفراتي.

