الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 69الرجوع إلى "الرسالة"

Share

ولندع الآن بيان الشيخ علي وأثره، فلذلك موضع آخر من  هذا الحديث. ونعود إلى تاريخ الرجل فنقول إنه ما كاد يستوي  له ذلك القدر من الأدب حتى أنشأ مجلة دعاها (الآداب) . وهي  وإن لم تكن شيئاً يذكر بالقياس إلى المجلات التي كانت قائمة  في ذلك العهد. وخاصة بعد إذ عفّى الزمن على مجلة روضة المدارس  التي كان يقوم على تحريرها وإجالة الأقلام بروائع البيان فيها صدور العلماء والشعراء والكتاب

المؤيد

وإذا قلت (المؤيد) قلت شطر من تاريخ مصر محتفل  بالأحداث العظام

راع أهل الرأي في مصر أن ليس لهذه الأمة، أعني للمسلمين  وهم كثرتها الكثيرة. صفيحة تتحدث عنها وتدلى بحاجاتها.  وتترجم عن أمانيها، وتذود عن حقوقها وكرامتها. وأن أمة ليس  لها في هذا الزمان صحيفة، لهي أمة لا تحس لنفسها وجوداً. ولقد  قوى الشعور بشدة الحاجة إلى صحيفة وطنية إسلامية بعد إذ صدر  المقطّم صحيفة تظاهر الاحتلال الإنجليزي. وتروج للسياسة  الإنجليزية في هذه البلاد، وتدفع في صدور الأماني القومية  ما اعترضت تلك السياسة في يوم من الأيام. وهنا يتقدم الشيخ علي  مع صاحب له يدعى الشيخ أحمد ماضي فينشئان جريدة المؤيد يومية  سياسية وطنية إسلامية. ثم لا يلبث الشريكان أن يختلفا،  ولا يخرج أحدهما عن الشركة إلا على مال، والمال في يد الشيخ  علي أقل من القليل. وهنا تحركت أريحية بعض كبار المصريين  فأدوا المال عن الشيخ إلى صاحبه. وهكذا خلص المؤيد للشيخ  علي يوسف. وكان للمرحوم سعد باشا زغلول في هذا سعي مشكور

وأذكر أنه لما أتى رحمه الله، بمطبعة جديدة من طراز  (الروتاتيف) وعقد لذلك حفلاً جامعاً في إدارة المؤيد خطب في  الجمع فأتى في سيرة المؤيد على هذه الحادثة، ونوه بفضل سعد بك  زغلول (المستشار بمحكمة الاستئناف) الذي أبى أن يسمع هذه  الخطبة إلا واقفاً.

وجرى المؤيد طلقاً، والله يعلم كم عانى الشيخ علي في إخراجه

فرداً لا مسعد له من معين أو من مال. الحق أن الرجل لقد جاهد  في هذا جهاد الجبابرة، وعانى عناء لو صوره القلم على حقيقته لظنه  الناس من إحدى القصص التي تمثلها أخيلة الكتاب. وهكذا لم  يمض زمن طويل حتى جنى ثمرة الصبر العجيب (إنَّ الله مع  الصَّابرين) صدق الله العظيم

مضى المؤيد يحرره الشيخ علي يوسف، ويرفده بالمقالات  البارعة أعيان أهل الرأي والعلم والأدب في البلاد من أمثال  المرحومين الشيخ محمد عبده، وسعد بك زغلول، وقاسم بك أمين،  وفتحي بك زغلول، وحفني بك ناصف، وكثير غيرهم من أصحاب  البيان. وكانوا يسرون أسماءهم في الأحاديث السياسية، بوجه  خاص، فذلك مما لا تأذن به المناصب الحكومية بحال. وكذلك  أضحى المؤيد مجالاً لأفحل الأقلام وأنضج الآراء. بل لقد أضحى  المدرسة التي تخرج عليها من شهدوا الجيل الماضي من أعلام البيان

ويسير المؤيد، ويذهب صيته لا في مصر ولا في العالم العربي  فحسب، بل في العالم الإسلامي كله، فلقد أصبح لسانه المعبر  أفصح تعبير عن حقيقة حاله، والمترجم أنصح ترجمة عن آلامه  وآماله، ومتحدث أخبار المسلمين وراويها، ومتلقي أفكارهم في  قواصي الأرض وأدانيها

لا يرحل الناسُ إلا نحو حجرته   كالبيت يفضي إليه ملتقى السبُل

وحسبنا هذا القدر الآن في المؤيد وفي صاحب المؤيد.  وسنعاود الحديث فيه إن شاء الله تعالى أن نوفيه بعض حقه  إن لم نوفه كل حقه. رحمة الله عليه.

اشترك في نشرتنا البريدية