الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 133الرجوع إلى "الرسالة"

Share

ترى الأسى أعلامها وهي خشع ... ومنبرها مستعبر وسريرها ومأمومها ساهي الحجى وإمامها ... وزائرها في مأتم ومزورها

فهذا الترتيب التاريخي خلال قصيدته من عميق تأثره بالحوادث  التي يصفها، مما يدلي بحداثة عهده بالمأساة حسن وضع رثاءه المفجع؛  بيد أن هنالك أيضاً في قصيدته ما يكاد يعين هذا العهد في نظرنا  وهو قوله:

وجاءت إلى استئصال شأفة ديننا ... جيوش كموج البحر هبت دبورها

علامات أخذ ما لنا قبل بها ... جنايات أخذ قد جناها مثيرها

فلا تمتحي إلا بمحو أصولها ... ولا تنجلي حتى تخط أصورها

معاشر أه الدين هبوا لصعقة ... وصاعقة وارى الجسوم ظهورها

أصابت منار الدين فانهد ركنه ... وزعزع من أكنافه مستطيرها

فهذه الإشارات تنصرف في نظرنا إلى أول محاولة قام بها  الأسبان لتنصير المسلمين، ونقض عهودهم التي قطعوها لهم عند  تسليم غرناطة باحترام دينهم وشرائعهم، وتأمين أشخاصهم  وأعراضهم وأموالهم وحرياتهم. وكان ذلك سنة ٩٠٤هـ    (١٤٩٩م)  حينما قرر مجلس الدولة أن يفرض التنصير على  المسلمين، وذلك لأعوام قلائل فقط من سقوط غرناطة. بل  يلوح لنا أن الشاعر يشير بقوله:

ألا واستعدوا للجهاد عزائما ... يلوح على ليل الوغى مستنيرها

بأسد على جرد من الخيل سبق ... يدعُّ الأعادي سبقها وزئيرها

بأنفس صدق موقنات بأنها ... إلى الله من تحت السيوف مصيرها

إلى الثورة التي حاولت بعض المناطق الإسلامية أن تقوم  بها مقاومة لقرار التنصير؛ ويلاحظ هنا أن الشاعر يقف عند  هذه الواقعة في الإشارة إلى الحوادث التاريخية مما يدل على أنها  آخر حادث أدركه وقت نظم مرثيته؛ فإذا صح الاستنتاج الذي  سقناه على النحو المتقدم، فأنا نستطيع أن نقول إن الشاعر وضع  مرثيته كما قدمنا حوالي سنة ٩٠٤ أو ٩٠٥ هـ   (نحو  سنة ١٥٠٠م) .

وهذا ومما يلاحظ أيضاً أن الشاعر قد تأثر في مواطن كثيرة  من قصيدته بالقصيدة الطائرة الصيت التي نظمها سلفه ومواطنه

أبو البقاء الرندي في رثاء الأندلس، وأنه أستمد منه بعض الوحي  والمعنى؛ فقوله مثلاً:

اشترك في نشرتنا البريدية