الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 950الرجوع إلى "الرسالة"

4 - رسالة المربى ، ضرورة التقيد بطريقة معينة - طريقة المشروع - مزايا المشروع

Share

إن عملية النمو في التعليم هدف يستحق أن نعمل من أجل  الوصول إليه، ولكن كيف يمكن أن نخرجه إلى حيز التنفيذ.  ما أكثر الأسس الفلسفية التي يضعها الكثير من كبار  المصلحين والفلاسفة لعلاج المشاكل المعقدة، حتى إذا جاءوا إلى  صخرة التنفيذ تحطمت جهودهم عندها، وتبخرت آمالهم لديها  وعادوا بالحسرة والخسران المبين. ومن أجل ذلك نرى أن  نكتفي بتحديد رسالة المربى دون أن نتقيد بحذافير طريقة عملية  معينة لتنفيذها. بل أن عملية التعليم كعملية نمو حر متواصل  تدعو هي نفسها إلى عدم التقيد بطرقة عملية معينة. ذلك لأنها  طريقة عملية تجريبه. وأساسها الفلسفي يحض على عدم التقيد  بأسلوب معين في التنفيذ، فما يكون صالحا اليوم قد يصبح غير  صالح في الغد، والطريقة التي تستعمل في المدينة، غير التي  تستعمل لتعليم أهل القرية، وهم يعطون إشارة المرور وكيفية  عبور الشوارع كأول درس بتعلمه الطفل في أمريكا، بينما  لا نزال نحن حتى الآن نتقيد بمناهج زرع وحصد

التقيد بحذافير طريقة عملية يتنافى مع طبيعة عملية  التعلم الصحيحة، إذ قد تصبح هذه الطريقة بعينها ديكتاتورا  يتحكم في المعلم والمتعلم، وحجر عثرة في استمرار عملية النمو.  ولذلك يمكن القول أن التقيد بطريقة معينة هو علة فساد الكثير  من النظم التعليمية، فإذا كان ولابد من طريقة عملية  للتعليم، فلتكن الطريقة التي ترمى إلى تحقيق فكرة عدم التقيد  نفسها تحقيقا عمليا. وأقرب هذه الطرق إلى تحقيق المعنى الذي

حددناه هي طريقة المشروع ولذلك سنتناولها بوجه عام  ما هي طريقة المشروع؟ هي طريقة وضعها وأسسها أحد

فلاسفة التربية بأمريكا، ومن بينها مصر

ومتى يبدأ المشروع؟ يبدأ كما تبدأ عملية التعلم لدى الأسرة  وكما بدأت لدى الإنسان الأول. مشكلة تعترض حياة المتعلم؛  مشكلة حقيقية قد اعترضته هو فعلا تدفعه إلى محاولة التغلب عليها.  يشعر الإنسان إذا اعترضته المشكلة بحاجته الشديدة إلى من يعلمه  كيفية التغلب عليها. يسأل أولا ما هذا أو ذاك، وعند ذلك  يبدأ دور المربي، وهو دور الرفيق الذي يوجه بما لديه من خبرة؛  ويساعد ويعين حتى يتغلب الإنسان على مشكلته، وينتهي عند  ذلك المشروع بنجاح المتعلم في حل مشكلته، ولكن المشروع  الأول الذي كان غرضنا في حد ذاته سرعان ما يصبح وسيلة إلى  غرض جديد هو مشروع آخر حديث , وسنضرب لذلك مثلا:

(أراد طالب أن يكتب خطابا ردا على خطاب جاء إليه،  ولم يكن هذا الطالب قد سبق أن كتب خطابا قط، ولذلك  لجأ إلى مدرسة يستفتيه. ولو لاحظنا موقف الطالب في هذه  الحال لوجدناه موقف المستيقظ المهتم بكل ما يقوله مدرسه.  هذا هو الدرس الحقيقي الذي سيتعلمه فعلا في كيفية كتابة  الخطابات. درس ثابت لن ينسى لأنه سيستعمل معلوماته في الحال  في كتابة الخطاب، بل وسيتوسع في استخدام هذه القدرة  الجديدة التي اكتسبها فيكتب إلى آخرين، ويراسل زملاءه في  إنجلترا أو الباكستان، وهلم جرا. .

ولكن هذا المثال السابق في الحقيقة لا يمثل مشكلة بالمعنى  الحقيقي للمشكلة، كما تفهمه طريقة المشروع، ذلك لأن كتابة  خطاب ليست ذات أهمية حيوية قصوى بالنسبة للتلميذ، وإنما  هي صعوبة عارضة، وإنما تكون المشكلة مشكلة حقا كلما كانت  تمس أمرا حيويا بالنسبة للإنسان، فدودة القطن بالنسبة للفلاح  المصري، بل وللدولة، كلها مشكلة خطيرة، وهي التي تثير  بمجرد ظهورها مختلف الجهود للقضاء عليها، وظهور الملاريا أو

انتشار الكوليرا، أو هجوم الجراد، كلها مشكلات خطيرة يمكن  أن تعتبر سلوك المجتمع في التغلب عليها مشروعا من المشروعات  التي توصي بها طريقة المشروع. ولذلك لا تعترف طريقة المشروع  بتعلمنا الحالي، ولا بنظمنا المدرسية المنطقية. لا تعترف بالمناهج  ولا الحصص، ولا بالفصل أو الجرس، ولا بالانتقال من سنة  إلى أخرى، أي لا تعترف بالامتحان. ذلك لأنها طريقة تتمشى  مع الميول النفسية للطفل، وتتدرج معه وتنمو بنموه. يسأل  فتجيبه، ويتعلم فتساعده وتعينه. . . يتم ذلك كله أثناء سير  المشروعات التي يقوم بها والتي يأخذ بعضها يراقب بعض. ولكي  يكون المشروع مشروعا بمعنى الكلمة يجب أن يلاحظ في  تطبيقه ما يأتي: -

1 - أن تكون المشكلة من وحي الطالب أو الطلاب، وان  يتم تحديدها على أيديهم، ومن وحي شعورهم

2- أن يظل موقف المتعلم خلاله تلقائيا

3- أن يستمر مادامت المشكلة مستعصية على الحل أي  أن المدة التي يستغرقها المشروع يجب أن لا تحدد إلا بانتهاء  المشروع نفسه

4- أن يظل الهدف الأساسي من المشروع واضحا أمام  المتعلم، ولا يتيسر ذلك إلا بالمحافظة على سر المشروع من كثرة  التشعب الذي قد يؤدي إلى تشتيت الجهود وتلاشي الغرض  الرئيسي منه

5- أن يعتمد في سيره على التجارب العملية التي ستتعدد  وتتنوع بحسب ما يتطلبه المشروع نفسه، وأن تتجه كلها في النهاية  نحو تحقيق الهدف الأخير

6- أن يصبح الهدف بمجرد الوصول إليه وسيلة فعالة  بدوره في تحقيق أغراض أخرى وفي إثارة مشاكل جديدة بحيث  يضمن استمرار العمل واستمرار النمو

وتمتاز طريقة المشروع بمزايا عديدة أخرى. فاعتمادها على  المشكلة جعل سلوك المتعلمين نحوها سلوكا غريزيا له كل مظاهر

السلوك الغريزي من حيوية وتغير وتلقائية واستمرار. حتى  يتحقق الغرض. وبذلك ضمنت نمو المتعلم واستمرار انتباهه  التلقائي، وهو ما لا نجده مطلقا في الطريقة المنطقية التي ينأى  المتعلم فيها التعليم ولا يقبل عليه إلا مضطرا وتحت ضغط  ظروف خارجية. والمشكلة إذا اعترضت المظهر النزوعى لشعور  الإنسان حفزته، ولذلك نلاحظ كيف يكون نزوع المتعلمين نحو  التعلم في طريقة المشروع قويا وواضحا ومرغوبا فيه. ويلاحظ  أن طريقة المشروع تكسب المادة التي يتعلمها التلميذ قيمة  وحيوية لأهميتها بالنسبة إليه؛ بينما لا تكتسب المادة أي معنى في  الطريقة المنطقية. ويتلقى التلميذ في طريقة المشروع المعلومات  كوحدة كلية غير مجزأة؛ يتعلم المعلومات كما هي الحقيقة وفي  الحياة. وبذلك تتفادى أكبر عيوب الطريقة المنطقية التي قسمت  المعلومات إلى علوم من تاريخ إلى كيمياء إلخ .. فأصبح الطالب  بسبب ذلك عاجزا عن الربط بين ما يتعلمه سواء في المادة الواحدة  أو بينها وبين غيرها من المواد

وتتناول طريقة المشروع عيوب التعليم الحالية فتنقد الطالب  من تحكم المناهج وكثرة المواد وتحكم المدرسين ومن شبح  الامتحان وما يتبعه من رسوب وفشل كفيل بقتل روح البحث  العلمي في التلميذ، وهي تضمن نمو المتعلم باستمرار ونمو  المعلم أيضا

إن طريقة المشروع أكبر حدث تربوي خطير ظهر في  العصر الحالي. وواجبنا نحن المصريين بوجه خاص والشرقيين  بوجه عام التخلص من الطريقة القديمة المنطقية التقليدية التي  نسير عليها، وأن ننقذ أبناءنا ومجتمعنا وأوطاننا بأن نؤدي لها  أكبر الخدمات واجبلها حين ندخل في التربية طريقة المشروع  أو ما يشبهها وينبني على أسسها؛ فبذلك وحده يظهر جيل حر  في تفكيره، عملي في حياته؛ جيل ينمو باستمرار ويتمشى مع ركب  الحياة. جيل يخلع رداء الجمود ويتحرر مما يعوقه من قيود.  وبمثل هذا الجيل يتسنى لنا مسايرة الزمن ومنافسة الغربيين؛ كيف  لا وقد أعدته رسالة المربى كما يجب أن تكون

اشترك في نشرتنا البريدية