الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 288الرجوع إلى "الرسالة"

Share

إلى العالم الإسلامي كافة وإلى المصريين خاصة

لا تزال دول الاستعمار مسترسلة في سياستها الظالمة نحو البلاد  العربية والإسلامية، مستخفة بشعور المسلمين غير حاسبة لهم  حساباً، فتعتدي على حقوقهم، وتغتصب ديارهم، وتهين شعائرهم.

ولا يكاد ينقضي وقت دون أن نسمع بنكبة نزلت ببلد إسلامي،  فبينما نحن نعالج قضية فلسطين المقدسة التي طغى فيها الاستعمار إذا  بنكبة أخرى قد انقضت على طرابلس الغرب، إذ يريد الطليان بعد أن  حرقوا الأخضر واليابس فيها، ودوّخوا أهلها وأفقروهم واستعبدوهم  وأذلوهم، يريدون أن يجهزوا عليهم فيجعلوا من بلادهم جزءاً من  الوطن الطلياني، ولا يزال يطن بآذاننا ما نشروه على العالم في خطب  ساستهم، وبكل الطرق من أن إيطاليا أصبحت صديقة المسلمين  والعرب وأنها تحميهم وتحمي ديارهم ومقدساتهم.

ولقد كانت مصر ولا تزال تبني سياسة دفاعها القومي عن  حدودها الغربية على اعتبار أن ما وراء هذه الحدود مسكون بقبائل  عربية لها في داخل حدودنا المصرية بنو عمومة وخئولة من نفس  هذه القبائل أو من عصباتها، وأن الإسلام يوثق أواصر السكان  بين البلدين وإن اختلفت تبعيتهما. فالدفاع الذي ترى كل أمة  من أول واجباتها الاستعداد له في زمن السلم من جميع الوجوه،  وعلى كل ما يتوقع من الاحتمالات، إنما كان ينظر إليه في مصر  من جهة حدودها الغربية من الجهة العسكرية فقط. أما وقد صدر  أخيراً القانون الإيطالي بجعل ولايات لوبيا الأربع جزءاً لا يتجزأ  من مملكة إيطاليا، فقد أصبح واجبا علينا أن ننظر إلى ذلك  من الوجهة الجغرافية والجنسية أيضاً، ولاسيما أن الإيطاليين  قد وجهوا عنايتهم إلى إنشاء مستعمرات لهم - حتى في الأجزاء  الفقيرة التربة من لوبيا - فلم يبق عند أحد شك في أن هنالك  برنامجاً عسكرياً له علاقة كبيرة بما وراء طرابلس وبرقة شرقاً وغرباً. إن البواخر الإيطالية حملت إلى القطر الطرابلسي الشقيق  في أواخر أكتوبر الماضي ألفاً وثمانمائة أسرة إيطالية تقدر نفوسها  بعشرين ألفاً. فأسكنت الحكومة منهم ألفاً ومائتي عائلة في جهة

طرابلس وستمائة عائلة في جهة برقة. وهذه أول دفعة من خمسة  ملايين نسمة إيطالية تقرر نقلها إلى طرابلس الغرب. وقد خصصت  حكومة روما لهذه الهجرة في ميزانية وزارة أفريقية مائة مليون  فرنك في كل سنة لبناء القرى واستنباط المياه وإصلاح الأراضي  للإيطاليين. وكان في طرابلس قبل مجيء هؤلاء نحو مائة ألف  عائلة إيطالية غير الجنود ومن ينظم إلى سلك الحكومة، وهؤلاء  وأولئك تحميهم الحكومة بقوتها. وقد أخذت لهم ١٤٧ ألف  فدان من أفضل أراضي لوبيا دون ثمن، وأجلت العرب عن أراضيهم  الخصبة في برقة الحمراء، ونقلتهم إلى الأراضي المجدبة الممتدة إلى  الوادي الفارغ جنوباً وإلى المرج شرقاً وإلى شاطئ البحر شمالاً  وهي أرض قليلة الآبار تزرع على المطر. أما برقة الحمراء التي تمتد  من شطوط مدينة بني غازي إلى ما وراء المرج في الجنوب وتشمل  الجبل الأخضر كله إلى ما وراء مدينة درنة في الجهة الشرقية،  فانتزعت من أيدي أصحابها الشرعيين وهم العرب وأعطيت للمغتصبين  من المستعمرين الذين جيء بهم من إيطاليا ليكونوا جيران مصر  إلى الأبد، وليتاخموها في السلم والحرب، وأصبح الجبل الأخضر  والأراضي الخصبة جميعاً محرَّماً دخولها على أبناء العرب.

وقد أصبح المصريون متاخمين لجهات ليست من أوطان  إخوانهم عرب برقة الذين يشتركون معهم في اللغة والدين،  بل لجهات ستكون عما قريب مسكونة كلها بإيطاليين، وعليهم من  الآن أن ينظروا إليها كما ينظر الفرنسي إلى حدوده الألمانية والألماني  إلى حدوده الفرنسية.

وإذا كانت إيطاليا لا تتورع عن إزعاج العالم الإسلامي بهذه  المظالم وهي تمد عينيها إلى تونس، فماذا يكون حالها مع المسلمين  إذا جاء وقت لا يهمها فيه أن تنشر دعايتها الاستعمارية بينهم عن  طريق محطات إذاعاتها اللاسلكية وما إلى ذلك.

لذلك نهيب بالمصريين وحكومتهم خاصة وبالعالم الإسلامي كافة  أن يفكروا في مصير طرابلس الغرب التي يوشك أن يجلى عنها  جميع أهلها العرب إلى أراضي الجنوب المحرقة حيث يقضى عليهم  فيها كما قضي على ستين ألفاً من سكان الجبل الأخضر لاقوا حتفهم  في الصحراء قبل بضع سنوات، هذا فضلاً عما يلحق كرامة  الإسلام بسلب هذا الوطن من حظيرته وتحويله إلى بقعة إيطالية. الرئيس العام لجمعيات الشبان المسلمين

اشترك في نشرتنا البريدية