الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 79الرجوع إلى "الرسالة"

7- محاورات أفلاطون، الجزء الثاني، كريتون أو واجب المواطن

Share

أشخاص الحوار: سقراط. كريتون مكان الحوار: سجن سقراط سقراط وانه لو عصى رأى الواحد ورضاه وغض عنهما  النظر، واضعاً في اعتباره رأي الكثرة التي لا تفقه من الأمر  شيئاً، أفلا يعاني شروراً؟

كريتون - انه بغير شك يعانيها سقراط - وماذا عساها تكون تلك الشرور؟ الام تنحو؟  وأي شيء تصيب من الشخص المتمرد؟ كريتون - لاريب في أنها ستصيب منه الجسد، فذلك  ما تقوى على هدمه الشرور

سقراط - ذلك جد جميل، أليس ذلك حقاً يا كريتون  بالنسبة إلى الأشياء الأخر، ولا حاجة بنا إلى ذكرها تفصيلاً؟ أينبغي أن نتبع رأي الجمهرة ونخشاها في موضوعات العدل  والظلم، والجميل والقبيح، والخير والشر، وهي ما نحن الآن  بصدد بحثه، أم نتبع في ذلك رأي الرجل الواحد الذي يفهمها،  والذي يجب أن يكون له منا هيبة وإجلال أكثر مما يكون  لسائر الناس أجمعين، والذي إن نبذنا قوله فانما نهدم في أنفسنا  جانباً كان يرجى له أن يقوم بالعدل وأن يسوء بالظلم، أليس فينا  ذلك الجانب؟

كريتون - إنه موجود يا سقراط، ولا شك في وجوده سقراط - خذ مثلاً شبيهاً بهذا: هب أننا انتصحنا بما  ينصح به هؤلاء الذين لا يفقهون فأفسدنا من أنفسنا جانباً،  تصلحه الصحة ويتلفه المرض - أفتكون الحياة جديرة بالبقاء  اذا افسد ذاك؟ وإنما أعني به - الجسد

كريتون - نعم سقراط - أفي وسعنا أن نعيش وأجسامنا مصابة بالشر  والفساد؟ كريتون - كلا ولا ريب سقراط - وهل تساوي الحياة شيئاً إذا ما فسد من الانسان  جزؤه الأسمى، ذلك الذي تقومه العدالة ويفسده الجور؟ أفيمكن  أن يكون ذلك العنصر الذي يرتبط أمره بالعدل والجور - مهم  يكن شأنه في الأنسان - أدنى منزاة من الجسد؟ كريتون - كلا ولاشك

سقراط - هو إذن أرفع مقاماً كريتون - هو ارفع مقاماً إلى حد بعيد سقراط - إذن فلا ينبغي يا صاح أن، ابه لما تقوله الجمهرة عنا،  إنما يجب أن نصغى لحكم الحقيقة، كما نستع إلى رأي ذلك  الواحد الذي يفهم كنه العدل والظلم، فأنت إذن قد رقعت في  الخطأ حين ارتأريت وجوب العناية بما يقوله الدهماء في الظلم  والعدل، والخير والشر، والزائن والشائن، سيقول أحد:    (ولكن الدهماء في مقدروها إهدامنا) كريتون - نعم ياسقراط، سيكون ذلك بغير شك رد  ما تقول

سقراط - هذا حق، ولكن مع ذلك يدهشني أن أرى  الحًجة القديمة لا تزال فيما أحسب قائمة قوية كما كانت،  وأحب أن أعرف إن كنت أستطيع أن أقول هذا القول في  قضية أخرى - وهي أن ليست الحياة حقيقة بالتدقير ما لم تكن  قبل كل شيء حياة خيرة؟ كريتون - نعم بقي لنا أن نبحث هذه أيضاً

سقراط - والحياة الخيرة تعادل الحيادة العادلة الشريفة -  أليس هذا كذلك صحيحاً؟ كريتون - نعم إنه صحيح سقراط - سانتقل من هذه المقدمات إلى البحث عما إذا  كان واجباً عليّ أن أحاول الفرار بغير موافقة الاثينيين،

م إن ذلك لايجوز؛ لإان كنت على حق صريح في الفران  حاولته، إن لم أكن، امنعت. اما سائر الاعتبارات التي  ذكرتها عن المال وضيعة الأخلاق وواجب تربية الأطفال، فهي  كما بلغني، ليست إلا تعاليم الدهماء الذين لو استطاعوا لما ابوا  أن يضيفوا الى الحياة أناساً، كما انهم لا يتعففون عن أن يوردوا  الحتف أناساً، وتكقيهم في كلتا الحالتين أوهن الأسباب. أما وقد  وصلنا بالجدل إلى هذا الحد، فقد بقيت لدينا مشكلة واحدة جديرة بالبحث، وهي: هل نكون على حق في الهروب بأنفسنا،  أو في تحميل سوانا عناء عوننا في الفرار، لقاء نقدهم جزاء وشكوراً  أم لا نكون، فان كانت الأخيرة فلا ينبغي أن يحسب  حساباً للموت، أو لما شئت من الكوارث التي قد تنجم عن  بقائي هنا

كريتون - احسبك مصيباً يا سقراط، فكيف سبيلنا إذن  إلى البحث؟ سقرا - لننظر معاً في الأمر، فان استطعت لما أقول تفنيداً  فافعل، وسأقتنع بك، وإلا فأمسك يا صديقي العزيز، ولا تقل  ثانية بأنه يجب عليّ أن الوذ بالفرار برغم إرادة الاثينيين، وليتني  أجد منك غقناعاً، ولشد ما أرغب في هذا على ألا يكون ذلك  مخالفاً لما أراه حكماً سديداً. وتفضل الآن فانر في موقفي الأول،  وحاول ما استطعت أن تجيب عما أقول

كريتون - سأبذل في ذلك وسعي  سقراط - افيجوز لنا القول بأنه لاينبغي لنا قطعاً أن نتعمد  الخطأ، أم أن فعل الخطأ مقبول حيناً مرذول حيناً آخر، أم أن  فعله أبداً شر ووصمة عار كما سبق لي القول الآن وسلمنا  بصحته معاً؟ أفننبذ الآن كل ما سمحنا لأنفسنا به منذ أيام قلائل؟  أم أننا قضينا هذا العمر الطويل، يحاور بعضنا بعضاً في حماسة  وإخلاص، لكي نوقن ونحن في هذه السن بأنا لا نفضل الاطفال  في شيء؟ أم نثق ثقة قاطعة بصحة ما قيل من قبل، من أن  الجور دائماً شر وعار على الجائر، يرغم ما يرى الدهماء، وبرغم ما ينجم  عن ذلك من نتائج، حسنة كانت أم سيئة؟ هل نؤيد هذا؟ كريتون - نعم

سقراط - إذن يجب ألا نفعل الخطأ كريتون - بقينا يجب ألا نفعله سقراط - واذا أصابنا الضرر فلا نرده بضرر مثله، كما  تتخيل كثرة الناس، لأنه يجب ألا نصيب أحداً بضر ريتون - واضح أن ذلك لا يجوز سقراط - ثم هل يجوز لنا أن نفعل الشر يا كريتون؟ كريتون - لا يجوز قطعاً يا سقراط سقراط - وما رأيك في رد الشر بالشر، وهي أخلاق  الدهماء - أذلك عدل أم ليس بالعدل كريتون - ليس بالعدل

سقراط - فلأن تصيب أحداً بشر كأن تصيبه بضر كريتون - صحيح جداً سقراط - إذن لاينبغي لنا أن نأخذ بالثأر، ولا أن نرد  الشر بالشر لاحد ما، كأننا ما كان الشر الذي ابتلانا به، وأحب  أن تنظر في الامر يا كريتون، لترى هل كنت حقاً تعني ما تقول،  ذلك لأنه لم يأخذ بهذا الرأي يوماً، ولن يأخذ به إلى آخر الدهر  فريق من الناس كبير. ولا سبيل الى اتفاق بين من يقرون هذا  الرأي ومن لا يقرونه، فما بد من أن يزدري بعضهم بعضاً،  عندما يرون كم بينهم من شقة الخلاف. حدثني إذن: أأنت متفق  معي ومؤيدي في مبدئي ذاك، وهو أن ليس من الحق أيقاع الضر،  ولا الأخذ بالثأر، ولا رد الشر بالشر؟ أمسلم أنت بهذا مقدمة  لحديثنا، أم أنت منكر له راغب عنه؟ لقد كان ذلك مذهبي منذ  عهد بعيد، وما يزال كذلك؛ فان كنت ترى غير ذلك رأياً،  فهات ما عندك؛ أما إن كنت بعد هذا كله لا تزال عند رأيك  الأول، انتقلت معك في الحديث خطوة أخرى

كريتون - إنني ثابت عند رأيي، فتستطيع أن تسير في الحديث سقراط - سانتقل إذن إلى الخطوة الثانية التي يمكن أن  توضع في صيغة هذا السؤال: أينبغي للأنسان أن يفعل ما يراه  حقاً، أم ينبغي له أن ينقص الحق كريتون - إنه يجب على الأنسان أن يفقعل ما يظنه حقاً سقراط - ولكن ما تطبيق هذا إن صح؟ ألست أسيء إلى

أحد إن تركت السجن برغم غرادة الأثينيين؟ أو على الأصح،  ألست أخطىء في حق أولئك الذين ينبغي أن يكونوا من أبعد  الناس عن الأساءة؟ ألا يكون ذلك تطليقاً لمبادئي التي سلمنا معاً  بعدها؟ ماذا تقول في هذا؟

كريتون - لست أدري يا سقراط، فلا أستطيع أن أقول شيئاً سقراط - إذن فانظر الى الأمر على هذا الوجه: هب أنني  هممت بالابوق   (أو إن شئت فسم هذا العمل بما أردت من أسماء)   فجاءت الى القوانيين والحكومة تسائلني: (حدثنا يا سقراط،  ماذا أنت فاعل؟ أتريد بفعلة منك أن تهز كياننا - أعني القوانين  والدولة بأسرها بمقدار ما هي في شخصك مائلة؟ هل تتصور  دولة ليس لأحكام قانونها قوة، ولاتجد من الافراد إلا نبذاً  واطراحاً، أن تقوم قائمتها، فلا تندك من أساسها؟) فبماذا  نجيب يا كريتون عن هذه العبارة واشباهها؟ وسيكون مجال  القول واسعاً لكل انسان، وللخطيب البليغ بنوع خاص،  يهاجمون هذا الشر الذي ينجم عن اطراح القانون الذي لابد  لحكمه من النفاذ. وربما أجبنا نحن:   (نعم، ولكن الدولة قد  آذتنا، وجارت علينا في قضائها)  هب إنني قلت هذا

كريتون - جميل جداً يا سقراط سقراط - سيجيب القانون:   (أفكان ذلك ما قطعته  معنا من عهد، أم كان لزاماً عليك أن تصدع لما حكمت به  الدولة؟)  فان بدت علي من قولهم هذا غعلائم الدهشة، فربما  أضاف القانون قوله: (أجب يا سقراط بدل أن تفتح لنا عينيك:  وقد عهدناك مسائلاً ومجيباً. حدثنا، ما شكاتك منا، تلك التي  تسوغ لك محاولة هدمنا وهدم الدولة معاً؟ فوق كل شيء، ألم  نأت بك الى الوجود؟ ألم يتزوج أبوك من أمك بعوننا فأعقباك؟ قل إن كان لديك ما تعترض به على أولئك الذين ينظمون  الزواج منا؟ وهنا لابد من إجابتي أن لا   (أو على أولئك الذين  منا ينظمون طرائق التغذية والتربية للأطفال، وفي ظلها نشأت  أت؟ ألم تكن القوانين التي نهضت بهذا على حق في أن طلبت  الى أبيك أن يدربك في الموسيقى ورياضة البدن؟)  وهنا يلزم أن  أجيب أن قد كانت على حق: (حسناً، فان كنا قد أتينا بك

الى العالم، ثم أطعمناك فانشأناك، أفأنت جاحد أنك قبل كل  شيء ابننا وعبدنا كما كان آباؤك من قبل؟ فان صح هذا فلسنا  وإياك سواسية، فلا تظن أن من حقك أن تفعل بنا ما نحن بك  فاعلون، وهل يكون لك أدنى حق في أن تنال أباك أو سيدك،  إن كان لك أب أو سيد، بالضرب أو بالشتم أو بغير ذلك من  السوء، إذا رقع عليك منه ضرب أو شتم، أو اصابك منه غير  ذلك من الشر. - لا نخالك قائلاً بهذا: وإذا كنا قد رأينا أن  من الصواب إعدامك، أفتطن أن من حقك أن تجازينا إعداماً  باعدام؟ وأن تجازى وطنك بمقدار ما هو مائل فيك؟ وهل تظن  يا أستاذ الفضيلة الحق أن يكون لك في ذلك ما يبررك؟ أيعجز  فيلسوف مثلك أن يرى بأن وطننا أخلق بالتقدير، وأنه اسمى  جداً واقدس من ام أو أب أو من شئت من سلف، وهو أجدر  بالاعتبار في نظر الآلهة واهل الفطنة من الناس؟ وانه ان غضب  وجب أن نهدىء من سورته، وأن نلاقيه لقاء وديعاً خاشعاً  أكثر مما نفعل حتى مع الوالد، فان تعذر اقناعه وحببت طاعته؟  فاذا نالنا منه العقاب بالسجن أو بالجلد، وجب ان نحتمل  جزاءه في صمت، إن ساقنا الى حومة الوغى حيث الجراح  والموت، كان لزاماً أن ننصاع له باعتباره مصيباً، دون أن يُسلم  أحد منا أو يقهقر أو يترك منصبه، وواجب حتم على الانسان  أن يصدع بما يأمره به الوطن، سواء أكان في ساحة الحرب أم  في ساحة القانون، إلا إذا غير من وجهة نظره في ماهية العدل،  وإن كان لايجوز له أن يقسو على أبيه أو أمه، فما أوجب أن  يكون رحيماًعلى وطنه) بماذا تجيب على هذا يا كريتون؟  آلقوانين فيما تقول صادقة أم ليست بصادقة؟ كريتون_أحسبها صادقة فيما تقول

( يتبع )

اشترك في نشرتنا البريدية