ولم يكن سيد مغنياً فقط، وإنما كان شاعراً أيضا ً... وما كان فى وسعه إلا أن يكون كذلك. فإن الذى بعثه على الغناء إحساس كان يخالجه ولم يكن يستطيع أن يعبر عنه إلا بالغناء، ولم يكن يستطيع أن ينتظر معه أن يبحث عن شاعر من الشعراء أو نظام من النظامين ليقول له إنى أحسست الحب على وجه من الوجوه، أو أحسست اللوعة على نحو من الأنحاء، فصور لى هذا الإحساس بالكلام لأغنية ... لم يكن يملك أن ينتظر كل هذا الانتظار وإنما كان يغنى ما يريد عند ما يحس أية عاطفة أو أية نزعة هو سكران مترنح ... وقد حددت له صاحبته موعداً،
وذهب إليها فتصدى له من يمنعه عنها، وهى معركة بينه وبين عذاله، فإذا حال بينه وبينهم أصدقاء له وأبعدوه عن الموقعة، ثم بدأوا يلومونه على سكره وعربدته غناهم:
وأنا مالى هى اللى قالت لى ... روح اسكر وتعال ع البهلى وهو جالس عند صديق له صائغ وتهبط عليهما غانيته مسرفة فى التزين والتبرج، وتراه ممسكاً بعوده فتعابئه وتطلب منه (غنوة) فما أسرعه إلى إنشاده ...
الأستيك على صدركْ بِضوي ... ونا قلبى مِتْعلَّق ساعة ويصطدم بذات المحار والصدف فيتقارآن السلام ويتعاتبان وأعصابه ترتج وأنفاسه تضطرب فما تبرحه وما تنقضى ليلة أو ليلتان حتى تسمع البلد كلها تغنى من لحن سيد:
زرونى كل سنة مرَّه ... حرام تنسونى بالمرة ويغاضب إحدى صويحباته فيكيدها بغنائه: يومْ تركت الحب كانْ لى ... فى مجال الأنس جانب والتقيت المجد عادْ لى ... بعد ما كانْ عنى غايب ولم يكن سيد يعبأ بأن يكون كلامه موزوناً أو مستوفياً لشروط الشعر وشروط صحته، فما كان يعرف إلا أنه يغنى، وكان غناؤه سليما !

