الأمير الصغير الكوب، وقدمه لأبيه؛ وما كاد الوالد يرشف جرعة منه حتى اشتدت عليه وطأة المرض، وساءت حالته، وبينما الوالد كذلك جاء الوالدان الآخران وآخذا يقولان على أخيهما ويتهمانه بتسميم الماء. ثم قدما لأبيهما ما الحياة الحقيقي؛ وما كاد يرشف قليلاً منه حتى تعافى، وأخذ وجهه يتلألأ بالنضارة والنشاط كأنما عاد إلى صباه. وذهب الأخوان الأكبران إلى الصغير وخدعاه بقولهما: لقد حصلت في الحقيقة على ماء الحياة ولكن بما انك فرطت في الحيطة والحذر، فلقد أفرغنا الماء من كوبك دون أن تدري؛ وزيادة على ذلك فسيحاول أحدنا في غضون هذه السنة أن يستولي على قلب أميرتك. ولكن حذار من أن تخوننا؛ وإلا فلن نتردد في القضاء عليك! وانك تعلم أنا لا نوعد إلا تحقق الوعيد!!)
وما كان من الأخوين إلا أن أوغرا صدر والهما عليه حتى أصدر الحكم بقتله، فأمر صياده الخاص بتنفيذه، وبعد أن توغل الأمير والصياد في الغابة، لاحت إمارات الحزن على محيا الصياد فسأله الأمير عما به؛ فأجابه الصياد: (من الفروض على أن لا أجا هرك بالسر؛ ولكني أراني مدفوعاً إلى الإفضاء به، من تلقاء عاطفتي وشفقتي عليك!) . فقال له الأمير: (قل بشجاعة ما تشاء فليس عليك من بأس!) . فأجابه الصياد، مصعداً زفرة عميقة: (لقد عهد إلى والدك الملك بقتلك!) . فاعترى الحزن الأميرة آنئذ، وقال والخوف يكاد يعقل لسانه: (أناة أيها الصياد! أن روحي عزيزة على، فارحمني يرحمك الله!) . وقرت في نفسه فكرة التنكر يرى الصياد، ففعل. وقفل الصياد راجعاً إلى القصر؛ أما الأمير فتوغل في الحرج. . .
وبعد مدة قصيرة، وردت ثلاث عربات مثقاة بالذهب والحجارة الكريمة إلى قصر لملك؛ وقد بعثها الملوك الثلاثة للأمير الأصغر، اعتراضاً بفضله عليهم عندما أعطاهم السيف ألذ هزموا به الأعداء، والخبز الذي ردوا به عادية الجوع الفاتك. وتجاوبت في نفس الملك آنئذ أصداء فكرة فقال: (لعل ابني يكون بريئاً؟!) وعض بنائه من الندم على إعدامه. ولكن الصياد كان في حضرته فصرخ بحدة قائلاً (أن ابنك لا يزال حياً يا مولاي، إذ لم يطاوعني قلبي على تنفيذ أمرك!) ٠٠. وقص عليه ما جرى. فسرى
عن الملك، وتقشعت آخر سحب الكآبة عن وجهه، وأمر بأن ينادي في طول البلاد وعرضها بأنه قد سمح لابنه بالعودة إلى كنفه.
وفي ذلك الحين كانت أميرة القلعة المسحورة، قد أمرت أن تفرش الطريق إلى قلعتها بالذهب الخالص الوهاج؛ وأمرت حشمها أن يسمحوا بالدخول فقط لمن يمشى على الذهب، وان يرجعوا كل من يطرق جان الطريق. وعندما حان الوقت الذي ذكرته الأميرة لعرسها المنتظر، طافت في نفس الأمير الأكبر الذهاب إلى القلعة، والإعلان بأنه عريس الأميرة. فامتطى جواده يؤم القلعة؛ وعندما وصل على مقربة منها، ورأى الطريق الذهبية أشفق أن يمشى عليها؛ ولذا جنح إلى الجهة اليسرى وعند ما وصل إلى الباب أشار الحراس عليه أن يعود أدراجه. وبعد ذلك،
ركب الأمير الثاني في طريقه إلى القلعة. وعندما خطا جواده على الطريق بقائمتيه الأماميتين خشي أن يمشي فوقها، ولذا جنح إلى الجهة اليمنى ولدى وصوله إلى الباب، رفض الحراس أن يدخلوه، وأمروه أن يرجع من حيث أتى: وما الأمير الصغير الذي ظل طوال هذه المدة يجول في الإحراج مهدهداً آماله بالصبر، فتذكر أن الوقت قد أزف؛ ولذا ركب جواده ومشى على الطرق الذهبية وعندما بلغ لباب انفتح له على مصراعيه، واستقلته أميرة القلعة بكل ترحاب. وبعد مدة قصيرة احتفل بزوارها احتفالاً رائعاً؛ ثم أخبرت الأميرة زوجها أن والده قد عفا عنه، وانه جد مشتاق لرؤيته: فذهب في الحال إلى أبيه، وقص عليه كيف خانه أخواه وكيف هدداه بالقتل أن باح لأحد بشيء مما فعلاه. ولما اطلع الملك على جلبة الأمر عزم على معاقبة الأخوين. فلما علما بذلك لم يبق إمامها إلا أن يهجرا البلاد إلى غير رجعة.
القدس كلية تراسانطا
