5 ) تدخل الدولة وغلبتها :
قد يتبادر للاذهان ، وفقا للوصف المتقدم ، وجود نظامين اثنين احدهما اساسه الملكية الخاصة لوسائل الانتاج ولو بقيود واسناد المنتوج لغاية دعم المالك سياسيا واجتماعيا والثانى اساسه الملكية غير الخاصة لوسائل الانتاج وموجه لسد حاجيات المنتجين .
وما ذلك الا فى الظاهر لان النظامين مرتبطان داخل تشكيلة اجتماعية واحدة من شأن اتصال الحياة فيها ان يشوه كلاهما . فلا محيد من قراءة الحساب لتدخل الدولة - رغم بقائها أجنبية عن تنظيم الانتاج - على مستوى اسناد المنتوج فى شكل جباية غالبا ما تكون بضاعة وذلك بوصف تلك الدولة مالكة سامية للارض .
كتب ابن خلدون (ص 337 ) : (( انما الملك على الحقيقة لمن يستعبد الرعية ويجبى الاموال ويبعث البعوث ويحمى الثغور ولا تكون فوق يده يد قاهرة ، وهذا معنى الملك وحقيقته فى المشهور .
فمن قصرت به عصبيه عن بعضها مثل حماية الثغور او جباية الاموال او بعث البعوث فهو ملك ناقص لم تتم حقيقته كما وقع لكثير من ملوك البربر فى دولة الاغالبة والفيروان وملوك العجم صدر الدولة العباسية )) .
فجلى انها دولة من مشمولاتها الجوهرية اخذ خراج فى شكل جباية مقابل تأمين بعض الخدمات كالدفاع وانجازات اخرى .
يقول ابن خلدون ( 617 ) : ((ان الدول اقدم من المدن والامصار وانها انما توجد ثانية ( ... ) ثم اذا بنيت المدينة و كمل تشييدها بحسب نظر من شيدها بما اقتضته الاحوال السماوية والارضية فيها ، فعمر الدولة حينئذ عمر لها ، فان كان عمر الدولة قصيرا وقف الحال فيها عند انتهاء الدولة وتراجع عمرانها وخربت ، والمنازل الرحيبة تكثر و تتعدد ونطاق الاسواق يتباعد وينفسح الى ان تتسع الخطة وتبعد المسافة وينفسح ذرع المساحة كما وقع ببغداد وامثالها .
ذكر الخطيب فى تاريخه ان الحمامات بلغ عددها ببغداد لعهد المامون خمس وستين الف حمام وكانت مشتملة على مدن وامصار متلاصقة ومتقاربة تجاوز الاربعين ولم تكن مدينة وحدها يجمعها سوار واحد لافراط العمران وكذا حال القيروان وقرطبة والمهدية فى الملة الاسلامية وحال القاهرة بعدها فيما يبلغنا لهذا العهد )) .
فمادة الانجازات تعنى حينئذ مبانى حضرية فى غالب الاحيان ( محلات اقامة ، مصالح عمومية كالحمامات ) بما فيها من بيوت الدين . واذا ما استثنينا مصانع الحرفيين فان التجهيزات المعدة للانتاج تبدو نادرة الا ما يخص التجهيز المائى فى المناطق المحيطة بالمدن ( حالة القيروان مثلا ) السبب تجده فى المعطيات الايكولوجية التى لا تظاهى تلك التى اسفرت عن نمو انماط الانتاج الاسيوية الخالصة والمفضية الى اشغال هامة فى البناء التحتى المائى منه بالخصوص .
ما هى المواد التى تسمح بانجاز هذه الاشغال ؟ انها طبعا الجبايات التى لا تكتمل الدولة بدونها يفيدنا ابن خلدون فى هذا الصدد فيقول ( ص 501) : ((اعلم ان الجباية اول الدولة تكون قليلة الوزائع كثيرة الجملة وآخر الدولة تكون كثيرة الوزائع قليلة الجملة والسبب فى ذلك ان الدولة ان كانت على سنن الدين فليست تقتضى الا المغارم الشرعية من الصدقات والخراج والجزية وهي قليلة الوزائع لأن مقدار الزكاة من المال قليل كما علمت وكذا زكاة الحبوب والماشية وكذا الجزية والخراج وجميع المغارم الشرعية وهى حدود لا تتعدى .
فاذا استمرت الدولة واتصلت (..) وذهب شر البداوة والسذاجة وتكاثرت عوائدهم وحوائجهم بسبب ما انغمسوا فيه من النعيم والترف
فيكثرون الوظائف والوزائع حينئذ على الرعايا والاكرة والفلاحين وسائر اهل المغارم ويزيدون فى كل وظيفة ووزيعة مقدارا عظيما لتكثر لهم الجباية ويضفون المكوس على المبايعات فى الابواب . (...) اعلم ان الدولة اذا ضاقت جبايتها بما قدمناه فى الترف وكثرة العوائد والنفقات وقصر الحاصل من جبايتها على الوفاء بحاجاتها ونفقاتها واحتاجت الى مزيد من المال والجباية فتارة توضع المكوس على بياعات الرعايا واسواقهم كما قدمنا ، وتارة بزيادة فى القاب المكوس ان كان قد استحدثت من قبل ، وتارة بمقاسمة العمال والجباة وامتكاك عظامهم مما يرون انهم قد حصلوا على شئ طائل من اموال الجباية لا يظهره الحسبان ، وتارة باستخدام التجارة والفلاحة للسلطان على تسمية الجباية .
انها كما ترى جباية تثقل كاهل الفلاحين عبر المحاصيل والمواشى والاراضى والاسواق وتجار المدن وحرفييها عبر اسواقها على حد سواء . تواصل استخلاص الدولة لهاته الجبايات فى تونس والجزائر الى غاية القرن التاسع عشر (15) ويتجلى ان استدرار الجبايات يقوم به اعوان الدولة ولاة كانوا أو جباة غالبا ما يفوزون بوظائفهم بدفع اثمانها واستمر الشأن هكذا الى غاية القرن التاسع عشر ، كما لم ينقطع تولى رؤساء القبائل استخلاص الجباية وهو ما يجعل النزوع الى الاقطاعية ممكن الظهور اذا ما نزل الهرم بالحكم المركزى ، كتب ابن خلدون(ص 680 ):
(( فاذا نزل الهرم بالدولة وتقلص ظل الدولة عن القاصية احتاج اهل امصارها الى القيام على امرهم والنظر فى حماية بلدهم ورجعوا الى الشورى وتميز العلية على السفلة ، والنفوس بطابعها متطالبة الى الغلب والرئاسة (...) وقد وقع هذا بافريقية لهذا العهد فى آخر الدولة الحفصية لاهل بلاد الجريد من طرابلس وقابس وتوزر ونفطة وقفصة وبسكرة والزاب ، وما الى ذلك سموا الى مثلها ( اى منازع الملوك ) عند تقلص ظل الدوله عندهم منذ عقود من السنين ، فاستغلبوا على امصارهم واستبدوا بامرها على الدول فى الاحكام والجباية .
(...) وقد كان مثل ذلك وقع فى آخر الدولة الصنهاجية ، واستقل بامصار الجريد اهلها واستبدوا على الدولة حتى انتزع ذلك منهم شيخ الموحدين وملكهم عبد المؤمن بن على ونقلهم كلهم من امارتهم بها الى المغرب ومحا من
تلك البلاد اثارهم كما تذكر فى اخباره وكذا وقع بسبته لآخر دولة بنى عبد المؤمن ، وهذا التغلب يكون غالبا فى أهل السروات والبيوتات المرشحين للمشيخة والرئاسة فى المصر ، وقد يحدث التغلب لبعض السفلة من الغوغاء والدهماء ، واذا حصلت له العصبية والالتحام بالاوغاد لاسباب يجرها له المقدار فيتغلب المشيخة والعلية ان كانوا فاقدين للعصابة )) .
لنا ان نتسائل هنا عن سبب الانكسار الحتمى لهذه النزعات من جراء بروز حكم مركزى متغلب جديد ان عناصر مهمة للجواب تجدها فى جدلية العصبية . فبخلاف اوربا ، لا احتكار او شبه احتكار فى المغرب لوسائل مباشرة السلطة العمومية ذلك ان اغلبية الرعاة وسكان الجبال مقاتلون تجمعوا قبائل تحركها العصبية فهناك ضرب من ضروب الديمقراطية العسكرية لا قوى مقاتلة فيها غير القبائل التى تستند عليها كل الدعوات السياسية سواء اكانت تهدف الى دعم الحكم المركزى القائم امام مناوئية أم الى قلب الدولة من قبل طامعين جدد .
وهكذا فان كل قبيلة تضم عنصرين متحدين متضادين لا تخلو منها بنى الانتقال الاجتماعية - السياسية من المجتمع الفاقد للطبقات الى المجتمع الطبقى الا وهما نفوذ القائد والنزعة القبلية للتساوى التى لا يستقيم ذلك النفوذ بدونها وتسعى الارستقراطية القبلية الى اتمام حقيقتها فتظهر وكأنها طبقة تتناقض مصالحها مع مصالح بقية اعضاء القبيلة بصنيعها هذا تنكر ذاتها ويحصل النكران الاوفى لنفوذها هذا عندما تتأسس دولة تحل علائق التميز والخضوع محل علائق المساواة الاولى فتتاكل القبيلة الغالب ولا مناص عندئذ فى ذلك المحيط من الديمقراطية العسكرية من ان تستغلب قبيلة او عصبة قبائل سلمت عصبيتها من المتناقضات الداخلية باقى القبائل .
وما لم تؤسس قبيلة دولة فلا خوف على توازنها الداخلى القائم على تواجد نفوذ رئيسها ونفوذ اعضائها ولا على سطوتها . جاء فى مقدمة ابن خلدون ( ص 270 ) :
((ان العرب اكثر بداوة من سائر الامم وابعد مجالا فى القفر واغنى عن حاجات التلول وحبوبها لاعتيادهم الشظف وخشونة العيش ، فاستغنوا عن غيرهم فصعب انقياد بعضهم لبعض لايلافهم ذلك وللتوحش ، ورئيسهم محتاج اليهم غالبا للعصبية التى بها المدافعة فكان مضطرا الى احسان ملكتهم وترك مراغمتهم ، لئلا يختل عليه شأن عصبيته ، فيكون فيها هلاكه
وهلاكهم وسياسة الملك والسلطان تقتضى ان يكون السائس وازعا بالقهر والا لم تستقم سياسته )) .
ينشأ عن ذلك افتقار للاستقرار السياسى : 10 دول فى 10 قرون بالمغرب الاوسط و 9 فى المغرب الاقصى و 6 فى افريقية .
لكن ينتج عن ذلك ايضا استبداد المؤسسة الدولية بالعقول فالدولة يعاد بناؤها بنفس الحرص الذى يقضى الى هدمها حتى ان كل ما فى المجتمع يعرف بالرجوع الى الدولة وحال المخضعين ( قبائل المخزن وهو ما يشير الى الطابع الخراجى الواضح للعلاقات الاجتماعية اذ المخزن يصلح لخزن الخراج ) هو تماما حال المنشقين ( قبائل بلاد السيب وهو ما يفيد شرودها عن الدولة ) .
6 - الانتاج الحرفى السلعى :
كان الانتاج السلعى بما لا يدع مجالا للشك مزدهرا فى المراكز الحضرية بالمغرب . ولكن هاته الحرف كانت فى خدمة الطبقة المسيرة للدولية وبشكل لاحق ذوى الشوكة من رؤساء القبائل الخادمين للدولة منهم او المنشقين . كتب ابن خلدون ( ص 514 ):
(( الدولة والسلطان هى السوق الاعظم للعالم ومنه مادة العمران ، فاذا احتجن السلطان الاموال او الجبايات او فقدت فلم يصرفها فى مصارفها قل حينئذ ما بايدى الحاشية والحامية ، وانقطع ما كان يصل منهم لحاشيتهم وذويهم ، وقلت نفقاتها جملة وهم معظم السياح فى المدن ونفقاتهم اكثر مادة للاسواق ممن سواهم فيقع الكساد حينئذ فى الاسواق وتضعف الارباح فى المتاجر )) .
يصنف ابن خلدون فى هذا الصدد الانتاج الصناعى الى صنفين : حرف انتاج الخيرات الضرورية وتجدها فى كل تجمع حضرى ( ص 679 ) :
كالخياط والحداد والنجار وامثالها وحرف شؤون الترف (ص 679) (( ما يستدعى لعوائد الترف ، واحواله فانها توجد فى المدن المستبحرة فى العمارة مثل الزجاج والصائغ والدهان والطباخ والصفار والفراش والذباح وامثال هذا )) وهاته الحرف لا تزدهر الا فى العواصم الاميرية ونموها رهين نمو الدولة نفسها فالدولة تستقطب النشاط السلعى البسيط سواء فى الميدان القضائى (ص 665 ) :
((ولهذا تجد فى الامصار التى فى القاصية ولو كانت موفورة العمران تغلب عليها احوال البداوة وتبعد عن الحضارة فى جميع مذاهبها ، بخلاف المدن المتوسطة فى الاقطار التى هى مركز الدولة ومقرها ، وما ذلك الا لمجاورة السلطان لهم وفيض امواله فيهم كالماء يخضر ما قرب منه الى ان ينتهى الى الجفوف على البعد وقد قدمنا ان السلطات والدولة سوق للعالم ، فالبضائع كلها موجودة فى السوق وما قرب منه واذا بعدت عن السوق افتقدت البضائع جملة )) . او فى المحور الزمنى ( ص 618 ) :
(( واما بعد انقراض الدولة المشيدة للمدينة ، فاما ان يكون لضواحى تلك المدينة وما قاربها من الجبال والبسائط بادية يمدها العمران دائما ، فيكون ذلك حافظا لوجودها ويستمر عمرها بعد الدولة كما تراه بفاس وبجاية من المغرب ، وبعراق العجم من المشرق الموجود لها العمران من الجبال ، لان اهل البداوة اذا انتهت احوالهم الى غاياتها من الرفه والكسب ، تدعو الى الدعة والسكون فى طبيعة البشر ، فينزلون المدن والامصار ويتأهلون واما اذا لم يكن لتلك المدينة المؤسسة مادة تفيدها العمران بترادف السكان من بدوها ، فيكون انقراض الدولة خرقا لسياجها فيزول حفظها ، ويتناقض عمرانها شيئا فشيئا الى ان يبذعر ( يتفرق ) ساكنها وتخرب ، كما وقع بمصر وبغداد والكوفة بالمشرق والقيروان والمهدية وقلعة بنى حماد بالمغرب وامثالها فتفهمه )) ,
وهكذا فان الظروف الايكولوجية تؤثر فى تحديد مستوى الفائض الذى تنتجه ضواحى المدينة وما قاربها من البوادى لكن المدن والانشطة بها غالبا ما تكون فى المغرب مجرد معسكرات اميرية مصطنعة الاقامة ومتوقفة حياتها على الفائض المجلوب الى مركز الدولة الخراجية والارض المندوحة لازمة لكى يكون هذا الفائض ذا بال فى جزئه الداخلى على الاقل اذ هى الوحيدة التى تقدر على تغذية سوق عظمى ( ص 621 ) :
(( قد قدمنا ذلك فى اثار الدولة من المبانى وغيرها ، وانما تكون على نسبتها وذلك ان تشييد المدن انما يحصل باجتماع الفعلة وكثرتهم وتعاونهم ، فاذا كانت الدولة عظيمة متسعة الممالك حشر الفعلة فى اقطارها وجمعت أيديهم على عملها )).
وفي موضع آخر يقول ابن خلدون(ص 649 ) : ((عرف وثبت ان الواحد من البشر غير مستقل بتحصيل حاجاته فى معاشه ، وانهم متعاونون جميعا فى عمرانهم على ذلك ، والحاجة التى تحصل
بتعاون طائفة منهم تشتد ضرورة الاكثر من عددهم اضعافا ، فالقوت من الحنطة مثلا لا يستقل واحد بتحصيل حصته منه ، واذا انتدب لتحصيله الستة او العشرة من حداد ونجار للالات وقائم على البقر واثار الارض وحصاد السنبل وسائر مؤن الفلح ، وتوزعوا على تلك الاعمال او اجتمعوا وحصل بعملهم ذلك مقدار من القوت ، فانه حينئذ قوت لاضعافهم مرات ، فالاعمال بعد الاجتماع زائدة على حاجات العاملين وضروراتهم )) . لاحظ كم رائع هو هذا التعريف للزائد او الفائض الاجتماعى .
7 ) نمو القوى الانتاجية :
الفقرة المتقدمة واستشهادات اخرى سابقة تفيد بجلاء نمو القوى الانتاجية مرتبط ارتباطا مباشرا بالوضع الديمغرافى من اجل الدور الجوهرى الذى تلعبه قوة العمل فى حضيرة الانتاج (16 ) وهو امر شائع فى التشكيلات ما قيل الراسمالية يقول ابن خلدون (ص 689 :
(( وكثرة العمران تفيد كثرة الكسب لكثرة الاعمال التى هى سببه ... والمكتسبات كلها او اكثرها انما هى قيم الاعمال الانسانية )) وفى ص 660 : ((واعتبر حال الرفة من العمران في قطر افريقية وبرقة لما خف سكنها وتناقص عمرانها كيف تلاشت احوال اهلها وانتهوا الى الفقر والخصاصة وضعفت جباياتها فقلت اموال دولها بعد ان كانت دول الشيعة وصنهاجة بها على ما بلغك من الرفه وكثرة الجبايات واتساع الاحوال فى نفقاتهم واعطياتهم حتى لقد كانت الاموال ترفع من القيروان الى صاحب مصر فى حاجاته ومهما له وكانت أموال الدولة بحيث حمل جوهر الكاتب فى سفره الى فتح مصر ألف حمل من المال يستعد بها لارزاق الجنود واعطياتهم ونفقات الغزاة .
وقطر المغرب وان كان فى القديم دون افريقية فلم يكن بالقليل فى ذلك وكانت احواله فى دول الموحدين متسعة وجباياته موفورة ، وهو لهذا العهد قد اقصر عن ذلك القصور العمران فيه وتناقصه ، فقد ذهب من عمران البربر فيه اكثر ونقص عن معهوده نقصا ظاهر محسوسا وكاد ان يلحق فى احواله بمثل احوال افريقية بعد ان كان عمرانه متصلا من البحر الرومى الى بلاد السودان فى طول ما بين السوس الاقصى وبرقة وهى اليوم كلها أو اكثرها قفار وخلاء وصحارى ، الا ما هو منها بسيف البحر او يقاربه من التلول ))
لكن الاستنتاج القائل بان المغرب انذاك بلاد مجاعة غير جائز (17)(ص 656) : " ويحسب الناس اذ سمعوا بغلاء الاسعار في قطرهم انها لقلة الاقوات والحبوب فى أرضهم ، وليس كذلك ، فهم أكثر أهل المعمور فلحا فيما علمناه واقومهم عليه ، وقل ان يخلو منهم سلطان او سوقة عن فدان او مزرعة او فلح الا قليل من اهل الصناعات والمهن او الطراء على الوطن من الغزاة المجاهدين ، ولهذا يختصهم السلطان على عطائهم بالعولة وهي اقواتهم وعلوفاتهم من الزرع وانما السبب في غلاء سعر الحبوب عندهم ما ذكرناه . ولما كانت بلاد البربر بالعكس من ذلك فى زكاء منابتهم وطيب ارضهم ارتفعت عنهم حملة فى الفلح مع كثرة وعمومه ، فصار ذلك سببا لرخص الاقوات ببلدهم " لكن الفائض المستخرج من الارض وهي الوسيلة الرئيسية للانتاج لا لا يزيد كثيرا عن سد الخلة وضرورة المعاش مما يضعف الفائض الاجتماعى ( ص 662) :
" واما فوائد العقار والضياع فهى غير كافية لما لها فى حاجات معاشة ، اذ هي لا تفي بعوائد الترف واسبابه وانما هى فى الغالب لسد الخل وضرورة المعاش .
والذي سمعناه من مشيخة البلدان ان القصد باقتناء الملك من العقار والضياع انما الخشية على من يترك خلفه من الذرية الضعفاء ليكون مرباهم به ورزقهم فيه ، ونشوؤهم بفائدته ما داموا عاجزين عن الاكتساب فاذا اقتدروا على تحصيل المكاسب سعوا فيها بأنفسهم .
هذا قصد المترفين فى اقتنائه واما التمول منه واجراء احوال المترفين فلا ، وقد يحصل ذلك منه للقليل او النادر بحوالة الاسواق وحصول الكثرة البالغة منه ، والعالي في جنسه وقيمته فى المصر ، الا ان ذلك اذا حصل ربما امتدت اليه اعين الامراء والولاة واغتصبوه فى الغالب او ارادوه على بيعه منهم ونالت اصحابه منه مضار ومطالب)) .
لذلك فان الفائض المتولد عن نمو القوى الانتاجية يبدو رديئا فى المغرب بالمقارنة إلى جهات اخرى من العالم خصوصا فى بلدان الاندلس ومصر المجاورة حيث ظروف ايكولوجية اكثر ملائمة ( ص 668) : " فاما المغرب فانتقل اليه منذ دولة الموحدين من الاندلس حظ كبير من الحضارة ، واستحكمت به عوائدها بما كان لدولتهم من الاستيلاء على بلاد
الاندلس وانتقل الكثير من اهلها اليهم طوعا وكرها ، وكانت من اتساع النطاق ما عملت فكان حظ صالح من الحضارة واستحكامها ومعظمها من اهل الاندلس ثم انتقل اهل مشرق الاندلس عند جالية النصارى الى افريقية فابقوا فيها وبامصارها من الحضارة اثارا ومعظمها بتونس فامتزجت بحضارة مصر ، وما ينقله المسافرون من عوائد ، فكان بذلك للمغرب وافريقية حظ صالح من الحضارة عفي عليه الخلاء ، ورجع اعقابه وعاد البربر بالمغرب الى اديانهم من البداوة والخشونة ، وعلى كل حال فاثار الحضار بافريقية اكثر من المغرب ولقرب عوائدهم من عوائد اهل مصر لكثرة المترددين بينهم "
بيد ان هذا الانقباض ناتح عند استيفاء التحليل عن استعمال الفائض الذي يؤول الى الطبقة الدولية ومن يدور فى فلكها بالمدن فتهريقه فى استهلاك مواد الترف ( ص 502) :
(( واذا استمرت الدولة واتصلت ، فتعاقب ملوكها واحدا بعد واحد واتصفوا بالكيس وذهب شر البداوة والسذاجة وخلقها من الاغضاء والتجافى وجاء الملك الغضوض والحضارة الداعية الى الكيس ، وتخلق اهل الدولة حينئذ بخلق التحذلق وتكثرت عوائدهم وحوائجهم بسبب ما انغمسوا فيه من النعيم والترف )) .
لكن امكانيات توليد الفائض الداخلى لا تكفى لما يميل اليه كل حكم قائم من استهلاك جنوني بل قل استهلاك الف ليلة وليلة وهو ما يدفع هذا الحكم الى ارتكاب شتى انواع المظالم والاستغلال الفاحش للمنتجين مما يؤدى الى الدمار وخراب العمران في آخر المطاف ( ص 518 ) :
(( فجباة الاموال بغير حقها ظلمة والمعتدون عليها ظلمة ، والمنتهبون لها ظلمة ، والمانعون لحقوق الناس ظلمة ، وغصاب الاملك على العموم ظلمة ، ووبال ذلك كله عائد على الدولة بخراب العمران الذي هو مادتها لاذهابه الامال من اهله )) وفى ص 519 :
(( ومن اشد الظلمات واعظمها فى افساد العمران تكليف الاعمال وتسخير الرعايا بغير حق ، وذلك ان الاعمال من قبيل المتمولات كما سنبين فى باب الرزق والكسب لأن الرزق والكسب انما هو قيم اعمال أهل العمران ، فاذا مساعيهم واعمالهم ومتمولاتهم ومكاسب لهم ، بل لا مكاسب لهم سواها ، فان الرعية المعتملين فى العمارة انما معاشهم ومكاسبهم من اعتمالهم ذلك ، فاذا كفوا العمل فى غير شأنهم واتخذوا سخريا فى معاشهم بطل كسبهم واغتصبوا قيمة عملهم ذلك وهو متمولهم فدخل عليهم الضرر وذهب لهم حظ كبير من معاشهم ، بل هو معاشهم بالجملة ، وان تكرر ذلك عليهم افسد
امالهم في العمارة وقعدوا عن السعى فيها جملة فادى ذلك الى انتقاض العمران وتخريبه )) .
وفي موضع آخر يقول ابن خلدون فى باب الرزق ( ص 691 ) : (( المعاش امارة وتجارة وفلاحة وصناعة فاما الامارة فليست بمذهب طبيعي للمعاش )) وذلك (( بأخذه من يد الغير وانتزاعه بالاقتدار عليه على قانون متعارف ويسمى مغرما وجبابية )) .
و محصلة القول ان الطبقة الدولية ليست فقط غير منتحة إذ تقتصر على سلب الزائد في المنتوج الاجتماعى ولكنها استعملت الفائض الذي يساق الى ايديها لغايات غير منتجة كذلك .
8 ) التجارة البعيدة :
يعرف ابن خلدون هذا النوع من النشاط قائلا ( ص 715 ) : ((نقل السلع من البلد البعيد المسافة أو فى شدة الخطر فى الطرقات يكون أكثر فائدة للتحار وأعظم ارباحا واكفل بحوالة الاسواق لان السلعة المنقولة حينئذ تكون قليلة معوزة لبعد مكانها أو شدة الغرر فى طريقها وا إذا قلت وعزت غلت اثمانها ، (...) ولذا تجد التجار الذين يولعون بالدخول الى بلاد السودان ارفه الناس واكثرهم اموالا ، لبعد طريقهم مشقته واعتراض المفازة الصعبة المخطرة بالخوف والعطش ، فتجد سلع بلاد السودان قليلة لدينا فتختص بالغلاء وكذلك سلعنا لديهم فتعظم بضائع التجار من تناقلها ويسرع اليهم الغني والثروة من اجل ذلك، وكذلك المسافرون من بلادنا الى المشرق لبعد الشقة ايضا )) .
وواضح ان هذا الصنف من التجارة يمكن طبقة التجار من الاستيلاء على فائض متولد عن ربط الاتصال بين تشكيلات تجهل بعضها البعض لكنه كغيره من الانشطة خاضع بدوره الى الحكام ( ص 713 ) :
(( فان كان جريئا على الخصومة بصيرا بالحسبان شديد المماحكة مقداما على الحكام ، كان ذلك اقرب له الى النصفة بجراءته منهم ، ومماحكته والا فلا بد له من جاه يدرع به يوقع له الهيبة عند الباعة ويحمل الحكام على انصافه من معامليه فيحصل له بذلك النصفة فى ماله طوعا في الاول وكرها فى الثانى .
واما من كان فاقدا للجراءة والاقدام من نفسه فاقدا الجاه من الحكام فينبغي له ان يجتنب الاحتراف بالتجارة ، لانه يعرض ماله للضياع والذهاب ويصير ماله للباعة ، ولا يكاد ينتصف منهم ، لان الغالب في الناس وخصوصا الرعاع والباعة شرهون الى ما فى ايدى الناس سواهم متوثبون عليه ، ولولا وازع الاحكام لاصبحت اموال الناس نهبا )) .
فالقاعدة العامة حينئذ ان تكون للتجار رابطة وثيقة مع الطبقة المسيرة او ان يكونوا من افرادها ويسارهم ناشىء عن منزلة الوسيط الاجبارى الذى يحتلونه فى السوق الاممية ( ص 702 ) :
و (( فاقد الجاه بالكلية ولو كان صاحب مال فلا يكون يساره الا بمقدار ماله وعلى نسبة سعيه وهؤلاء هم اكثر التجار ، ولهذا تجد اهل الجاه منهم يكونون ايسر بكثير )) .
انها لظاهرة عامة فى التشكيلات الخراجية الشرقية والافريقية لم تنقطع طوال الفترة التى تهمنا فقد جمع يوسف صاحب الطابع وزير حمودة باشا باي وكاتبه يونس الجربى ثروات طائلة فاقت حتى ميزان الدولة . وبالاضافة الى التجارة المشروعة تجدر الاشارة إلى القرصنة وهى ايضا بمثابة ضرب من ضروب التجارة رغم عدم مشروعيتها والقائمون بها مجهزون من رجال الحكم او من المقربين اليهم .
من ذلك ان دولة البايات ذهبت الى حد قبول جزئى فى شكل هدايا يسلمها قناصل الدول الاوربية الشمالية منها بالخصوص المفضلين شراء السلم مع الباى على السعى المريب وراء ابادة القرصنة التونسية . وبديهى ان وارد القرصنة رهين مدى تحكم الدول المغربية فى البحار وقد كادت السيطرة الاسلامية فى البحر المتوسط ان تكون تامة اثر المد الاسلامى على ضفاف المتوسط وتجسمت باحتلال كل الجزر الكبيرة فى الحوضين الغربى والشرقي ثم تلتها فترات من المد والجزر كان للمغرب فيها حظ اوفر منه فى المشرق وفي زمان ابن خلدون فقد الجزء الاوفر من التقاليد البحرية وترك التحكم فى البحر الى النصارى .
ولم يحصل شئ من التوازن الا مع بروز سطوة آل عثمان مما سمح للقرصنة المغربية من توفير دخل ذى بال الى اصحاب الحكم حتى بداية القرن التاسع عشر .
9 - تمفصل المحافل :
لقد اسلفنا ان ملكية وسائل الانتاج تضبط طبقا للشرع القرآني والمؤسسات المنصوص عليها به . كما بينا ان للدولة الباع الطويل فى النظام الاقتصادى للمجموعات وكذلك فى نمط الانتاج السلعي البسيط او فى تحارة المسافات البعيدة وهو ما يبرر حديث بعضهم عن الاستبداد الشرقي .
الواقع انه طبيعي ان تدور الحضارة فى مثل هاته المجتمعات فى فلك الدولة اذ الدولة هي التى تتولى تجميع الفائض واعادة توزيعه حسب مشيئتها لكنها تحتاج دائما الى مذهب يشد ازرها مصدره الدين بطبيعة
الحال والسياسة والدين كانا منصهرين حتى ان الدعوات السياسة كانت تقوم دائما فى شكل دعوات دينية . جاء عند ابن خلدون ( ص 282 ) : (( ان الدعوة الدينية تزيد الدولة فى اصلها قوة على قوة العصبية والتى كانت لها من عددها )) .
وهو ما يفيد تفوق المحفل المذهبى لكن سرعان ما يلاحظ ابن خلدون ( ص 283 ) : (( ان الدعوة الدينية من غير عصبية لا تتم )) بعبارة اخرى فان الدعوة الدينية انما هى شكل تتخذه النضالات الاجتماعية وليس العكس وتقرير هاته الاخيرة راجع فى نهاية الامر الى الكفاح من اجل الاستيلاء على الفائض الاجتماعى .
والدولة نفسها مع كونها الغاية الطاهرة لكل عمل سياسي - ديني ما هى الا مؤسسة من البناء الفوقى مرتبطة جدليا بالقاعدة المادية التى افرزنها ( ص 678 ) : ((ان الدولة والملك للعمران بمثابة الصورة للمادة وهو الشكل الحافظ لوجودها ، وقد تقرر في علوم الحكمة انه لا يمكن انفكاك احدهما عن الآخر ، فالدولة دون العمران لا تتصور ، والعمران دون الدولة والملك متعذر لما فى طباع البشر من العدوان الداعى الى الوازع فتتعين السياسة لذلك )) .
10 - الخاتمة :
تلك هي الخطوط العريضة للتشكيلة المغربية فى عهد ما قبل الاستعمار انظمة انتاج مجموعات في انعزال او تكاد (18) واخرى سلعية بسيطة تسيطر الدولة عليها جميعا يضاف اليها نظام للتجارة البعيدة راضخ الى الدولة كذلك .
ولم يخل ذلك المجتمع من العبودية لكن استعمالها كاد ينحصر فى الاشغال المنزلية (19) ولم تصرف في حقل الانتاج الا فيما ندر ( فى الثغور الصحراوية بالواحات ( .
ورغم ان ابن خلدون اشار الى بعض الانجازات فان الدول المغربية لم تنجز اشغالا كبرى من شأنها ان تنظر بما ينجز فى انماط الانتاج الاسيوية لكن ذلك لا يهم كثيرا لانه ثبت من الوجهة التاريخية ان الاشغال الكبرى لم تقرر وجود الدولة بل ان قيام الدولة ( لغرض دفع الغزاة ) هو الذى جعل
الاشغال المائية ممكنة . يبدو الخراج الذي تحتجزه الدولة فى شكل جبايات بالخصوص غير كاف بسبب رداءته لكى يكون القاعدة المادية اللازمة لسلطان اعظم أو لنيل حظ وافر من الحضارة . لكن ذلك لم يمنع قيام دول وحضارات ذات شأن والفضل يرجع لابن خلدون الذي بين بعضا من الاسباب الداخلية لعدم استقرارها وهي عوامل لعبت بالتأكيد دورا حاسما عند استيفاء التحليل لتفسير الازمة العميقة التى لم يفلح المغرب فى اجتنابها منذ القرن الرابع عشر اى منذ عهد ابن خلدون .
وفى البحث عن اصل هاته الازمة لا مجال الى اهمال انتقال طرق الذهب المؤدية الى السودان نحو الشرق هو ما يميل ايف لاكوست الى تأكيده (20) .
ذلك ان ازدهار الدول المغربية الاولى انطلق تدريجيا حوالى القرن والصين وناحية الشمال كلها واقطارها وراء البحر الرومى لما كثر ممالك فاس وتاهرت بالمغرب الاقصى والقيروان بافريقية وحرى بالاعتبار ان دولا قبلية وتجارية فى جوهرها تستمد ثروتها من فائض خارجى المصدر تسوقه اليها مكانة الوساطة التى تشغلها بين تشكيلات اخرى مما يبرز الطابع الاصطناعى لهاته الدول . الا ان ابن خلدون لم يعتن بذلك لكنه تفطن لامر غريب فالتشكيلة المغربية وهي الاقرب الى بلاد الذهب لم تكن اغنى التشكيلات فى عهدها ( ص 659 ):
(( واعتبر ذلك باقطار المشرق ، مثل مصر والشام وعراق العجم والهند والصين وناحية الشمال كلها واقطارها وراء البحر الرومي . لما كثر عمرانها كيف كثر المال فيهم ، وعظمت دولتهم وتعددت مدنهم وحواضرهم وعظمت متاجرهم واحوالهم . فالذى نشاهده هذا العهد من احوال تجار الامم النصرانية الواردين على المسلمين بالمغرب في فهمهم واتساع احوالهم اكثر من ان يحيط الوصف ، وكذا تجار اهل المشرق وما يبلغنا من احوالهم وابلغ منها احوال اهل المشرق الاقصى من عراق العجم والهند (...)ويحسب من يسمعها من العامة ان ذلك لزيادة فى اموالهم او لان المعادن الذهبية والفضية اكثر بارضهم ، او لان ذهب الاقدمين من الامم استأثروا به دون غيرهم وليس كذلك .
فمعدن الذهب الذي نعرفه في هذه الاقطار انما هو من بلاد السودان وهي الى المغرب اقرب ، وجميع ما فى ارضهم من البضاعه فانما يجلبونه الى غير بلادهم للتحارة ، فلو كان المال عتيدا موفورا لديهم لما جلبوا بضائعهم الى سواهم يبتغون بها الاموال ، ولاستغنوا عن اموال الناس بالجملة )) .
وعلى خلاف المدرسة التجارية فان ابن خلدون لا يعير للمعادن التمينه الا دورا هينا في عمليات خلق الثروة ( ص 700 ) : (( فاعلم ان الاموال من الذهب والفضة والجواهر والامتعة انما هي معادن ومكاسب مثل الحديد والنحاس والرصاص وسائر العقارات والمعادن، والعمران يظرها بالاعمال الانسانية ويزيد فيها او ينقصها ، (...) فان نقص المال في المغرب وافريقية فلم ينقص ببلاد الصقالية والأفرنج ، و ان نقص في مصر والشام فلم ينقص فى الهند والصين وانما هي الالات والمكاسب والعمران يوفرها او ينقصها ( ص 700 ) (( .
واذ يبدو انه غاب عن ابن خلدون ان موقفا ملائما للوساطة يمكن ان يكون استثنائيا معينا مدرارا للثروة كما كان شأن المغرب من القرن التاسع الى القرن الثالث عشر للميلاد فابن خلدون مصيب فيما ذهب اليه من محاولة كشف اسرار الثروة في نمو القوى الانتاجية فياتى تصوره عصريا فى اتم معناه ولا يزيد ارتباط نمو القوى الانتاجية الوثيق بالعلائق الاجتماعية الا نأييدا لعمق التشخيص الخلدونى للمجتمع المغربى فى عصره وهو تشخيص يجوز سحبه حسب كل احتمال على كافة المجتمعات التى سيؤول امرها الى الاستعمار المباشر او غير المباشر وهو ما يتجاوز الحتمية الايكولوجية ذلك ان محرك التاريخ اى حرب الطبقات تجده معظلا فى المجتمع المغربي وهو مجتمع ديمقراطية عسكرية قوامها تحالف رؤساء القبائل والتجار الذين يؤلف مجموعهم الاستقراطية فيكون مجتمع الحد الفاصل بين المجتمع الخالي من الطبقات والمجتمع الطبقى .
وبينما وجدت مجموعة البورجوازيين فى اوربا ( من حرفيين وتجار ) نفسها في نزاع مع طبقة النبلاء مما دفعها الى فرض وجودها بصفة جدلية وتنمية القوى الانتاجية لغاية احلال علائق انتاج جديدة لصالحها فلم تتوفر فى المغرب بالخصوص الشروط الضرورية لدفع التجار الى تكوين برجوازية حقيقية اذ كانوا حلفاء الطبقة المسيطرة او منصهرين فيها .
ولم يزد اندماج السواد الاعظم من المنتجين فى نمط المجموعات القبلية او القروية للانتاج الا استقرارا وامام حظ اوربا الفريد تحول هذا الاستقرار الى احتجاز منذر بالتخلف قد يتبادر الى الذهن انه كان فى امكان الدولة تحمل اعباء تحول المجتمع وهو امر غير مقبول لغياب الدوافع الموضوعيه لذلك بالعكس من ذلك فان الدولة وفقا لطبيعتها المسيطرة تنزع الى اتمام حقيقتها بالقضاء على كل القوى الاجتماعية الجديدة فى المهد . فتكثر الاحتكارات الدولية ( ص 506) :
(( فمضايقة الفلاحين والتجار في شراء الحيوان والبضائع وتيسير اسباب ذلك ، فان الرعايا متكافئون فى اليسار متقاربون ، ومزاحمة بعضهم بعضا تنتهى الى غاية موجودهم او تقرب ، واذا رافقهم السلطان فى ذلك وماله اعظم كثيرا منهم ، فلا يكاد احد منهم يحصل على غرضه فى شىء من حاجاته ، ويدخل على النفوس من ذلك غم ونكد ، ثم ان السلطان قد ينتزع الكثير من ذلك إذا تعرض له غضا او بايسر ثمن ، او لا يوجد من يناقشه فى شرائه فيبخس ثمنه على بائعه )).
بقى سؤال : لم لم يدفع جانب الحرفيين او التجار الذي لم يتمكن من الاندماج فى الارستقراطية الى فرض وجوده بشكل مستقل وبالتالى الى فتح افاق ديناميكية حديدة للمجتمع ؟ انه سؤال من الاهمية بمكان وسر التخلف كامن بدون شك فى الجواب عنه .
