- 2 - (*) فى احد الشوارع المظلمة يسيران ونسائم الليل تعبث بوجهيهما ، يلاحقان امرا مجهولا ..
- لا اتعس من محزون أجبر على الضحك . . ولا أشقى من جاد اجبر على العبث هذا ما كانت تردده دائما ..كم هى غريبة !!
- أظن الكاس الاخيرة كان لها المفعول الغير المرجو . ماذا دهاك أأنت متعب ..؟ ام . ؟
- ان انحنيت لقلبى عشت مصفوعا . وان سرت خلف عقلي كنت مخدوعا ابحث عن درب واسير فى درب آخر . اعيش أناضل من اجل رأى فكرة ثم ادفع لآتي بما يخالفها . ضياع . فراغ . عبث . ثرثرة .. ثرثرة سقيمة .. رأيها ذاك لا رأيي .. انا لم اتوصل بعد حتى ان اكون رأيا ..
أنتم العرب كم تعذبكم مشاكلكم الشخصية مهما كانت تافهة أنتم سطحيون تسبحون دوما فوق سطح مياه الحياة دون ان تحاولوا الغوص مرة ولو للتجربة ربما الخوف هو الذي يشدكم أم هي المعتقدات هى التى تشل خطاكم وتكبل مصائركم .. ذرة من الواقعية ، وانطلاقة حاسمة لن تقتلكم ..
(( الواقع ألا يدري هذا المخرف ان العربى خلق بلا واقع ، ولو وجد له واقعا لذاب الما ورهبة على ما فات ، وما سيأتي الواقع .. الا يعلم ان حياتى
ما تزال رغم كل شئ بين يدى أبي . ونزوات أختى . واقوال الجيران .. وخرافات عائلتى .. وتقلبات مجتمعي ، وظروف غير مقنعة لكنني أنا سجينها.. حتى وان كنت قد كفرت بها .
(( أما قلت تحبني ؟. نعم .. الست تريدني ؟ نعم اذن ما الذى يفرق بيننا . لم تريد الاقتران بأخرى ؟ لا تقل لى كنت مرغما .. ألك .. وليس لك ارادة ؟ اذن ما الامر ؟)) .
حقا ما الامر .. عذراء تدخل بيتي تجلس ببساطة فوق سريري . تدخن سجارة بلا مبالاة . تستمع الى اسطوانة أقبلها . تقبلنى بتردد لكن برغبة ظاهرة . تتكلم عن الجنس .. الحب . الحرية .. احاول ان اضاجعها تتمنع تعتذر . حياء ربما عن خبث ودهاء .. وتعانقني . ببراءة تعانقني . ثم ذات ليلة تنسى . تنسى ان تقول لا . تضاجعني على شرط ان تبقى عذراء . ثم ماذا تريد ؟ حتما تريد ان توقعني في الفخ . تقيدني . الزواج . . الاطفال . قيود لست أدرى أى نوع من الحب تريده .. ربما الحب العذرى .؟ تعيدني الى العصر الجاهلى .. معتوهة حالمة لكنها لن توقعني ..
وقعت في الفخ مرة كانت غلطة . دخلت حلبة العبث ورائحة المغامرة نزكم أنفي . تجذبنى عنوة اليها . كنت أريد القنص لا غير . لكن فى جو العبث يصبح عادة الصائد فريسة .. والمغامرة فخا يصطاد الاثنين معا ، الصائد والفريسة . وقعت في الشبكة . بقيت اتخبط اياما . استعدت قواي اكتسى جناحاى قوة . مزقت خيوط الشبكة . وحلقت ثانية . ابنتى ! ! لا يعنيني أمرها الزمن معها . لا من يستطيع قص جناحى ومنعى من التحليق ثم . آه .. اخرى . كنت الحمار الذى القى فوق ظهره بحمل يجهل مأتاه ، انما الخوف من الفضيحة . يا له من كيس من القذارة وضعه الاذكياء فوق كاهلى ليتخلصوا من العب الثقيل . طفلة أخرى تطرق عنوة أبواب الدنى .. ما أكثر البنات وما أقل جدواهن ! قيود ، مجرد قيود .. انهن لا يصلحن إلا لــ . . وبعد ؟ لكن هذه المرة لن أقع أأنا أبله حتى أقع ؟ أخيرا استفقت يا فرحة أمك بك أمك ميتة . . أحسن ما فعلت ان ماتت .. وشر ما فعلت اذ تركتك بعدها . فاسق آخر فى حظيرة الفاسقين يا ابن الفاجرة استفقت أمام البراءة والطهر والنقاء - واغمضت عينيك أمام العهر والخداع الغش هذا ما خلقت اليه .. لن تستطيب العيش الا مخدوعا .. مهلا .. الزمن بيننا ربما استطعت التخلى عن براءتى وسذاجتى فى يوم ما . . وعندها سأعرف كيف أغرس فى رأسك المنهوب العقل عشرات القرون
أجذبك منها .. عشرات القرون ، ذهبية . ام فضية تريدها لك الاختيار. صبرا ... لان الشرف فى بلدى أصبح خطيئة . لان الفضيلة غدت موضة بالية تتبع تقاليد عتيقة وانا كى اعيش لا بد ان اتبع خطى الزانين ، أقدم جسمى هبة للعابثين .. ولا اكون فاضلة .. ولا نقية .. لمن ؟ ولماذا ؟ لا من يعترف بنقائى فى عصر التناقض . . ولا من يحبذ وفائى فى عهد التغيير والتجديد .. انجلت امامي عدة حقائق غريبة .. غريبة ..
النجاح تحت أقدام المومسات .. الدنيا تسيرها نزوات المومسات . المال ..الثروة .. المناصب . القصور ، تحت اقدام البغايا . ما ثمن عذراء فاضلة .. لا شئ . . فلس مثقوب يدوسه الانذال بنعالهم .. المشاعر الحياء . الوفاء . الاباء . احترق الكل فى مبخرة الدنس . صبرا يا ابن الفاجرة . صبرا !! .
أهي حقا عذراء ؟ لم أعد اعرف .. أريدها ولكن .. كم من سرير جلست عليه قبل أن يحط بها الركب على سريري ؟ كم من سيجارة أشعلت بلا مبالاة وهي تعانقه كما عانقتني يوما بحياء لكن برغبة مفضوحة .. ان كنت سأتقيد لن يكون ذلك الا غدرا .. أو بمن لا أعرف .. ربما كانت هي الاخرى شبه عذراء .. جلست ذات يوم على فراش ما مع شخص مجهول تقبل شفاهه على اصداء موسيقى حالمة ثم تعود تنتظر فى البيت . تنتظر ان يتقدم جبان مخدوع ليقرن مصيره بمصيرها . يتقدم رغما عنه وبدل ان يقول لا .. يقول نعم .. وبدل نعم يقول لا . لانه لم يدرك بعد متى يقول نعم ومتى يمكن أن يقول : لا !
(( عذراء لا تعرفها يا حثالة أمة ضاقت ذرعا بحقارة المخدعين . العلم .. الطب الحديث . وتعود الثيب بكرا .. والزانية عفيفة تختال أمام أعين المغفلين يتوج رأسها تاج الطهر والشرف ، بينما الدعارة يستعر لهيبها فى احشائها يسرى فى شرايينها .. ألا يعرف ذلك ، ذاك المنسلخ عن نفسه .. تبا له . ولهم .. وقبائل الجاهلية التى جاءوا منها .. بدائيون مغفلون . مغفلون . .)).
- ماذا يفعل الواقعيون فى فوضى الزمن .. يتشاجرون . يتقاتلون . ام يقبعون فى ركن منزو يفكرون فى مستقبل الوجود الذى ماتت اشراقته فى أفق العبث الداكن ..؟
- قلت لك ان الكأس الاخيرة كان وقعها شديدا عليك . أنتم أناس لا نعرفون أنفسكم . واذا عرفتم أنفسكم حاولتم أن لا تعرفوا ما تريدون .. إذا وصلتم الى ما تريدون صدفة .. عدتم القهقرى تبحثون عما لا تعرفون وما تجهلون .. يا لكم من شعب مفكك الافكار.. ممزق الحياة .. لكن قل لى .. ما هى نظرتك الى الحياة أولا . . سوداء ؟ حمراء ؟ أم بين بين ؟ بماذا تؤمن ؟ اى مبدأ تتبع . هل تصلي ؟ اتقرأ شعرا ؟ انتقمص الاحداث ام تترك الاحداث تتقمصك وتطبع شخصيتك ؟ أأنت اشتراكى أم رأسمالى ؟ أم مجرد رجعي .. انهزامى؟
- ما هذا ؟ أخطية الجمعة هذه ، أم هو درس فى التاريخ ، أم الفلسفة ؟ ياه . . من انا ؟ آخر مرة رأيتها قالت انى سافل فى طريق الى السير في قطيع المغفلين ، كادت تبصق على وجهى وهى تتفوه بكلمة أخرى لم أفهمها جيدا ..كبرياء !! ضحكت إذ لم أع معناها . ما معنى كبرياء عندكم .. أم هي كلمة اخترعتها تلك المشاكسة العنيدة ؟..
" الكبرياء سيدي .. الا تعرف معنى الكبرياء ؟ شئ مخجل . قاتل . ومضحك ..كيف اتحدث مع انسان لم يفهم بعد معنى الكبرياء .. يا لتعس رجولتك .. أهذا سر مرحك الدائم ولا مبالاتك ؟..
انما انا فلي جبال وجبال من الكبرياء . جبال تهدمنى ترفسني تحت الانقاض تجبرني على الهروب . الهروب منك .. ومن دهر قذر استقرت معالمه في ظلمات عينيك .. ظلام .. ظلام .. اذهب الى قبر امك اسألها عن معنى الكبرياء عساها تخبرك .. أم هي ربما تجهل معناه مثلك .. ويلاه .. ويلاه . ))
- هذه كلمة يا صديقى يستحسن أن لا تفهم معناها ما دمت لا اشتراكيا . ولا رأسماليا . ولا دمقراطيا - بل مجرد عابث فوهوى فى سبيله ان يصبح مغفلا .. هذه كلمة تجدها فى قاموس الحياة الذي لم تقرأه بعد .. ما عليك نظر تحت قدميك ستسقط فوق كومة القمامة وتقتل بحماقتك البراغيث المسالمة . دعها تنام مطمئنة . أم أن لا من يستطيع أن يعيش هادىء البال مطمئنا عندكم ولا حتى البراغيث فوق اكداس القمامة .. ؟ !!
الليل يفنى ويعقبه النهار . تنتحر الانجم لتبزغ الشمس . تموت سنابل الخير تحت مناجل الشر ، او العكس بالعكس . ربما مات المخدوعون وجاء المبصرون . ربما أتوا يوما صدفة ...
الزنزانة المظلمة .. واللمبة المتحطمة .. وصوت السجانة الجاف : اذهبى لا مكان لك هنا . لا مكان فى أى مكان !!!
الشوارع مكتضة . والظلام شديد رغم النهار الثائر . يركضون الى اأين ؟ للالتحاق بجنازة البراغيث ؟ البراغيث القتيلة .
قال أحدهم ادمقراطية هذه ؟ جعلوني أوافق على الكل غصبا عني . ما هذا ؟ أجابت شوارب آخر : رجعية والله أفكارنا ومتصلبة .. لا بل افكارهم دكتاتورية مغلفة بورق شفاف ، زور خداع ، عرفت اللغز ..
تمايلت نصف بكر متعثرة فى فستانها الملون الطويل وهى تسوى بحركات مدروسة الخمار الابيض الذي يكفن رأسها .
(( الم يدركوا بعد انها انتهازية . وفوضى اخلاقية . غوغاء مشؤومة غوغاء انا الوحيدة التى وجدت ما ابحث وسط الزحام وجدت ضالتى خلف الخمار والفستان الطويل . الطويل . قيل قبلا : الزى لا يصنع الراهب .. بلى .. لكن الزى يصنع الفخ .. كما ان المادة تضمن البقاء . والمكر يضمن الحياة التدين . العقيدة.. تحت خبائهما أخفى تطلعات شتى . ونوايا خبيثة ومريبة لكن لا بد منها لدخول ادغال الوجود . التدليس فى كل شئ . فى الايمان الاخلاق .. القيم . كل قابل الى التدليس فى عصور المحنة والانحطاط . مزايا أصفع بها الجميع . اتحداهم بالطلاء الخارجي - انما الاعماق .. آه الاعماق لا تجذب سوى المجانين . المهم الطلاء الخارجي . وقد بدأ يجذب عشرات البله ما حيلتى والتزوير أمسى هواية . لعبة كالبريدج . والبكارا وهوايات اخرى يشاع أنها تجلب الخراب لكنها مسلية ..
-الايمان هو سر ازدهار الشعوب ووحدتها ..مع الصدق وفقاء السريرة .. المجتمع الذي يعرف كيف يتجاوز المنكر . مجتمع يكون قد...
الموعظة .. الثرثرة .. والايمان المتأرجح فوق خيوط عنكبوت ميت . ذاك ما بقى لنا . سم بطئ يقودنا نحو النهاية رويدا . رويدا . الحرب خدعة أو لا تكون .. والحياة خدعة او لا تكون . اسالوا الخمار الابيض والفستان الطويل الطويل ..
وكانت زوابع تتجمع في نفسها حانقة تحثها . ويحها من تلك الزوابع التى دمرتها مع رعب الكوابيس . رعب كافر . يتضخم . يتضخم . يغض جسد الزمن . ينتفخ . ينفجر أخيرا بسائل اسود اسمه : الياس . . الياس والحجود البشرى .. باقية لماذا ؟ ولمن ؟ لمن ساهيئ مراكبى والبحر قد قد جفت مياهه ؟ لمن أحيا والحياة اسلمت الروح مذ عرفت أن الدهر لا يسجد الا للعابثين ؟ .
لمن اغني وقد تحطم عودي وخنقت عواصف الاحداث صوتى الجريح ؟ لمن انا باقية وغدى قد طعن . امتصت منه الدماء لتقدم خمرا في كؤوس الغادرين .. من وأحلامي قد احترقت وذر رمادها فى الشوارع حيث تدوسها اقدام الظالمين . والمغفلين . واحقر . أحقر المخدعين ؟ لمن ؟ ولماذا ؟ لماذا ؟ .
لكنها ستصل . الى ذلك التافه الذي يجهل معنى الكبرياء . الى الذى أراد لها ان تكون مومسا وكانت .. لليلتين ثم تركها . ونسى ان يدفع الثمن يا لها من بغي فاضلة بلا ثمن . بلا كرامة . بلا قيم ..
- سيجارة ؟ قهوة ؟ - ماذا ! قهوة !! القهوة للمتخلفين .. المتمدنون يشربون الويسكى ألست رجلا متطورا كما قلت مرة .. لا تؤمن بشئ لا بالحب ولا بالشعور و لا تحب القيود.. أنا لا أنسى ، حتى تناقضاتك لم أنسها . . لكن هذه المرةكدت انسي . مع كأس الويسكى - احضر مائة دينار ولا تنظر الى هكذا كجرذ مذعور ..
مائة دينار فقط هذا مع التخفيض مراعاة لمشاعرى الخجولة نحوك . أقصد مشاعرى القديمة نحوك .
- مائة دينار ! ! لماذا ؟ لكن لا باس . سأعطيها لك الآن . يسعدني أن اقدم لك هدية . اجلسي كم اشتقت اليك ...
- انها ليست هدية بل هي ثمن الليلتين اللتين قضيتهما معك . الا تذكر اتريدني أن أكون مومسا بلا ثمن ؟ هات واسرع .. واكرر لا تنظر الى هكذا كجرذ يتيم مذعور .. أنت تقرفني وتجعلني احتقرك اكثر.. واشفق عليك فى نفس الوقت .
يا للاوراق البديعة كم هى دافئة الملمس .. تعال . سنتسلى بحرقها . ما اجملها وهي تحترق . ما لوجهك شحب ؟ أآسف انت لحرق مائة دينار؟ عجبا !! لقد احترقت كرامتي انوثتى احترق كبريائى ذات ليلة وكنت مزهوا فرحا.. احترقت أنا بدون مقابل بل مقابل الهجر .. والصفع ..ثم الآن تؤسفك مائة دينار ..كان يجب ان تحترق معها ولكن - لا تتكلم . اسكت أنت لا تفهم لا فى السياسة .. ولا فى الحب ولا في الاقتصاد الدولي .. اسكت . سافلا كنت ، وقذرا اعرفك ، فلا تكن كاذبا.. او . . الوسكى مغشوش من اين اشتريته ؟ كل ما عندك مغشوش حتى الوسكى يا للتعاسية .! سأذهب الآن .. لا يهم .. لا بد ان التحق بجنازة البراغيث . لا بد ان أسير خلفها وانا التى قتلتها . لا تتعجب انه عصر المعجزات والمتناقضات القاتل يسير دوما خف المقتول .. يشيع جنازته ويذرف الدمع .. هكذا .. تقاليد .. مراسيم لا بد من القيام بها .. هذا رأى الجميع ..
كان الاجدر ان اقتلك انت .. انما لا .. أتركك للخبيثات يتلهين بك . يخدعنك وللزناة ليلقلوا فوق كاهلك بكيس قاذوراتهم . وهبتك لهم .
اتضح أن البرغيث بريئة . ومظلومة أيضا . هل تعرف من الظالم ؟ لا تدرى كذلك !! عم الغباء العقول .. أمور كثيرة .. كثيرة تقع كل يوم .. كل ساعة فى هذا البلد ولا من يدرى شيئا اتاكل ما أعرفه ، ان الفناء هو دوما نهاية الابرياء.
هذا ما استطعت أن أعرفه . حقيقة مريرة . غاشمة .. لكن الفناء دوما نهاية الابرياء ..
