لا شك انكم لاحظتم منذ مدة كثرة الاغلاط بالصحف العربية فى مجال اللغة والنحو والصرف وحتى الرسم مما لا يسمح بغض الطرف عنه .
والذي يخشى أن يصبح تكرار هذه الاغلاط يوما بعد يوم عاملا على اشاعتها لان متوسط الثقافة يقلد أكثر مما يراجع كما هو الشأن فى كل اللغات . وعندما يمس التحريف ألفاظا أو جملا نستعملها يوميا يصير وضع اللغة العربية جد مؤسف .
وقد تكونون واجهتم عند قراءة الصحف بما فيها الرائد الرسمى أن الوزير الاول صار يكتب وزيرا أولا ، عوض وزير أول بدون تنوين وذاك خطأ فادح لاسبيل إلى السكوت عنه فوزن افعل ممنوع من الصرف كأكبر وابيض واعرج من الواضح أن أولا وثانيا وثالثا ... أعداد ترتيبية Ordinaux فى اللغة الفرنسية وهذا الفرق بين الاعداد الترتيبية والاصلية موجود فى كل لغة .
ولو سمح المقام بجرد اخطاء الصحف وحتى الكتب لاحصيت مآت كان يكفى شئ من التثبت لتفاديها وتجنيب التلاميذ والطلبة وعموم الناس الانزلاق فيها باستمرار فيما يكتبون بالمدرسة وخارج المدرسة . ولنقتصر على ما لا تكاد تفلت منه صحيفة ، يوميا :
- احريت امتحانا صناعيا والصحيح أجرى على امتحان صناعي . - بمجرد ان وقعت عليه ابصارهما حتى احسا والصحيح بمجرد ان ... احسا بدون حتى فهناك خلط بين استعمال بمجرد أن وما أن . - لم ينفذ سوى مقدارا من المشاريع والصواب سوى مقدار بالجر فالمستثنى ليس منصوبا دائما .
- يجب ان تقدم معلومات للشباب مرتبطة بواقعه وابعاد عنه كل ما هو مستورد والصحيح وان يبعد عنه كل ما هو مستورد ، اذ لا حاجز بين المضاف والمضاف اليه ولا مناص من تغيير التركيب وان المصدرية تفي بالحاجة - وجه له طعنتين اخرتين والصواب اخريين فليست التاء وحدها علامة التأنيث .
- قد يكون العرب قصروا وقد يكونوا بالغوا والصحيح وقد يكونون اذ لم يسبق هذا الفعل ناصب ولا جازم . - اخلينا بشرط ، استمرينا فى العمل ، اسقلينا الطائرة والصحيح اخللنا استمررنا استقللنا عملا بقاعدة تفكيك المدغم . - على الرغم من ان للموزمبيق جارتان والصواب جارتين فان اسم ان منصوب سواء جاء اثرها مباشرة أم لا .
- جميع التذاكر نفذت والصوات نفدت - حيث ان بلادنا فى أمس الحاجة إلى ... لذا والصواب الغاء لذا فالفاء تكفى - الميزان الايضافي والصحيح الاضافى من أضاف لا أضف . - الاعضاء الموفودون والصواب الموفدون من أوفد . - الفلسطينيات يدعين والصواب يدعون مثل ياكلن فالمضارع هو يدعو من دعا لا يدعى مثل يمحو لا يبكى لكن يقال أنت تدعين . - يرجى النظر في الموضوع والصواب يرجأ من الارجاء لا من الرجاء .
- حي يضم ثلاثمائة مسكنا والصواب مسكن بالجر . - خرجت معافية أو متوفية والصواب معافاة ومتوفاة . - من واجبى أن أغير على مصلحة بلادى والصواب أن أغار من الغيرة لا من الاغارة .
- فيتنمة الحرب الزائيرية والصواب فتنمة اذ لا وجود لخماسى مجرد فى العربية ومثله تونسة وفرنسة فالتوليد حسن متى وافق الذوق العربى - من يتعدى الحدود يقع تحت طائلة القانون والصحيح من يتعد الحدود يقع ... بحذف حرف العلة فى يتعدى وبالسكون فى يقع للجزم . - نحن الممضون اسفله والصواب الممضين ، فهى ليست خبرا بل مفعولا به لفعل مقدر وهو ما يسميه النحاة الاختصاص .
- انى مقتنع أن بفضل خصالكم سيمكن ... والصواب ان يقال انه باللجوء لضمير الشأن والا كانت ان بدون اسمها ولا يصح ان يكون فعل سيكون اسمها . - دينارات والصواب دنانير وفي تاريخ العرب يوجد اسم دنانير لامرأة وهو كمفاتيح وعصافير ولا نقول مفتاحات وعصفورات وان اجازه البعض .
- كلما تحسنت وسائل النقل كلما ازدهر الاقتصاد والصواب حذف كلما الثانية وفي القرآن : كلما أوقدوا نارا للحرب اطفأها الله - كلما دخل عليها زكرياء المحراب وجد عندها رزقا . - بناء على ما حصل لي من شرف الذى هو شرف لتونس والصحيح ما حصل لى من شرف هو شرف لتونس بدون اقحام اسم الموصول اذ لا تعرف النكرة بمعرفة واسم الموصول معرفة .
- سطيا على المصرف والصواب سطوا ويمكن ان يستمر أى قارىء متيقظ له إلمام بأبسط قواعد العربية لاقتناص العديد العديد من مثل هذه الاخطاء التى تزري بالكاتب وليس غريبا ان تكون هى نفس الاخطاء التى ينزلق فيها الطلبة والتلاميذ على مدار السنة فهل من
حل يكفل تجنب هذا التشويه قبل ان يتفوق الخطأ على الصواب فنقول اذ ذاك خطأ شائع خير من صواب غريب . وليست صحف الشرق بمنأى عن هذا الانحراف .
ويدعو الشأن حفظا لسلامة اللغة فى أدق خصائصها من هذا التلوث الى ان نسهر على صحة الكلمة المكتوبة والمسموعة فى وسائل الاعلام خاصة وللوصول لنتيجة ايجابية ذات جدوى فى توحيد البنية اللغوية يجب ان تعتمد كل صحيفة ومجلة واذاعة وتلفزة على الراسخين فى العربية لتصحيح الاخطاء قبل طبعها كما هو الشأن فى الصحف والدوريات الاجنبية التى لا نكاد نعثر فيها على شئ من هذا التسيب .
ولا ننسى دور الادارة فى التعريب الصحيح الشامل وإخال وزيرنا الاول فرصة نادرة لتصحيح الاوضاع فى لغة الادارة المستعملة التى ما ان تتقدم خطوة فى التعريب حتى تتأخر خطوتين بالرجوع الى الفرنسية .
وهناك واقع ما بد من الاعتراف به وهو أن طرائق تعليم العربية فى معظمها منفرة ولا مردود لها الا لمن كرس حياته لحذقها لماذا ؟ لاننا ورثنا نحوا قديما وصرفا قديما سلخا من عمرهما ما لا يقل عن اثنى عشر قرنا دون تطوير المنهج الموصل لفهمهما ليصبحا عند التطبيق فى متناول كل إنسان مهما كان مستواه أى اننا لم نيسر الضوابط ليعرفها الجميع - ومهما قيل فان جل الكتب المستعملة ولا أقول كلها مختصرات للألفية والأجرومية لا تفي بحاجة غير المتخصص فى مواد العربية ولا تسمح عمليا فى نظرى بجعل القواعد شيئا طبيعيا فى التطبيق .
وفوق هذا لا مناص لنا فى العالم العربى ان اردنا اشاعة الفصحى كما يجب ان تكون ، ان نعتمد الشكل ان لم يكن الكامل فالجزئى فعدم الاسراع بتوخيه والتضحية بتمويله يجعلنا فى وضع لغوى ابتر اعرج ، والتهافت على العلوم الصحيحة وكل ما هو تقنية أمر ضرورى والتعبير عنها بالعربية بكل يسر أمر جميل لكن هذا موضوع آخر .
إن التطويل ممل لكن ما عرضته من عينات يصدم بتكراره .
