الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 1الرجوع إلى "الفكر"

أبوة روحية، روحية

Share

من الحقائق البديهية )  ( فى ميادين التربية الحديثة القول بضرورة اتصال وتعاون دعائم الاسرة العائلية مع المعلمين والمربين عموما ، اذ على مثل هذه العلاقة وعلى قدر اهمية هذه العلاقة  تكون الفرص المواتية أو غير المواتية وتتهيأ

الظروف المساعدة او غير المساعدة على بلوغ الاهداف التربوية التى نتقصدها ونعمل على تحقيقها فى الطفل ان آجلا أو عاجلا ذلك ان الطفل المدرسى مهما تكن تأثراته بالمحيط التعليمي أو التربوى فى هذه الأجواء النظامية المدرسية ؛ فانه لمن الخطا الشنيع الزعم بأوحدية تأثراته تلك أو بانعدام ما عداها من المؤثرات المحيطية الاخرى أمثال الاسرة والجوار وحتى الشارع والسينما والملعب الرياضى وما الى ذلك من العوامل التى لا يجحد تأثيرها البالغ على الطفل ولعل الحق الذى ليس فيه شك أن يرى لمجموعة هذه العوامل الآنفة الذكر فعالية لا تدانيها أية

فعالية اخرى وحتى تلك التى يبالغ من الاعتداد بها مما ينسب الى المدرسة من عظيم القدرة على صقل العقول وبعث الملكات وتهذيب الخلق

على انه اذا كان صحيحا ما يرى من أن المعلم بامكانياته التربوية الفنية لعلى اقتدار وعلى تأثير بالغ لا يضاهيه أى تأثير فى جانب من جوانب شخصية الطفل وهو الجانب العقلي فانه لا مجال لمزاحمة اقتدار وتأثير الوسطين العائلى والعام على ميول وعواطف الطفل وبالتالى على أخلاقه وتوازنه الوجداني الاجتماعى - هذا الى ان كلا من الوسطين المدرسي والعائلي له نواح ينفرد فيها بتفوق التأثير نسبيا لمقابله من بقية العوامل المؤثرة الا ان كلا منهما لا يمكنه الاستغناء

عن الآخر بل هو محتاج مفتقر الى مؤازرته ومعاضدته فى سعيه التربوى وفي هذا التكامل العاملى نفع الطفل وانتفاع المجتمع بأسره ، كما انه فى الوقت نفسه يخشى ويتجنب مصادمته ومعارضته لأن هذه الحال تؤدى حتما الى عرقلة الجهود وبعثرة المساعى وضياع الطفل ضياعا زهيدا أو خطيرا وبالتالى ضياع  المجتمع الذي سيؤول اليه كوحدة من واحداته -

من أجل هذه الاعاذير جاء القول بضرورة قيام رابطة مثمرة بين المعلم المربى وبين الوسط العائلى للطفل يتم عن طريقها توحيد المواقف وتظافر الجهود لفهم الطفل ومتابعة تطوره متابعة حصيفة وموجهة وانك لتجد ضرورة ملحة تدعو هذه الأوساط المستنيرة بالأبحاث التربوية الى عقد اجتماعات دورية وكلما قضت الحاجة بأولياء الأطفال للأخذ منهم ما قد يفيدنا فى عملنا المدرسي من  معلومات نستأنس بها ونزداد بها قدرة على مجابهة العقبات فنتغلب عليها فى النهاية . هذا من ناحية ومن اخرى تنظم هذه الاتصالات بأولياء التلامذة لارشادهم وتوجيههم بما يجمل بهم توجيه أبنائهم به فى عقر بيوتهم عندما يعودون أدراجهم الى تلك البيئة التى تكون خلوا من الرقيب المدرسى

هذه هى المدرسة الحديثة الرامية والحالة هذه الى أن تكون مواقف الأباء والامهات غير مخالفة ولا مناقضة لمواقف محتترفى التربية والتعليم من معلمين ومدرسين ، بل هى كما نرى تسعى جهدها فى أن تكون تلك المواقف متممة لبعضها بعض متناغمة متئازرة - كل هذا ترى له وجاهة واهمية قصوى نظرا للغاية التى نصبو الى تحقيقها به وهو ابعاد الطفل عن هوة التناقض وذبذبة الاتجاهات وهذا ما كان ليكون لولا أن يستتب حبال الطفل هنا بالمدرسة وهناك ببيته معايير مطردة وقيم موحدة وخطط توجيهية متفقة يتم فى ظل الاهتداء بها كل من التوازن العقلي والوجدانى بله الجسمانى والاجتماعى

وانه لمن شر ما يبتلى به الطفل فى مراحل نموه الأولى أن يكون والده فاقدا العناية بولده وبنشاطه داخل الوحدة المدرسية أو جاهلا بمستواه وبمدى ضعفه وقوته اجمالا أو تفصيلا فى المواد الدراسية . وانها لبلية حقا أن يكون والده هذا أميا وتزداد خطورة الأبوة على حاضر طفله وبالتالى مستقبله اذا كانت مليئة بالتعقيد مأزومة بواحد أو بكثير من شتى ضروب الاضطراب النفسي والعقلي أو الخلقي وكم هو صحيح هذا التشابه الذى يرى بين عدوى الأجسام وعدوى النفوس اذ كم من آفة جسدية ، يفسر وجودها فى الطفل على أساس عائلي وراثى وكم من آفة عقلية نفسية أو خلقية اجتماعية عدت وليدة تكوين عائلى وبئ انحدرت الى الطفل فى ظل توجيهه تلقين عائلي فاسد أو فى ظل انتصاح عقيم ومضلل جد على يد ولى غير كفء .

ههنا نلحظ  مدى مسؤولية  المشرفين على ميادين التربية فى الأمة فليس عملهم موقوها على تخير الأساليب والطرق البيداغوجية لتأدية رسالتهم المهنية على الوجه الاكمل بل تجتاز مهمتهم هذه الحدود الى ما وراء أسوار المدارس والمعاهد التى بها يعملون . وهكذا تصبح عنايتهم بالطفل دائمة مستمرة تلاحقه حيثما حل وأينما سار فى الطريق العام ، في المنزل ، في المكتبة ، فى الملعب ، فى دور السينما ، فى المسرح ، فى الرحلات ، فى النزهة القصيرة

ولقد تذهب ازاء هدا الاطلاق فى المسؤولية التربوية الى أن هذا الاهتمام المنشود من المربى يستلزم المحال والا فان المعلم سيصبح فى طاقته ومقدوره ان يكون شمسا تطل على عالم الطفل فى كل مكان ومن هنا فليس بمستطاع القيام بشرائط هذا العمل  التربوى البالغ فى مثاليته حدا اجتاز حدود نظيرتها عند كل من افلاطون وهيجل ، ونحن بودنا أن نكون مع المثل العليا فى تبعية الطاعه للاستطاعة بحيث لا نطلب من المربى ما لا تبلغه طاقته وما لا يدخل  فى امكانه . . قلت هى التربية ابداع وخلق مستمر ، هي موهبة وسعى لا يعرف  الونى ولا يتطرق اليه الفتور هى عمل دائب لا يسأم مواصلة الجهد بل يشوقه اتصاله  وتلاحقه هى حمية دائبة وصبر متجلد - هي جناح سلام يكلا الطفل برعاية هادفة  مؤثرة ليس فيها طمع أو أنانية . . ولا بها نوايا خفية أو أرباح تجارية هى انسانية منبعها الانسانية وغايتها الانسانية - ومن هنا كانت وتكون امكانياتها لا تحد بالأقيسة العرفية والحدود المنطقية بل  هى فوق هذه وتلك تبهرك هيبة وجلالا وتخشع لذكرها القلوب والضمائر وتخفق لوقعها الاحاسيس والمشاعر . . وهى أولا وآخرا من جسامة الاعتبار ومن خطورة الرسالة التى لا يولاها الا ذو فضل عظيم .

اشترك في نشرتنا البريدية