في مختبرات الحلم المواج ، تعكف الأطياف النورانية المجتباة للابداع ، على جسد الأسطورة الهروبي ، تحلل دهاليزه المعتمة بمشرط من صبوات الأمواج الحائرة . الأطياف في سقطتها من عالم ما قبل الكون ، استصحبت معها حنجورا أثيريا يغلي في ضلوعة بخور الانبثاق الهامشى ، مشفوعة بعين الرضا الرحمانى .
الفكرة حرف . الحرف صوت . الطبيعة نشوى بتراتيل الطيور ، وتجاوب الأغصان ، وتعاطف الينابيع . القمر ، هذا الوجه البلورى المبتسم ، صفاء ما قبل البدء ، عرى الفضة المتعالية ، انكفأ من شاطىء الذكورة ، إلى جزيرة الأنوثة . مذكر بالعربية ، مؤنث بالفرنسية . فى جوهرة الإيقاعي الأنثوى . أم قبلات الأمواج ، بصدر مل ضياع المحبين وعلى الرمال اللامتناهية ، خلف خاتمه المضفور من جدائله .
الأطفال في عام ماقبل الميلاد ، منزهون عن الحسرات . العالم كنضارة خدودهم . كبراءة عيونهم . اللعب محور حياتهم على الشاطئ الرملي يسرحون . في كل لحظة ينجذبون بأسطورة . تشدهم بخيوطها اللامرئية . يندغم اللاواقع بالواقع . يغنى الزمان في دوامة الدور . وعلى الشاطئ يلتحم الموج بحبات الرمل .
أحدهم التقط ، دون وعي ، خاتم القمر . فانسرب بهالته شعاعا هائما إلى مختبرات الحلم . تلقفته الأطياف النورانية بلهفة أصيلة . سلطوا عليه المطياف الفيروزى ، الموشور النرجسي . بخروه بالإبتهالات ،
عطروه بالإيماءات . فإذا بعروس من مملكة الدوامات الإنبهارية ، تدغدغ التلافيف الإنعتاقية فى مخيلة الأطفال . موجت شفتيها ، فتناغمت معها أجنحة الحمائم ، مرددة : أنا ست البدور . سأمضى بكم إلى المرابع المخملية البيضاء . هناك ، فى الاضواء المنهلة عن شمس منتصف الليل ، ستتلألأ الدمية العجيبة ، ذات الاهاب البلورى . محظوظ من يراها . إنها دورية الظهور . لا تشرق إلا بعد انتظار .
انشد قلب الأطفال بسحر الافصاح الحمامي ما أروعك يا مملكة الاحلام المعلقة فى القناديل المياسة ! إلى الدمية العجيبة خذينا يا ست البدور . فانشقت الارض عن عربة أبخس ما فيها من الذهب المطعم باللؤلؤ . شد عليها الجان ستة أحصنة قزحية . انتزعت من صور كتب أطفال الجن . تقطع في لمح البصر ألف فرسخ زمني .
على صدر ست البدور ، نام الأطفال . فالرحلة ، رغم سرعة الأحصنة السحرية ، طويلة طويلة . وفي حمى ليل بخيل الكواكب ، انطلقت الأذرع النشيطة في عالم التاريخ ، العيون المزودة بنظارات خارقة ، ما تحت الحمراء ، تحسست طريقها فى أديم الموجودات وتهيكلت الهيولى السديمية فى القوالب الرجراجة المترنحة .
دوار أصاب القمر السابح على ضفاف الجزيرة . انتفض مرتعشا من مضايقات الموج . هرع إلى الشاطئ والأصداف البلهاء تتساقط من القه دمعا جامدا . أين الخادم ؟ وتهاوى صخرا صلدا على خد الرمل . انطرفت عينه فى هذه العجالة . الصفاء البلورى ، الوجه الباسم ، أصبح مطروف العين . صاح : إلى يامروج الزنبق لأستر قبحي .
أشرقت شمس منتصف الليل . القوالب الرجراجة انتصبت هيكلا البراعم النقية تطلعت إلى الدمية الناصعة بقلب مدهوش . الأطفال قلوب ناطقة ما أروعها دمية بلون الياسمين عيناها نجمتان من بشرة السماء .
الأطفال في عام ماقبل الميلاد يلعبون . لعبهم تموجات أحلام . إنسراحات صور انهم شئ من عنصر الجنة . كأطفال مجرى التاريخ اللعب محور حياتهم . ولكنهم بالأيدى لا يلعبون .
التصقوا بست البدور ، مشدودى البصر نحو الدمية العجيبة . احسوا بسعادة غامرة . ومخيلتهم تسرح وتمرح فى دنيا الانطباعات المهدهدة . والرعشات النسيمية الذهولية . أما الدمية البيضاء فظلت ملفعة بصمت اللامبالاة .
صيحة فزع ندت عن القمر المسروق ، انشق لها جدار الزمان . التحم التاريخ بما قبله . الفاجعة أصبحت جزءا من تكوين الوجود . صاح الأطفال في ذعر . من صيحتهم انبثق طفلان ممتلئان بالحيوية . الأول نادى الآخر . الثاني هرع صوب الدمية . صرخ الاثنان معا : أبو زرزور أبو زرزور . ضربه أحدهما بحجر . تهاوى جزء من طيلانه الأبيض . بدت في جوفه كدورة ترابية . الأساس من جبلة البشر .
انفصل بقية الأطفال عن ست البدور . أصبحوا أطفال التاريخ . بالأيدى يلعبون . هاهم أولاء يعرون " أبو زرزور " عن آشلاء طيلانه . فى الجوف : صلصال ، حمأ . والعينان قطعتا زجاج أزرق ،انطرحتا أرضا . ولم تنهمر منهما أية دمعة ..
