الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 2الرجوع إلى "الفكر"

أبو بكر بن زكريا الرازي

Share

كان أبو بكر محمد زكريا الرازى " 250-313 ه " 864-925 م " أوحد دهره وفريد عصره قد جمع المعرفة بعلوم القدماء من المنطق والهندسة والفلك والكيمياء والفلسفة ولا سيما الطب فهو يعتبر من اعظم الاطباء المسلمين الناطقين باللغة العربية ان لم يكن اكبرهم ولد وشب بالرى ( Ray ) من اعمال طهران ببلاد الفرس وذكر ابن جلجل انه كان فى اول شبابه يحسن العزف على العود ثم نزع عن ذلك ولما بلغ العشرين من عمره قدم الى بغداد وكان قد درس الطب على الحكيم العلامة المشهور على بن ربن الطبرى صاحب كتاب فردوس الحكمة الذي فتح عصر التأليف والابتكار فى تاريخ الطب العربى ويعتبر الطبرى ما بين الاعلام الفارسيين الاربعة الذين ذاع صيتهم فى العالم المتمدن كله وهم بالاضافة لعلى بن ربن الطبرى أبو بكر الرازي وعلى بن عباس المجوسى والرئيس الشيخ على أبو الحسن عبد الله بن سينا

ولقد تعلم الرازى عن على بن ربن الطبرى وصار يتعمق فى الطب والفقه والفلسفة ثم سرعان ما اصبح رئيسا لاطباء بيمار ستان الرى ثم انتقل الى بغداد وعين رئيسا للبيار ستان العضدى - وحكى ان عضد الدولة استشاره فى المكان الذي يمكن ان يبنى فيه البيمار ستان فأمر الرازى ان يعلق فى كل ناحية من نواحى بغداد شقه لحم ثم اعتبر التى لم يتغير ولم يفسد فيها اللحم بسرعة فأشار بان يشيد المستشفى فى ذلك الموضع ثم قيل ان عضد الدولة لما بنى البيمار ستان العضدى المنسوب اليه اراد ان يكون فيه افاضل الحكماء واعيانهم فأمر بحضور ما يقرب عن مائة منهم فاختار منهم خمسين بحسب ما علم من جودة تجاربهم فكان الرازى منهم ثم انه اختار من هؤلاء عشرة فكان الرازى منهم ثم اختار من العشرة ثلاثة فكان الرازى منهم ثم انه ميز فيما بينهم فتبين له ان الرازي افضلهم فجعله رئيس البيمار ستان العضدى وحكى محمد بن الحسن الوراق قال : " لى رجل من اهل الرى شيخ كبير سألته عن الرازى " قال : " كان شيخا كبير الرأس مسقطا وكان يجلس ودونه تلاميذه ودونهم تلاميذهم وكان يجيء الرجل فيصف ما يجد لاول من يلقاه فان كان

عندهم علم والا انتقل الى غيرهم فان اصابوا والا تكلم الرازى فى ذلك وكان كريما متفضلا بارا بالناس حسن الرافة بالفقراء والاعلاء حتى كان يجرى عليهم الجرايات الواسعة " .

وتوفى أبو بكر الرازى وقد بلغ ما يزيد عن الثمانين سنة فيختلف المؤرخون فى تاريخ وفاته ) ما بين 923 و 932 م ( لكن هناك اتفاق على انه اصيب بالعمى فى آخر ايامه ولقد رفض القدح قائلا : " لقد ابصرت من الدنيا حتى مللت " وجاء فى رواية اخرى ان الرازى لما تقدم اليه الطبيب لقدح عينيه وقد نزل بهما الماء الازرق امتحنه فى بعض ( Operation de la Cuturcte ) المسائل المتعلقة بتشريح كرة العين ولما ثبت له جهله صرفه ورفض العملية

وقد اجمع المستشرقون والمشتغلون بتاريخ الطب على ان ابا بكر الرازي عظم طبيب انجبته النهضة الاسلامية بلا شك ولا استثناء فوضعه بعضهم على قدم المساواة مع ابقراط ولقد بلغت مؤلفاته المذكورة فى الفهرست 113 كتابا و 28 رسالة وقصيدتين ولقد فقدت معظم هذه الرسائل والاسفار وبالرغم انه لم يبق منها الى الآن الا القليل فهو كاف على التدليل بعظمة هذا الرجل وعلو مكانته وعبقريته ومن اشهر تأليفه كتاب الحاوى ) Continens والجامع ( Compendium ) والمدخل ( introduction ) والكافى ( Suffisant ) والملوكى regius ) Liber ) والفاخر ( Splendide المنصورى ( Almonsoris ) وكلها كتب جليلة فاخرة لها قيمة فى علوم الطب وصناعته ويعتبر كتاب الحاوى اعظم تأليف فى صناعة الطب ذلك انه جمع فيه ما وجده متفرقا فى ذكر الامراض ومداواتها من سائر الكتب الطبية للمتقدمين ومن اتى بعدهم الى زمانه هذا مع ان الرازى توفى ولم يسمح له الاجل ان يحرر تماما هذا الكتاب وقال ابن أبى اصبيعه : " يرجع الفضل فى اخراج هذا الكتاب الى ابن العميد لانه كان حصل بالرى بعد وفاة الرازى فطلبه من اخته وبذل لها دنانير كثيرة حتى اظهرت له مسندات الكتاب فجمع تلاميذه الاطباء الذين كانوا بمدينة الرى حتى رتبوا الكتاب وأخرجوا هذا التأليف على ما هو عليه من الاضطراب .

ويتألف كتاب الحاوى من اثنى عشر جزءا وتوجد الآن اجزاء متناثرة منه فى بعض متاحف اوروبا وبعضها مفقود تماما واشار المستشرق براون الى انه من المحتمل ان تكون ضخامة هذا الكتاب وتكاليف نقله قد جعلت اقتناءه من أصعب الامور لا يقدر عليه إلا الاغنياء واضاف قائلا : " انه جاء فى كتاب كامل الصناعة ان على بن العباس المجوسى الطبيب الفارسي المشهور الذى ألف بعد

وفاة الرازى بخمسين او ستين سنة قال انه لم يذكر انه كان فى عهده من كتاب الحاوى الا نسختان كاملتان فقط منسوخت على الكاغذ (الورق) ( كما كان يجرى به العمل فى ذلك العهد وكتاب الحاوى موسوعة عظيمة فى العلوم الطبية وكان عمدة الاطباء فى النقل منه والرجوع اليه عند الاختلاف وكان احد الكتب التسعة التى حوتها مكتبة شعبة الطب بباريس سنة 1395 م وقد ترجم الحاوى الى اللاتينية مرتين سنة 1452 م الاولى والثانية فى سنة 1486 م وحفظت بمكتبة ( Bodleeine ) باكسفورد بعض الصحائف التى يعتقد انها فصول من الجزء الرابع من الحاوى وعنوان هذه الصحائف امثلة من قصص المرضى ونوادر قيمة فى وصف الامراض ومعالجتها

ولقد كتب الرازي مقالات قيمة فى علم النفس نخص بالذكر منها رسائله فى " العقل " و " اللذة " و " الادراك " و " الحالات الوسواسية " كما انه كان يمنع شرب الخمر للمصابين بداء السوداء وبحالات الخمود والانهيار العصب كما ان الرازى كان يشير بلعب الشطرنج الى هؤلاء المرضى الشئ الذي اكدته التجارب الطبية فى عصرنا هذا ) Ludotherapie - Sociotherapie )

وكان الرازى عبقريا لامعا وعالما شجاعا كان يهاجم الدجالين فتعمق كثيرا فى علم الحيل ونشر مقالات عديدة فيه ونوادر قيمة لطيفة ، كما انه كتب رسالتين مشهورتين فى الحيل عند الانبياء اقتبس منها اصول تأليفه فى نقد الاديان الذي تعرض له كثيرا أبو حاتم الرازي فى كتاب علم النبوة وموقفها ويبدى أبو بكر الرازي هناك شجاعة عظيمة فى تحليله مصادر النبوة وموقفها حتى كان يفضل الفلاسفة والعلماء على الانبياء ويقدر دورهم البشرى الى اقصى حد فيجعله اعلى وارفع ما يتصوره الانسان الشئ الذى كاد ان يؤدى به الى ان يتهم بالزندقة وكان فى ميدان الفيزيا يؤمن بالفراغ ( le vide ) قبل ان يتصوره اى عالم فى ذلك العهد

اما مصنفاته فى الفلسفة فهى لا تقل شهر شهرة وتعمقا عن مؤلفاته الاخرى نخص بالذكر منها " الطب الروحانى " و " رسائل الفلاسفة " و " السيرة الفلسفية " حيث يتعرض فيها الى مزايا العقل وصفاته وكذلك الى خصال الحكماء والى نصائح قيمة فى ميدان الاخلاق وسيرة البشر بصفة عامة ويبدو فيها بالاشارة إلى طرق نيرة تعتبر طرق علمية حديثة للوقاية من الاضطرابات العقلية والشذوذ النفسى

فكذلك اصبح الرازي يعد بحق من اكبر اطباء الفرس بل العرب . كما انه ، لا شك من انبغ العلماء الذين عرفهم العالم فى التاريخ الطبى بصفة عامة فلا يكتف الرازى باتباع الاوائل ولكنه اعتمد ايضا على التجريب والاختبار الشخصى . وله ايضا مصنفات شتى فى الرياضيات والفلك والكيمياء

ومن اشهر مؤلفاته ايضا كما ذكرناه سابقا كتاب المنصورى الذى كتبه للامير منصور بن اسحق حاكم خراسان وقال ابن خلكان ان الرازي صنف كتابا فى الكيمياء لمنصور بن اسحق فاعطاه ألف دينار ليخرج اليه ما يحتاج من الآلات اللازمة لاصدار ما فى الكتاب من صناعة فعجز الرازى عن ذلك فأمر منصور بضربه بالكتاب على رأسه الى ان يتقطع الكتاب ويحكى ان ذلك الضرب تسبب فى نزول الماء فى عينى الرازى وقد ترجم الكتاب المنصورى الى اللغة اللاتبنية سنة . ومن اشهر الرئاسل التى ألفها الرازى فى الطب رسالته الذائعة الصست عن الجدرى والحصة . وقد نشر النص العربى لهذه الرسالة مصحوبا بترجمتها اللاتينية سنة 1766 وقبل ذلك سبق ظهورها باللاتينية فى مدينة البندقية سنة 1565 وكذلك نشرتها باللغة الانجليزية جمعية ( Sydenham ) الطبية سنة 1848 ولقد وصفها المؤرخ الطبى المشهور فقال : " ان هذه الرسالة تعد حلية فى جيد الطب العالمى وان ( Neuburqer ) لها اهمية عظمى فى تاريخ الامراض الوبائية لانها اول بحث فى مرض الجدرى وانها لتشر الى ان الرازي كان عفيف الضمير بعيدا عن التعصب والحيل وانه من اولئك الناس القلائل الذين ساروا على سنة ابقراط العظيم ومن رسائله المشهورة ايضا مقالة في الحصى فى الكلى والمثانة ولدى دار الكتب المصرية نسخة للنص العربي مع ترجمته للفرنسية بليدن ) Leyden ) سنة 1896 على يد المستشرق (P . de Koenig ) .

وبعد الرازى اول من ابتكر خيوط الجراحة المسماة بالقصاب (Catgut) وهو ايضا أول من عمل مراهم الزئبق وسبق غيره من رجال الكيمياء الى كشف حامض الزاج ( Acide Sulfurique) واكتشاف الكحول (Alcools وهو أول من انشأ مقالات خاصة فى امراض الاطفال واول من عرف الاصابة بالعرق المدينى ( Filaire de Medine ) ومما روى فى مقدرة الرازي ما وصف القاضى أبو على التنوخي قال حدثني بعض الاطباء الثقات ان غلاما من بغداد كان عليلا فقدم الرى وهو ينفث الدم وكان قد لحقه وهو فى طريقه فاستدعي ابا بكر الرازي فأراه ما ينفث فاستوصف حاله منذ ابتداء العلة فلم يقم له دليل على سل ولا قرحة ولم يعرف العلة فاستنظر الرجل يفكر فى الامر من

غير جدوى ففكر الرازي مليا ثم سأله عن المياه التى شربها فى طريقه فأخبره نهاية من مستنقعات ففهم الرازي ان علقة كانت فى الماء وقد حصلت فى معدته وان ذلك النفث للدم من فعلها ، والمعروف ان الرازي تمكن من اخراج هذه العلقة بعد ما ارغم العليل ان يشرب قهرا كمية وافرة من الحشائش فى شكل الطحلب حتى ان العلقة دبت الى الطحلب بالطبع لما وصل اليها فى حلق العليل فتركت موضعها فلما قذف العليل خرجت مع الطحلب ونهض المريض متعافيا .

وللرازى كلمات مشهورة فى العلاج منها قوله مهما قدرت ان تعالج بالاغذية فلا تعالج بالادوية ومهما قدرت ان تعالج بدواء مفرد فلا تعالج بدواء مركب " ومنها " إذا كان الطبيب عالما والمريض مطيعا فما اقل لبث العلة ومنها ايضا " ان من العلل ما تجتمع فى الايام وتبرأ فى ساعة " وكذلك " ان الاطباء الاميين والمقلدين والاحداث الذين لا تجربة لهم ومن قلت عنايته وكثرت شهوته قتالون " واخيرا " ينبغى للطبيب ان يوهم المريض ابدا الصحة ويرجيه بها وان كان غير واثق بذلك فمزاج الجسم تابع لاخلاق النفس "

ولقد قيل ان الطب كان معدوما فأحياه جالينوس وكان متفرقا فجمعه الرازي وكان ناقصا فاكمله ابن سينا

اشترك في نشرتنا البريدية