الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 3الرجوع إلى "الفكر"

أحزان ثغرة في الجدار

Share

-1- إعدام الصوت خلف الجدار

. الصائتة الأولى :

البقع البيضاء المنتشرة حول الثغرة شاهدة بضياع أحلام الطفولة ، وكذا وجهك كان وسائر جسدك . ولكنك " الربشاء " دائما في أعين أبناء قريتك . ومن سيقبل "ربشاء" فى داره زوجة ؟ قدر مقدور وظلم قاهر ، فلم لم تعرفى إلى سبيلا يا عناية السماء ؟ الليل والقمر الآفل والنجوم الباهتة الغمز والمصابيح الشاحبة الناضية حزنا وطيفك الهائم وفي العينين تحجر الامل وأصاب الرجلين انخذال شاهد على ما تسببه لك البقع البيضاء حول الثغرة من المتاعب . طيفك الهائم في هذه البطحاء الموحدة الكالحة يستقبله باب سعدون هذا القوس الهرم . فلاكن كإحدى حجراته ، وليلفني هذا السفسارى المهترئ ... قابعة تستوسطين هذا الممر القديم الذي تطوف بك أشباح ماضيه أطيافا راعبة تكثف ما في قلبك من وحشة الانكسار ومرارة الإنتباذ . وحتى ماضيك يشهد أيتها الارض بأنك وحل وان نهاية طينك أن يصير ترايا وان التراب يصبح أوهاما تطوف بالخلاء أشباحا مؤكدة أنك على الوهم قائمة وان العدم أصل الوجود ... الظلام يتلفع أعماقك وما حولك

غائم وما فى الوجود ما يستحق الوجود ، فمتى تهبين يا رياح العدم ؟ يوم تهب ريح صرصر صفراء تبعث التخدير فى شرايين الوجود ، فلا يقوم ثانية من قعد . أنا قاذورة وماذا يكون أصل العالم الذى أنبتني لو لم يكن قاذورة ؟ يستبيح هذا العالم لنفسه أن يحرم على أى ثغرة عطشى فى الجدار أن تقبل الهمس . فأي قانون هذا يا قصة مشؤومة مؤؤة في أعماقي ؟ وأي عالم هذا يا جرحا منغرزا في قلبي ؟

كانبلاج الفجر قد تولد الامل فيك وكانغراز نظرته في أعماقك عذوبة كانت أحلامك . الامل الزاهر والاحلام الخالبة والنظرات الحالمة واللمس الرقيق والهمس الشفاف كالارض المخضوضرة والفضاء المعشوشب كانت . يا يوم اختليت بى فى دارنا والهمس المتدفق عفويا من فيك ينضح شهوة : " انت الجميلة في القرية ، وقد شفيت من المرض . فما يمنع من التزوج بك ؟ أنا شاب لم أتمتع بشبابي ، فما يمنع من أن يستمتع بعضنا ببعض ؟ خلقت لى يا مريم ، وخلقت لك . ووقعت حمامة وما دريت أنك فخر ، فارس مزيف كالآخرين . وشهدت دارك الملهة في ليلة صيفية الدفء . وكان ازد هار وعدك بالزواج أمام عيني لالاء أنساني ما تنفثه فى قلبي البقع البيضاء حول الثغرة من مرارة اليأس والحرمان . وانتظرتك آملة وقد تلفع الاحشاء طيف الفضيحة . وكان فرارك إلى الجيش هربا قضاء على قد زادته نصيحة الممرضة لي فى المستشفى حدة ، حين قالت : " كما تررين . لا أمل لك في أن يقبلك أحد . فاسعى إلى رزقك مثل بعض أخواتك بعيدا عن أعين من تعرفين ." . وكان

للامال قبر وسع الكون كله . وكان للدودة المسكينة التى بزقت أحشائى أن تشهد انهيار السماء وانخرام النظام , وللمأساة أن تتكرر سعيا إلى الرزق مثل بعض أخواتك بعيدا عن أعين من تعرفين ! ...

* الصائتة الثانية :

أما الجليد ففى أحشاء الخطيئة يذوب . وأنا الخطيئة في أحشائي والنار تحرقني . وقد تحقق حلم أمي التي قيل لها فى المنام قبل ولادتى إنك ستلدين قطة شبقة . فكم مرة ركبت تلك السيارة النبي تشهد ببوارك ؟ ودويها لم يستطيع أن يبدد الصمت الذى يشمل باطني والذي يفصل بيني وبين ذاك الغبي الجالس بجانبي . كانت نظرته الزائغة تبشر بالخير العميم . كان كشيخ هرم في ركنه القصي من الحانة . كان مرتكنا خلف الطاولة يبدو عليه الغباء الحاد . صياد غبي . وقلت : ليكن الفريسة هذه الليلة . ما ابشعك آيتها القناعة إذا كان العجز فارضك ! تبدو الصلابة والقوة على ساعديه ، وكذا عضلاته . ثور غبي . لكن وجهه . وجهه شديد السمرة . أما عيناه فضيقتان كآنهما غائرتان فى محجرينهما ، تضفيان على وجهه ظلا من الدمامة . ما أسهل التغلب على متاعب الصيد ، ولكن ما أبطا أن تحصل عاجزة مثلى على صيد سمين . قام . فهل سيخرج دون أن يقيم قيامتي ؟

لماذا تمسني هكذا يا ابن الكلب ؟ آغرب عن وجهي ... متلعثما :

- لماذا تصيحين هكذا ، لنتفق في الخارج .

سقط الغبي في الحبالة. - ماذا تريد مني ؟ لست ممن تظن ... أسبقني ... - لنكون هذه الليلة رفيقين . يبدو أنك أشقى منى . - أين تسكن ؟ - لا تخافي . سنأخذ تاكسي إلى باب سعدون .

قال إني أبدو أشقى منه . فهل ترى شقية تسعد شقيا ؟ يتوقف ذلك على صدق ما يقال عنا من إننا بذرة إبليس . كهمس الشيطان لمساته المتربة إلى صدرى . التمنع من ضروب الإغراء ، ولكن قد يفسد عليك خطة . هذا ركن تركنين إليه الليلة . فما أطيب الغباء إذا تحلى به ثور ! تلك النجوم الغامزة تسخر منه . ولكنها تسخر مني كذلك . وهذا الليل يلعن إسمينا . كاللسعات لمساته لنهدى . وهذه الليلة ستسجل مشهدا آخر من مشاهد المأساة . الجديد في هاته المأساة ، حيوية المهزلة فيها . والليل شاهد على هذا . وستشهد الحجرة الجديدة التى سأغزوها فصلا جديدا من مهزلة الوجود . فطقطق أيها السرير ما شاء لك غباء صاحبك ولتضحك ما شاءت لك أسلاكك وأعوادك . وقد ناجى القرد القمر ليلا فاشتكى من انتساب الإنسان إليه . وتساءل عن القدرة التي تمسكه في الفضاء فلا يسقط ، وقد ارتكز الكون على كذبة هائلة ...

- قريبا من ذلك الباب . قد وصلنا ... لماذا لا تفتح أمامي إلا أبواب الارض ؟ فحتام أنت مغلقة يا أبواب السماء ؟

- تفضلي إنزلي .

... وترجمت اللامبالاة إهمال الواجب وقد سرى فى اعضائك البرد . وانتهت عينه إلى الاكتشاف الخطير ! وسرى الإمتعاض على وجهه يكثف من دمامته ، وأجابت اللا مبالاة اللا مبالاة .

- ما اسمك ؟ - ... - هل أصابك خرس ؟ - ماذا يهمك من إسمي ؟ - لسانك أقبح من ... - كان الآن فى فمك .

- إنك برصاء لا تساون رجلا على مؤخرتك . أخرجي . وليكن جزاؤك رجلا على المؤخرة .

* الصائتة الأولى ( مكرر ) :

أما بياض هذا السفسارى المهترئ فشاهد على سوء حظك وادلهمام أيامك ولياليك و آثاره على مؤخرتك بعد أن صدعت كلمته في أذنيك شاهد على أن ليس في الوجود ما يستحق الوجود . فأى مرارة تفتك بحلقك وأي تقزز يقرس امعاءك وأي غثيان يفجر الصقيع في أعماقك ! العدمية تتدهور بك إلى الهاوية فحياتك على اللآشئ قائمة . لا تتساءلي متى يذوب الجليد بل عن الهوة التى تتردين فيها . الهوة السحيقة قد أشبعها الفراغ امتلاء ... وتقوم معالم حاضرك جامدة صلبة كالامل الفارغ الذي أتعبتك ذكراه . فكيف لا تستحق حياتك أن تبددها عبثا ؟ فيا ذرى الوهم ميدي ! الوهم والفراغ والعبث واللاشئ وأنت لا

تستحقين حتى ضربة رجل على مؤخرتك وعليك أن تسعى إلى تحصيل رزقك بعيدا عن أعين من تعرفين . الفراغ كالإمتلاء وأي شئ كلا شئ وقد انتصب الشياطين على جبل الطور رافعين الهراوات فى وجه السماء فانقضت عليهم إحدى بنات نعش فبددتهم تبديدا . وانسحقوا فشرب دميهم الحوت الذي اختطف ابنة السلطان في أحد شوارع المدينة وانتصب السلطان قاعدا وقال : يا وزير دبر ولا رأسك يطير . وأخذ الوزير يفكر . الجنس أسطورة مدينتنا . الجنس حقيقة مديتنا . والدوامة تنبعث في رأسي في حركة لولبية جنونية وزيغان بصرى وراء فكرة ما من حالات الجنون . أعوان السلطان متخاذلون ورأسه قد أصيب بخرف واوخم العواقب على رأسى فأين أنت يا عدالة السماء ! قد نسى المسكين أن مدينتنا أسطورة جنسية وحقيقة شبقية . وإذا كان لإبنة السلطان عشاق فكيف ببقية النساء ؟ لذلك كثرت الثغرات فى سور المدينة . " مولاى . أعلن فى الناس آن من كاشف بجرأته وشجاعته كافيته بابتى ونصف مملكتى . فسيظهر الطماع المجرم . "

وقطع رأس الوزير وانتحر السلطان إذ أزهر فى المدينة النجنس ولم يرجع الحوت ابنة السلطان إذ راح يتهمس فى أعماقها صبيا أشقر يسقيها دم الشياطين لعنة أكدت تأصل العطش في النسياء اذ الجنس حقيقتنا . لذلك لبت الثغرة العطشى فى الجدار نداء الصبي الاحدب العاري . رأى الصبي الثلمة في الجدار فاختلج في أعماقها هامسا همسات الحب القارص . بوله على الجدار شوق قارس كالشوك إذ يخز . شخر فى الثلمة ونخر وسب الشمس والقمر . وعندما يهمس

الشوك في الثلمة تحمر عيون البوليس لان الهمس الاشقر في خلايا الجدار المتهدم ثدى خطيئة فى الثمة الحزينة . وبول الصبى فى ثلمة الجدار المتهدم يحرمه القانون . ولكن خلايا الجدار عطشى إلى همس الصبى وبوله وإلى الشوك إذ يخز والشوق إذ يقرس ... يحشو القانون الثلمة بأعقاب السجائر ويغسل يديه بلعاب الصبي ولتنبت الثغرة أزهار شر لعنة في خلايا الجدار ، أما أخي فيجد في البحث عني ليقتلني . فهلا يكفى الجمل عقابا أن شق شاربه لانه ضحك مرة فى حياته ؟ يا زمانا كانت السعالى فيه تسد مفاوز الجبال , وكانت تقتات بعظام البشر التى تطحنها والدجاج الاسود حائم بها ! وقد انتصب شعر تلك السعلاة كثيفا حادا كشعث " السمارة " فى السبخة العجفاء الكالحة . وقد انتشر نثار الحقد والبغضاء من عينيها المحمرتين على كل ما حولها . وتتراقص الشياطين أمام عينيها وقد أصابتها الهزيمة تطلب الانتقام لها . وتعربد عفاريت الجن في رأسها نطلب الإطاحة بالوجود . وطقطقة أضراسها وأسنانها أحد من طقطقة الاسرة عندما تعاني مشاهدة المهازل . وقد نفثت ثعابين الجحيم في أوصالها سموم الحقد والانتقام . وتصيب السعلاة فجأة هدأة إذ ترى صغيرها يتحرك من نومه فترمى بثدييها القربتين على ظهرها وتستقبل الدجاج الابيض ويفرغ من السواد دماغها . فيخال القابع خلف بابها ذلك داعى الإطمئنان . الفارس العاشق يستكشف اسرار الوصول إلى جزيرة الجنس حيث ابنة السلطان معبوده الذي اختطفه الحوت وهو لا يعلم . وفي غفلة منها يقفز على ثدييها ممسكا بهما ، مستحلفا إياها ألا تفتك به ,

كئ يسترشيدها . ويتلاشى من يده اطمئنانه إذ يتلاشى منهما ثدياها فيمثل أمامها ولم يفطن لزيف أيمانها . وإذ تراه يعاودها الاستعار ويغم السواد أعصابها وينتفي البياض ويعلن الدجاج الاسود عربدة العفاريت وحقد الشياطين ومطلب الانتقام . وتمسه ألسنة الثعابين مسا خفيفا لاسعا يذكره كيف يكون الإتقان فى الخيانة . الفارس العاشق خائن خلف معبوده فرارا وراء معبود خائن ! فلتورقي يا مفاوز الجبال تحت أقدام السعالى !..

- 2 - خبر الدم المراق

الصائتة الأولى :

طقطقتك أيها السرير إثبات لحيوية المأساة ." والريح تهب حيث تشاء وتسميع صوتها ، لكنك لا تعلم من أين تأتي ولا إلى أيئن تذهب ". زيغان البصر يحتضنه الفراغ إحدى حالات الجنون ، والشياطين والعفاريت والثعابين معربدة في الجحيم . وأطل رأس السعلاة ، الوهم الذي يقوم عليه هذا العالم . وعينا أخيك تستيقظان فيك ينضح منهما الالم وشهوة الانتقام . في البحث عنك يجد ، فهل كانت اللطمة التي أيقظتك من غفلة الشرود ، بطرف الممشى الايسر للرصيف ، وأنت تتبعين هذا الصائد الدميم ، نذير شر ؟ ولكن الوهم يؤكد علاقتك بهذا الحيوان السائر أمامك . حيوان يتحرك والشهوة تفيض من عينيه والشبق المخمور ! حيوان يتحرك مؤكدا رغم الوهم أن لا علاقة بين حركة وآخرى وان لا سبب بين جسم وآخر وان لا وجود لاي معنى وأن الالم غاية هذا الوجود . إنبعاث الالم فى جسمي

كارتكاز اللأمبالاة فى رأسى يوكدها الشعور بعدائية هذا العالم لي ، المنغلق أمامى انغلاق هذا الباب بما يواريه خلفه من ديكور الملهاة . وأى فرق بين قرقرة هذا الباب وهو يفتح وقزقزة الالم حينما يمزق أمعائى ؟

* الصائتة الثانية :

اختفاء النجوم في الليل كظهورها فى النهار لا وقع له . واحتقان القمر خجلا وقد توسط الافق داخل البحر ، كدم هابيل وقد تقنعت به الشمس أمام الشفق . وكنت أحلم يوما بأن ألد القمر وأن أحمل في أحشائى شمسا ، وأي خير في قمر وشمس يضرجهما دم الخطيئة ؟ وقد رأيت مرة نجما يتغمز بعينه . وإذ استجبت له اعتذر فعرفت أن في عينيه مرضا . فمتى تتحول ثوابت النجوم من أمكنتها لتحرق الارض ؟ وعيون النجوم تضرم الحرائق فى قلبي وما وجدت مايطئ ناري . ثغرة مسكينة فى الجدار يدوم حولها الصبية ويهومون مدمد مين فى هرج أغبر لا لون له . يحشونها أعقاب سجائر وفحما وحشائش يابسة ويعتقدون أنه الطين ! يبزقون عليها ثم يقذ فون فيها ما في آحشائهم ! ويهمس الى صبى هذا الغبى معتقدا أن قيئة سيخمد نارى . فمتى يتعلم أن أعقاب السجائر والحشائش اليابسة والفحم تؤججها ؟... فشعريرة سرعان ما تزول . لاول مرة يدغد غ الهمس إحساسي جادا . تبدو الصلابة على أعضائه ، وقد زال التجهم عن محياه . آه ! احبك رغم قبحك ... فهل يصبح فيؤك دموع السماء رحمة تطفئ ناري ؟ همسك الحاد اللين الناعم كأظافر امرأة تغرزها قشعر الحمى في لحم

رجل والنار المضطرمة كنباح كلب أسكتته حجرة . الهمس المراق والقئ المراق والنار المراقة والدمع المراق كدم كلبنا المراق على جدار منزلنا وقد أعدمته رصاصة وتطاير شررها في زوايا منزلنا واختطف عيني الشرر واشتد الهمس واح... ح... ح... حتد....احتد الهمس واح... ح...ح ... حتد-د-د وقد أغمي على ... عائمة في سواد أبيض كالد د د د م م م  م م ...

* حركة صامتة استطرادية :

الجدران لا لون لها والدم القاني يغمر الممر أمام الباب الذي شهد المهزلة . معلنا أن ليس فى الوجود ما يستحق الوجود . الظلمة القاتلة والعدمية المطلقة تبشران بالفناء ، والثغرة باقية باقية باقية حتى ينهار الجدار ... " لقد قتل المدعو (... )  أخته المدعوة مريم وكان يترصدها حتى رآها تقتحم عمارة مع رفيق ، وعند باب العمارة عندما همست بمغادرتها ، التقاها وحدها ، وسدد لنحرها طعنة اردتها فى الحال تتخبط فى الدم . أمام الباب الذي كان يواريها ..." . والجدران لا لون لها ، وخبر الدم القاني المراق يغمر جدران المدينة . والثغرة باقية حتى ينهار الجدار ...

اشترك في نشرتنا البريدية