الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 3الرجوع إلى "الفكر"

أصداء الفكر

Share

* جريدة " الفجر " فى  لقاء مع الاستاذ محمد مزالى :

هذا نص الحوار الذى أجرته مع الاستاذ محمد مزالى مدير مجله " الفكر " الوزير الاول بتونس خيره الشيبانى الصحافية بجريدة " الفجر " التى نشرته بتاريخ I982/3/II . ونحن اذ نعيد نشره اعتقادا منا بجدوى ما جاء فيه من حوار قيم .. ارتأينا ان يطلع عليه قراء مجلة " الفكر " :

هذا الحوار مع رئيس الوزراء التونسى الاستاذ محمد مزالى لم يكن لطرح السؤال التقليدى - فى شكل التوفيقى - عن العلاقة بين السياسة والفكر بل لأن الاستاذ مزالى يؤمن بأن تاريخ الفكر الانسانى - منذ 25 قرنا منذ أن بزغت حضارة اليونان - سجل ظاهرة لا يمكن انكارها وهى أن الثقافة والأدب يمتازان دائما بالرفض . فالاديب يرفض ، وينتقد ولا يتلاءم مع المجتمع فى شكل الجاهز ، فى نظمه ومؤسساته . ولان الاستاذ مزالى يؤمن ايضا بأن هناك " سياسيين ادباء ولكنهم يتواطؤون ، ويخون مبادئهم . وهناك ادباء يستعملون السياسة بصفتها أداة تبليغ رسالتهم " ومن هنا كان مهما ان نعرف كيف ينظر المسؤول السياسى الكبير والاديب ، صاحب الموقف - الذى حمل هاجس الحرية ودافع عنها والف " الديمقراطية " الى قضية السلطة التى يعترف أنها فى بعض جوانبها قمعية .

هذا الحوار قام ايضا لان الاستاذ مزالى - قبل ان يكون رجل سياسة - هو فمن الوجوه الادبية المعروفة في تونس ساهم في تأسيس اتحاد الكتاب التونسيين وترأسه لاكثر من عشر سنين ، وانتخب عضوا بالمجامع العربيه ، والف "الديمقراطية " و " من وحي الفكر " و " مواقف " و " دراسات " و "و جهات نظر " و" في دروب الفكر " وساهم مع الاستاذ البشير بن سلامة في ترجمة كتابى " تاريخ شمال إفريقيا " ، و " المعمرون الفرنسيون والشباب التونسى " للمؤرخ الفرنسى شارل اندرى جوليان . وأسس مجلة " الفكر " التى توالى صدورها منذ 27 سنة . - وهى ظاهرة فريدة فى تونس - وفتح المجلة لكل الاتجاهات الفكرية والأدبية

الجديدة - خاصة تلك التى أثرت الحياة الثقافية فى تونس فى الستينات - ولكل التجارب الادبية التى أثارت جدلا طويلا مثل تجربة قصيدة النثر والقصيدة المضادة وتجارب المدنى التى حطمت أساليب الكتابة الادبية المعروفة وتجربة الشعر المنجمى وغيرها .. ولئن أعرض بعض الادباء الشبان عن الكتابة فى الفكر خلال السنوات الاخيرة - فان مزالى الاديب والسياسى يؤمن بأن الحوار يجب أن يستمر بينه وبين الشباب ويعمل لخلق هذا الحوار ويرى الخلاف بينهما طبيعيا ويؤكد مع " برنانوس " " عندما يحس الشباب بالبرد تصطك أسنان العالم أجمع " .

بعض الوهم لكى نعيش ..

* احدى الصحف العربية قالت عن تونس انها أصبحت دولة الادباء . فالى أى مدى تساهم أحلام الادباء فى تونس فى صياغة صورة المجتمع التونسى الحالى والقادم ؟

. ليس صحيحا ان تونس هى دولة الادباء . الصحيح أن بها سياسيين على مستوى ثقافى كبير ولديهم تكوين ادبى واضح . لان السياسة لا يمارسها الا رجالها وذووها . وكل الادباء السياسيين الذين اشارت لهم الصحيفة هم فى الواقع سياسيون انخرطوا فى بوتقة الحركة الوطنية منذ شبابهم وتحملوا مسؤوليات سياسية فى الحزب وفي الادارة وفي الدولة منذ الإستقلال وتمرسهم على الحكم أهلهم لهذه المناصب القيادية . فالاستاذ محمود المسعدى - مثلا - الى جانب نشاطه الادبى ووجهه الادبى المشرق كان زعيما نقابيا وسياسيا منذ عهد الكفاح ضد الوجود الاستعمارى . وبالمقابل نجد ان الرئيس الحبيب بورقيبه الى جانب كونه سياسيا عبقريا أديب ذواق للادب ومثقف يستند اله ثقافة تاريخية وادبية بالعربية والفرنسية .

والغريب أن بعض الاخوان بالمشرق يميزون او يقابلون بين البعد الادبى والثقافى من جهة وبين البعد السياسى من جهة ثانية كان السياسية محكوم عليها ان لا يمارسها الا الجهلة أو انصاف المثقفين بل ان وضع السؤال من طرف بعض الاخوان بالمشرق يدل دلالة كبرى على ازمة الحكم فى بعض البلدان .

* أنتم تطرحون اذن وحدة العمل الفكرى والسياسى ؟

- أن أردت التوفيق أقول : ان السياسى الحق هو الذى يستعمل نفوذه أو كرسيه او ثقة الشعب فى شخصه ليجسم شيئا فشيئا بنفس طويل وعزم حديدى القيم الفكرية والثقافية والإنسانية التى يؤمن بها والتى تتلخص فى

الكرامة والحرية والديمقراطية واحترام الانسان واعطاء الحياة رونقها الجمالى ، وفى العناية بالجانب الاجتماعى الى غير ذلك من القيم التى يجب رعايتها ... هذا هو السياسى الحق . اما السياسى الردئ فانه يرتقى للحكم بالصدفة او بالدبابات ثم يحتفظ بالحكم مهما كانت الوسائل . ما يهمه هو أن يبقى على كرسى السلطة أما السياسى الحق والملتزم فهو الذى يستعمل السلطة كوسيلة وخدمة الناس - حسب المبادئ والقيم - كغاية .

* ذكرتم مرة أنه يلزمنا بعض الوهم أو الحلم لنعيش . فماذا بقى من احلامكم القديمة بعد توليكم منصب رئيس الوزراء ؟

- استعمل كلمة الحلم أو الوهم للأثارة وانما المقصود هنا هو المثل العليا وانا شخصيا احتفظ باحلامى أى أنني اعتقد أن الغد يمكن ان يكون افضل من اليوم بشرط أن نكون جدبين وجادين فى نضالنا ونتقدم خطوة خطوة .

* ألم يسفه الاحتكاك بالواقع و معرفة الجماهير عن قرب بعض أحلامكم ؟

- اعتذر عن الجواب فى اتجاه عكسى للاسئلة . الغريب ان الناس كما يقابلون بين السياسى والمثقف يقابلون بين المثالى والواقعى وأنا اقول : إن المثالى الحق هو الذى يعمل عملا سياسيا صفته الاولى يجب أن تكون معرفة الواقع يعنى أن هناك ذهاب واياب ، جدل بين المثالية والاحلام أى بين ما يجب أن يكون عليه الواقع البشرى - الاجتماعى والاقتصادى والسياسى من جهة وبين واقعية تجعلنا نتحاور مع الواقع لتغييره اعتمادا على التجربة واعتماد على معرفة الانسان وأقصد بالذات تركيبه النفسى اذ ليس هناك اكثر تعقيدا من نفسية الإنسان وما يحتمل في نفسه من صغارة وعظمة من روح بذل وأنانية من غيرة وحسد وعطاء ومحبة للغير . وربما يكون أصعب امتحان للسياسى هو ان يعرف نفسية الانسان ومعرفة الواقع الذى يتحرك ضمنه لكن معرفة الواقع لا تغنينا عن السعى لتغييره فالرئيس الحبيب بورقيبه - مثلا - عرف واقع الاستعمار وكان به خبيرا ولكنه غيره مدركا لخصائصه بالرجوع الى ما كان حلما من الاحلام ومثالية من المثاليات . وهى فكرة استقلال تونس الذى تحول بعد سنين من الكفاح الى واقع .

* أعطيكم مثلا لتوضيح رأيى : محمد مزالى رجل مثقف وصاحب موقف وككل انسان مثقف يؤمن بالاختلاف فى الرأى وفي حرية التعبير عن هذا الرأى . هذا الرجل المثقف الذي يحمل هاجس الحرية ويدافع عنها . كيف يتقبل مثلا خير وجود مساجين سياسيين ببلاده هل لا يشعر رجل السلطة المثقف بالتمزق بين رجل الموقف ورجل السلطة ؟

- رجل السياسة حتى لو كان اديبا وحساسا يؤمن أو يجب عليه أن يؤمن بأن العدل هو أساس الاجتماع وان الحرية حدودها الانضباط ومصلحة المجموعة ثم ان هنالك مساجين سياسيين لهم أفكار حقيقية ومحترمة وربما عذبوا من أجل أفكارهم وهنالك مساجين يلقبون بالسياسيين ولكنهم مارسوا الفوضى أو العنف ولكن حتى فى هذه الصورة السياسى الحق هو من يلتمس العذر ويحاول التخفيف وهذا ما نفعل فى تونس وانا اعتز بكونى ساهمت فى اطلاق سراح عدد من الطلبة والنقابين . والرئيس بورقيبه يعاقب ويعفو والحمد لله .

اننا فى تونس - اذا كان السؤال يهم تونس لم نشنق ولم نعدم أحدا من المعارضين السياسيين وكل تونسى يعود الى بيته فيجد أهله واولاده باطمئنان حيث اننا لا نعيش تجربة الخطف والقمع وأنا أتألم لدى سماعى بكل ما يجرى فى بعض الدول العربية والافريقية وامريكا اللاتينية ولكن ما حيلتنا ونحن نعيش فى مجتمعات صعبة تتقاذفها تيارات العنف واللامعقول فسبيلنا مثل سبيل السباح الذي عليه أن يصل الى جزيرة النجاة ولكنه أحيانا يقاوم الامواج ويبتلع بعض قطرات الماء المالح ولكن هذه القطرات ضرورية للوصول الى جزيرة النجاة .

* أنتم لا تعتذرون اذن عن أن السلطة فى بعض جوانبها قمعية ؟

- السلطة قمعية أساسا من وجهة نظر بعض الافراد ولكنها من وجهة نظر المجتمع ضرورة ليستقيم الامر فى المجتمع ما دام الانسان كما قال افلاطون وارسطو منذ قديم الزمان يحتاج الى قانون يردعه او الى شرطى أو الى هيكل يقول له : لا ! أنت تفعل شيئا يضر بغيرك . أى إذا لم يكن له مستوى اخلاقى ومدنى واجتماعى يجعله يعرف ما هى حدوده ويميز بين الحق والباطل وبين الواجب وغير الواجب .. فى هذه الحال لابد من سلطة أخرى سواء كانت دينية مدنية أو شرطية وانا لا أتصور كيف يمكن أن يعيش مجتمع بدون سلطة ولكن المهم هو أن تكون السلطة فى صالح العدد الاقصى أى أن تكون اكثر عدالة .

* لو أردت أن أعرف منكم الحد الفاصل بين الحرية التى تسمح بها السلطة والقمع الذى تمارسه ؟

- كل سلطة - حتى سلطة العائلة - قمعية وكل حياة جماعية فى بعض جوانبها قمعية لانها تفترض الحد الاختيارى أحيانا من حرية بعض الاطراف لصالح المجموعة أما عن الحد الفاصل بين الحرية والقمع فهو ليس مرسوم

سلفا ولا أدرى كيف نتسلمه مسبقا ... وكل ما فى الامر أن هنالك تفاوضا .. فكل قضية وكل ملف هى حالة خاصة تستوجب حلا خاصا لان لها ظروفها الخاصة وأنا أؤكد أنه ليس لى آراء مسبقة ولكننى أعرف ما أريد وأعرف ما أؤمن به وأحاول ان أفهم الناس والواقع .

* أنتم تحظون بصداقات كبيرة فى أوساط الشباب التونسى . فهل ما زال الحوار ممكنا بينكم وبينه ؟

- ما زال ممكننا ، ويسيرا لو تخلص جمهور الشباب من بعض الافراد الفوضويين الذين يحولون دون الحوار بالتحدى والاثارة والسب والشتم . ورغم عدم الاتصال المباشر والهيكل فان الحوار ما زال مستمرا لان الشباب لا يطلب من الكبار أن يفكروا مثله والكبار لا يطمحون لذلك وسنة الحياة أن يفكر ابناؤنا تفكيرا مغايرا لتفكيرنا ولكن الشباب من ناحية اخرى يقدر الكبار ويحترمهم باعتبار سلوكهم وجهادهم ونظافة أيديهم لان الكهل اذا انغمس فى المداهنة والمواربة والاعمال الصغيرة يحتقره الشباب ، شرط الحوار بين الشباب والكبار هو التقدير المتبادل هو أن أعرف أن فلانا رغم اختلاف معه فى الرأى له نوايا طيبة وهو يسعى لمصلحة الجميع .

* أنتم متفائلون اذن . بامكانية واستمرار هذا الحوار ؟

- أنا لست متفائلا فقط . أنا اعمل من أجل هذا الحوار رغم انى تجاوزت سن الشباب . وهذا وهم من الاوهام التى ما زلت أتمسك بها بمعنى الحد الذى نعيش به .

* ما دمنا نتحدث عن الاحلام : ما هي ملامح صورة المشروع المجتمعى الذى تحملونه في ذهتكم ؟ وتناضلون من أجل تحقيقه بتونس ؟ ما هى قضيتكم الآن ؟

- قضيتى هى القضاء على التخلف ، تمكين كل تونسى وتونسية من أعلى درجات الحرية والازدهار والكرامة والكبرياء بمعناها السمح ، تحقيق التعايش فى احترام رغم اختلاف الآراء ، السعى لتحقيق الاخوة المغربية والعربية , السعى لتحقيق السلم لنحقق للانسان انسانيته ... هذه اذن مجموعة قضايا تشغلنى الآن .

* 27 سنة مرت على اصدار " الفكر " فهل بلغت الرسالة . أم أن هناك قضايا اخرى تودون طرحها ؟

- اشعر انها تبلغ رسالة . أما فى القضايا فهى تتجدد . يجددها الواقع الجديد وملابساته الجديدة . وما هو مطلوب طرحه الآن من قضايا غير ما كان

مطلوبا طرحه عام 1955 - السنة التى ظهرت فيا الفكر - وما دامت الفكر تؤدى رسالة ، ما دامت تعرف بالادب والادباء في تونس ، تشجعهم على الكتابة ، وتفسح لهم مجالا للنشر ، وما دامت تخدم الادب العربى عامة فهى دائما تقوم بالواجب . ولكن هل نقوم بالواجب على أحسن ما يرام . الجواب ليس عندى . ولكن وجودها واستمرارها فى الصدور هو تحد لليأس ، وللشك ، وإثبات للوجود الفكرى وللمجهود الفكرى .

* كانت متفتحة على التيارات الادبية الجدية وعلى الادباء الشباب ولكن أشعر الآن ...

- ان بعض الشباب انغلقوا عنا ولكن الغريب أن الكهول ما زالوا منفتحين على الشباب .

* اذا كانت الديمقراطية مشروعا حضاريا تسعون لتحقيقه فما هو المشروع الثقافى الذى تريدون تحقيقه ؟

- أن تكون الثقافة اصيلة اى أن تعتمد على مقوماتها الروحية العربية الاسلامية وان تكون منفتحة ومسايرة للعصر فى أصع وأصدق ما ينتجه البشر حيث ما كان . وهذا مشروع كبير يمكن تحقيقه بتطبيق المناهج التربوية الجيدة ومن خلال وسائل الاعلام والثقافة وبالعمل الشعبى الجماهيرى

* هناك اتهام للمثقفين التونسيين - خاصة داخل الجامعة التونسية - بأنهم لم يتخلصوا بعد من آراء أساتذتهم بالسربون وان باريس قتلتهم .

- هذا صحيح . وهذه مشكلة كبيرة أيضا . لان الجامعة التونسية - الى جانب نجاحها من حيث المستوى العلمى ومنهجية البحث وتخريج الآلاف من الاطباء والمهندسين والاساتذة ورجال الثقافة والادب - تشكو فى بعض الكليات من التشرذم الفكرى . وهذه مصيبة . كما ان هناك تيارات سياسية مختلفة متواجدة بها . وانا شخصيا أتاسف عندما ألاحظ أن طالبا أو استاذ او مواطنا يعتنق مذهبا أو ايديلوجية تقيد فكره . وقد قاومت الايديلوجيات وكتبت مرات عديدة وعلى مدى السنين الاخيرة . ان الايديلوجية تخنق التفكير وتكبل الانسان . وأنا أعتقد أن الابديلوجية سواء كانت شيوعية أو بعثية ، فوضوية , أو علم نفس تحليلية ، ماركوزية أو غرامشية ، غيفارية أو وجودية ، مجهود - أحيانا رائع بذله مفكر عبقرى وما أطمح اليه هو أن يفكر كل طالب تفكيرا فى عمق وفي اتساع وفى جرأة صاحب المذهب . وما يهمنا ليس هو المذهب كثمرة ولكن ما يهمنا هو القيم التى يدعى صاحب المذهب انه يستطيع تحقيقها .

وأنا أدعو لان يناقش الواحد منا ويعمل فكره ويحاول ان يتقدم خطوة الى الامام - سعيا لتحقيق المبادئ والقيم - بل أن يقول : قال المفكر الفلانى وقال الشيخ الفلانى الذى لا يخطئ . انني ادعو الى ان نفتح اعيننا وان نتحسس سبلنا بالقياس لظروفنا ..وأقف ضد كل المذاهب المغلقة .

* ميلينا ميركورى .. وزيرة الثقافة اليونانية .. هل ترون فيها نموذجا يجب ان يتكرر فى العالم الثالث ؟

- لا . لان الانشطة المظهرية هى التى اوصلت ميلينا ميركورى الى الوزارة . انا لا أحب الانشطة المظهرية . افضل عليها العمل بصمت وبعمق .

* مازلتم تواصلون الكتابة .. هل من كتاب جديد ؟

- على مكتبى منذ اربعة اشهر كتاب اراجع طباعته لتصحيحه . وعلى أن أسرق بعض الوقت لكى انتهى من ذلك . وهو عبارة عن بعض المقالات والمحاضرات التى قمت بها فى الفترة الاخيرة .

* ما هو الخط الذى يوحدها ؟ - شخصية محمد مزالى وظروف العمل .

* ما أكثر ما يشغلك الآن ! وفى هذه اللحظة ؟ - اكثر ما يشغلنى الآن كيف أحقق أسباب النجاح للمخطط السادس . لان نجاح المخطط يعنى تشغيل 65 ألف شاب كل سنة .

تفكيرك يذهب الى الشباب اذن ؟ - نعم انه المستقبل !

الندوة الاولى للطباعين العرب : عقدت خلال الفترة ما بين 27 الى 29 اكتوبر I982 الندوة العربية الاولى للطباعين العرب وفد حضرها وفود تمثل كلا من العراق والاردن والكويت ولبنان والسودان وليبيا والمغرب اضافة الى البلد المضيف تونس وتم افتتاح الندوة من قبل السيد البشير بن سلامة وزير الشؤون الثقافية فى الجمهوريا التونسية .

هذا وقد زاولت الندوة اعمالها لمدة ثلاثة أيام متتالية حيث تم انتخاب لجنة عليا مشرفة على الندوة من كل من الاخونا التيجانى الحداد من تونس رئيسا , وعضوية السيد عبد الحسين فرحان من العراق وعطيوى حداد من الاردن .

بعدها تم استعراض جدول اعمال الندوة حيث تضمنت أوراق عمل مقدمة من كل من العراق وتونس والمغرب ، وقد تطرقت كل الاوراق المقدمة الى

الندوة الى تجارب المطابع العربية للدول المذكورة والمشاكل التى تواجه هذه الصناعة والسبل الممكنة لتجاوزها .

وقدمت أوراق العمل كالآتى : كلمة العراق القاها الاخ عبد الحسين فرحان منهل : حول ابعاد التكامل الفنى للطباعين العرب ومستلزمات التنسيق فى مجال الخبرات الفنية .

وكلمة الاردن ألقاها الاخ عطيوى حداد عن واقع الطباعة فى الاردن ثم كلمة المغرب الاولى ألقاها الاخ محمد المرانى العلوى ودارت حول حركة المطابع فى المغرب الاقصى والكلمة الثانية للمغرب ألقاها الاخ محمد زماط عن أفضل السبل لتبادل الخبرات الفنية بين الاقطار العربية فى مجال الطباعة .

وتلتها كلمة الاخ التيجانى حداد وتناولت تاريخ الطباعة فى العالم . ثم القي الاخ محمد صالح بلقاضى من المطبعة الرسمية بتونس كلمة حول كيفية : اعداد الاطار الطباعى لتونس والمستوى العلمى لهذا الاطار .

ودارت المناقشة حول هذه الكلمات وتوصلت الندوة الى التوصيات التالية :

أولا : التدريب والتكوين الفنى :

لما له من الاهمية الفائقة وذلك ببعث اطار فنى فى حقل الطباعه بالاضافة الى حقل الورق لذا أوصى المجتمعون فى الندوة العربية الاولى للطباعين العرب بأن تقوم الامانة العامة للاتحاد بتبنى دراسة شاملة للحقل المطبعى فى البلاد العربية وحاجاته من الاطارات الفنية اللازمة فى شتى مستوياتها تمهيدا لاقامة معهد عال لتدريس وتدريب هؤلاء الفنيين وان يكون مقر هذا المعهد فى احدى الدول المتنمية للاتحاد . كما توصى بأن تضم هذه الدراسة المطبعية الى الدراسة التى تمت على يد الاتحاد بالنسبة للورق دراسة واحدة متكاملة واقامة معهد واحد للوراقة والطباعة .

ثانيا : توصى الندوة بأن ينسق الاتحاد حركة تفيد تكوين الاطارات مع المعهد المغربى للتعبئة والتغليف حتى نستفيد من هذه التجربة . كما توصى الندوة بمتابعة فكرة تكوين المعهد الاعلى للتكوين المهنى المزمع انشاؤه من طرف منظمة العمل العربية وادخال شعبة لتكوين الاطارات الفنية للطباعة فى شتى المستويات والاختصاصات .

وكذلك توصى الندوة وبكل الحاح ان تعمل كل حكومة من الحكومات فى الاقطار العربية على تكوين مدارس مهنية للطباعة تدريسا وتدريبا متلائمة مع

ظروف كل بلد عربى مع التطور العلمى والتقنى للطباعين مع اخذ اصحاب المهنة بنظر الاعتبار .

ثالثا : وتوصى الندوة بأن لا تسمح الحكومات العربية بالطبع في اقطار خارجية عن البلاد العربية ، وتشجع على الطبع فى ما بينها حتى يتوفر الشغل أكثر فأكثر لابنائنا وتتوفر الظروف الملائمة لتحسين الانتاج والانتاجية فى هذه الاقطار .

رابعا : توفير الظروف الملائمة لازدهار ميدان الطباعة واعطائه دفعا جديدا للنهوض به فان الندوة توصى الاتحاد ان يقوم بمساع لدى مجلس الوحدة الاقتصادية للتعجيل بما تقرر من بعث مشروع مطبعة لاصدار الطوابع البريدية .

خامسا : توصى الندوة بالعمل على طباعة الكتاب والمطبوعات العربية بالخصوص داخل الوطن العربى تماشيا مع اهداف الاستراتيجية العربية الموحدة لبعث السوق العربية المشتركة .

سادسا : وتوصى الندوة الاخوان الطباعين بالعمل على ايجاد ظروف اجتماعية ملائمة للعمل والاطارات حتى يكون الانتاج أقرب ما يمكن للمستوى اللائق للانتاجية .

سابعا : توصى الندوة الاخوان الطباعين بأن يعملوا على بعث فكرة الاختصاص فى مطابعهم ويتجنبوا قدر الامكان الدخول فى دوامة الآلات الحديثة والمستحدثة بدون تأهيل اليد العاملة الكفء . واختيار الآلات المناسبة التى تتماشى وحاجياتهم وامكاناتهم على ان تشمل شروط الشراء ، شروطا خاصة بالصيانة لمدى طويل .

ثامنا : توصى الندوة النقابات والجمعيات المطبعية العربية كل فى بلده بتنظيم دورات تدريبية ، محلية أو جهوية وتبادل خبرات فى ادخال التقنيات لجاديدة بين الاقطار العربية عن طريق الاتحاد .

تاسعا : توصى الندوة ربطا لوشائج الاخوة بين المؤسسات المطبعية فى العالم العربى بأن تبعث فكرة التوامة فيما بينها وفى شتى البلدان العربية .

عاشرا : توصى الندوة تعميما للفائدة باصدار عدد خاص من مجلة الورق عن هذه الندوة وتوزيعها مجانا على أكبر عدد ممكن من الطباعين فى العالم وتدعوهم للاشتراك فى هذا الاتحاد باضافة قصاصة خاصة بطلب الاشتراك .

حادي عشر : كما توصى الندوة تدعيما لاتحادنا الزملاء المشاركين فى هذه الندوة للعمل على دعوة زملائهم الطباعين كل فى بلاده بالانضمام الى صفوف الاتحاد .

ثانى عشر : يشكر المجتمعون الدولة التونسية رئيسا وحكومة على تبنى اقامة هذه الندوة على أرض تونس ، أرض الاخوة واللقاء وعلى حسن الضيافة وحرارة العواطف .

* ملف عن المسرح التونسى بجريدة " العمل " :

نشرت جريدة " العمل " فى عددها الصادر بتاريخ I982/II/22 ضمن ملف خاص بالمسرح أعده الزميل محمد البلاجى مقدمة للملف بقلم وزير الشؤون الثقافية الاستاذ البشير بن سلامه جاء فيها بالخصوص ما يلى :

ان المسرح التونسى تطور تطورا ايجابيا فى الجملة ابتداء من 7 نوفمبر I962 عندما القى المجاهد الاكبر الرئيس الحبيب بورقيبه خطابه الشهير وحدد فيه دور المسرح فى بناء المجتمع وابان فيه وجوب رعاية رجاله والقائمين عليه .

وظهر هذا التطور فى بروز عدد كبير من المسرحيين تكونوا سواء فى تونس أو فى الخارج وحذقوا من الفنيات ما خول لهم ان يصبحوا قادرين على التعامل مع أحدث تقنيات الاخراج وابداعاته مما حدا بوزارة الشؤون الثقافية ان تطور معهد الفن المسرحى الى معهد أعلى ابتداء من اكتوبر I981 .

وبهذه الصورة حل رجال المسرح التونسى مشاكل كانوا يتخبطون فيها ويعمدون من جرائها لتحقيق غايتهم الى الحماس والغيرة والتقليد اللهم الا العدد القليل منهم ممن اتقن الفنيات المذكورة بأوربا .

وبرز هذا التطور فى انتشار العمل المسرحي فى عدة جهات لم تكن لتعرف هذا الفن من قبل ومنها من بز غيره واصبحت له شهرة تجاوزت حدود البلاد معتمدا فى ذلك على تجهيزات قليلة جدا وامكانيات مادية طفيفة .

ومن علامات هذا التطور ان غامرت الفرق المسرحية بكتابة النصوص الجديدة المستلهمة من الواقع والمعبرة عن خلجات الجمهور وحذقت التعامل مع الكتابة المسرحية برعاية اللجنة القومية للتوجيه المسرحى .

ولكن الرأى السائد يتجه الى التأكيد انه ، رغم هذا التطور الكمي وهذه الايجابيات التى لا يمكن ان ينكرها الا جاحد لا يمكن ان نظفر بمسرح جيد الا بين الفينة والاخرى لان مسرح السبعينات وبداية الثمانينات تردى فى

سلبيات خطيرة جدا خرجت به عن ماهيته وجوهره واتجهت به اتجاهات غير محمودة .

ومن أسباب هذا " التردي " ( ان صحت هذه الكلمه ) :

- التشرذم أى ان رجال المسرح اتجهوا الى الاكثار من الفرق المسرحية الانقيسام حتى اصبحت تجد من المسرحيات من يمثل فيها واحد فقط . وبهذا لعدم وجود الفرقة المسرحية القوية التى تعتمد على ممثلين بارعين قادرين على ملء الركح وتأكيد الحضور الفنى ( ما عدا فرقة مدينة تونس ربما ) ونتج عن كل هذا تضخم غير محمود فلا عدد الفرق المسرحية .

- عدم وجود الفارق بين مسرح الهواية ومسرح الاحتراف . بحيث ان الفرق المسرحية الهاوية اصبحت محترفة أو شبه محترفة وغرقت فى المشاكل المادية من أجور وغيرها وأضاعت لب عملها وهو الجري وراء المسرحية الجيدة المتقنة وزاحمت بذلك الفرق المحترفة المتكونة من عناصر لها خبرات كبيرة وقاسمت منح وزارة الشؤون الثقافية والجماعات العمومية وجمهور المتفرجين .

الميل الى دغدغة عواطف الجمهور والنزوع الى مسرح شعاراتى يعتمد الخطاب السياسى لا الخطاب الثقافى فانحرف المسرح وانتقل من دوره المتمثل خاصة فى التوعية الثقافية العميقة وتكوين الاذهان وصقلها الى مجرد عمل غرضه الاساسى استمالة الجمهور قصد توفير اكثر ما يمكن من الدخل لحل المشاكل المادية . وظهر بذلك نوع من المسرح الذى يعتمد التهريج والفوضى . - العزوف عن روائع المسرح واقتصار الفرق على التأليف الجماعى الذى لا بعتمد على كتاب المسرحية البارعين بل يعتمد فقط على الممثلين الذين وان كانوا قادرين على التقنية المسرحية الجيدة ، لا يمكن ان يكونوا كلهم قادريت على الكتابة .

- محاولة فرض نوع من المسرح يعتمد ايديلوحية معينة تريد أن تستأثر بالساحة الثقافية كلها وتعمل بكل الاساليب الايدولوجية والسياسية أحيانا لمضايقة الاتجاهات والمدارس الاخرى والعمل حتى على قتلها وازالتها من الوجود ولسان حال الجماعة يقول حريتى فى اختيار اتجاهى المسرحى ونجاحى يتوقف على الحد من حرية الاتجاهات الاخرى .

هذه بعض السلبات والابحابات التى ذكرها الحاضرون فى الندوة حاولت حوصلتها بدون ان اعطى رأيى فيها ومن دون ان اناقشها ولكنها تحمل بين طياتها جانبا كبيرا من الحقيقة .

وعلى كل فان ما نقوم به فى وزارة الشؤون الثقافية الآن غايته هو الخروج بالمسرح التونسى من سلبياتة والدخول فى فترة جديدة ينظم فيها هذا الميدان تنظيما محكما وقانونيا يراعى فيه اصلاح وضع الممثلين وضمان مستقبلهم اجتماعيا ومهنيا وماديا حتى يبرز المسرح الجيد البناء ويشع داخل البلاد وخارجها وما تنظيم ايام قرطاج المسرحية العربية والافريقية مع مشاركات أوربية كل سنتين ابتداء من نوفمبر I983 الا دليل على دفع رجال المسرح التونسى والمسؤولين الى الخروج من السلبيات والتهيؤ للتبارى بكل قوة مع أحسن فرق العالم الثالث .

* تكريم الفكر والادب :

تحت هذا العنوان نشرت جريدة " الصباح " بتاريخ 82/11/23 بقلم الصديق أحمد عامر ما يلى :

مساء الجمعة I982/II/19 فتح المسرح البلدى ابوابه لا ليحتضن عرضا مسرحيا أو موسيقيا فالامر هذه المرة ليس كما عهدنا فلقد فتح المسرح البدى أبوابه لكرم الابداع الفكرى مجسدا فى الحفل الذى اقامته بلدية تونس لتوزيع الجوائز التقديرية الكبرى للادب والفكر لسنوات I981-I980 و I982 وكذلك لاسناد الجوائز الادبية " على البلهوان" .

كل الذين حضروا اجمعوا على انها مناسبة طيبة وعيد فريد من نوعه .. لم يقولوا هذا الكلام تقديرا للحدث فقط وانما قالوه محبة وتكريما للادب والفكر في هذه البلاد ... نحن نفرح عندما نعلم ان جهة ما اكرمت أديبا راحلا فكيف لا تتضاعف فرحنا ونحن نرى أدباءنا الاحياء اطال الله فى اعمارهم يكرمون ويحظون بالعناية والتقدير .

حضر هذا الحفل جمع كريم من أهل الفكر والادب يتقدمهم الاستاذ البشير بن سلامه وزير الشؤون الثقافية والاستاذ زكرياء بن مصطفى رئيس بلدية تونس شيخ المدينة وكذلك الاستاذ محمد العروسى المطوى رئيس اتحاد الكتاب التونسيين والدكتور محي الدين صابر المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم الى جانب عدد من اعضاء السلك الديبلوماسى العربى .

افتتح الحفل الاستاذ زكرياء بن مصطفى بكلمة لاحظ فيها ان مدينة تونس أسست الجائزة التقديرية الكبرى للادب والفكر إيمانا منها بدعم العلم الثقافى وتنشيط الحركة الفكرية بالمدينة حتى تكون مواكبة لتطلعات المتساكنين واشعاعا ثقافيا بينهم .

وأشار الى ان هذه الجائزة التى رصدتها المدينة منذ بداية المدة النيابية سنة I980 ترمى الى تكريم كتابنا ومفكرينا الاحياء وتقدير جهودهم الفكرية على امتداد حياتهم .

وأعلن الاستاذ زكرياء بن مصطفى عن هذه الجوائز فأشار الى انها اسندت بالنسبة لسنة I980 الى الاستاذ مصطفى سليمان زبيس المؤرخ والباحث الاثرى . كما أسندت بعنوان I981 الى الكاتب القصص والروائى الاستاذ البشر خريف . اما سنة I982 فقد شهدت اسنادها الى الاستاذ الصادق مازيغ الذى نقل الى اللغة الفرنسية القرآن الكريم بنبوغ نادر .

ثم لاحظ رئيس بلدية تونس شيخ المدينة أن مدينة تونس قررت انطلاقا من سنة I98I تشجيع الانتاج الابداعى والفكرى من رواية وقصة وشعر ومسرح وكذلك الدراسات فى الآداب والعلوم والفنون والمؤلفات الخاصة بالطفولة على أساس المنشور والرائج فى البلاد والمتناول لمدينة تونس بأى وجه من الوجوه .

وفى خاتمة كلمته توجه الاستاذ زكرياء بن مصطفى بالشكر الى وزارة الشؤون الثقافية واللجان المختصة كما تقدم بالتهانى الى كل المجازين بالنسبة للجوائز التقديرية وكذلك بالنسبة للفائزين بجوائز على البلهوان .

أما الاستاذ البشر بن سلامه فقد استهل كلمته بالاشارة الى أن هذه العناية الكبرى بالادب والفكر تعد بحق مفخرة لمدينة تونس والتونسيين .

وبعد شكره للمجلس البلدى على هذه العناية أكد على اننا بعيدون الآن عن تلك الفترة التى لا يكرم فيها الاديب الا بعد وفاته اذ اننا نحضر اليوم العهد الذي نكرم فيها أدباءنا وهم فى عز انتاجهم مقتدين فى ذلك بمنهج الرئيس الحبيب بورقيبه الذى ما انفك يشجع الادب والادباء وما تقوم به وزارة الشؤون الثقافية إلا خير دليل على ذلك .

وأهاب السيد البشير بن سلامه بكل البلديات والمؤسسات الثقافية والاقتصادية أن ينسجوا على نفس المنوال وأن يشجعوا الادب والفكر ثم تطرق بالحديث الى ما قامت به وزارة الشؤون الثقافية هذه السنة من أعمال كبيرة خاصة فى ميدان النشر مشيرا الى أن هناك قرارات ثورية قامت بها الوزارة من ذلك انها وفرت لكل من يروج الكتاب الاعفاء من كل تكاليف النقل بالنسبة لكل البلدان ثم انه منذ سنة I98I أصبح الكتاب الثقافى مدعوما من صندوق التعويض بحيث أن كل كتاب ثقافى يتمتع بنفس التخفيض بالنسبة لتكاليف الورق . اضافة الى كون الوزارة ستقوم مستقبلا بالاشهار والاعلان عن الكتب فى تونس وخارجها .

وفى خاتمة كلمته جدد الاستاذ البشير بن سلامه شكره لمدينة تونس على هذه البادرة كما توجه بتهانيه للفائزين .

وباسم كافة الكتاب التونسين أشاد الاستاذ محمد العروسى المطوي فى كلمته بهذه الخطوة التى أقدمت عليها بلدية تونس مؤكدا على استبشاره من التخلص من عقدة " عرجون " اذ لم يكن يكرم الا من امتدت رجلاه .

وبعد شكره للبلدية أهاب بكل البلديات فى تونس ان تقوم بنفس هذا الدور الفعال .

وأحيلت الكلمة الى الاستاذ الرشيد إدريس رئيس اللجان المختصة ليعلن عن الجوائز فأشار فى بداية الاعلان الى أنه مسرور بهذا العيد الثقافى ملاحظا ان الاقبال على الترشح كان طيبا وان الانتاج المقدم كان متفاوت القيمة والمستوى .

وانفرد الحفل هذه المرة اذ لم يقع الاقتصار على مناداة الفائزين وتسليمهم الجوائز بل اكتسى الحدث طابعا خاصا ومميزا .

وتمثلت هذه الخصوصية فى ان كل فائز بالجائزة التقديرية وقع تقديمه من قبل دارس له فقد تولى الاستاذ الحبيب الجنحانى تقديم الاستاذ مصطفى سليمان زبيس كما قدم الاستاذ الحبيب بن الشيخ الاديب البشير خريف فى حين قام بتقديم الاستاذ الصادق مازيغ الاستاذ نور الدين صمود . وقد تحدث ثلاثهم عن مآثر المحتفى بهم وما بذلوه من مجهودات فكرية جلبت لهم هذا التقدير وهذه العناية .

* أما الجوائز التشجيعية فهى كالآتى :

1) جائزة الشعر : - الصادق شرف : عن مجموعته " بحجم الحب أكون " نشر مؤسسة " الأخلاء " .

2) جائزة الرواية والقصة : - مصطفى المدائني : عن روايته " الرحيل الى الزمن الدامي " نشر الدار العربية للكتاب . - محمد الباردي : عن روايته " مدينة الشموس الدافئة " نشرت على نفقة المؤلف .

3) جائزة الدراسات : - محمد السقانجي : عن كتابه " خميس الترنان " نشر دار كاهية للنشر .

محمود الشبعان : عن كتابه " الجامع الميسر لاحكام الطهارة والصلاة " نشر دار العلماء .

4) جائزة كتب الطفولة : - عبد الجبار الشريف : عن قصته " دعاء السروجى " نشر الشركة التونسية للتوزيع . - أحمد الصوابني : رسام قصة " دعاء السروجى "

* شيوخ وشباب :

وبمناسبة العيد الثقافى الذى نظمته بلدية تونس كتب صديقنا الاستاذ صالح الحاجه فى " الصباح " - I982/II/23 - تحت عنوان : " شيوخ وشباب " يقول بالخصوص :

نعم ، كان الفنان فى تونس يبدع ولا يلقى جائزة ، ولا حتى كلمه طيبه ، فلا أحد يسمع ولا أحد يهتم ، المجتمع مشغول بضرورات الحياة . . يشقى كثيرا ليكسب قليلا ... والفنان يعبر عن طريق أدوات لا يتاح لأفراد المجتمع أن يقتنوها .. فهناك انفصال شبه تام بين هذا المجتمع وهذا الفنان ... ولكن مع ذلك استمر هذا الفنان يبدع ويضيف ويعبر ... أى أنه لم ييأس ولم يصدر بيانا صحفيا يعلن فيه توقفه عن الابداع لانه لم يحصل على وسام ولم يتلق جائزة .

كان ذلك فى الماضى ولكن اليوم غير الأمس .. فلقد تغير المجتمع ، وتضرت اهتماماته فما عادت الامور الضرورية الاولية وحدها تشغله ... انه يهتم الآن بما يتجاوز البطن  .. والمعدة .. والنصف الاسفل ... ومن هنا جاءت جوائز الهيئات الرسمية لتعبر عن هذا الاهتمام ... وعن هذه المتابعة .

وما جوائز البلدية الا ترجمة صادقة أمينة عن اهتمامات الناس .. أى أن المجتمع صار يشعر أن من واجبه أن يعبر عن شكره وتقديره لهؤلاء الذين يعبرون عنه ، ولهؤلاء الذين يزينون له حياته ، ولهؤلاء الدين يضيفون لعمره أعمارا جديدة لولاهم لما عاشها ولما استمتع بها .

وقد قيل فيما قيل : إن بلدية تونس كانت سباقة فى رصد الجوائز , فحبذا لو أن بقية البلديات تنسج على هذا المنوال وتمشى على نفس هذا الدرب الذى صار الآن سالكا ومفتوحا ؟

انها أمنية  عبر عنها من تكلموا فى هذا الحفل ... فهى تراودهم وتراود حتى الذين لم يتكلموا .

وفى انتظار ان يتم انجاز هذه الامنية الثقافية الغالية أقول : إن البلدية أبهرتنى مرة أولى بهذا الكم من الجوائز ، وأبهرتنى مرة ثانية بتوزيعها لجوائزها على الشيوخ والشباب .. على القدامى والجدد .. لقد منحت جوائزها لثلاثة من شيوخ الثقافة فى بلادنا ... نقدر فنهم .. ونحترم عطاءاتهم .. ولجمع من

الشباب الادبى يستحقون كل ألوان التشجيع ، فهم ما زالوا فى بداية الشارع الابداعى الطويل ، ولكنهم يحملون وعودا جيدة اذا وجدت الاسباب فانها ستصبح حديقة من حدائق الشعر والادب والفن التى تفتخر بها الثقافى العربية .

ولكن هل يسمح لى هؤلاء الذين فازوا بالجوائز أن أقف عند شاعر وروائى فقط في انتظار أن أعود فى مرة قادمة الى بقية الفائزين ، الذين أحترم جهودهم . اذا سمحوا لى سأقف عند الصادق شرف ... هذا الشاعر الذى يعطيك وأنت تقرأ له بعض أشعاره بأنه صادق العبارة ، يعبر عن واقع ، ويبشر بآمال ، ويفتح نوافذ كثيرة اذا لم يفتحها الفن فهو ليس بفن .

ويكفى أن نقول عن الصادق شرف : إنه شاعر .. فهذا لقب كبير على الرغم من أنه صار كحذاء الجندى يضعه كل ملتحق بالجندية

أما الروائى فهو مصطفى المدائنى ... وكلمة روائى كبيرة اذا قلناها وضعنا هذا الشاب فى نفس المرتبة مع بلزاك وتولستوى ونجيب محفوظ والطيب صالح ... بينما ليس لهذا الشاب الا رواية واحدة متوسطة الطول ليست عظيمة ولا من النوع الذى يبهرك من القراءة الاولى . ولكننا مع كل ذلك نقول عن المدائنى انه روائى لانه شاب واعد يمكن أن يتطور مع الايام ويمكن أن يكون من أكبر الروائيين فى بلادنا ... ويمكن أن يضيف الاجود والاقوى تعبيرا والاكثر تركيزا والاكثر جمالا .

اشترك في نشرتنا البريدية