الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 1الرجوع إلى "الفكر"

ألا انقذوا الاسلام بالله !

Share

لقد كتب الكتاب كثيرا فى ما ظل يقاسيه العالم العربى الاسلامي منذ أجيال من ازمة روحية وبحثوا عن أسبابها الباطنة والخارجة فكادوا يجمعون على انها ازمة دين الاسلام منذ ظهوره ، أزمته فى وجوده بين الاديان الاخرى ، ازمة عقيدته ومذاهبه فى التقائها مع ما اعتنقت البشرية من سائر العقائد والمذاهب .

ولقد هب فى عهد قريب من بين فقهاء الاسلام أئمة مجتهدون قاموا قيام السلف الصالحين كالافغاني وعبده ورضا وابن باديس فنادوا بضرورة إنقاذ الدين من خطر التحجر واليبس وغائلة التزييف و المسخ وصاحوا بالمسلمين ان ينفضوا عنهم ما قد تراكم عليهم من غبار الجمود والركود ويكسروا ما قد كبلهم من أغلال التوكل والتقليد .

وقد لمست ما آلت اليه فى عهدنا حركة الاصلاح الدينى من يأس الفشل وقساوة الخيبة قاومها الاستعمار مقاومة الزور والخبث تارة والضغط والعنف طورا وخذلها القعدة المحافظون والزمتة الرجعيون .

الا أنك قد كمن فى نفسك ما كمن من نور محمد وهديه وتجربة الغزالى وإحيائه وجهاد ابن يتمية وصدقه وثورة الافغانى واقدامه وحكمة عبده وعقله وإخلاص رضا وايمان إقبال وصبر ابن باديس فأنت على هديهم تسير وباجتهادهم تعمل وفي سبيلهم ترابط ولغايتهم تنشد . ولقد صابرت مصابرة بما تزودت من زادهم فثبت لأعاصير حيرتك واخذت بتلابيب نفسك حتى " انشرح صدرك ووضع عنك وزرك الذى أنقض ظهرك "

ثم عدت الى اصولك الاولى وسبرت تاريخ اسلافك فوق ارضك فادركت ما ظل خالدا من قيم الماضى البعيد وجواهر الحضارات الغابرة فوقفت راسخ القدم هادىء النفس وضاء الجبين قد نزل في صدرك برد اليقين كذاك المسافر تدافعته الليالي والايام وطالت به الاسفار تلو الاسفار حتى بلغ المنزل فحط الرحال

وسكن واطمأن . وكلت إذن دونك شتى المذاهب لا تاخذ منها الا ما طاب وبطل الباطل وحق الحق

وإنك لترى دول الغرب وكذلك روسيا والصين واليابان وغيرها من دول آسيا وافريقيا تهتم شديد الاهتمام بامر العالم العربى الاسلامى وتقدر له فى سياستها شانا عظيما . إلا أنك ترى هذه الدول تكاد لا تقف الا على مشاكله السياسية والاقتصادية التى تنحصر فى نظرها فى مشكل الاستقرار السياسي أولا وفي مشكل التقدم الاقتصادى ثانيا . فأنت تراها إذن فى غفلة عن ازمته الروحية التى هى مصدر مصاعبه المتنوعة وما ظل قائما فى وجهه من شتى العراقيل . وما سبب غفلة الدول الاجنبية عن تلك الازمة الا فى أنه لا يهمها فى العالم العربى الاسلامي إلا الاستقرار السياسي الذي هو فى نظرها شرط أساسى للتعامل معه ولنهضته الاقتصادية والاجتماعية .

فليست أزمتك الروحية اذن إلا صدى لما قد هز عالمك ذاك منذ عهد بعيد من باطن الاضطراب ، وليس سعيك كله الى راحة قلبك واستقامة حالك الا من حاجة كافة الشعوب العربية الاسلامية الى صلاح امرها ونمو نهضتها وتقدمها وإنك لتدرك اليوم جيد الادراك وقد قمت لتسوس نفسك بنفسك وتدبر شؤونك بيدك ما يجابه وطنك من عوارض خاصة به وضعها فى وجهه موقع شاذ بين الشرق والغرب وكيان عجيب صقلته حضارات صالحة البذر غنية الأثر وطبعه بطابع النشاط والجد تاريخ سريع التحول والتجدد .

فلذلك ناديت بفتح ما انغلق من باب الاجتهاد فى الاسلام واعلنت عن حاجتك الى تفكير ديني متقدم دعامته العقل . ورائده المصلحة والخير ، ولذلك دعوت الى تبديل أوضاع نخر الدهر عظمها وتغيير عادات بليت مع الزمان .

فما الاسلام هيكل يابس تجمد كالمومياء وما هو ميت كالجثة الهامدة ، هو حار كحرارة الدم غزير كغزارة الحياة ، وانما تحجرت منه المذاهب ويبست فيه تعاليم الفقهاء . فقد أفلست الفرق افلاسا تكاثرت حتى تقاتلت ثم تطاحنت حتى دهاها الفناء وتلفت روحها الاولى . وقد هرمت على ممر الاجيال نظم

السياسة وفسدت احوال الاجتماع واختلت قوانين الاقتصاد و دنئت الاخلاق وافل نجم المعرفة والعلم حتى سقط العمران فكاد يموت . فلا مناص إذن من الاصلاح فى الدين والدين يدعو اليه . هي اليوم رسالتكم أيها الفقهاء لتنقذوا دين الإسلام من هول المادية وخطر الملاحدة الدهريين . هو اليوم واجبكم أيها الفقهاء لتنشلوا لغة الإسلام من براثن الإنحطاط والعقم كى تصير لغة العلم الحى والفكر المتحرك . فاعملوا بالله على توحيد المذاهب والتوفيق بين الفرق وانهلوا من هذه النواميس العصرية واقتبسوا من هذه القوانين العقلية وانظروا في الواقع نظر الصلاح والحزم حتى تجددوا التشريع تجديدا .

ولا ترهبوا بالله هذه اللائكية التى تسعى في سياستنا واجتماعنا واقتصادنا فاصبحت على حياتنا غالبة . وانظروا فيها كما نظر السلف في مختلف النظريات وشتى التيارات . وفكروا ولا حرج عليكم ولا خوف على الدين فى الفصل بين الدين والحياة ولا بأس ان تنظروا مع الاحبار والرهبان واهل بوذا وغيرهم من أهل النحل لحسن التفاهم والتسامح والتسالم . ألا أنقذوا الإسلام بالله !

اشترك في نشرتنا البريدية