تزوج سالم وهو في سن الثلاثين من عمره من ابنة عمته وهى في الخامسة عشرة من عمرها ، وبعد مضي سنتين على زواجهما رزق منها مولودة اسماها ) سعاد ( فكانت وحيدة والديها ، ولذا كائا يرعيانها رعاية دقيقة ويلبيان لها كل رغباتها ، ولما بلغت سن الخامسة كانا يهتمان بتعليمها ، وكان لاهتمامهما أثر بالغ في مواصلة دراستها بنجاح حتى نالت الشهادة الابتدائية بتفوق فى سن مبكرة وتابعت دراستها في المرحلة المتوسطة . وفي هذه المرحلة وافت المنية والدها ) سالم ( وهي في سن الثالثة عشرة وبقيت والدتها حريصة على مواصلة تعليمها من المعاش الشهرى ) التقاعد ( الذي يصرف لهما من الحكومة ، فقد كان سالم موظفا باحدى المصالح الحكومية بمرتب لا بأس به .
وبمرور الزمن نجحت (سعاد ) في أخذ شهادة الكفاءة ولكن بمجموع ضعيف برغم ان والدتها كانت تهئ لها الجو الهادىء ولا تكلفها بخدمة المنزل رغبة منها في أن تحصل على رصيد كبير من درجات النجاح . .
وهنا أخذت الوساوس تدب إلى ذهن الأم حول مستقبل ابنتها التى كانت تعكف على مذاكرة دروسها فكانت تسهر في القراءة والمذاكرة قبل الامتحان حتى منتصف الليل وقد ارتأت الأم أن تراقبها خفية وشاهدتها ذات ليلة منهمكة في كتابة رسالة أخذت من وقتها الكثير فسألتها عن مضمون الرسالة ولمن هي ؟ فأخبرتها بأن الرسالة لزميلتها ) عواطف ( التى سافرت للخارج لقضاء العطلة هناك مع والديها .
. وهكذا استمرت الحال معها وكانت كلما سألتها والدتها أجابتها بنفس الجواب . وذات يوم فكرت والدتها في تفتيش مكتب ابنتها فعثرت على عدة رسائل مكتوبة بغير خط ابنتها ، وقد حاولت قراءتها فلم تستطع لضعفها في القراءة حيث ان دراستها لم تتجاوز احد الكتاتيب . وفكرت الام طويلا في الطريقة التى تستطيع بها قراءة تلك الرسائل بنفسها ، وبعد تفكير عميق خطرت ببالها فكرة رائعة وهى أن تدرس وتتعلم بنفسها الكتابة والقراءة . وفعلا التحقت باحدى الجمعيات الخيرية النسائية التى كانت قد فتحت في منتداها فصولا دراسية للأميات ، ووارت ذلك عن علم ابنتها . . وقد امضت ثلاثة أعوام كرست جهودها فيها للتعليم .
وأخيرا تعلمت القراءة والكتابة فتمكنت من قراءة ما كان يشغل بالها : ) رسائل سعاد ( وقد أدركت ان كاتبها هو شقيق
زميلتها ) عواطف ( التى كانت تتردد على زيارة ابنتها سعاد .
وحدث أن عادت سعاد ذات أمسية من مدرستها وتظاهرت الأم بخلو البال من كل شئ ، وفي أثناء تناولهما طعام العشاء وجهت لها السؤال التالي :
" لقد لاحظت عليك يا ابنتى أنك تفكرين كثيرا .و أنك شاردة البال فهل يشغل بالك أحد من شباب المدينة ؟ فأنكرب سعاد وقالت : اني لم أفكر في هذا أبدا . . عندها مالت الأم على مكتب سعاد وفتحته وأخرجت منه رزمة الرسائل الموجودة به وقالت لها : اقرئى لى هذه الرسائل . . فقراتها على غير ما كتب فيها ! . .
وهنا تناولتها الام من يدها وقرأتها على حقيقتها ، فدهشت سعاد مما سمعت وممارأت وقالت لأمها : " يا أماه متى وكيف تعلمت القراءة والكتابة هكذا ؟ ! " فأخبرتها بما صنعت ثم لامت ابنتها على ما ارتكبته ونصحتها بالابتعاد عن شقيق ) عواطف ( وعدم اشغال بالها به لأنه شخص فاشل حتى فى دراسته وانه يريد أن يوقعها في حبائل الشيطان . . فاقتنعت سعاد بنصيحة والدتها الحنون وطلبت منها السماح ازاء ما ارتكبته في شأن نفسها وحق أمها بكتمانها حقيقة ما شغلها وبعدم مصارحتها والتهائها عن الدراسة من بداية الامر .
(جدة)

