الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 5الرجوع إلى "المنهل"

أنباء العلم والاختراع

Share

يقول المرحوم فؤاد حمزة في كتابه . قلب جزيره العرب : - « وكان المقول ان وبار هذه تقع على بعد مرحلتين او ثلاث من واحة جبرين ، وعلى طريق القوافل التجارية من ظفار ، وانها كانت تظهر وتختفي بفعل الرياح الموسمية التى تقشع الرمل عنها فتظهر آثار خرائب وقلاع وقصور عديدة حتى دعيت باسم قصور أم الحديد والحديدة .. وقد حقق المستر فلبى بنفسه عن هذه الاشاعات وزار المكانين المشار اليهما وهما يقعان ما بين درجتى الطول الشرقي ٥٠ و ٥١ . و لعرض الشمالى ٣٠ و ٢١ و ٢٢ فوجد أن ما كان يسميه البدو آثار عمران وخرائب قصور دامرة ان هو الا بقايا مخروط بركانى عظيم خمد منذ أزمنة متطاولة ، وبقيت من آثار اندفاعه متحجرات بركانية محروقة ثقيلة الوزن وبلون الحديد فكان البدو يظنونها آثار قلاع وخرائب . (١) .

هذا ما نقله فؤاد حمزة عن فلبي الذى ارتحل الى الربع الخالى وكتب ما ذكر نافيا وجود أى آثار عمران قديم في الربع الخالى ما عدا ذلك النيزك الحديدى الساقط ، عن السماء على هذه الصحراء القفراء الموحشة .. وقد كنا اعتقدنا صدق ما يقوله فلبي ووقوعه .. ونقلناه بالحرف الواحد في عدد المنهل الماضى عن رحلات الرياض والخرج والظهران والاحساء والباحة . الصادر في عدد ربيع الثانى ١٣٩٠ه - يونيه - (حزيران ) ١٩٧٠م(٢) ولم نعقب عليه . . تماما كما فعل فؤاد حمزة في كتابه

. قلب جزيرة العرب ..

وقد شاء الله تعالى ان اطلع فيما بعد على كتاب « رحلة الى الربع الخالى » لمؤلفه رفيق شاكر النتشة . وهو الرحالة الثالث الذى دخل منطقة الربع الخالى الفيحاء الموحشة سنة ١٩٦٥ م مرافقا لسمو الشيخ جاسم بن حمد الثانى وزير معارف قطر ، وقد « سجل في كتابه القيم ملاحظاته ومشاهداته عما صادفه في هذه المنطقة المجهولة التى لم يكتب عنها أى عربى حتى الآن » .. فكان بذلك أول عربى يجتاز الربع الخالى ويكتب عنه كتابة مشاهدة وعيان .

ومحل الشاهد الاول كما يقول النحويون ان الاستاذ رفيق النتشة يعتبر من المغامرين العاليين . بريادة الامبر العربى القطرى » جاسم بن حمد الثانى » .

ومحل الشاهد الثانى وهو بيت القصيد كما يقولون ان رفيق النتشة نفى عمليا ومشهديا ما نفاه قوليا المستر فلبي حيال وجود آثار عمران قديم وحضاره عريقة في الربع الخالى .. ونفي النفي اثبات .. فلقد أثبت رفيق شاكر النتشة بالمعاينة والمشاهدة وجود حضارة ، قديمة وآثار عمران عريقة في الربع الخالى ونقل صورة الهاون الحجرى الصوانى الأثرى الضخم العجيب الشكل الذى ننقل عنه صورته فيما ياتى . . وكتب تعليقا على صورته قوله : هاوون « قطعة اثرية من الحجر الصوانى كانت تستعمل منذ آلاف السنين اقوم عاشوا في الربع الخالى يوم كان ماهولا» وحديث هذا الأثر مما لا يدع مجالا للشك في انه من آثار انسان قديم متحضر كان يقيم في هذا الربع الخالى بعد ذلك .. ولا يكتفي رفيق شاكر النتشة بهذا . بل يتحدث لنا في الفصل الذى عقده تحت

عنوان . أم المراهى عن مشاهداته في اثبات هذا الشأن وتحقيقه بعد الوقوف عليه ونتيجة لمشاهداته الفعلية .. ومن المناسب أن نثبت هنا بعض ما جاء في هذا الفصل مما يتعلق بموضوع اثبات الحضارة القديمة في الربع الخالى من طريق الآثار المائلة للعيان حتى اليوم .. وعلى القاعدة أو القانون الذى وضعناه للآثار والتاريخ في كتابنا . بين التاريخ والآثار في اثبات ما انفق عليه الخبر التاريخى المكتوب . والواقع الاثرى الملموس .. فانى ارى ان ما أورده رفيق شاكر النتشه يؤكد ويجزم بأن الربع الخالى كان ربما معمورا بالعمران والحضارة في العهود العريقة السحيقة .

قال رفيق شاكر النتشه ما نصه :« وصلنا تله ام المراهى . والمراهى هى الطواحين التى تستعمل لدق الحبوب وهى عباره عن حجاره صوانية وقد

سميت هذه التلة الكبيرة بهذا الاسم ، لأنه عثر فيها على عدد كبير من هذه الطواحين الأثرية التى يعتقد بأنها كانت تستعمل منذ عصور قديمة جدا .

وقد لف سيل ( وادى ضحية ) حول هذه التلة . وجعلها تقف شامخة على أرض سهلة ، تحكي للداخلين الى الربع الخالى ، قصة تاريخ قديم ، عن شعب سكن هذه البلاد ، وكان له شأن يذكر ، ولكننا مع الأسف لا نعرف عنه شيئا ..

ولا ندرى كم من الزمن سنسمع من علمائنا شيئا عن اولئك العرب الأقدمين .

ومن أغرب ما يلاحظ المرء في ( تلة ام المراهى ) تلك الطرق ( الجوادى ) - كما يسميها البدو - ذات الارض الصلبة المرصوفة بمادة صلبة كأنها حجارة اسمنت ، يعتقد البدو انها طرق كانت تسير عليها الاغنام اثناء دخولها الى أقبية موجودة منذ القدم داخل رمال تلك التلة .

كما يوجد عدد كبير من ( الودع ) أو الزلف ( نوع من المحار والأصداف البحرية ) ولعل هذه تحكي قصة قوم كانت لهم صناعة ، أو هى بقايا حيوانات بحرية تدل على أن هذه اليابسة كانت مغطاة بالبحر منذ عصور التاريخ القديمة . ولكن وجود آثار كثيره مثل الحلقات الزجاجية التى كانت تستعمل للزينة على ما يبدو ، يرجح أن تلك الأصداف كانت منقولة من مناطق بحرية بعيدة الى تلك الديار، لاستعمالها في صناعات معينة .

« وتكثر في هذه التلة الحجاره الصوانية الكبيرة الكثيرة ذات الحلقات المتسعة التى يظن انها كانت مرابط للخيل والحيوانات الأخرى .

وينشر فوق تلك التلة كتلة من الحجارة السوداء التى يرجح انها من خام الحديد » (٣) .

وبعد، فان النصوص المذكورة تثبت بما لا يقبل الشك وجود آثار حضاره عريقة في هذا الربع الخالى على

عكس تام مما نفاه المستر فلبي ، وسار وشرق فى العالم ..

ونعتقد اعتقادا قويا انه اما ان يكون فلبى رأى هذا المكان في ظرف حجبت الرمال آثاره ، واما ان تكون لم تقف قدماه مطلقا على هذا المكان الحافل بالآثار البشرية المثلى، ولا شاهدته عيناه.. وآية ذلك ان المؤلف رفيق شاكر نتشة يذكر لنا مراحل رحلته عبر الربع الخالى وعبر هذا المكان المشحون بآثار حضارة سحيقة فيذكر لنا انه بعد مروره بأم المراهى ، بدأ يدخل في رمال صعبة تسمى بالعروق ، وتتصل هذه العروق أو هذه التلال المستطيلة المتداخلة بصحراء الدكاكة ، ومنها أفضوا الى صحراء القماميات ، وقد وجدوا في الرمال السهلة نسبيا بقايا بيض نعام مكسور يرجع عهده الى عشرات السنين ، لأن النعام العربى قد انقرض من الجزيرة العربية منذ أكثر من نصف قرن، ويقوم فوق تلك الارض طعس عال جدا يسمى ( زيمة ) ويسمى بهذا الاسم لأنه ( زائم ) أى مرتفع عن الارض ، وقد تابعوا سيرهم في أرض سهلية يغطيها شجر الحاذ حتى وصلوا الى ( قلمة فارس ) اى بئر فارس ، وهى احدى الآبار التى حفرتها شركة أرامكو ، كبئر ( أبو قرون ) . وبعد ذلك دخلوا أرضا ذات رمال حمراء فيها عدد من الكثبان الرملية تتوسطها ( قلمة خور الجحيش ) وهى عين ماء حلوة حفرتها شركة أرامكو . وانتقلوا لأرض أخرى منبسطة لا يقل طولها عن مائتى كيلومتر تنتهى بعين ماء تسمى ( أم الحديد ) .. وقد سميت بهذا الاسم ، لانها تقع على مقربة من كتلة ضخمة من الحديد ، تتخذ شكل تمثال غير واضح الملامح وخلفها آثار قصر مبني من الحجارة التى تشبه الطوب ، تظهر بعض جدرانه من الرمال المتراكمة فوقه ، ويبلغ طول أحد الجدران حوالى ٤٠ قدما .

« ويروى أن البدو قبل بضع عشرات من السنين كانوا يرون آثار أقدام أغنام في الطين المتحجر الذى يرجع عهده الى عصور قديمة يظن انها ترجع الى زمن عاد وثمود التى ورد اسمها بالقرآن الكريم .

( وروى البدو انهم كانوا يعثرون على عدد من ( الجرار ) التى كان يستعملها الأقدمون للماء ، ويوجد بعض آثار للمواقد التى يرجع عهدعا الى عاد وثمود ان صحت الروايات ..

ولا تزال هناك بعض القنوات التى تستعمل لتوصيل المياه الى القصر ظاهرة من الرمال ، مما يدل على ان هذا المكان كان موطنا لجماعة من الناس عندهم بعض الحضارة يظن انهم ممن عاصروا ملكة سبأ التى كانت تسكن في اليمن على بعد مئات من الأميال » (٤) .

وعلى كل فهذا كشف علمى يدحض آراء من يزعمون انه لم تمر حضارة ما على هذا الربع الجاف الخاوى الخالى اليوم .. ويدعم رأى علماء المسلمين الذين هم أعرف بسحيق تاريخ بلاد العرب من غيرهم وماضى حضاراتهم ..

وربما يصح لنا أن نقول : ان جمعية التاريخ والآثار بجامعة الرياض مدعوة الى اماطة اللثام - علميا اولا - وواقعيا أثريا ثانيا - عن حقيقة تلك الحضارة العربية الاولى الذى اعتورها الاثبات والنفي والنفي والاثبات قديما وحديثا .. وقد اكتظت كتب التفسير وكتب التاريخ العربى وكتب القصص بشىء كثير متناقض حول هذه الناحية ولكنه بتناقضه واختلافه يشير الى وجود شىء مجهول سحيق بها ، ولذلك فان الامر يحتاج الى تحقيق علمي كشاف مدعوم بالحفر والتنقيب والصور والآثار المستكشفة بعد دراستها وبالخرائط الدقيقة .. وجدير بالذكر في ختام هذه الكلمة أن وجود السيارات الزحافة على أخطر الرمال تجعل اختراق الربع الخالى اليوم أسهل بكثير مما كان عليه الأمر يوم كان الجمل - الذى كان يلقب قبل العصر الحديث بسفينة الصحراء - عليه المعول وحده في مثل هذه الرحلات . وقد كانت السيارات خير معوان للرحالة العربى الذى جاب من آفاق الربع الخالى ما جاب ، وأتانا بالنبأ العجاب .

اشترك في نشرتنا البريدية