الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 5الرجوع إلى "الفكر"

إلى القارئ, حول حركية الثقافة

Share

اجتمع المجلس الاعلى للثقافة يوم 28 جانفى 1983 برئاسة الاستاذ محمد مزالى الوزير الاول ويلتئم هذا المجلس لاول مرة لينظر فى الوضع الثقافى بصورة عامة وفى التوصيات التى أعدتها وزارة الشؤون الثقافية بالتعاون مع مكتب الدراسات للشركة التونسية للاعلامية والتنظيم الذى أعطى ((للمشروع الثقافى القومى )) ما كان يفتقر اليه من لبوس وابعاد علمية واقتصادية وقانونية وأبرز جوانب ثلاثة أساسية :

- مقاربة اقتصادية ملموسة للثقافة ( اقتصادية الثقافة ) . - التشخيصات والتوصيات العلاجية فى مختلف القطاعات . - مقاربة جديدة لتمويل الثقافة ( قانون البرمجة - صندوق العمل الثقافى ) .

وبهذه الصورة تيسر للمجلس الاعلى للثقافة أن يجتمع حول مسائل مضبوطة ليست من قبيل الآراء والافكار فقط أو التوصيات الافلاطونية المغرقة فى الخيال وسعة الآفاق بل اجتمع هذا المجلس من أجل البت فى الاجراءات العملية التى من شأنها عند تطبيقها ان تخلص الثقافة بل قطاعات الثقافة كلها مما عرفته من صعوبات وعقبات ومشاكل عديدة ومتنوعة لاصقة بالميدان نفسه او ناشئة عن ميادين اخرى اقتصادية او اجتماعية وحتى سياسية .

واذا كانت حكومة المجاهد الاكبر الرئيس الحبيب بورقيبه برئاسة الاستاذ محمد مزالى تصدت منذ عامين الى تنظيم ميادين الثقافة وأصدرت القوانين فيما يخص الهياكل الاساسية الثقافية وأحدثت المعاهد العليا للتكوين ( ثلاثة ممعاهد : للتنشيط الثقافى والفن المسرحى والموسيقى ) وضاعفت من عدد الاطارات وكثفت الرسكة والتربصات وزادت فى ميزانية التصرف والتنمية بنسبة ملحوظة فانه تبقى أعمال كثيرة يتوجب القيام بها وخاصة تمويل

الانتاج الثقافى أى إعطاء المادة الثقافية لهذه الهياكل ليدور دولابها على الوجه المرضى ويعنى هذا أن تكون هناك ميزانية منسجمة متعادلة مع ما يخصص للتسيير والتجهيز حتى يقتنى العدد الكافى من الكتب لتجهيز المكتبات وتشترى الافلام الثقافية الضرورية ويمكن للفرق الموسيقية والمسرحية ورجالات الثقافة من أن ينشروا الثقافة فى كل مناطق الجمهورية ويشعوا بها خارج الحدود . وهذا ما تفطن اليه المجاهد الاكبر الرئيس الحبيب بورقيبه فى 15 سبتمبر1968 فى خطاب ألقاه بالكاف اذ قال : (( إن التنمية الثقافية تقتضى اعتمادات مالية هامة يجب استخراجها بالرغم من أن الاقتصاديين يولون عادة الاسبقية لاختيارات أخرى )) ويضيف : (( ولم أنفك أردد أن التنمية الثقافية وإن لم يكن لها مردود ظاهر للعيان قابل للترقيم فان لها انعكاسا على جميع النشاطات الاقتصادية لان لها تأثيرا على الانسان )) .

وهذا فى الواقع ما ينتظر من المجلس الاعلى للثقافة اذ هو سيبت فى اقتراح جاءت به الدراسة ويتمثل فى احداث صندوق للتنشيط الثقافى مع استنباط معقول لموارده وقابل للتنفيذ .

وانطلاقا من هذه المعطيات القى الاستاذ محمد مزالى كلمة حدد فيها ما يقتضيه العمل الثقافى من الدعم وحلل نقاطا عديدة مرتبطة بعمل المجلس الاعلى للثقافة فنوه فى أول كلمته بفضل المجاهد الاكبر الرئيس بورقيبه فى بروز هذا المحلس للوجود حتى يعمل من أجل وضع تصور جديد للثقافة يتماشى والتطور المتعدد الوجوه الذي يعيشه المجتمع التونسى المعاصر .

وحلل فى هذا السياق نظرة الحكومة للثقافة فبين ان الثقافة نشاط لا يقل اهمية عن الانشطة الاقتصادية وأحد أركان الحياة القومية باعتبار العلاقة العضوية المتينة التى تربطها بالدورة الاقتصادية والاجتماعية .

وذكر فى هذا الخصوص بكل الاوامر والقوانين التى اتخذت على أصعدة مختلفة لتنشيط العمل الثقافى والخروج به من دائرة التهميش الى دائرة المساهمة الفعلية والإيجابية فى العمل التنموى المندمج والمتكامل .

وركز الوزير الاول تدخله على أهم المقومات للنشاط الثقافى فأوضح ان الحكومة ايمانا منها بما للثقافة من مسؤولية فى تاطير المجتمع وفي رعاية الشباب عددت تدخلاتها سواء لفرض التجهيزات الثقافية والرياضية فى أمثلة التهيئة العمرانية للمدن والاحياء ولاقامة الهياكل التى من شأنها أن تأوي كل نشاط ثقافى ورياضى مهما كان نوعه .

وأكد الوزير الاول من جهة اخرى على ضرورة تكوين الاطارات والمنشطين الاكفاء الذين تكتمل بهم الشروط لجعل التجهيزات تؤدى رسالتها على الوجه الاكمل وألح فى نفس السياق على ضرورة تشجيع الهواية فى مجال التنشيط الثقافى وفتح المجال أمام كل من يأنس فى نفسه القدرة والكفاءة على خدمة الثقافة والخلق والابداع فى كنف الحرية المسؤولة وبالتالى خدمة الشباب وضمان شروط ازدهار المجتمع والنهوض به فى هذا الباب ملاحظا ان تصور الحكومة للنهضة الثقافية ينبنى على تعايش الاحتراف والهواية فى الممارسة الثقافية وتوفير ما تتطلبه هذه الهواية من امكانيات مادية .

وأوضح السيد محمد مزالى انه يتعين على المنتسبين الى الثقافة فى مختلف أشكالها التعبيرية ان يؤمنوا بأن لهم رسالة عليهم ان يناضلوا فى سبيل ادائها وان يعملوا ليكونوا القدوة الحسنة للشباب بما يتمتعون به من فنيات وما يتحلون به من روح البذل والعطاء والتفانى فى خدمة الغير ومن تعلق بمبادئ ومثل عليا .

وأشار الوزير الاول الى التطور السريع الذى عرفته الحياة الاجتماعية فى تونس فى حقبة زمنية قصيرة لا تتعدى الجيل والى ما اصبح يفرضه هذا التطور من ضرورة العناية بالبيئة الثالثة بتوفير أكثر ما يمكن من التجهيزات الثقافية والرياضية والشبابية التى تستقطب الشباب وتحسن استيعابه وتستجيب لما يطمح اليه من ممارسة لنشاط برئ يهذب ذوقه وحسه ويفتق ملكاته ويثرى فكره وتجربته .

ثم تطرق السيد محمد مزالى للحديث عن البعد الخارجى الذى يجب ان يكون للثقافة وللفكر التونسيين فذكر بجملة من التدابير التى اتخذتها الحكومة لتشجيع حضور تونس ثقافيا فى المعارض والملتقيات والمكتبات على الصعيدين العربى والعالمى مؤكدا ان هذا العمل سيتواصل لتدعيم مكانة تونس وتأكيد هذا الحضور بما يعكس حقيقة النهضة الثقافية والفكرية التى تعرفها تونس .

وأكد الوزير الاول فى خاتمة كلمته على حرص الحكومة على مواصلة العمل لتكون للثقافة مكانتها ضمن بقية الاولويات والاختيارات القومية الاساسية وعلى السعى للاخذ بعين الاعتبار كل التوصيات والمقترحات التى سيتمخض عنها المجلس الاعلى للثقافة .

ثم شكر كل العاملين فى الحقل الثقافى فى مختلف المستويات والمؤسسات لما يبذلونه من جهد ويتكبدونه من تضحيات للنهوض بالثقافة التونسية وجعلها تساير النهضة الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع التونسى )) .

وبهذا يكون المجلس الاعلى للثقافة قد انطلق فى أعماله وسنوافيكم فى العدد القادم بأهم مقرراته نظرا الى اهمية الحدث ولما سيضبطه هذا المجلس من خطط سيكون لها الاثر العميق فى النهضة الثقافية فى البلاد واشعاع الثقافة التونسية فى محيطها الطبيعى العربى الاسلامى وفى العالم أيضا .

اشترك في نشرتنا البريدية