إن دور المجلات الادبية والفكرية فى إبراز اجيال من الادباء والكتاب هام جدا وهذا معروف لا فائدة فى التأكيد عليه . فمن لا يذكر مثلا مجلة ابولو ومجلة الرسالة فى مصر ومجلة العالم الادبي ومجلة المباحث ومجلة الفكر في تونس ومجلة الاديب ومجلة الآداب في لبنان والبصائر في الجزائر وغيرها من المجلات الاخرى . وسواء عمرت هذه المجلات طويلا وواكبت اجيالا من الادباء والقراء أو دامت ردحا من الزمن ، فان اثرها لا يمكن جحده ولا يعوضه لا الكتاب ولا الصحيفة السيارة
فالمجلة الدورية تساير الحياة الفكرية والادبية فى نبضاتها وتقلباتها وطفراتها وتعيش حياتيا عهود الازدهار وفترات الركود وتخلق اجواء من الحيوية والحركية تعود دائما بالفائدة على الادب والفكر ، وإن اثر المجلات يزداد تفاقما وحدة عندما تدخل المجتمعات طور المخاض وتتطلع الجماهير الى التيارات الفكرية الجديدة وتصبو الى صنع مصيرها بالاستناد الى الآراء والافكار والمفاهيم التى تراها الصق بكيانها وأقرب الى ذاتها .
والمجلة الحق كالكتاب تقوم بدور معدل لما تكيله الوسائل الاعلامية الاخرى من فيض الاخبار والمعلومات التى يغرق فيها الجمهور من دون ان يقدر على التمييز بين الغث والسمين والطيب والخبيث والصالح والطالح خاصة وانها تتجه دائما الى القراء الذين لهم تأثير على اصناف من المجتمع متغايرة ومحتاجة الى من يجيبها عن مواطن حيرتها ويملأ فراغ أيامها .
ولو اردنا تعداد ما تقوم به هذه المجلات من ادوار لما وقفنا عند هذا الحد ولكن غرضنا ليس هذا إذ نحن نريد ان نتحدث عن مجلة عربية اخرى معروفة فى الساحة الادبية اثرت التأثير البالغ في الاجيال المثقفة منذ ما ينيف عن ربع قرن ونعني مجلة الآداب البئروتية
وما المانع أن تتحدث مجلة الى مجلة وتفتح بينها وبين زميلتها حوارا لا يكون الا فى فائدة القارئ العربى . خاصة إذا كان هذا الحديث رفيقا لطيفا ولكنه فى آن واحد جوهرى ، عميق صريح يتناول مسائل مصيرية بالنسبة للكائن العربى ؟
وما المانع ايضا ان يكون هذا الحديث متجها الى صاحب مجلة الآداب صديقنا الاستاذ سهيل ادريس لنهمس في أذنه ببعض الافكار والآراء التى أوحتها الينا شهرياته الصادرة فى العدد الخاص بمؤتمر الادباء والكتاب العرب ( العدد 12 - 1979)
اعتقد ان الاستاذ سهيل إدريس لا يرى مانعا فى ذلك وقد عنون شهرياته فى هذا العدد بجملة تحفز على توخي الحرية فى التعبير اذ هو يدعو الى انشاء " جمعية الدفاع عن حرية التعبير "
أى انسان حر لا يوافق على هذه الدعوة ولا يشد على يد الاستاذ سهيل ادريس بكل حرارة ويقول له : " انا معك على طول يا استاذ . ولكن ليسمح لى الاستاذ بأن أقول له برفق : إن فى مقاله ، كثيرا ، لا محالة من الحقائق التى لا أمانع فى التسليم بها ولكن فيه ايضا الكثير والكثير من الاخطاء فى التحليل والتقدير صحيح ان الاستاذ " أحد الذين تابعوا نشاط الاتحاد العام للادباء العرب منذ انشائه .
وصحيح انه في أعمال مؤتمراته جميعا اما كأمين عام مساعد للادباء العرب أو كرئيس لوفد اتحاد الكتاب اللبنانيين حتى المؤتمر العاشر لاتحاد الادباء العرب .
وصحيح ايضا ان اتحاد الادباء العرب لا يستطيع ان يوفر اكثر من التقاء الادباء وتعارف من لم يتعارف منهم وتداولهم في الشان العام والشأن الخاص وتبادل الشكوى أحيانا اخرى
ولكن ليس من الصحيح أن لايستطيع الاتحاد ان يقوم بأكثر من تقديم ابحاث ودراسات كلاسيكية ذات موضوعات مقيدة موضوعات هادئة غير شائكة ، موضوعات لا تثير حساسية أحد ولا تحدث أى احراج لأى إنسان !
كيف يقول هذا الاستاذ وهو الذي يقدم لهذا العدد من الآداب الذي يحتوى فى صفحاته الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة على قرارات المؤتمر العام الثاني عشر ( العنوان من وضع مجلة الآداب ) لا توصيات فقط وفيها من الموضوعات التى اعتقد انها " ليست هادئة ولا غير شائكة بالمرة " ثم لا بد ان الاستاذ يعرف وهو الذي نشر الدراسات في الصفحات السبعين من عدد
الآداب هذا وقرأها لا شك ، ان فيها من الافكار والآراء ما " يثير كثيرا من الحساسيات " و يحدث احراجا " لكثير من الناس
واذا كان الاستاذ غير راض عنها ويعرف انها لا تخدم مبادئه وأهدافه فلماذا هو ينشرها فى مجلته ويمكنها من أن تشيع وتكتسح الاقطار العربية ؟ او على الاقل كان عليه أن ينبه الى خطورة كل موضوع لا يرضاه ويحذر القارئ منه اذا هو لم يشهر بالكاتب والمحتوى ، لماذا يا استاذ ؟ ألا تحدثنا بكل صراحة عن همومك كصاحب مجلة وما تقاسية من " عناء " عفسا على قلبك " كما نقول بالدارجة التونسية لضمان ديمومة " الآداب " ورواجها وانتشارها وربحها ولماذا لا ؟ نحن نلتمس لك عذرا بل أعذارا يا استاذ ، وكل اصدقائك يا أستاذ التمسوا لك ويلتمسون عذرا بل اعذارا ويسكتون عن كل رغبة فى أن تثبت مجلة الآداب وتدوم خدمة للحرف العربى ، وقد خدمته كثيرا وطويلا ما فى ذلك شك .
وليس بالصحيح أن تقول يا استاذ " إن الاتحاد شانه فى ذلك شأن أية مؤسسة تابعة للدولة ، يتكون من اتحادات محلية مرتبطة بنظام الدولة وكل اتحاد بالتالي ، مرتهن لتوجهات الدولة على الصعيد الثقافي بل ان كل وفد يتكون مبدئيا من الاعضاء الاكثر ولاء للنظام وارتباطا به ! فى كل مؤتمر من مؤتمرات الادباء العرب كان كل وفد يأتي مزودا ب- التوجيهات ، العامة ان لم يكن بالتعليمات الدقيقة .
ليس بالصحيح ان تقول هذا يا استاذ لانه تصريح بقاعدة ليس فيها استثناء واحد ليثبتها بل لها استثناءات واستثناءات بل لعلها كلها استثناءات فلنبدأ مثلا باتحاد الكتاب اللبنانيين هل هو مؤسسة تابعة للدولة اللبنانية ؟ وهل انك عندما كنت رئيسا له تلقيت " التوجيهات " وكنت " اكثر ولاء للنظام وارتباطا به " ؟ وهل تزودت " بالتوجيهات العامة ، إن لم يكن بالتعليمات الدقيقة آنذاك ؟ انا لا اظن على كل حال ولا اعتقد أن الامر كذلك الآن .
ثم هل ان اتحاد الكتاب المغاربة تنطبق عليه هذه القاعدة التى ذكرتها ؟ انا لا اعتقد ذلك ولا أحد ايضا . وكذلك بالنسبة لأغلب الاتحادات ولكن ليس لى تفاصيل عن ذلك ولكن يمكن لى ان أجزم بأن اتحاد الكتاب التونسيين مؤسسة حرة باتم معنى الكلمة وتنتخب هيئتها بكل حرية ناهيك ان هذه الهيئة المنتخبة فى هذه السنة تعكس جل التيارات الفكرية والأدبية المنتجة فى تونس واهمس فى اذنك همسا رفيقا فأقول : إن رئيس الاتحاد وهو الإستاذ محمد مزالى وزير التربية القومية تسلطت عليه ضغوط كثيرة ليعيد ترشحه فى هذه السنة واقترح احد الاعضاء وهو غير معروف " بولائه للنظام " ان يصوت
الحاضرون على ترشحه بالاجماع وكان ذلك . لان الاستاذ محمد مزالي معروف منذ الخمسينات بمواقفه وتمسكه بالمبادئ في تونس أو فى الاقطار العربية سواء كان وزيرا او استاذا أو مواطنا بسيطا . وهذا تعلمه حق العلم وتعلم جهاده فى سبيل التعريب ونضال من أجل حرية الفكر خاصة فى صلب مجلة الفكر التى هو مؤسسها ومديرها .
وإني لا أعلم مرة واحدة وانا من الاعضاء المؤسسين لاتحاد الكتاب التونسيين وانتخبت للمرة الخامسة فى الهيئة المديرة اننا تلقينا أى تعليمات من أية جهة رسمية بل ان قراراتنا نناقشها فى صلب الهيئة ونتخذها بالأغلبية وبصورة ديمقراطية حسب ما تمليه علينا ضمائرنا وشعورنا الوطنى لماذا اذن هذا التعميم يا استاذ ؟ ولماذا هذا التجني ؟ هذا اذا فرضنا ان الارتباط بالدولة من قبيل التهمة ؟ وانا اذ أقول لك يا استاذ : إن هذا الامر هو من خصائص كل اتحاد ، فانى أريد أن أهمس في اذنك وأقول : إن ما درجت عليه بعض الاوساط من الصاق " تهمة " رسمى " و " الولاء للنظام" وغير ذلك من هذه إنما هو من مآسي الفكر العربي المعاصر " الذي يريد ان يلهى خاصة الشباب " بلعبة خطيرة " رماها فى " الساحة العربية " اعداء " الأمة العربية " واغتر بها الكثيرون .
ذلك أن آفة الأمة العربية هى انها وصلت الى درجة من التفتت والتشتت والفرقة جعلتها غير قادرة فى أغلب الاحيان على بناء الدولة الحقيقية بمؤسساتها الديمقراطية وبهياكلها الاساسية الضامنة للحرية والحياة الكريمة ونحن نعرف أن النظم الديمقراطية المتقدمة التى ضمنت حدا ادنى من الحرية والكرامة لمواطنيها ماديا ومعنويا هي التى دعمت الدولة وركزتها على اسس متينة من القانون فى ظله يعيش الناس كلهم سواسية واعني هنا الدولة الديمقراطية لا الكلاتية Totalitaire . وهى التى يمكن أن تضمن باستقرارها وحيويتها وطمأنينتها التقدم للمواطنين والعدالة وتتيح بالحوار فى صلب المؤسسات والكفاح إن لزم ، لا بالعنف لان العنف يجلب العند ويفضى الى الدكتاتورية ، تتيح للحضارة والعمران والمدنية ان تدوم .
وهكذا فان وجها من وجوه مأساة الفكر العربى هو عجزه عن بناء هذه الدولة ومسؤولية الكتاب وأصحاب القلم في هذا كثيرة وليسمح لى ، حضرة الاستاذ ، أن أقول له : إنه مسؤول كغيره بل ربما اكثر من غيره بوصفه صاحب مجلة ، عندما لا يقاوم -كما يجب فى رأينا - التيارات الفوضوية بل يسمح للفكر الفوضوى " ان يترعرع فى مجلته فساهم - من حيث يشعر او لا يشعر - تكوين شباب نراه عندما يضطلع بالمسؤولية فى بعض البلدان العربية ينتج
ما يقوض الدولة فى صلب الدولة التى يضطلع بمسؤوليتها ويشيع الفوضى باسم الثوريه والشعبية والجماهيرية وبالتالى يقر الدكتاتورية والكلاتية كنظام فيطفو على السطح كل مغامر ومتاجر بالقيم وانتهازى فيقضى على الحرية وعلي الديمقراطية . وهذا فيه غنم لأعداء العرب ، الغنم المادي والمعنوى اى الحضارى.
ثم اسمح لى ، يا حضرة الاستاذ ، ان أناقشك موضوعا آخر هو ما ذكرته من موقفك فى تونس فى شهر مارس سنة 1973 . انت تعرف يا استاذ اننا كنا نشاطرك الرأى فى تطوير ما داب عليه الاتحاد العام للأدباء العرب وانت تعرف ان القرارات حسب النظام الداخلى تؤخذ فى اجتماع المكتب الدائم الذي يضم رؤساء الوفود وان رأيك لم ياخذ به احد حينذاك وان الجلسة العامة الختامية إنما هى شكلية لاطلاع الحاضرين على ما استقر عليه الرأى فى المكتب الدائم وانت تعرف أن الاستاذ محمد مزالي لم يعطك الكلمة لأنه لم تجر العادة ان تناقش القرارات فى مثل تلك الجلسة ولانه بالخصوص مرتبط بقرار رؤساء الوفود ولو حرف هذا القرار واعطاك الكلمة لتكرر في الجلسة العامة ما قلته فى جلسة رؤساء الوفود ولطلب هؤلاء جميعا بدورهم الكلمة ولما انتهى المؤتمر الا ترى انك تجاوزت الحد عندما انتقلت من هذا المستوى أى تقاليد الجلسات الختامية الى قضية حرية القول وكبت الحرية ؟
ثم كلمة أخيرة يا استاذ ، بالنسبة لهذه الجبهة التى كونتها ولا اعرف هل أنت رئيسها " أم من ؟ أنت تعرف . يا استاذ ، ان المكتب الدائم للادباء العرب المجتمع اخيرا فى بيروت نادى باكثر مما ناديت به في بيان جبهتك هذه فلماذا تشتيت الصفوف هذا ؟ ولماذا سوء الظن بالادباء والكتاب المنضوين تحت لواء الاتحاد العام للادباء العرب . اليس من الاصوب حض الجميع على تطبيق تلك المقررات والبدء بالكفاح الحقيقي في هذا المحال من خلال مجلتك فتنشر مثلا فى الاعداد القادمة من الآداب قائمة الادباء والمفكرين المسجونين او المقتولين او الممنوعين من مغادرة اقطارهم البس معاضدة الادباء فردا فردا واسما اسما انجع من التلويج بالشعارات العامة ، اليست الشجاعه الفكرية فى التنصيص لا في التلميح
هذه همسات ، يا حضرة الاستاذ ، اوحت لى بها شهرياتك ولم تتعد صدقني ، الهمسات ، واني التمس منك باسم ما تدعو اليه جبهتك من حرية التعبير ، ان تنشر هذه الهمسات بمجلتك .

