من بين المصاعب التى تعترض طريق أدبائنا - والشبان منهم على الخصوص - إذا هم راموا الإنتاج وتمكنوا من نشر محاولاتهم ، ما يقابلهم به بعض القراء والنقاد والمثقفون عامة من لا مبالاة وتجاهل تنكسر لهما الهمة ، أو لمز واستشناع تزول بسببهما الثقة فى النفس والطموح إلى الاعلى ، فتنطمس الملكات المتفتحة ، وتوأد العبقريات الناشئة وأدا ، فيواصل بعض ضحايا الاستعمار الثقافى - سواء هبت الرياح الحاملة للجراثيم الفتاكة من الغرب أو من الشرق - ذرف دموع التماسيح على (( ضحالة )) الادب التونسى و (( وانعدام المستوى )) ، ولسان حالهم يردد كلما قورن الانتاج التونسى بما ينشر فى الخارج : عاش من عرف قدره !!..
نعم ! تقاسى الاجيال الادبية الصاعدة المؤمنة بشخصيتها ، الغيورة على اصالتها ، من (( واقعية )) (( كبار الحومة )) الذين يبحثون دائما عن مراجع ومقاييس من الخارج لتقييم ما ينشر ببلادنا ، ويستندون فى كل احكامهم إلى ما نشأوا عليه وتغذوا به عندما كانوا (( طلاب علم )) أيام الاستعمار !
وإلى جانب ذلك يقاسون ، بل نكاد نقاسى جميعا ، مرارة مركب النقص الذى لا نزال نتجرع غصه منذ قرون إزاء المشرق ، مما جعل للمثل السائر (( أزهد الناس فى عالم أهله )) وقعا مرا ومفعولا خاصا فى هذه البلاد ، أعنى المغرب العربى والاندلس .
وقديما ندب ابن حزم حظه لانه نشأ بالاندلس وكان يعتقد انه لو كان مشرقيا لعرف الناس فضله ولكان له شأن غير شأنه ! ألم يقل : (( ان الاندلس خصت بحسد أهلها للعالم الظاهر فيها الماهر منهم ، واستقلالهم كثير ما يأتى به واستهجانهم حسناته وتتبعهم سقطاته . ان أجاد قالوا سارق مغير ومنتحل مدع ، وان توسط قالوا : غث بارد وضعيف ساقط ، وان باكر الحيازة لقصب السبق قالوا : متى كان هذا ومتى تعلم وفي أي زمن قرأ !!...))
هذه الصعوبات النفسانية والعقد الموروثة عن عصور الانحطاط أو الناتجة عن عهود الاستعمار يكفى أن يعيها الادباء - ونعيد فنقول : والشبان منهم على الخصوص - ليتقوا شرها ويتخلصوا من تبعاتها ، وذلك بمزيد الثقة فى النفس ، والتحل بروح التحدى ، والرهان الواعى على مستقبل هذه الامة ومنزلتها بين الامم ، والايمان بأن الادب ليس - فى آخر الامر - مأساة بالضرورة ، بل هو ملحمة يكتب سطورها ويردد أصداءها كل أديب حق يؤمن بنفسه ، ويؤمن برسالته فى قومه ، ويؤمن برسالة قومه فى تقدم البشرية ومجد الا
الفكر
