كل عمل من أعمال الانسان وكل جهد من جهوده فى حاجة الى الوقوف عنده وتعهده بالرعاية والنظر . وان أحوج اعمال البشر الى هذه الرعاية وهذا البحث لهو عمل الفكر .
ومن هذا الوجه يمكن أن ندرك الاهمية العظيمة التى يكتسيها فن النقد فى كل بيئة ثقافية باعتباره عملا مزدوجا اذ هو يتولى تقييم الآثار الفنية والأدبية واستخلاص كل ما اتسم فيها بطابع السمو البشرى فساهم فى تثقيف الفرد والمجتمع وفى التعبير عن غنى ابعاد الانسان . ثم ان فن النقد لا يقتصر على مجرد الحكم والتقرير وانما تكمن أهمية كل حركة نقد حقيقية فى أنها تساعد على خلق الجو الثقافى الملائم لتفتح الامكانيات ولتحقق احلام العبقرية . فلقد كان النقد دوما أحسن دافع الى الانتاج وأكبر حافز على تحسين مستواه .
تلك منزلة النقد النزيه الصحيح ، اما النقد كما رأيناه الى حد هذه السنين الاخيرة ببلادنا فلقد كان صنفا آخر من العمل ومن الكلام . كانت جهود (( نقادنا )) فى غالب الاحيان لا تخرج عن نطاق العلاقات الشخصية والشعور المفرط بالاقتدار . فكان النقد عندنا لا يعدو أن يكون خصومات عنيفة تكال فيها الشتائم والسباب أو مجاملات واطراء وكلمات معسولة تحشر حشرا . فهل يصح لنا أن نقول بعد هذا أن لنا نقدا ونقادا ؟
سوف يكون من حقنا أن نقول ذلك يوم يصبح الناقد التونسى يجمع الى دقة الحس وشمول الثقافة اخلاصا للادب والفن ونزاهة لا تراعى الا قيمة الاثر المدروس . سوف يكون من حقنا أن نقول ذلك يوم تغلب رغبة البناء والاصلاح عند نقادنا على ارادة التحطيم المجانى ، نعم يوم يفهم الناقد وظيفته الاجتماعية والحضارية فيصبح يصدر الاحكام عن وعى كامل لمسؤوليته فى تهذيب ذوق بيئته وأمته وفى اعانة الطاقات الكامنة على التمخض والظهور .
ومجلة (( الفكر )) التى ما فتئت تعمل على تمكين هذه الامة من أن تنطلق انطلاقتها الكبرى فى مجالات الفكر والثقافة والتى ما زالت تساهم فى العمل من أجل تقدم الأدب والفن فى هذه البلاد تتقدم بهذا العدد الخاص الى قرائها الكرام عساه يكون مساهمة فى بعث حركة نقدية تونسية أصيلة تواكب نهضتنا الثقافية المباركة وترعاها ، كما واكب النقد الاصيل كل النهضات الثقافية الكبرى فى الشرق والغرب .
الفكر

