نحن نؤمن بثقافة قومية تستمد مقوماتها من الجماعة وتركز اسسها على واقع القوم علما منا بأن اخص خصائص الثقافة هي الاصالة التى بدونها لو يتسنى للفرد ان يعبر ، في حرية تامة وبشتى الطرق ومختلف الوجوه ، عن الام قومه وآمالهم وبدونها لن يمكن له الوقوف من حياته وحياتهم موقفا انسانيا " ديناميا " . ونحن لا نؤمن بذلك فقط بل ندعو اليه ونعمل من أجله وقراؤنا على بينة من امرنا .
على أن مثل هذه النظرة وان ظهرت كأنها تحد من مفهوم الثقافة فتجعلها منطوية على نفسها منغلقة الى ابعد حدود الانغلاق هي في نظرنا سليمة أصيلة الانسانية لاننا نعتقد أن هذه الثقافة القومية لا تثرى ولا تستكمل مقوماتها الا اذا هى انفتحت الى الجماعة الكبرى - أى ثقافات الانسانية بأكملها - فكرعت منها ما وسعها أن تكرع واستمدت من فيضها ما هو جدير باطراد الحياة فيها . لذا فنحن لم نبخل - ولن نبخل - على القراء في هذه المجلة بكل طريف اصيل من ثقافات الامم الاجنبية قديمها وحدثها شرقيها وغربيها .
غير أن موقفا كهذا يجعلنا فى مقام المستهلك الذى يتضاءل كلما انفتح للغير ويذوب ويتلاشى كلما أمعن فى ذلك . فاذا هو لم يثر بدوره ولم يتفاعل مع غيره كان موقفه موقفا سلبيا يكمن فيه الفناء وينضب من اجله معين الحياة فيه . لذا فنحن ندعو إلى الحوار بين الثقافات ، الحوار في أسم معانيه . فيكون أخذ وعطاء وتوريد وتصدير : سنة الحياة في أتم مظاهرها . ولعل أبرز ميدان يسهل فيه ذلك بالنسبة الينا هو ميدان الادب من اليسير - قصد تنمية أدبنا - ترجمة ما نملكه من تراث قديم وحديث الى لغات اجنبية ليكون التعارف أكمل والتفهم أبعد أثرة وحرص الامم على هذا الامر كبير فى عصر قد آمن فيه كل عاقل بزوال الحواجز التى كانت تحول دون شعب وآخر . فنحن ندعو اذن - الى جانب ما دعونا إليه في افتتاحياتنا السابقة من جمع للتراث ونشر له وتشجيع للمواهب - الى الانكباب على نقل عيون ادبنا إلى اللغات الاجنبية . وهو عمل حدير بالاعتناء بجعلنا نطمئن الى اننا نثرى - بما لدينا من طاقة - آداب الإنسانية فنكون عنصرا من عناصر الحياة فيها .
الفكر
