الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 2الرجوع إلى "المنهل"

إيران في عهد الدولة القاجارية

Share

" العلاقات العثمانية الايرانية في الفترة الثانية من الحكم القاجارى " ١٢٥٠-١٣١٣ هـ

الفصل العاشر

القوات العثمانية تعتدى على حدود ايران :

علمنا عند الحديث عن العلاقات الايرانية العثمانية على عهد فتح على شاه القاجارى أن سلسلة من المناوشات قد وقعت بين ايران وتركيا في الحدود المشتركة بينهما ، وراينا كيف استطاع القواد الايرانيون وعلى رأسهم الامير عباس ميرزا ولي عهد ايران وقائد عام القوات الايرانية في آذربيجان ان يصدوا الهجمات العثمانية في الشمال الغربي ، بل استطاعوا اكثر من ذلك ان يدحرونا العثمانين ويطاردوهم الى داخل الاراضي العثمانية ذاتها ، حيث وقعت بين الطرفين فيما بعد معاهدة صلح عرفت بمعاهدة أرض الروم الاولى سنة ١٢٣٩ هـ ثم استقر الامن او ما يشبه الامن في حدود البلدين ، وبعبارة اخرى رأت الدولتان وقد انه الهكتهما الحروب ان نلجأ الى المفاوضات السلمية ولعبة الموائد المستديرة علهما تصلان الى اتفاق تام . كما ذكرنا ايضا عند الحديث عن فصول معاهدة ارض الروم انها لم تحدد الحدود الفاصلة ، بين البلدين تحديدا يمنع تجدد الاشتباكات العسكرية بينهما فى المستقبل ، بل اكتفتا بمعاهدة قديمة كان نادر شاه الافشارى قد ابرمها مع العثمانيين سنة ١١٥٩ هـ وبذلك

اصبح حرس الحدود من كلا الجانبين يستطيع اختلاف او هى الاسباب لاثارة الحرب بين الدولتين ، خاصة وان القبائل البدوية التركمانية والكردية كانت تنتقل بين ايران وتركيا في هجرات الشتاء والصيف ، وكان يمكن لاى من الدولتين ادعاء ان تلك القبائل نقوم بالسرقة والتهب والقتل ثم تلجأ إلى البلد الآخر ، اذ ن فلا بد من القيام بتأديبها . هكذا كان الحال في الحدود الغربية بعد توقيع معاهدة ارض الروم في شهر ربيع الاول سنة ١٢٣٩ هـ .

انا الوضع في موانئ الخليج الفارسي حيث المصالح الايرانية والعراقية في شط العرب فقد كان فى مصلحة ايران ، فان الخدمات والتسهيلات التى كان يقدمها رجال الجمارك الايرانيون المتجار المقيمين والواردين الى خرمشهر ( المحمرة سابقا ) قد ادت الى أن ينتزع ميناء خرمشهر شهرة ميناء البصرة ويقضي على التجارة فيها . وكان ميناء البصره آنذاك خاضعا لباشاوات بغداد . ولما رأى " باشا بغداد " ان دخل ولايته من مينا ، البصر اخذ يتضاءل سنة بعد اخرى بسبب منافسة مينا ، خرمشهر له . بدأ يضيق على الميناء الايراني . ويتحين الفرص

للقضاء على انتعاشه الاقتصادى .

ورغم كل ذلك فالعلاقات بين ايران والدولة العثمانية كانت تسودها في هذه الفترة الطمانينة والهدوء نسبيا ، فقد ادت معاهدة ارض الروم سنة ١٢٣٩ هـ الى تحسين العلاقات السياسية بين الدولتين ، وكان لسفارتيها في كل من طهران واسطنبول دور فعال في اشاعة السلام بينهما . فقد كان السفير الايراني في اسطنبول الميرزا جعفر خان مشير الملك ، الذى لقب فيما بعد بمشير الدولة يتمتع باحترام وثقة كبيرين في الاوساط العثمانية الحاكمة ، بحيث اصبحت دار السفارة الايرانية في عهده ملجا لطالبي اللجوء السياسي من الارمن المقيمين في الأراضى العثمانية والفارين من السلطات العثمانية ، كما كان السفير العثماني في طهران يتمتع بنفس الاحترام والثقة من الشاه ورجال البلاط القاجاري .

ولكن هذا الاحترام والثقة المتبادلان بين ايران والدولة العثمانية في ذلك العهد لم يكن يمنع " باشاوات بغداد " امثال على رضا باشا من فرض سياستهم الخاصة دون الرجوع أو الاهتمام برغبات الباب العالى ، فقد كان للباشاوات العثمانيين في ذلك العهد مطلق الحق في التصرف في شؤون ولاياتهم ، فالوالى هو ديكناتور الولاية يصرف اموالها ونفوس اهلها كما يشاء ، وكيفما يحلو له .

وحانت الفرصة التي يتحينها ( باشا بغداد ) للقضاء على نفوذ ميناء خرمشهر الايراني التجارى ، فبينما كان محمد شاه القاجارى يحاصر مدينة هرات سنة ١٢٥٤ هـ  هاجمت قوات باشا بغداد ميناء خرمشهر وقد قامت الحامية الايرانية في الميناء تساندها قيلة بني كعب العربية بصد هجمات الباشا ، ولكن لم تستطع الحامية الايرانية الثبات طويلا امام الهجوم البرى والبحرى المركز من قبل قوات ( باشا بغداد ) فحلت بها الهزيمة ، وقتل عدد كبير من سكان المدينة وسبت قوات بغداد الكثر من نساء قبيلة بني كعب العربية وفتياتهم عقابا لها على مشاركة رجالها بمد يد العون للحامية الايرانية .

وعندما علم محمد شاه القاجاري بحملة "باشا بغداد" على ميناء المحمرة ارسل في سنة ١٣٥٤هـ الميرزاجعفر خان مشير الدولة سفيرا يران السابق لدى الامبراطورية العثمانية ،

وحسين المرافق العسكرى الخاص لمحمد ساه والذى عين آنذاك سفيرا لايران في كل من بريطانيا وفرنسا والنمسا والذى كان في طريقه الى اوروبا لتسلم مهام منصبه ، ارسلهما الشاه محمد القاجارى الى اسطنبول لعرض شكوى ايران ضد " باشا بغداد " واعتد انه على ميناء خرمشهر الايرانى ، وبدا السفيران محادثات هامة مع السلطان محمود خان الثانى امبراطور الدولة العثمانية ، وقد حضر تلك المحادثات رئيس الوزراء العثمانى ووزير خارجيته ، وقد طلب الميرزا جعفر خان مشير الدولة من السلطات العثمانية ان تقوم بدفع تعويضات لايران عوضا عن الخسائر التى الحقتها بها قوات باشا بغداد في المحمرة . وان تتولى عقاب باشا بغداد على عمله ذاك الاهوج ، واخبر السلطات العثمانية بأن دولته ستحتفظ بحقها في اتخاذ الاجراء الذى تراه ضروريا ، إذا لم تبادر السلطات العثمانية بدفع غرامة لايران ، ولفت نظر باشا بغداد الى سوء عمله .

ولكن انتهت المحادثات بين الجانبين : الايرانى والعثمانى الى لا شئ ، فقد كانت الامبراطورية العثمانية تعتبر ميناء المحمرة جزءا من اراضيها وداخلة تحت سلطة باشا بغداد . وقد أجاب السلطان محمود خان العثمانى ورئيس وزرائه ووزير خارجيته الجانب الايرانى قائلين : ان حملة حاكم بغداد على خرمشهر ليست الا من باب تأديب الرعايا العثمانيين المتمردين في المحمرة التى هى جزء من ولاية بغداد ، ولباشا في بغداد مطلق السلطة عليها ، وعلى ايران ان لا تتدخل في شؤون باشا بغداد الداخلية .

وفي الجلسة الأخيرة التى عقدت بين الجانب العثمانى والأيرانى ، والتى حضرها بعض رجال البلاط العثمانى وسفيرا روسية وبريطانية وبعض السفراء الأجانب لدى البلاط العثمانى ، طالب الجانب العثماني الجانب الايرانى بابراز ما يثبت حقها الشرعى في ميناء المحمرة " خرمشهر " ولما لم يكن لدى الوفد الايرانى وثائق تثبت ملكية خرمشهر ، فقد عجز عن اقناع الجانب العثمانى وآثر الصمت .

حدث بعد عام من تلك المفاوضات بين الايرانيين والعثمانيين - أي في سنة ١٢٥٥ هـ - أن توفي السلطان

محمود خان الثانى ، وخلفه السلطان عبد الحميد الاول وفي تلك الاثناء منيت القوات العثمانية بهزيمة منكرة على يد ابراهيم باشا بن محمد علي باشا والي مصر ، واستولت قوات ابراهيم باشا على مجموعة من البواخر الحربية العثمانية .

عندما علم مشير الدولة السفير الايراني لدى العثمانيين بما حل بالقوات العثمانية على يد المصريين تظاهر بأن حكومته قد استدعته الى طهران للتشاور .

وبعد مغادرته للاراضى العثمانية فطنت السلطات العثمانية الى أن لعودة السفير الايرانى الى بلاده علاقة بهزيمة القوات العثمانية على يد ابراهيم باشا المصرى ، وان السفير سوف يطلع المسؤولين في ايران على وضع القوات العثمانية المتدهور نتيجة تلك الهزيمة ، لذلك شرعت الامبراطورية العثمانية تسترضى السلطات الايرانية .

حتى لا تفكر في استغلال الوضع والانتقام لهزيمة المحمرة ( خرمشهر ) . وفي نفس الوقت قام محمد شاه القاجارى بارسال احد رجاله ويدعى ( قنبر علي خان مافي ) الى العراق ، وحمله رسالة إلى ( باشا بغداد ) مفادها أنه ذا لم يسارع الباشا الى دفع غرامة لايران نظير خسائرها في المحمرة فسوف يجبره الشاه على دفعها بقوة السلاح .

قبيل وفاة السلطان محمود خان الثانى ، قام ( عبد الله باشا بابان ) والى السليمانية من قبل ايران بالخروج على ايران وانضم الى باشا بغداد التركى ، وأخذ يؤيده في موقفه من ايران ، وميناء خرمشهر بشكل خاص ، عندئذ أمر محمد شاه القاجارى ، والي كردستان الايرانى ( رضا علي خان ) بمحاربة بابان واخراجه من السليمانية وتعيين محمد . باشا او ( محمود باشا ) الذى كان لاجئا في ايران . حاكما على السليمانية .

وبينما كانت القوات الايرانية بقيادة حاكم كردستان رضا قلي خان في طريقها الى السليمانية تصدت لها فرقة تركية في مدينة شهرزور ولكن القوات الايرانية تغلبت عليها . ولكن غرور رضا قلي خان الحاكم الايرانى الشاب جعله يحتفل بهذا النصر السريع ، فشرع وجنده فى تناول خمرة النصر ، فانقض عليهم عبدالله بابان والى

سليمانية وهزمهم ، واستطاع رضا الي خان النجاة من تلك الوقعة ، وقتل عدد كبير من قواته ، وغنمت قوانين بابان الكثير من العتاد الحربى والاموال .

بعد هذا الاشتباك المسلح بين القوات الايرانية وقوات باشا بغداد ، وهزيمة الايرانيين في مدينة شهرزور ، فكر الطرفان في استنفار قواتهما المقاتلة . ولكن بريطانية - وقد رأت مصالحها في العراق وجنوب ايران في خطر- طلبت من الجانبين الجلوس حول مائدة مستديرة لحل الخلافات القائمة بينهما في الحدود ، وبعد محادثات طويلة بين السفير البريطاني في طهران ورئيس الوزراء الايرانى الحاج ميرزا اقاسى ومحمد شاه تقرر تشكيل لجنة من كلا الجانبين الايرانى والعراقى بحضور مندوبين عن يريطانية وروسية كمراقبين ، على أن يجتمع الجانبان في ارض الروم للتداول .

وكما هى العادة المتبعة عند جلوس السلاطين العثمانين على العرش في الكتابة الى ملوك ورؤساء العالم لمعرفة خبر اعتلائهم العرش . فقد ارسل السلطان العثمانى الجديد عبد المجيد الاول ، صارم أفندى إلى ايران لابلاغ محمد شاه القاجارى بجلوسه على عرش الامبراطورية العثمانية ، وعندما وصل الرسول العثمانى فى شهر المحرم سنة ١٢٥٦ هـ الى طهران ، كان محمد شاه في مدينة أصفهان فتوجه الرسول الى هناك وابلغه موافقة السلطان عبد المجيد على دفع غرامة لايران مقابل الخسائر التى احلتها بها قوات بغداد في خرم مشهر ، وموافقته كذلك على تشكيل لجان من الجانب الايرانى والعثمانى لمناقشة مشاكل الحدود العثمانية الايرانية والايرانية العراقية .

ولكن مرة اخرى كانت بلاهة رئيس الوزراء الايرانى الخرف الحاج ميرزا آقاسى وشعوذته من أكبر الاسباب التى أدت الى عدم دفع الغرفة لايران ، فقد أراد أن يظهر لولي نعمته محمد شاه هدى لباقته فطلب ، عن السفير العثمانى صارم افندى أن يقترح على دولته دفع ما يوازي مبلغ مليونين وخمسمائة ألف تومان من الذهب المسكوك بدلا فن المبلغ الذى اقترحه السفير وهو ثلاثمائة الف تومان ، ولما لم يكن باستطاعة الرسول العثماني أن يرد بشئ قبل الزجوع إلى المسؤولين في بلاده فقد رفض أن

بعد الميرزا آقاسى بشئ ، وهكذا أضاعت حماقة الحاج ميرزا آقاسى كل شئ على ايران .

ولما كانت مناقشة الجانبين : الايرائى والعثمانى المشاكل الحدود ذات مساس مباشر بمصالح روسية في الشمال . وبريطانية في الجنوب والعراق على الخليج الفارسى ، فقد ضغطت الدولتان على ايران كي تسرع في تشكيل وفدها الى محادثات ارض الروم .

وبعد أن صدرت موافقة كل من السلطان عبدالمجيد الاول ومحمد شاه القاجارى ، على تشكيل وفدي بلديهما ، اختارت ايران سفيرها في اسطنبول الميرزا جعفر خان

مشير الدولة الذى كان عليما بنقسيات المسئولين العثمانيين واخلاقهم ، ليراس وقد بلاده الى محادثات أرض الروم ، ولكن قبل وصول الوفد الايرانى الى الحدود العثمانية اعتلت صحة مشير الدولة رئيس الوفد الايرانى فحل محله الميرزا محمد تقي خان الفراهانى الامير الكبير وكان وزيرا للحربية في عهد ولي العهد ناصر الدين ميرزا آنذاك ، وسار على رأس الوفد بموافقة محمد شاه ، وكان الوفد الايرانى يتكون من مائتى كاتب جلسة ، ومترجم وسكرتير وعدد من خيرة رجال الجيش الايرانى المرابط في منطقة آذربيجان ، واحد قواد المدفعية ، وقلة من الجنود للحراسة .

اشترك في نشرتنا البريدية