الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 1الرجوع إلى "المنهل"

ابن مقرب، حياته وشعره

Share

عرض وتحليل الاستاذ محمد على السنوسى

احياء التراث الأدبي لأمة من الامم ظاهرة من ظواهر الشعور القومى التى تبشر بالخير وتدل على الوعى ، وتاريخنا الادبي القديم يزخر بالرائع من ثمار القرائح ونتاج الافكار ، وليس الشاعر ( ابن مقرب ) الا مثلا واحدا من امثال تلك الذخائر المغمورة والكنوز المطمورة .

ولقد كان الشعراء دائما ، حدة القافلة البشرية وطلائع الركب الانساني في كل عصر من العصور وفي كل مصر من الامصار .

وبين يدى الآن كتاب عن علم من اعلام الشعر العربى فى القرن السادس الهجرى ازاح عنه الغبار أديب من ادبائنا البارزين وشاعر من شعرائنا الموهوبين هو الاستاذ ( عمران محمد العمران ) فى كتابه الانيق " ابن مقرب - حياته وشعره " ويقع الكتاب فى ( ١٨٠ ) صفحة من القطع المتوسط على ورق صقيل وطباعة متقنة وقد قسمه مؤلفه الى ( ٦ ) اقسام ، القسم الاول يتحدث عن الشاعر واسمه ولقبه وكنييته ونشأته -

وشخصيته وخلقه القسم الثاني يتناول موطن الشاعر وفذلكة تاريخية عن الوضع السياسي لتلك الحقبة من التاريخ . والقسم الثالث يتحدث عن رحلات الشاعر وثقافته وأثر الحرمان في شعره . والقسم الرابع وهو أهم أقسام الكتاب يتحدث فيه المؤلف عن أغراض الشعر عند ( ابن مقرب ) من المديح والفخر والشكوى والعتاب الخ . والقسم الخامس يتحدث فيه عن صلة الشاعر بالشعراء الجاهليين ، وتأثره بالاسلاميين والأموبين والعباسيين والقسم السادس عن مكانة ( ابن مقرب ) التاريخية . وهذه الاقسام هى أهم اقسام الكتاب

لقد ولد ( ابن مقرب ) فى عام ٥٧٢ حجرية فى بلدة ( العيون ) من نواحي الاحساء فهو من شعراء القرن السادس الهجرى " وقد قضى ايام شبابه وصباه فى تلك الربوع وكانت له ايام عذبة فى (الثليم) و ( الجرعاء ) و(الجديد) و (المصلى) و( الحضين ) من بلاد البحرين . من قوله فيها :

رعي الله ( الثليم ) وساكنية

واجزاعا تكنفها الثلام

وجاد من الجديد الى المصلي

الى الحضين وكاف ركام

فمسرح لذتى ومراح لهوى

هنالكمو وجيرتى الكرام

ولما شب عن الطوق واكتملت رجولته تحركت فى نفسه نوازع الطموح الى الجد وبواعث التطلع الى العلي ومن هنا دب الخلاف بينه وبين بني عمه امراء البحرين فحامت

حوله بالشكوك وديت اليه العقارب و كان من نتيجة ذلك ان اسيئت معاملته وصودرت أملاكه وضيقوا عليه حياته ، حتى اضطر الى مغادرة وطنه واثرحيل بعيدا عن بني عمه وعشيرته . وقضى آخر عمره شريدا طريدا أو كالشريد الطريد وتوفى فى سنة ٦٢٩ ه وسنه تسع وخمسون سنة . ذلك هو ملخص حياته . . ومع تلك الحياة القاسية ورغم ذلك العيش المر فقد كان هذا الشاعر الكبير يحن الى وطنه ويعتز بعشيرته ويتناسي ظلمها اياه ويقول :

وان انفرادى عتهمو وتغربي

ترامي بي الامواج والحزن والسهب

بغير اختيار كان مني ولا قلى

وانهم للعين والانف والقلب

يا سلام على نفوس الشعراء الرقيقة وخلقهم الرفيع ، ثم يسترسل في نفس رقراق وشاعرية مطبوعة :

وكم قائل لى عد عنهم فانه

مع الالم المضاض قد يقطع الأرب

فقلت رويدا قد صدقت وذلكم

اذا لم يكن فيه لحامله طب

اذا لم اداو العضو الا بقطعه

فلا قصب يبقى لدى ولا قصب

واني بقومي للظنين وانني

على بعد داري والتنائى بهم حدب

والحق ان شعر هذا الشاعر : من جزالة اللفظ وصفاء الاسلوب وقوة الاد وطول النفس وانسجام الموسيقى ما يجعله فى مصاف المتنبى وأبى تمام والبحترى وغيرهم من كبار شعراء العربية الاعلام . اسمعه يقول في احدى قصائد الشوق والحنين :

صبا شوقا فحن الى الديار

ونازعه الهوى ثوب الوقار

وهاج له الغرام غناء ورق

هواتف في غضون من نضار

صدحن غدية فتركن قلبي

وكان الطود كالشئ الضمار

رويدا يا حمام بمستهام

مشوق منه طول السفار

براه الشوق برى القدح جدا

فغادره بقلب مستطار

ويقول في قصيدة اخرى سلسلة اللفظ عذبة المعاني طريقة الاخيلة والصور فى حديث له مع ( حواء ) :

وبيضاء مثل البدر حسنا وشارة

يزين بها السب المزبرق والائب

إذا ما نساء الحي رحن فانها

لها النظرة الاولى عليهن والعقب

بدت سافرا مردوب (دينار) والصبا

يرنحها والدل والتيه والعجب

راتني فابدت عن اسيل وحجبت

بذى معصم جدل بعض به القلب

وقالت : غريب والفتاة غريبة

ولا في نكاح الحل ذام ولا ذنب

فقلت لها اني الوف ولى هوى

وما لي في بغداد شعب ولا سرب

فقالت واين السرب والشعب والهوى

فقلت بحيث الكر الطعن والضرب

فقالت ارى البحرين دارك والهوى

اخاك وهذا ما أرى فمن الشعب ؟

فيجيبها الشاعر في اعتداد بقومه واعتزاز بنفسه ويمضي في هذه القصيدة الرائعة معدد مناصب عشيرته ومفاخر اهله حتى ينتهي الى الغاية من ذلك الفخر القومي فتعرف تلك الحسناء انه من ربيعة . فتقول :

فقالت لعمري انها لربيعة

              بناة المعالي لا كلاب ولا كلب

وبعد فما زالت البحرين من قديم وحديث تنتج الدرر الفكرية والدرر البحرية وحسبها ابن مقرب في القديم ، والعريض في الحديث . وشكرا للاستاذ عمران على مجهوده الادبي الممتع وتحية له على هديته الكريمة .

جازان

اشترك في نشرتنا البريدية