فيما قبل الحرب العالمية الثانية انبعثت من بعض الأدباء همسات موفقة تقول بان الطريق السوي لرفع مستوى التفكير فى البلاد ، انما هو باتجاه حملة الاقلام الى ميدان " التاليف " الواسع ، بدلا من حشد الجهود في هذا الباب الضيق المحدود : " أدب المقالة والقصيدة " .
وانزوت الفكرة بعد طغيان موجة الحرب فيما انزوي من مظاهر الادب فلما هدأت الدنيا وانبعثت أصوات الأدب في الافاق من جديد عادت النغمة الداعية الى التأليف من جديد .
والتأليف فن له شروط ولوازم ، وله وسائل وروافد ، وهو بدون هذه المهيئات عبارة عن " سواد فى بياض " . . وتتمثل في الثقافة الكافية ، والبيان المشرق الجميل ، وامتلاك ناصية الموضوع ؛ وسمو الهدف . . وهذه امور ، وان كانت محدودة عندنا ، الا ان من واجبنا - ونحن نتحفز للحاق بقافلة العالم الحديث فى الادب والحياة - ان نتقدم فندلى بدلائنا ، ونساهم بجهودنا فمن سار على الدرب وصل .
وأدبنا بحمد الله ؛ قد تخطى " عتبة البدائية الأولى . وقد تخطى معه فن التأليف ذلك الدور أيضا . فقد كان اغلب ما صدر منه قبل الحرب " مؤلفات جمعية " . اما بعدها فقد اصبح التاليف " ذا شخصية " بعض الشئ وخاصة فى أدب السيرة وأدب الشعر . وهذه ظاهرة قمينة بالتسجيل ، لما تنبئ به من نمو تفكير وتحسن اتجاه .
على ان ماضي البلاد القصى والقريب . واوضاعها القديمة اللامعة والقاتمة
وملابساتها على مر الاجيال ، وآثارها المطمورة ومعالمها . لمجهولة ، وموجبات تاخرها فى الماضى وموجبات انبعاثها فى الحاضر والمستقبل - كل هذه آفاق مشرقة تنتظر الرائدين وتتطلع الى الباحثين والناشرين
فيحسن بأدبائنا ان يعنوا بها ، وان يثبتوا للعالم تساميهم للمشاركة فى هذا الاتجاه الاحسن ، تقدما بالحياة على اضواء الأدب ، ونهضة بالادب على اضواء الحياة . فهل هم فاعلون ؟ انا لمنتظرون !

