الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 4الرجوع إلى "المنهل"

اسبانيا، خدعت عرب المغرب

Share

ان الذى يدرس حالة أسبانيا وحكمها للمغرب الأقصى حكما استبداديا ستأخذه الدهشة والحيرة معا إذا توغل فى تلك الدراسة قليلا ، وتعمق فى البحث عن استكناه الحقائق . من الأحداث التاريخية الجسيمة والحوادث الدامية التى كانت بمثابة " وصمة عار " فى جبهة أسبانيا و " وسام فخار " فى جبين العرب الذين جاهدوا جهاد المستميت وكافحوا كفاح الأبطال حتى أثبتوا للعالم ، غربه وشرقه ، أنهم يفهمون معنى ) الحرية ( أكثر مما تفهمه الدول التى تتمشدق بهذه الكلمة .

وليس من شك فى ان أسبانيا مدينة للعرب بحضارتها ، وتقدمها . . لاسيما فى الحقلين المعماري والأثرى . وهذا نلمسه كلما زرنا مدن " غرناطة " و " اشبيلية و " طنجة " ) كذا ( ، واننا لواجدون فيها كل ما يشير الى أن العرب قد خلفوا فيها من آثار المدنية والتحضر ما يبهر العقل ، ويحير الفكر ويجعل الضمير يرضخ لمنطق الحق : وهو أحقية العرب بالسمو الفكرى ، والعظمة النفسية . والتوقد الذهنى .

وقد كانت أسبانيا - منذ القرن التاسع عشر - تحلم حلما لذيذا تغتبط به كثيرا ، وتتصور تصورا خياليا إمكانية تأليف وحدة اقتصادية ، وسياسية ، وجغرافية من ضم تونس ، والجزائر ، ومراكش ، وطنجة ، واقليم تطوان ) كذا ( ، وقد ظهر ذلك في جهودها ومحاولاتها احتلال هذه البلدان العربية فى أحقاب مختلفة من التاريخ بعد ان سقطت " الاندلس " بفترة قصيرة .

وقد بذلت اسبانيا فى القرن التاسع عشر ايضا - جهودا يائسة لبسط سيطرتها على " مرا كش " وإدماجها تحت استعمارها غير ان الدولة الاستعمارية الثانية - اقصد فرنسا كانت أسرع منها فنشرت لواء احتلالها عليها لأن جيوشها كانت " فى الجزائر وهي ملاحمة - تقريبا لمراكش، وكاد الاتفاق يتم بين فرنسا وأسبانيا على تجزئة هذا الجزء العربي من شمال افريقيا الى جزئين بالمناصفة إلا أن فرنسا غمطت حقوق

شريكتها فى " الاستعمار " فلم تسمح لها إلا باحتلال منطقة صغيرة من المغرب الأقصى لا تربو مساحتها عن ١٩٦٠٠ كيلو مترا تقريبا

وعندما أصبحت هذه المنطقة الواقعة شمال المغرب " تحت حكمها - استأنفت أسبانيا تحلم مرة أخرى - حلما أجمل وألذ من سابقه وشرعت تفكر في تحقيق ذلك الحلم الجميل فى نظرها . على أنها كانت قاسية وغير صائبة فى الطريقة التى اختارتها للحكم فى هذا الجزء الصغير من " المغرب " فقد وضعت خطة مرسومة للسير بموجبها سواء حسنت النتيجة أم ساءت غير عابئة بما يخبئ لها القدر ) الكاتب استعمل كلمة " الطبيعة " بدلا من القدر ( ، ذلك لأن العرب . قد جبلوا على حياة الانطلاق وحب الحرية ولا يرضيهم باي حال من الأحوال - ان يكون الأجنبى هو الحاكم المتصرف في شؤونهم ، وأمور حياتهم ويتحكم فى مستقبلهم وكيانهم ومصيرهم . هذا وقد اتجهت سياسة أسبانيا الى اهداف واضحة كل الوضوح اكتنفتها مطامعها وحبها للاستيلاء على أراضي الأمم الضعيفة وبسط سيطرتها عليها . وهذه الأهداف الواضحة ، والمبادئ الرئيسية لسياسة أسبانيا لم تؤثر فيها تلك الأحداث السياسية ، بما فيها الحرب الأسبانية الأهلية ، ولا الانقلابات الاهلية والانقلابات الاقليمية ولا التطورات التى حدثت فى السياسة العالمية فقد ظلت تسير على سياسة منظمة مدروسة بعد أن اطلقت العنان لنزواتها ، واستمرت تسفك دماء الابرياء الذين كانوا متعطشين لشرب كأس " الحرية " . . فقاموا ، ونهضوا ، ونادوا ، مطالبين بحقهم فى حياة يشمون فيها عبير " الحرية " و " عبق الاستقلال . "

بيد أنها كانت وطدت العزم على الاستمرار فى سياستها معتمدة على بعض عناصر قوية لأمكان تنفيذ خططها المحكمة . . ثم أمنت لها كل ما يلزمها من وسائل معنوية ، وطرق مادية حتى يمكنها تحقيق ما انتوته نحو هذا الشعب العربي ولا زالت - هي - تسعى ، بكل ما أوتيت من حيلة وسعة صدر ، لتنفيذ سياستها المدروسة

اشترك في نشرتنا البريدية