اصداء الفكر

حول الخلاف القائم بين تونس والقاهرة طرات في الايام الاخيرة احداث فى المجال العربى تثير قلق كل عربى وتبعث في نفسه الشك في مستقبل العروبة والياس من غد الفكر العربى الحر ، فقد تحول خلاف كان فى اوله بسيطا الى نزاع بين ارادتين لقسمين من بلاد العروبة تستند احداهما في نضالها الى قوى الشعب العربي وتسعى الى اقرار السلام في ربوعه وتستند الثانية فى مهاجمة ارادة التحرير الاولى الى الكذب وتزوير الحقائق واخفائها ودفع جماهير العرب الى سبل الكراهية والحقد

ونحن في هذه المجلة كنا دائما ندعو إلى تحرر الفكر من الكابوس الذي اراد الاستعمار ان يكبله به ، وكنا نظن ان صراعنا يدور ضد قوى الشر وقوى الكبت الاجنبية عنا ولذلك لم نتردد فى تمجيد بعث الامة العربية وحسنا كما يليق باهل الفكر بعث القومية العربية لانها فى نظرنا واعتبارنا قوة خلافة بناءة ولكننا اكتشفنا بمناسبة هذه الازمة التى ظهرت فى العلاقات القائمة بين العرب وخاصة بين الجمهورية التونسية والجمهورية العربية المتحدة اننا اخطانا التقدير عندما ظننا خيرا بمن وقفوا انفسهم على قادة القومية العربية واكتشفنا ان ما حسبناه خلقا لا يهدف الا الى الهدم وما اعتقدناه صدقا لا يستند الا الى الافتراء .

ولعل من المصائب ما ينفعنا فى المستقبل ويفتح ابصار شعبنا على الحقيقة فيعيد تقدير الاتجاهات والاشخاص ويقيم سلما جديدا للقيم التى ينبغى ان تسوس علاقات العرب .

لقد وضح بمناسبة الزوبعة التى قامت فى الجامعة العربية يوم السبت ١١ اكتوبر ١٩٥٨ ان حرية التصرف وحرية السلوك لا وجود لهما في جامعة الدول العربية وان حكومة واحدة تستطيع ان تفرض ارادتها على المجموعة كلها وتستطيع ان نحكم على كل من يخالفها حكما تعوزه متانة المستند وقوة الحجة .

والحقيقة ان ما تصادمت من اجله تونس والقاهرة ليس خلافا بل نزاعا

وقد بلغنا ان موضوع البحث سيكون الى جانب مسالة الكتاب العربي قضية البطولة في الادب العربى

ويظهر ان حكومة الكويت الموقرة التى تفضلت بدعوة المؤتمر الى الانعقاد بترابها استشارت المكتب الدائم للمؤتمر بالقاهرة فى خصوص جدول اعمال المؤتمر

والقراء الافاضل يعلمون انه اثناء مؤتمر القاهرة المنعقد فى ديسمبر ١٩٥٧ تم انتخاب الاساتذة محمود المسعدي وحسن حسنى عبد الوهاب ومحمد مزالي فى المكتب الدائم وكان يجب على هذا المكتب استدعاء الاعضاء المذكورين او على الاقل استشارتهم كتابيا قبل البت في موضوع جدول الاوقات الا ان شيئا من هذا لم يقع ولكنه اسلوب عمل اخذنا نتعود به شيئا فشيئا مع الاسف ! . . وهذا هو جدول الاعمال .

موضوع البحث في هذه الدورة يتركب من شقين : أ - الشق الاول محاضرات تلقى ويعلق عليها حول

" البطولة في الادب العربى "

على حسب التفريعات المقترحة الآتية : (١) البطولة كما يصورها الادب الجاهلى : أ - في الشعر والنثر ب - ادب الصعاليك

جـ - مقارنة بين نماذج البطولة فى الادب الجاهلى ونماذجها فى الآداب الاخرى فى ذلك . . الخ

( ٢) البطولة كما يصورها الادب العربى بعد ظهور الاسلام حتى سقوط بغداد :

أ - في القران الكريم والشعر والحكايات والقصص المترجمة والمقامات والنوادر والمحاورات والرسائل المطولة

ب - وصف المواقع في كتب الادب مع الاهتمام بادب الخوارج وحروب الروم .

ج - اثر العقيدة الدينية فى نماذج البطولة وادبها فى هذا العصر

د - ادب الرحلات وما فيه من تصوير للمغامرات . . الخ (٣) البطولة كما يصورها الادب العربى فى الاندلس وشمال افريقية : أ - في الشعر - ب - وصف البطولات فى كتب الادب والرحالات ج - كفاح المدن العربية ضد الغزاة د - البطولات الخيالية . . الخ . . (٤) البطولة كما يصورها الادب العربى بعد سقوط بغداد حتى بداية القرن التاسع عشر :

أ - في الشعر ب - الفتوة في عهد الاقطاع واصداؤها في الادب ج - المعتقدات الدينية الغيبية واثرها فى تصوير البطولات . . الخ . (٥) البطولة كما يصورها الادب العربى الحديث : أ - فى الرواية ب - في القصة ج- فى المسرحية د - في الشعر ه- فى ادب الصحافة . . الخ

(٦) البطولة فى ادب الاطفال : أ - نشأة ادب الاطفال - ب - البطولة فى القصص المؤلفة للاطفال والمترجمة ج - دراسة نفسية تربوية لما يجب ان تكون عليه نماذج البطولة فى مراحل الطفولة د - اثر القصص الجيدة في اعداد النشء ه نظرات نقدية عن البطولة فى قصص الاطفال المتداولة ومدى ملاءمة الاسلوب لمراحل الطفولة المختلفة . . الخ

(٧) البطولة كما يصورها الادب الشعبى هذا ويلاحظ فى بحث الموضوعات السابقة دور المرأة فى العصور المختلفة . ب - الشق الثانى من موضوع البحث هو الكتاب العربى من حيث الطبع والنشر والتوزيع وسيبحث هذا الموضوع في لجان خاصة وتتخذ فيه التوصيات المناسبة التى تساعد على تيسير تداوله في البلاد العربية وستدعى بعض دور النشر والتوزيع للاشتراك في المناقشة فى هذا الموضوع .

ونحن اذ نشكر حكومة الكويت على لطيف عنايتها وبالغ تشجيعها للادب ورجاله في عالمنا العربى لا يسعنا الا ان نرجو للمؤتمر فى دورته الرابعة النجاح التام والسمو الى مستوى الادب الحق باجتناب ما لوحظ فى مؤتمر القاهرة المذكور من تطرف لفظى ونزعة دعائية سخيفة ،

وفي الختام نذكر بما قلناه في هذه المجلة العدد ٤ من السنة الماضية الخاص بمؤتمر الادباء العرب : " عسى ان يكون العرب خلاقين فى ادبهم وعسى ان يخلق ادبهم العروبة التى نريد ! "

الادب الشعبي في الكفاح الجزائري كانت الحركة التى انشاها الامير عبد القادر الجزائرى فى مقاومة الاستعمار ذات جذور عميقة تلتحق بما كان يجرى خلال عهد حكومة الاتراك بالقطر الجزائري ، فان تكالب اولئك الحكام الذين لم يكن اصل الكثير منهم غير اشخاص عاديين من ادنى الطبقات التحقوا جنودا مرتزقة باسطول الدولة العثمانية . فسياسة هؤلاء البايات والدايات لا اثر فيها للاصلاح واستعمال القواعد العمرانية لفائدة مستقبل الشعب بل مرادهم من تبادل الولايات والتهافت على الحكم جمع الثروات واستنزاف ما يقع تحت تصرفهم

وذلك هو الذي نشأ في الشعب الجزائري رغبة فى استبدال طريقة الحكم وتطلعا الى منقذ يؤسس الحكومة على قواعد ارسخ وامتن مما هى عليه فظهور حكومة الامير عبد القادر كان حلما ينتظر تحقيقه كل جزائرى

فلما ولي الحكم وقام بواجب الجهاد القومي اتجهت الانظار تحيي آمالها وتنعش مطامحها في رؤية حكم صالح ينقذ الشعب من حالته .

وفي القطعة الاتية التى انشاها صاحبها سى الطاهر بن حواء فى تحية الامير المجاهد تتمثل صرخات الضمير الشعبى وآماله فى فوز ذلك المنقذ الذى حدثتهم به الاخبار والكتب .

وطريقه نسجها تدل على ما كانت عليه لغة العامة من صفاء وعذوبة وقرب كبير الى اللغة العربية الفصحى

وقد احببنا نقلها في هذا العدد الذى خصصناه للجزائر تتميما للفائدة :

يا من درى شئ من يوم سلطاني مبارك ممزوج بالمسرات والرضا مبروك

بلى تحب وللي تريد يجمع شملك ويدير ليك مولاك في المضيق سلوك

تنال كل الصاعبه يقوى نصرك تقبض مفاتح الخير والقفل مفكوك

تبلغ منازل تريدها يعظم ملكك بالعز والظفر لا نجا لمن عادوك

ويعم الارض قبله وجوف وابل فضلك بالفخر والهناء والثنا نصروك

واحييت سنة الدين في الزمان المهلك تقمه لمن طغى يا عذاب من بغضوك

اسفار سابقة زمانها نبات بخبارك توارخ العراب والعجم ذكروك

عبد العزيز عبد القادر عبد المالك سادات بالبصيرة رووا ما جهلوك

والناس كلها بجميعها عبيد لامرك من خشية الحسد والمنافس فهموك

محفوظ ما ترى باس من يريد الشرك مضمون من الادى اهل الصف ضمنوك

بالوفق جمع الجمع في رفيع مقامك الغوث والقطب للمزادمة دفعوك

عمرت دار الاشراف والعرب بانصالك  عفريت صول زدمة على العدو دكدوك

البر والبحر كل حشدت لفراعك عيات ما تنافر وصارت الملوك

فوق الجنود وعلى البنود بند بندك بالفخر والبها واعد السما مسموك

هز الوطا وهز الجبال صايت رعدك الارض راجه والحصون ما رصدوك

زلزل اشجار واحجار ضخم عاصف ريحك للضد ريح ورياح على الصديق مسوك

واسمى على اشراف الملوك سامي قدرك رجال الارض وملايك السما عزوك

وورثت كل موروث مجد سابق قبلك اسلافك الكريمه بنورهم لحظوك

زال الرقى وزال النقار ضده من عهدك قفا معك مذكور وين ما ذكروك

رجال وافيين العهود صدقوا ظنك ما خالفوك ما فارقوك ما فلوك

هانوا عمارهم في رضا النبي ورضاتك الله حبهم والرسول كحبوك

غنمو كثير الاجور في سعى رفقتك ويوافقوك على ساعة القضا يحمو

ذا العام درت معلم خلصت فيه اديانك سر بلت كى ضارى غنمت من خدعوك

السهل والوعرض من كتايب جيشك كلت السيوف فى حصى عده المشكوك

نغرت بحور مياه قوية في بحرك غرقت سفون فى لج سطوتك عرفوك

الشوق هاج والوحش للقلوب درك اراه وقت مبروك بالنظر نشفوك

يشاهدوك الاعيان فيه يعمهم فضلك ارضا وعفو للخلف عمهم سمحوك

يا غاية الكرام النساب يا من نسبك من بضعة النبي في نسابها نسبوك

ربى يباركنا يزيد لك فى عمرك وأعمارنا من الموت بالفدا يفدوك

عن المجلة الافريقية Revue A  ricaine 1918

* تونس في ندوة المكتب الدولي للشغل غادر تونس في الاسبوع الفارط الاستاذ احمد عبد السلام للمشاركة في ندوة ينظمها المكتب الدولي للشغل ، وهي ندوة تضم ٢٣ خبيرا يمثلون بلدانا مختلفة وقع اختيارهم من بين المشرفين على التعليم وقد وقع تعيين الاستاذ احمد عبد السلام خبيرا من طرف هذه المنظمة العالمية للشغل بالاتفاق مع كتابة الدولة للتربلة القوملة وكتابة الدولة للصحة والشؤون الاجتماعية

ويجتمع المكتب الدولي للشغل في هذه المرة للنظر في شؤون التعليم الاجتماعية والاقتصادية لرجال التعليم في مختلف بلدان الدنيا ويستدرس مدى تاثير هذه الحالة الاقتصادية والاجتماعية على التعليم نفسه ، اذامها لا يشك فيه ان المستوى الاقتصادى والضمانات الاجتماعية التى يتمتع بها رجال التعليم لها تاثير مباشر عليهم وعلى ما يقومون به من اعمال ومجهودات ، ولها ايضا تاثير على مدى اقبال الشبان على المهنة التعليمية ، وان بقاء مرتبات الاساتذة والمعلمين في كثير من الاقطار دون المستوى المرضى سبب من اسباب الاعراض الذي تشتكى منه المهنة وسبب من اسباب قلة الاساتذة والمعلمين

ومن الجدير بالذكر ان هذه الندوة صادفت انجاز الحكومة التونسية لاصلاح مرتبات رجال التعليم . ولا شك في ان الاستاذ احمد عبد السلام سيتمكن من ذكر المجهود التونسى في هذا الميدان

وقد بلغنا انه انتخب نائبا لرئيس الندوة المذكورة

مهرجان شعري بمناسبة عيد المولد النبوي الشريف انتظمت مهرجانات رائعة شرفها فخامة السيد رئيس الجمهورية بحضوره وتبارى بهذه المناسبة عدد كثير من شعرائنا فنظموا قصائد بديعة نقلت الاذاعة بعضا منها . وقد جاء فى الصحف اليومية - التى ننقل عنها الخبر لأن " الفكر " لم يحظ بشرف الدعوة الى هذا الاحتفال التاريخي - ان الاستاذ مصطفى الفيلالي كاتب الدولة للاخبار والارشاد اعلن عن اسماء الفائزين فى هذه المباراة على النحو التالي :

- الطبقة الاولى : الصادق مازيغ ومحمد ناصر صدام واحمد المختار الوزير ومحمد الهاشمي زين العابدين وابن حميدة ومحمد الشعبوني

- الطبقة الثانية : الشاذلى عطاء الله ونصر المرزوقى والحبيب المستاوي ومحمد مزهود - الطبقة الثالثة : محمود الباجى ويوسف المحجوب ومحمد الحليوي وحسن المبروك وجابر ابو بكر وعمر الجمالى واحمد الخبثانى ومحمد بن عبد الله الاسود والبشير الميدانى

- الطبقة الرابعة : بلحسن بن شعبان وعياد العريبي واحمد خير الدين وصالح ابن شعبان وعمر العبيدي والهادي الفطناسى وعبد الله الزناد ومنور صمادح وخديجة بن شعبان

مسابقة ادبية لعيد العرش في المغرب نشرت الصحف المغربية هذا البلاغ لمدير التشريفات الملكية والاوسمة : نظرا لقرب حلول ذكرى عيد العرش المجيد ، ذلك العيد السعيد الذي تجدد فيه مختلف الطبقات المغربية ولاءها وحبها لصاحب الجلالة الملك المعظم ، وسيرا مع ما جرت به العادة كل سنة في هذه المناسبة من اجراء مباراة ادبية شعرية ونثرية ، يعلن مدير التشريفات الملكية لسائر الشعراء والكتاب الراغبين فى المشاركة هذه السنة في المباراة المذكورة ان يبعثوا له بما تجود به قرائحهم في الموضوع وذلك قبل يوم فاتح نوفمبر سنة ١٩٥٨ حتى يتسنى للجنة التحكيم اصدار رأيها بالنتائج فى الوقت المناسب ليتم توزيع ما يتفضل صاحب الجلالة بمنحه من الجوائز

* مظاهر الحضارة المغربية أهدتنا سفارة المغرب الشقيق بتونس كتابا عنوانه " مظاهر الحضارة المغربية " يقع في جزئين وقد الفه الاستاذ عبد العزيز بن عبد الله خريج كلية الحقوق والآداب ) جامعة الجزائر ( .

والكتاب يحتوي على دراسات قيمة وتحقيقات مضبوطة عن اهم مظاهر الحضارة المغربية مصحوبة بلوحات جميلة وكثيرة تمثل مختلف الفنون الجميلة

وصدوره جاء في الابان اذ من الضروري ان يعرف العالم شرقيه وغربيه ما

تمتار به حضارة المغرب العربي عامة وحضارة المغرب الاقصى خاصة من روح انشائية خلافة ، ونزعة توفيقية ائتلافية تروم الاعتدال وتنزع الى الوئام ، واصالة وعظمة

وقد ادرك المؤلف ان على المثقفين بهذه الديار ان يهدموا ما بنته الايدى الاستعمارية الاثيمة من نظريات باطلة مشوهة عن بلادنا مما جعل معظم الزائرين الذين يؤمون بلادنا سواء كانوا من الشرق ام من الغرب ، لا يخفون تعجبهم واعجابهم بما يرونه من معالم الحضارة الاصيلة التى هى حضارة بلادنا .

فشكرا للمؤلف على هذا العمل الجليل والى السفارة المغربية على هديتها اللطيفة - ( توزع الكتاب دار السلمى للنشر بالدار البيضاء )

* اصلاح التعليم في روسيا منذ ان طلع نبأ " السبوتنك " الروسى على العالم فى السنة الفارطة لا يزال رجال التعليم واساتذة التربية ينوهون بنظام التعليم وبفاعليته ونتائجه فى بلاد الشيوعية . وقد رددت الاخبار صدى الصدمة التى احدثها " السبوتنك " فى نفوس الامركان عامة والقائمين بشؤون التعليم هناك خاصة اذ افاقوا بغتة من سبات ثقتهم فى انفسهم وفي اساليب تربيتهم . لقد ادركوا بالخصوص ان الافراط فى الحرية الممنوحة للتلامذة فى اختيار مواد دراساتهم والتفريط فى حظ العلوم الصحيحة والرياضيات خطر على مستقبل البلاد وعامل تاخر وانحطاط

وكان يبدو ان روسيا حرية بان تفاخر غيرها من الامم بفعالية نظام التعليم في مدارسها وخصوصا في كلياتها حيث يفوق عدد الطلبة مجموع طلبة اربع دول اوروبية عظمى هي انقلترا وفرنسا والمانيا وايطاليا ، اى ٣٠ مليون فى المدارس واكثر من ٤ ملايين فى الجامعات والمعاهد العالية .

لقد كان يبدو ذلك الى ان ورد فى الصحف اليومية والاسبوعية فى الايام الاخيرة ان رئيس الحكومة الروسية والكاتب العام للحزب الشيوعي السد خروتشوف حرر تقريرا قاسيا في هذا النظام التعليمى الروسى الذى ينظر العالم الى نتائجه باعجاب.

ومما جاء في تلخيص مجلة " الاكسبريس " لهذا التقرير ان الاعتناء بالتعليم النظري وما يخوله من مناصب عليا جعل اولياء الطلبة ينظرون الى الاعمال اليدوية

والى الشغل عامة نظرة احتقار واشمئزاز ، الامر الذى نشأ عنه تكوين طبقة اجتماعية جديدة هى طبقة كبار الموظفين والمسؤولين تسعى سعيا الى ان ينشا ابناؤهم على شاكلتهم ، لا يلوثون ايديهم بالاشغال فى المعامل ، وهذا غريب فى بلاد الثورة الحمراء التى حرم فيها على ابناء الطبقات الارستقراطية ولوج ابواب التعليم العالى مدة سنوات كثيرة ، حتى لا يفوز بالمعرفة العالية الاجيل الثورة وابناء الشغالين الكادحين .

وظاهرة اخرى اثارت غضب " خروتشوف " هى ان هذا الاشمئزاز من الاعمال اليدوية دفع الطلبة الى الانخراط في اى قسم من الجامعة ولو من دون استعداد طبيعي للنجاح فيه ، مما يسبب فى انحطاط المستوى ويعطى للصدف الدور الاول فى اختيار المهنة .

ويضرب الرئيس السوفياتى مثالا فيذكر الدراسات الفلاحية التى يتلقاها الطالب الروسى فى " الاكادية العالية للفلاحة " التى تحمل اسم " تميزيازييف " يقول انها نظرية لا تعتمد على التطبيق ، يتخرج منها الطلبة فلا يفهمون شيئا من واقع الفلاحة ؛ ثم يشير الى التعليم الفلاحى العالى فى الدول الراسمالية قائلا : هناك نتعلم الطلبة وفى نفس الوقت يمارسون فنهم بالتطبيق

والعلاج - في راية - يتمثل في الرجوع الى ما قام به الثوريون غداة ثورة ١٩١٧ حيث انشأوا الجامعات العمالية بل نظموا فى جميع المعامل الكبرى دروسا مسائية رفعت مستوى والعمال كونتهم التكوين الصحيح فتخرج عدد عديد من والفنيين المهندسين الممتازين ، اليهم يرجع فضل القفزة الصناعية التى وفقت اليها بلادهم .

وختم " خروتشوف " تقريره معلنا انه من الآن فصاعدا سيتلقى جميع الاطفال دراساتهم الابتدائية لمدة سبع او ست سنوات ثم يوجهون الى المعمل او الضيعة الاشتراكية " الكلكوز " مهما كانت وظائف آبائهم وهناك يتاح لهم ان يواصلوا دراساتهم الى جانب عملهم اليومى

ورد سلفا على من يخشون انحطاط المستوى العام بقوله : " ان الشبان الذين هم فى الخامسة عشرة من عمرهم سيدخلون في دولاب الانتاج وسيقومون باعمال تناسب سنهم ومن واجب منظمات الحزب والنقابات ان يحرضوهم على

التعمق فى معلوماتهم العامة وذلك بالحضور فى الدروس المسائية ، ولو لم يكن لهم طموح في التعليم العالي . وبما انهم لا يوجد حد اقصى للسن فى قبول هؤلاء التلاميذ الى تلك الدروس فانه في امكانهم ان يستانفوا دراساتهم متى شاؤوا حتى بعد مرور بعض سنوات . ومهمة تشكيلات الحزب الشيوعى والنقابات هى اعانتهم وتوجيههم وانتخاب اخيارهم حتى لا تضيع اى ملكة او استعداد . ويكون النشاط السياسى والسلوك فى المعمل معيارا آخر لهذا الانتخاب " .

ان هذا الاصلاح - كما ترى - انقلاب حقيقي وان جميع الدول ستتبعه بكامل الاهتمام

* تعارفوا ... تعارفوا  عن الزميلة " الرسالة الجديدة " التى تصدر بالقاهرة فى عددها الرابع والخمسين ان دار الكتب افتتحت موسم ندواتها الثقافية بان قدمت برنامجا خاصا فى مكتبة الفن عن العراق ونظمت محاضرات عن الحياة الثقافية فى العراق ومن بين المتحدثين فى هذه الندوة الاستاذ مصطفى حسنين القاضى المصري الذي عاش هناك عشر سنوات وكان موضوع محاضرته : " العراق الحديث "

ومما جاء في كلمته قوله : " كان يؤلمني ان ارى اخواني في مصر لا يعرفون شيئا عن العراق فهم يتتبعون حركتنا الفكرية ويعرفون ادباءنا حتى غير اللامعين منهم . . ويتعصبون لهم وكانت الصحف والكتب المصرية ما تكاد تصل الى بغداد حتى تتلقفها الايدى ، فى الوقت الذي كنت ارى في بغداد علماء وادباء وكتابا من طراز ممتاز . . ارى رضا الشبيبي وجواد على وعلى الوردي وجعفر الخليل ومحمد مهدى الجواهرى وغيرهم . . ارى فنانين فيهم جوهر اصيل . كل هؤلاء يجب ان نعرفهم ، يجب ان يلتقى الفكر العربى بهم في كل مكان "

ونحن إذ ننقل لقراء " الفكر " هذه الجملة فلاننا نشعر في تونس بما يشعر به الادباء في العراق ، كما شهد بذلك الاستاذ مصطفى حسنين ، ونتألم من جهل ادباء مصر بواقع تونس الثقافي بينما نعرف هنا عنهم كل شئ ونلتهم انتاجهم التهاما . واذا كان الاستعمار في الماضى حائلا دون التعارف فما يمنع ادباء مصر من معرفة الادباء العرب . . بتونس والمغرب العربى ؟ . .

* سوق العراق وجاء في نفس العدد من نفس المجلة هذا النبأ الذي نكتفى بنقله : " اعادت اغلب دور النشر المصرية طبع الكتب التى صدرت في العامين الاخيرين بكميات هائلة وذلك بعد فتح سوق العراق امام الكتاب المصرى : ويتنبا بأن سوق العراق سوف يمتص الكثير من الانتاج المصري وتحل ازمة النشر ! " .

الشعر المنثور . . والنثر المشعور . . ألقى مندوب احدى المجلات المصرية على الشاعر صالح جودت هذا السؤال : قلت انك تهوى من الشعر موسيقاه . . فما رايك فى الشعر المنثور ؛ هل نعده نظما ذا قواعد واصول " ام ان له موسيقى خاصة لا دخل للوزن ولا للقافية فيها ؟

فأجاب الشاعر صالح جودت بقوله : الشعر المنثور يعتبر نثرا وليس شعرا ، واجمل منه ما تكتبه الاقلام الناثرة ذات الاخيلة اللطيفة والالفاظ الموسيقية كاسلوب احمد حسن الزيات مثلا . ورايى فى الشعر الجديد عموما انه لا يمت الى الشعر بصلة وان اصحابه يريدون اقحام انفسهم على الشعراء مع انعدام الموهبة الشعرية عندهم وعجزهم عن اداء موسيقى الشعر ، وصياغة المعانى الشعرية في الاطار المعروف الذي تتالف عناصره من موسيقى الوزن والقافية ولا شك ان اعترافنا بشيء كهذا يعد اجتراحا لقدسية الشعر ويفتح الباب على مصراعيه للفضوليين والمتطفلين على الشعر . . . .

وخير ما اسوقه في هذا الصدد ما قاله الاستاذ العقاد رئيس لجنة الشعر فى المجلس الاعلى للفنون والآداب حين جاؤا له بمجموعة كبيرة من هذا الشعر الجديد للنظر فى امر طبعها ، فوضعها جميعا فى ملف كتب عليه " يحول الى لجنة النثر للاختصاص " .

فما هو راي ادبائنا فى الموضوع ؟. .

الانتاج الفكري في الغرب في السنوات الخمس الاخيرة كان الانتاج الفكري فى فرنسا متقاربا كل سنة

اذ انه فى عام ١٩٥٣ صدر ١٠٠١٧ كتابا وفى ١١٥٧ صدر ١٠٣٦٤ كتابا و ١٠٦٢٢ عام ١٩٥٤ . وهكذا فان الانتاج فى فرنسا يكاد يدور حول العشرة آلاف كتاب فى السنة ، وهذه الكتب المطبوعة فى فرنسا ثلاثة انواع : الكتب المحررة بالفرنسية والكتب المترجمة الى الفرنسية والكتب المحررة بلغات اجنبية عن اللغة الفرنسية

وهذه الكتب الاخيرة نجدها محررة بالانقليزية ( ٥٥ كتابا ) والالمانية ( ٤٨ كتابا ) والأسبانية ( ١٧ ) والايطالية ( ١٥ ) والعربية ( كتاب واحد ) الخ . .

اما الكتب المترجمة الى الفرنسية فهي تناهز الاربعامائة بالنسبة للكتب التي  اصلها انقليزي و ٣٥٨ كتابا باللغة الامريكية و ١٧٩ بالالمانية وتسعة كتب بالعربية الى غير ذلك من الكتب المترجمة عن الايطالية والروسية والاسبانية واليونانية والهندية والمجرية .

اما بقية الكتب فهى محررة بالفرنسية .  هذا بالنسبة للانتاج الفكري بفرنسا فاذا قارناه بالبلدان الغريبة الاخرى نجد فى المقدمة عام ١٩٥٧ بريطاننا العظمى ( ٢٠٧١٩ ) ثم المانيا الفدرالية ( ١٧٢١٥ ) وبعدها الولايات المتحدة الامريكية ( ١٣١٤٢ ) وايطاليا (١٣١٢١ ) وفرنسا ( ١١٩١٧ ) وهولندا ( ٧٢٩٤ ) ثم النمسا ( ٤٣٤٧ ) ثم سويسرا ( ٤٢١٦ ) واخيرا بلجيكيا ( ٣٤٦٩ )

خصصت مجلة " العصور الحديثة " فى عددها الصادر فى اكتوبر ١٩٥٨ جل مقالاتها فى التحدث عن المظاهر الجديدة التى اصطبغ بها المجتمع الامريكى فى الولايات المتحدة وقد أكدت هاته المقالات ما يتصف به الامريكانى من الغرابة فى هذا القرن الذى كثرت فيه الاختراعات وسيطر العلم على كل الميادين واصبح الفرد مغلولا مقيدا بشتى العوامل . وبذاك صار الامريكى لا يبحث الا عن اللهو فى اوقات فراغه وبصفة اوضح ينشد " قتل الوقت " فيقتله الوقت كما قال " هاق " فى مقال عن الثقافة الشعبية الامريكية . وكذلك مجلة " اسبرى " فانها خصصت عدد هذا الشهر لامريكا اللاطينية . فاتفقت هاتان المجلتان على الالتفات الى العالم الجديد

* مذكرات " سيمون دي بوفوار " Simone de Beauvoir كاتبة مشهورة معروفة بقصصها وببحثها المدقق المرتكز  على معطيات علمية في المرأة من يوم نشوئها إلى الاطوار التى تمر بها فى حياتها المليئة عبودية وقهرا كما تقول الكاتبة . وفي هذه المذكرات قصت الكاتبة البارعة حياتها يوم

كانت طفلة " تنظر وتجس وتتعلم الشئ الكثير عن العالم فى رعاية غيرها " ويوم ان اصبحت تفكر فى الله وتقول فى نفسها " ان الذى يقلقها هو ان الله يحرم كثيرا من الاشياء ، لكنه لا يطلب شيئا ايجابيا الا بعض الصلوات وبعض الاعمال التى لا تغير شيئا من سير الايام " ويوم ان اعتقدت ان " الفلسفة لم تفتح لها لا السماء ولا مكنتها من الارض " اصبحت " لا تطبق الضجر لانه سرعان ما ينقلب الى الحيرة والقلق لذلك ( فهى ) تكره الفراغ " لكنها عندما تاقت الى العمل الخلاق وجدت نفسها ازاء نوع من العمل زائف فكرهته اذ " تحققت ان كل منفذ لما يمليه عليه غيره لا ينتج ولا يخلق شيئا وانما يتوهم او يوهم انه ينتج ويخلق ، اما الخلق فهو امر آخر ولذلك ( فهى تسر عندما ترى شيئا جديدا يخلق فى هذا العالم " وهكذا تتغلب " دي بوفوار " على القلق بالعمل وبالخلق الادبى ثم هى تتحرر مما فرضه عليها المجتمع ككل النساء قد كبلها وعلمها اشياء لتكون طبعة منقادة الى الرجل ، تحررت هى من كل ذلك واصبحت تؤمن بان لا احد يمكن له ان يكيف مصيرها ويفرض عليها قيودا . لذاك فان هذه الكاتبة تعد من النساء اللاتى تحررن لا بمقتضى ثورة عامة او نتيجة لانقلاب فى المجتمع كما هو الشأن بالنسبة للمرأة الامريكة بل تحررها هو ثمرة كفاح فردي دؤوب مستميت وتفكير صاحبه الجهد والتعب . فهى الى جانب " ألبا دي سبديس " الكاتبة والقصاصة الايطالة المعروفة Alba de Cespedes تمثل المرأة المكافحة في سبيل حريتها

مولد التحرير اهدانا الشاعر منور صمادح نسخة من ديوانه الجديد " مولد التحرير " وهو الكتاب السادس الذي ينشره هذا الشاعر الثائر فى مدى اربع سنوات ، فقد نشر ديوانه الاول " الفردوس المغتصب " عام ١٩٥٤ وفي نفس العام نشر ديوانه الثاني " فجر الحياة " الذي حجرته السلطات الاستعمارية ثم مستمر فيضه المبارك يتدفق

ونحن الان نكتفى بشكر صديقنا الاديب الشب على هديته القيمة ، ونضاعف له الثناء على نشاطه واقدامه على مد الحركة الادبية التونسية بهذا الغذاء الفكري الشهى الذي تتلهف عليه فقام مقام الف شاعر عندنا قضوا اعمارهم فى عمل " الاستخارات " عن نشر كتبهم ودواوينهم بينما حركة التاليف والنشر فى بلادنا تشكو الجفاف والجدب والضمأ .