. ذكريات الجلاء
بمناسبة زيارة السيد رئيس الجمهورية لبعض مدن الساحل في الأسابع الاخيرة تقدم له الاستاذ الفاضل والاديب الكبير محمد الهادى العامرى بمخطوط قيم أهداه اياه آثر المادية التى تراسها فخامته بمدينة المكنين وتلا عليه المقدمة الطريقة التى أعجب بها كل الحاضرين .
أما عنوان الكتاب فهو " ذكريات الجلاء " وفيه دراسات ضافية عن الابطال الذين حرروا هذا الوطن هن ربقة الاحتلال والظلم وعلى رأسهم الرئيس الحبيب بورقيبة الذى كافح اكثر من ثلاثين سنة لتخليص هذه البلاد من خطر الفرنسية ولارجاع حريتها واستقلالها .
بارك الله فى جهود العاملين واخذ بيدهم ليواصلوا جهادهم .
. الدين مع العلم والإخلاق
بمناسبة ليلة السابع والعشرين من رمضان المعظم القى الشيخ الاستاذ الفاضل بن عاشور عميد كلية الشريعة واصول الدين ومفتى الديار التونسية محاضرة بالمسرح البلدى حضرها السيد رئيس الجمهورية وثلة من رجال الدين والعلم والسياسة وحلل فيها مفهوم الدين وكيف انه لا يتنافى بل يشجع العلم وكيف انه يدعو الى الاخلاق الانسانية مما يحقق سعادة الافراد والجماعات .
وقد قدم المحاضر السيد كاتب الدولة للتربية القومية الاستاذ محمود المسعدى بكلمة بليغة جاء فيها :
لتسمحوا لي ان اقدم ببعض الكلمات للمحاضرة التى سيلقيها بعد لحظات بين ايديكم الاستاذ الفاضل بن عاشور عميد كلية الشريعة واصول الدين احياء لليلة القدر من شهر رمضان المبارك
ذلك أن الصبغة الجديدة التى يكتسبها ابتداء من هذه السنة بهدى من فخامة الرئيس احياء هذه الليلة المباركة السعيدة لحرية بان يوضح ما تتم عليه من ارادة بعث وتجديد لسنة من سنن الحياة الدينية وتحويل لمجرى من مجارى الحياة الفكرية فى هذه البلاد وما اصبحت تنطوي عليه من معان سامية بعد ان امر فخامته بأن لا تستمر اقامة اختام الحديث الشريف في رمضان - وخاصة ختم ليلة السابع والعشرين على الطريقة العتيقة التى جمدتها الاحقاب وصرتها ما التقاليد الفاقدة للروح المحصورة النطاق الخالية من الاشعاء .
ولا غرو فانكم - يافخامة الرئيس - لا تزالون تقيمون الادلة المتجددة على انكم جعلتم للرئاسة التى تضطلعون بها معني الامانة فى مفهومها الاصيل الكامل الشامل فتوحيهاتكم وعنايتكم لم تتجه الى المسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية دون غيرها بل شملت كذلك الناحية الاخلاقية والناحية الروحية من حياة الامة . وقد سرتم فى هذا الصدد على منهاج الايمة المجددين المجتهدين واردتم ان يقوم بعث المجتمع الافضل الذى جعلتموه هدفا - للاشتراكية الدستورية - على أساس التوفيق بين مقتضيات الناحية الفنية والصناعية والاقتصادية والاجتماعية من المدنية الحديثة بين الناحية الدينية والاخلاقية التى هى خلاصة الجوهر الثابت الباقى من تراثنا الحضرى العربى الاسلامي .
فبينتم بذلك مدى تعلقكم بمبدأ التوازن الذي حاء به الاسلام بين القيم الروحية المتجاوزة لحدود الزمان والمكان وبين الحياة العملية الانشائية التى لا تكون بدونها مدنية بشرية .
وقد لاحظتم أن من بين مظاهر تخلفنا تخلفا فى الحياة الدينية اقعد ديننا الاسلام عن الثبات فى عصرنا الحاضر كمقوم ناجع من مقومات وجودنا الفعلى وكسبب من اسباب مناعة المجتمع الافضل الذى نصبو اليه .
ولعل سبب ذلك يرجع فيما يرجع الى ان عصور الانحطاط والجمود قد قضت على الدين بان يحرم نفسه ويحرم المجتمع فى امكانيات الاجتهاد الخصبة من ناحية وبأن ينزوى من ناحية اخرى حتى يجد نفسه غريبا عن الحياة الواقعية للبشر حتى تلاشت شيئا فشيئا صلته يخضم الحياة الانسانية الزاخرة بمشاكل البشر والتجأت مظاهر النشاط الديني الى عقر المساجد وأصبحت كانها مقصورة على المصليات والمعابد او زوايا الطرق الصوفية المزيفة بينما يشهد التاريخ ان المسجد نفسه لم يكن فى صدر الاسلام بمعزل عن حياة الامة بل كان قلب المدينة النابض ومركز حياتها العامة وملتقى الجمهور من آلامة مثله فى ذلك مثل (الفوروم) في المدينة الرومانية وكانت تبلغ صلته بالحياة العامة الى درجة ان بعض المعاملات الاقتصادية من بيع وشراء كانت تجرى احيانا فى رحاب المسجد نفسه .
ولئن قضى رقى المجتمع الانسانى والتطور التاريخي المحتوم على مثل هذا المشكل البدائى البسيط من الاتصال المباشر بين الحياة الدينية والحياة الدنيوية فان العبرة من ذلك باقية والمبدأ قائم الا وهو ان الاسلام قد جعل من الدين عنصرا ملازما للحياة العامة متصلا بها اتصالا مباشرا .
وتلك الصلة الواجبة هى التى تفرض على الدين ان يخرج من عزلته في المعابد والمصليات وان يتخلص من جموده فى الاذكار وروايات وان يسترجع مكانته فى الحياة الشاملة حتى يجد نفسه فى مقامه دون تحرج اذ هو : اختار لمظاهر نشاطه مواطن غير المساجد أو الزوايا وخرج الى العصر ولابس فى المجتمع انواع النشاط الحيوى الاخرى وأشع من نوره على مشاكل الساعة وساهم بقسطه فى تكييف الاصلح لمصير آلامة .
وهذا الذى لا تزالون - يا فخامة الرئيس - تشيرون به وتهدون اليه حتى ينطلق الدين من الجمود والانزواء الى الاجتهاد والاشعاع وحتى يسترد مكانته من الحياة الروحية - من حياة هذه الامة - على انه احد مقومات وجودها الاصلية واحد عوامل رقيها يمثل فيها الجانب الروحى من نهضتها الشاملة .
وعلى ضوء هذه التوجيهات السامية من قبلكم والنظرة البعيدة فى المصير الافضل للامة التى هى نظرتكم قام التنظيم الجديد - للكلية الزيتونية للشريعة واصول الدين - حين اصبحت العلوم الدينية تدرس وتدرس فى النطاق الجامعى الحديث على صعيد واحد مع العلوم الاقتصادية والعلوم السياسية والعلوم الصحيحة والفنون والهندسة وحين اوكل - للكلية الزيتونية الجديدة ان تصبح مركزا لاشعاع التفكير الاسلامى الحقيقى وتخرج فى المستوى العالى وعلى المعنى العلمي الصحيح نخبة من علماء الاسلام العصرى الحى نخبة يكونون من المجددين القادرين على ان يردوا للقيم الروحية والتفكير الديني مكانهما وتأثيرهما الفعال فى تطوير حياة الامة وعلى ان ينموها فى مجابهة مشاكل الانسان فى نطاق المدنية الحديثة وهي متسلحة لذلك بالقيم الاخلاقية - قيم الدين المتجدد - بتجدد الحياة القادر على القيام بدوره الانشائي المخصب في خلق حضارة عربية اسلامية جديدة عصرية واصيلة .
وفي نطاق نظرتكم هذه البعيدة الى ما يبغى ان يكون للدين وقيمه الروحية الباقية من تاثير فى تطور الامة وملابسة لحياتها الواقعية تعلقت همتكم - يا فخامة الرئيس - بالاشراف على هذا
الحفل وبالاستماع الى هذه المحاضرة الدينية الرمضانية التى جاءت مجددة للسنة سواء في موضوعها المتصل بمشاكل الحاضر او فى مكان القائها المكتظ بنخبة وفيرة من جميع عناصر الامة
ولكم فى الختام يا فخامة الرئيس على ما اوليتم من التوجيه والتجديد ومن التشريف بالحضور والاستماع اصدق عبارات الشكر والامتنان .
* ندوة في مسألة الإخلاق
نظمت شعبة آلاساتذة يوم الثلاثاء 4 فيفرى ندوة اخلاقية تحت شعار (بعثت لاتمم مكارم الاخلاق ) فى دار الثقافة بالعاصمة . وشارك فى هاته الندوة السيدة راضية الحداد والسادة محمد بن عمارة والهادى البكوش ومحجوب بن ميلاد والمنجى الشملى والحبيب الشاوش وطرق المشاركون جوانب متعددة من هذا الموضوع وتعرضوا الى المسائل الاخلاقية عموما والقضايا الاخلاقية في المجتمع التونسي ووسائل غرس المفاهيم والقيم الاخلاقية السامية .
وانتظمت حلقة ثانية بدار المسرح يوم الخميس 20 فيفرى 1964 شارك فيها السادة محمد مزالي والشاذلى الفيتورى وعبد المجيد عطية وعبد الوهاب بوحديبة والسيدة فاطمة الحداد .
. مرحبا بالرسم النسائى
تم يوم الاثنين 3 فيفرى بالنادى القومى النسائى تدشين معرض للرسم بحضور عدد كبير من المسؤولين والسلك الديلوماسى . والقت بهاته المناسبة السيد فتحية مزالى رئيسة النادى كلمة جاء فيها : " ينظم للمرة الاولى معرض نسائى للرسم ولم يطلب من المشاركات تقديم لوحات حول موضوع معين ، والآن وبعد نجاح هذا المعرض وتأكد امكانية مساهمة المرأة في تطوره سنحدد فى الفرصة القادمة موضوع العرض .
ورغم تباين وجهات المشاركات ووجود من تعرض لاول مرة فقد كان مستواهن حسنا ومنهن من هى على جانب كبير من البراعة والدقة والذوق السليم . ومما يذكر ان نبيلة بحرى نجحت فى اختيار الالوان فى لوحتها " الدقازة " كما تعبر السيدة الكافي في لوحتها " العذارى " عن احساسات شخصية صادقة وكذلك مريم عزرية فى " الزوجان " ونعيمة مالوش فى " الطبيعة الخالدة " . وهذا ما يبشر بنهضة ثقافية وفنية فى اوساطنا النسائية .
* ان بعض " الفن " جنون
بينما تعمل كتابة الدولة للشؤون الثقافية والارشاد على رفع مستوى الفنون الشعبية وتهذيبها حتى تصبح مشرفة لبلادنا وعاملة على تهذيب ذوق شبابنا نرى فى شهر رمضان بعض صالات " الطرب " فى باب سويقة تحيي سهرات فنية توصف (بالشعبية ) فى حين انها لا تمثل سوى انحطاط فى الاخلاق بما تقدمه من رقصات ارتجالية ماجنة وخليعة احيانا مثيرة بذلك غرائز الفتيان والشبان المتهافتين عليها بشجعهم الثمن الزهيد المطلوب للحصة .
ولا يتزاحم المتفرجون من أجل الوصلة من الغناء المشحوذ نشازا والمقدم بأصوات بعيدة كل البعد عن الطرب بل لمشاهدة الحركات الخليعة بينما تتعالى أصوات الشبان من كل جوانب الصالة مخاطبة الراقصة بعبارات لا احتشام فيها ولا حياء متلفظة ببذاءة القول وزيف الكلام .
وحفظا لمكارم الاخلاق وصيانة للفن الشعبي البرئ فاننا نهيب بمن لهم النظر بان يشددوا المراقبة الصارمة على هذه الرقصات فى الصالات المذكورة .
* تجربة حول حظ التربية البدنية والرياضية من برنامج التعليم
القي على منبر ادارة الشباب والرباضة السيد " هوقي " المتفقد العام بكتابة الدولة للشباب
والرياضة بفرنسا محاضرة يوم الاثنين 3 فيفرى بدار المسرح حول التجربة الفرنسية المتمثلة فى اعطاء حظ اوفر للتربية البدنية والرياضية من برنامج التعليم . والغرض من هاته التجربة . التنقيص من الساعات المخصصة للتعليم مع احترام البرنامج الرسمي واعطاء الحركات البدنية جانبا اوفر من الوقت ، فيمكن بذلك تنمية الجسم تنمية احسن وبالتالى الحصول على انتاج فكرى أكبر .
ثم شرح السيد " هوقي التجربة متحدثا عن النظام التطبيقى ووسائل العمل وجدول اوقات القسم التجريبى (19 ساعة ونصف للمواد الفكرية و 17 ساعة ونصف للنشاط البدني و 4 ساعات للمراجعة ) فكانت نتيجة التجربة :
1 ) من الناحية البدنية : تقوية العضلات وامتداد القامة واتساع الصدر وتحسين الجهاز الهضمى .
2 ) من الناحية الرياضية : نتائج حسنة للغاية 3 ) من الناحية الطبية : انعدام الامراض الصغيرة وبالتالى قلة الغياب . 4 ) من الناحية المدرسية : نجاح فى امتحان الشهادة الابتدائية بنسبة %93 5 ) من الناحية النفسية والاخلاقية فى القسم : انتباه اكثر ، سرعة الادراك ، مزيد من الصداقة بين الاطفال ؛ ثقة فى النفس ، بالمنزل : نشاط وحماس وانقياد وحسن المعاشرة .
وهكذا تتأكد الفكرة القائلة بأن التنقيص من اختلال التوازن الموجود بين النشاط البدني والعمل الفكرى يمكن من الحصول على انتاج تربوى احسن .
وبعد ان تحدث السيد هوقى عن اتساع رقعة التجربة الفرنسية ونتائجها الايجابية واصل متحدثا عن مصير التربية البدنية في تونس بعد الاتصالات والزيارات التى اجراها فقال : لقد بهرت بالمجهود المشكور الذى يقوم به المسؤولون التونسيون في هذا النطاق وتنبأ بجيل جديد قوى البدن قوى الفكر قادر على مواجهة الحياة .
واستدل السيد هوقى فى حديثه على اهتمام تونس بالتربية البدنية بخطاب فخامة الرئيس الذي القاهرة يوم 28 جويلية 1962 والذي خصصه لهذا الموضوع .
* الاديب فوزى الميلادى
بقوم الاديب فوزى عبد القادر الميلادى باعداد دراسة عن " القصة والمسرحية في شمال افريقية " بعد ان فرغ من كتابه الاخير " ادباء من شمال افريقيا ، وهو يرجو من ادباء الجمهورية التونسيا الذين لهم انتاج ادبي منشور ان يتفضلوا بموافاته بمؤلفاتهم بالبريد الجوى على العنوان التالي : المنزل رقم 26 طريق 26 يوليو الاسكندرية - الجمهورية العربية المتحدة
* ماوتسى تونغ والسياسة والشعر ! ...
صدرت الصحف الصينية اخيرا وليس فى صفحاتها الاولى اى خبر سياسي ، بل مجموعة من القصائد الجديدة التى نظمها الزعيم الصينى ماوتسي تونغ ،
يقول فى احدى القصائد :
" أمام الجدران بضعة ذبابات
تهمهم بالطنين ، والاصوات الضعيفة
والنواح الحزين ..
وعلى شجرة كبيرة ..
تزحف بعض النمال "
ويعتقد بعض الناقدين ان الشاعر يشير الى محاولات القادة الشيوعيين المناوئين لسياسة الصين ويصفها بالعقم ، فهم كطنين الذباب امام الجدار الكبير ، فلا هم قادرون على اختراقه ؛ و على هدمه ، أو تغيير حقيقته .
ويقول فى قصيدة اخرى :
الهواء الساخن يحبس الانفاس
عبر الارض الواسعة . .
ولكن الابطال وحدهم ،
يسوقون : لنمور والاسود ،
الى البعيد . .
والرجال الانيقون المخنثون
هم الذين يخافون الديبة "
والرمز فى هذه القصيدة اكثر وضوحا . فلعله يقصد ان "الدب" خروتشوف يخشى " النمر الامريكى " ؟ وعلى كل فقد علق خروتشوف على هذه القصائد بقوله :
" لو ان "هاو" استمر فى نظم الشعر وترك السياسة لافاد الادب والسياسة معا " .
* طه حسين يدلى برأيه فى بعض القضايا
جاء فى جريدة " الاخبار " المصرية :
قال عميد الادب العربى رأيه بصراحة و "باخلاص" فى عدد كبير من القضايا العلمية والفنية المعاصرة . ! فتح طه حسين النار فى اكثر من جبهة ، هاجم التعليم الجامعي قائلا انه أصبح ضحل . هاجم التعليم الازهرى قائلا انه اصبح سطحيا . ! هاجم الموسيقى العربية قائلا انه لم يسمع منها شيئا منذ قصائد ابو زيد الهلالى التى كان يسمعها فى الارياف . . ! هاجم التليفزيون والاذاعة قائلا انهما من الوسائل الجماهيرية ولكنهما لا تقدمان الثقافة للخاصة . . !
هاجم المسرح قائلا : انه لا يشاهد مسرحيات الا عندما يسافر للخارج . .! هاجم الادباء الشبان الجدد قائلا انه لا يقرأ لهم الا ما يرسلونه لكي يعلق عليه ولكنه يحده ضحلا لا يستحق التعليق ..! واخيرا فتح النار على زميله العملاق توفيق الحكيم قائلا : انه يحب ( التقاليع) وان مسرح " اللامعقول " الذي اتجه اليه غير مفهوم ولا يبعث حتى على الضحك .!
ان طه حسين عندما يناقش هذه القضايا الهامة فانه يتحدث ومن خلفه تجربة ثقافية عمرها 75 عاما . . وعمقها ليس له حدود !
رأى توفيق الحكيم :
ولما سئل توفيق الحكيم عن رأيه فيما قاله طه اجاب بقوله : ان اعظم تحية يمكن ان يؤديها قارئ لى هى ان يقول لى انه لم يفهم مسرحية (يا طالع الشجرة ) فانا شخصيا لا افهمها .. وطه حسين اديب عظيم وصديق ومفكر جاد فاذا قال انه لم يفهم هذه المسرحية ، فانا اقف الى جواره ، انضم اليه لاننى شخصيا اواجه الغازا ومشاكل لا اجد لها اى حل ولا اجد نفسي قادرا على فهمها لانها فوق العقل . . او ان العقل ليس هو الاداة الوحيدة القادرة على فهم الكون ، ولا الاداة القادرة على معرفة الحل لهذه الالغاز . .
* توفيق الحكيم .. فى دار الثقافة .. بالفرنسية !
طالعنا فى الصحف اليومية - لان مجلتنا لم يقع دعوتها كالعادة ! - ان الاستاذ حمادى بن حليمة ، المبرز فى الاداب العربية ألقى على منبر دار الثقافة محاضرة حول " توفيق الحكيم الكاتب المسرحى " باللغة الفرنسية واذ لا يمكن أن نتصور ان الاستاذ ابن حليمة هو الذي آثر التكلم بالفرنسية وهو الذى قدر قراؤنا الكرام قيمته وأسلوبه الراقي في المقالات الشيقة التى نشرها فى مجلة " الفكر " بالذات ، فاننا نتساءل لماذا تتجه دار الثقافة (. . القومية ؟ ) هذا الاتجاه ؟ فانه اذا كان من المستحسن بل من الضرورى افساح المجال للاجانب الضيوف وحتي للتونسيين العاجزين عن التكلم بالعربية الفصيحة - وهم مع الاسف كثيرون خاصة في ميدان العلوم والفنون ، نتيجة للسياسة الاستعمارية التى كانت ترمي الى قتل العربية وتحمييدها وايهام ابناء الوطن بأن لغة الحياة انما هى لغة . . الاسياد ! - القاء محاضراتهم واسمارهم باللغة العربية التى يحذقونها فاننا لا نفهم لماذا يطلب من حمادى بن حليمة ان يحاضر بالفرنسية ؟ لا نظن اننا بذلك نمهد الى عهد . . سعيد للثقافة العربية في هذه الديار !
* الادب العربى . . وهل يصبح ادبا عالميا ؟
لا ريب فى ان الادب العربى قد خطا فى الآونة الاخيرة خطوة جبارة نحو السمو والابداع . وحين اذكر الادب العربى ، أعنى به على وجه اخص ما يصدر في لبنان ومصر ، فقد استطاع بعض الادباء اللبنانيين والمصريين ان يقدموا لنا فى ربع القرن الاخير ادبا اتصف بدقة التعبير وقوة الفكرة وجمال الاسلوب ، فاستطاع بعض هذا الادب ان يخرج من نطاقه الضيق ، وان يترجم الى اللغات الاوروبية . ومن الادباء المصريين الذين ترجمت آثارهم الى الاجنبية الاساتذة طه حسين وتوفيق الحكيم ومحمود تيمور . ومن الادباء اللبنانيين ترجم للاساتذة سعيد تقي الدين وميخائيل نعيمة وتوفيق ويوسف عواد . كما ترجمت بعض روايات الروائى السوري الدكتور شكيب الجابرى
وهناك ادباء آخرون نقلت لهم كتب ومقطوعات ، اخذ كتاب الغرب يلمسون فيها شيئا يستحق المطالعة و الالتفات .
هذه خطوة أولى يخطوها الادب العربى الحديث نحو عالميته ، التى اخذ يتطلع اليها في شوق وحسرة . وهنا لابد لنا من ان نتساءل .
امن الممكن ان يصبح الادب العربى ادبا عالميا ، يترجم الى جميع اللغات ، وتتذوقه جميع الامم ، كما هو شان سائر الآداب الاخرى ؟ للأجابة على هذا السؤال لابد لنا من أن نلقى نظرة على ماضينا الادبي ، كى ناخذ منه عبرة للمستقبل .
فى خلال الف وربعمائة سنة أو تزيد ، ترك العرب تراثا ادبيا غزيرا ، يبدأ ولا يكاد ينتهى لكثرته . ومع ذلك فما الذى ترجم من هذا التراث ؟ أغلب الظن ان ما ترحم من هذا الترار - اذا استثنينا التراث العلمي والفلسفي - لا يكاد يزيد عدده على عدد أصابع اليد الواحد اذكر منها القرآن الكريم الذي ترجمته التاريخية والدينية ، والف ليلة وليلة وكليلة ودهنه ، والكتابان الاخيران ، كما هو معلوم ، ليسا من وضعنا ؛ بل مما نقلناه فيبقى وضاع الاصل وهناك مقطوعات ومنتخبات وكتب ترجمت الى اللغات الاجنبية ، نقلها المستشرقون إلى الانكليزية والالمانية والروسية ، وبعض اللغات الاجنبية الاخرى . . نقلت الى هذه اللغان كنماذج من الثقافة العربية والادب العربى . وأغلب الظن ان جهد المستشرقين الذين نقلوا هذه الآثار ذهب ادراج الرياح ، لانها ظلت فى زوايا بعض المكتبات الخاصة لم يتناولها حمهور . و يقبل عليها قارئ . واذا اتيح لها من يطالعها فانه لا يفيد منها شيئا ، لانه لا يتذوقها ، ولهذا لم يحصل ادبنا على الفائدة المرجوة ، ولم يلق الرواج عند اهم الغرب .
هذا اهم ما ترجم من ادبنا إلى ادب الغرب في الماضي . ولكن لماذا لم تترجم دواوين الشعراء التى ملات المكتبة العربية ؟ ولماذا لم تترجم رسائل عبد الحميد الكاتب وابن المقفع
وابن زيدون ؟ لماذا لم يقع اختيار المترجمين على هذا التراث ، ووقع على الف ليلة وليلة وكليلة ودمنة ؟
الرأى عندى ان هذين الكتابين اقرب الى روح الفن من سائر ما تركه الاقدمون من تراث . فالشعر العربى ورسائل ابن المقفع وابن زيدون وعبد الحميد الكاتب وغيرها من الآثار ، تكاد تكون ادبا لفظيا ، لا يبدو جماله ، ولا تتجلى روعته وسحره الا في لغته الاصلية ، فاذا ما تجاوزها فقد ميزاته فاسف وسقط . وهذا الادب عد ابتعاده عن روح الفن ، بعيد عن قوة الفكرة وجمالها وتنوعها ، وهو ادب رتيب ، ذو نغم واحد ، لا يشعر بجماله ولا يتذوقه الا العربى فى لغته العربية .
ولنحاول نحن ان نترجم شيئا من مديح المتنبى لسيف الدولة ، أو ابياتا من فخر عمرو بن كلثوم بقبيلته وقومه ، او غير ذلك من الشعر ، ولنقراه مترجما الى لغة اجنبية ، فهل نشعر باللوعة التى نحسها ونحن نطالعه بالعربية ؟ وهل نجد له وقعا يهزنا ، كما لو قراناه في احدى لغات الغرب ؟ والجواب سلبى دون ريب .
هذا موقفنا نحن الذين قرأناه وتذوقناه من قبل بالعربية . . ترى اية لذة يجدها الغربي ، إذا ما اتيح له ان يقرأ هذا الادب مترجما ؟ بل هل يجد الغربى الآن بعض الهزة والروعة التى نشعر بها نحن حين نسمع القرآن الكريم نفسه بلغته التى انزل فيها ؟
اذن فما ظلمنا الاوروبى حين اعرض عن ادبنا وترجم آثار هوميروس وسوفوكليس وغيرهما من ادباء اليونان الاقدمين .
نعود الى حاضرنا لننظر فى الآثار التى تترجم الى اللغات الاجنبية . فاما آثار توفيق الحكيم فلا شك انها آثار عالية ، لا تقل فى بعض الاحيان عما نطالعه لاندريه جيد مثلا من كتب ومؤلفات وكتب توفيق الحكيم التى ترجمت هي : عودة الروح ، شهرزاد ، اهل الكهف ، يوميات نائب في الارياف وغيرها . . وقد قرات هذه الآثار كلها ، وأشهد انها آثار قوية فى فكرتها ، رائعة فى فنها وحوارها وسبكها .
وما نقوله عن توفيق الحكيم نقوله عن طه حسين ومحمود تيمور ، فكتاب الايام لطه حسين قصة حياة تنبض بالقوة والابداع . وكذلك قصص تيمور ، لا تقل فى بعض الاحيان عن قصص موباسان الذي احبه الغرب والشرق على السواء . من هنا نجد ان الادب الذي يطمح ان يكون ادبا عالميا يجب ان يكون متصفا بكل عناصر القوة ، والروعة ، التى تؤهله لان يتبوا هذا المنصب الرفيع .
فهل نستطيع أن نجعل من ادبنا ادبا عالميا يقراه الشرقي والغربي على السواء ؟ ان هذا متوقف على ادبائنا انفسهم ، ومدى موهبتهم وثقافتهم .
اعتاد الاديب العربى فى بلادنا ، واعني البلاد العربية قاطبة ، ان يبدأ بالنشر عندما يجد في نفسه المقدرة على نظم بيت من الشعر - وان كان محطم الاوزان ، أو انشاء السطور ، ولو كانت سخيفة - في شكوى الحب والغرام .. وعوضا من ان يقابل هذا النتاج بالتخريف والقذف به في سلة المهملات ، يتاح له فى بعض الاحيان من يتوسط له لينشر على الناس . وتتكرر الكتابة وتتكرر الوساطة . وبعد شهور قليلة يمسى صاحبنا اديبا كبيرا ، وهو لا يملك فكرة يؤديها ، ولا رايا سليما يدافع عنه . وما زاده وعتاده فى الادب سوى مطالعات فارغة في كتب رخيصة ، وصحف مبتذلة ، لم تنشا الا لتزجية الوقت ومحاربة الثقافة الصحيحة .
هكذا يعيش كثير من الادباء ، وهكذا ينشاون . ولو اتيح لهم من يتعهدهم من كبار الادباء ويأخذ بيدهم ويقدم لهم النصح والارشاد ، لقسا عليهم ، ولقذف بوجوههم بهذا النتاج
الرخيص ، بدلا من التوسط لنشره ولفعل معهم كما فعل الروائى الفرنسي " غوستاف فلوبير " مع تلميذه " موباسان " :
يحدثنا رونيه دومسنيل فى كتابه " غى دو موباسان " فيقول ان موباسان تتلمذ على فلوبير مدة سبع سنوات لقنه خلالها اصول الفن الحديث وقواعده العلمية الصحيحة . حتى ان موباسان كتب بعد ذلك يقول : لقد اشتغلت مع فلوبير مدة سبع سنوات لم انشر خلالها سطرا . وفي غضون هذه السنوات السبع اعطاني معلومات ادبية لم احصل عليها بعد اربعين سنة من التجارب ، لقد أخذ فلوبير بيد تلميذه وراضه على الكتابة والاجادة ، وكان طوال هذه المدة يقرا نتاج التلميذ فينقده ، ثم يقذف به الى النار ، ويقدم له النصح والارشاد . . الى ان استطاع صاحب " مدام بوفارى " ان يجعل من تلميذه اديبا يفتخر به العالم أجمع .
وكذلك يحدثنا توفيق الحكيم فى كتابه " زهرة العمر " عن نشاته ومزاولته الادب فيقول : انه لما احس بميله الى الادب آوي الى مكتبه في الغرفة ذات الرقم 48 بشارع بلبور فى باريس بقرأ ويقرأ . . حتى قرأ كل شئ . . قرأ آداب الامم كلها وفلسفتها وفنونها ، دون ان يترا في فروع المعرفة ، لانه يعتقد ان الادب في هذا العصر يجب ان يكون " موسوعيا " حتى العلوم والفنون الم باهم نتائجها كالهندسة والطبيعة والفلك وعلم النفس . وقر عدا ذلك كله - في المسرحبة " المكتبة المسرحية " كلها وكان يتردد عليها كل يوم . . الى ان التفت صاحب المكتبة ذات مرة فلم يجده ، فحانت منه التفاقة الى السقف فرآه لاصقا فيه البحث فى الصف الاخير من المكتبة عما تبقى فيها من مسرحيات ..
هذه هي قصة توفيق الحكيم - الكاتب المسرحي الاول فى الادب العربى المعاصر - وتلك هي
قصة موباسان - الكاتب الاقصوصي الاول فى العالم - وامثال هذين الاديبين فى العالم كثير ضحوا من أجل فنهم بكل شئ ، الى ان رفعهم الفن الى الاوج .
فان في ادبائنا الموهوبين من ضحى تضحية توفيق الحكيم وصبر صبر موباسان ؟ ان المطالعة المنظمة تسمو بالاديب الموهوب كل يوم درجة ، الى ان يمسى وقد صار فى الادب ركنا من اركانه ، او دعامة ذات شأن فيه .
ان ادباءنا محتاجون الى المطالعة المنظمة المجدية ، والى الثقافة الواسعة الشاملة التى لا تترك لونا من ألوان المعرفة دون ان تلم به وتطلع عليه ، يحتاجون الى المرونة الفكرية، والفهم الحسن ، والهضم الجيد لما يطالعون ، ويحتاجون بالتالي للتخلص من العقلية الرجعية التى تحرم على الكثيرين الاطلاع على تراث الغرب والاشادة به ، والدعاية له .
ان ادب الغرب الذي يحاربه كثيرون ، داعين الى التمسك بالتراث العربي القديم وحده وحده . فان هذا الادب قد سما بالنفس الانسانية وارهف حسها ، وجعلها اكثر فهما لحقائق المجتمع . ان اطلاعنا على ادب الغرب اطلاعا واسعا شاملا ، هو الخطوة الاولى لادبنا العربى الذى يخطوها نحو عالميته . فما دمنا لا نطالع آثار الغرب ، من مفكرين وفلاسفة وشعراء وفنانين ، ما دمنا لا نطالع هذا التراث الخالد ، فسنظل في عزلة عن المجموعة المفكرة فى العالم . سنظل نكتب لانفسنا لا يقرانا سوى عدد محدود من الناس .
الادب العربي لا يمكن ان يصبح ادبا عالميا ، ما لم ناخذ بالمذاهب الادبية الحديثة ، ونفهمها فهما تناولا وتنبني ادبنا الجديد على اساسها . الادب العربي الحديث لا يستطيع ان يسمو الى دوان العالم المقروءة ، ما لم يتخل ادباؤنا عن " اللفظية المنمقة " لياخذوها بالفكرة الشاملة ان الادب اللفظي لا يمكن ان يترجم ، ولا يمكن ان يجد له قارئا واحدا خارج بلاد العرب ، وحتى العربية لا يفيد من هذا الادب شيئا ، سوى نشوة دقيقة او دقائق ، تأخذه وهو يقرأ تلك
الالفاظ المرصوفة والجمل المكروسة فى ألوان شتى ، ان كان ممن تأخذهم روعة الالفاظ . واما ان كان من القراء الواعين الذين لا يعنون الا بجمال الفكرة وابتكارها ، فانه يقذف بالكاتب اللفظى الى الجحيم ، لان اللفظ وحده مضيعة للوقت ، لا يخرج منه الانسان بطائل بينما الفكرة هى التى تبقى ، وهى التى يمكن أن تترجم وتنقل الى سائر لغات العالم .
ومن الملحوظ في البلاد الاوروبية انه لا يكاد يصدر كتاب بالانكليزية ، او الفرنسية ، او الالمانية حتى يسارع المترجمون ودور النشر الى ترجمته ونقله الى سائر اللغات . وهذا ان دل على شىء ، فانما يدل على تقارب تلك الشعوب وتفاهمها ، سواء بالعادات والتقاليد ،او بالثقافة وطرق التفكير . ولكننا نحن نعيش فى عزلة عن هذه التيارات الفكرية التى تهب فى الغرب ، فقلما نترجم ما يصدر لنطلع عليه فى لغتنا ، ونأخذ بالصالح منه . ونادر منا من يطالع بلغة اجنبية . والمهم اننا فى عزلة ، لا نستورد " ولا " نصدر . والى جانب هذه العزلة الادبية نجد عزلة اخرى ، أمر من الاولى وادهى ، واعنى عزتنا السياسية في بلادنا - وللعزلة السياسية شانها وخطرها الكبير فى انتشار ادبنا او عدمه - فنحن نعيش بعزلة تامة لا نحاول الدعاية لوطننا فى بلاد الغرب ، ولا نسعى الى تعريف الغربى الى ما فيه من جمال الطبيعة وآثار الاقدمين . لا نحاول ان يعرف الغربى ان الامة السورية والعربية مثل سائر الامم ، تاكل وتعيش ونفكر ، وان لها حضارتها المعاصرة وتاريخها الغابر ، ومجدها الواثر . نريد ان يعرفنا الغربي وان نمهد له السبيل لزيارة بلادنا ، كى يتعرف اننا لسنا برابرة كما هو الشائع في بعض بلدان الغرب . نريد ان يعرف الغربى اننا امة لا تعيش لتاكل ، ولا تعيش لتفكر فحسب ، وانما تعيش وتأكل وتزاول اعمالها ، وتتطلع الى مستقبلها ، وان لها ادبها وفلسفتها وعنايتها بالمسائل العقلية والفكرية والروحية . ان اتصال الغربى بنا على هذا الشكل ، يرغبه بالتعرف الى ادبنا ، ويشجعه على نقله الى لغته .
ان الوجب يدعونا للاتصال بالغربى على أى شكل كان ، فقد يحسن ادبنا ويسمو ، ويظهر فيه ما يصلح للنقل الى بعض لغات العالم . ولكن عزلتنا وابتعادنا عن الغربي يحول دون انتشاره وتمهيد السبيل الى ترجمته ونقله .
وبعد . . فان مستقبل ادبنا واتساع أفقه وانتشاره فى انحاء العالم متوقف علينا نحن . فان اردناه ان يكون ادبا عالميا يطلع عليه الشرقى والغربى ويتذوقه ابن الضاد والسين والتميز ، كان لنا ما نريده ، و ن اردناه ان يظل محدود الافق ، ضيق المدى ؛ لا تكاد تطلع عليه ، سوى فئة قليلة من الناس ، فما علينا سوى ان نظل في عزلتنا القاتلة ، نحارب كل جديد ، ونعادى كل من يقتني كتابا اجنبيا ، او يدعو الى ثقافة عربية حديثة .
هذا وذاك بيدنا . . فلنختر لانفسنا ما نشاء
عبد الغني العطرى صاحب مجلة " الدنيا " دمشق عن نشرية " اضواء " عدد 15 جانفى
* جيل المسرح فى لبنان
كتب رفيق خورى فى جريدة " الاحد " عدد 667 هذه الملاحظات عن حالة المسرح في لبنان فقال :
بيروت تكاد تتحول كلها الى اقببية للستريوهات ..
يقول البعض ان من الافضل ان تكون عندنا اقبية للذة من ان تكون عندنا اقبية للتعدذيب كما هى عند غيرنا !
منطق سليم !. ولكن ليس بالرقص وحده يحيا الانسان . .
هموم الانسان المعاصر ليست كلها جنونا وعربدة ولهوا برئا وغير برئ . . والا فما هو الفرق بين الانسان والحيوان فى الغابات ؟
هل الفرق بينهما ان الحيوان " يلهو على طريقته الخاصة - علنا - بدون موسيقى وأضواء وان الانسان " يلهو - علنا - بموسيقى واضواء خافتة . . واخبار فى صفحات المجتمع !
لسنا واعظا ولا نطمح فى التحجر للوصول الى هذه الدرجة . .
ولكننا نطمح - على الاقل - ان يكون جيلنا جيلا معاصرا بكل معنى المعاصرة . .
نطمح ان يحمل جيلنا مسؤولية الحضارة وان يرى كل الازهار تتفتح في حديقة المدينة لا أزهار الجنس وحدها !
نحن نهتم بالجنس فقط وننسى الموسيقى والادب والمسرح والرسم . .
نهتم باللهو غير البرئ وننسى ان هناك " هوايات " انسانية اخرى غير الجنون في الستريوهات . يقول البعض ان الجيل اللبنانى يحب اختصار الطريق ..
فهو يعلم ان الموسيقى والمسرح والادب والرسم ليسوا غير مقبلات " للعشاء السرى " أو اطار للوحة الاخيرة الناجحة !
ولكن هذا منطق سقيم !
ان الرجل الذى يذهب الى المسرح لا يذهب لمجرد اصطياد فريسة فى نهاية الحفلة والممثل يبدع فى دوره كى يكون صيادا ماهرا ايضا !
هناك اهتمامات انسانية كثيرة يجب ان يدرب الجيل الجديد على الاحساس بها .
فجيلنا لم يقلد أوروبا الا فى تهتكها ونسى ان يقلدها فى متاحفها ومسارحها وموسيقاها وأدبها . .
هؤلاء التافهون المخنثون الذين تراهم كل ليلة يخرجون من (النضال ) في الستريوهات بماذا : يشبهون الاجيال العالمية ؟
بقصة الشعر . . والثياب الضيقة فقط !
اما الرؤوس فانها تافهة ، محشوة ، بالقش ، بل بالفراغ!! ولكن هل الجيل ملوم فى كل شئ ؟
هل الجبل هو المسؤول عن عدم وجود اوبرا او مسرح او صالة للموسيقي في لبنان ؟ ان المرء لتعروه الدهشة حينما يعرف ان مدينة مثل بيروت تسمى نفسها عاصمة الاشعاع ، وليس فيها مسرح واحد !
فى القاهرة عشرات المسارح . . وفى دمشق مسرحان او اكثر وفى الكويت مسرح . . وفى تونس حركة مسرحية كبرى . . حتى قبرص الجزيرة الصغيرة التى تواجه خطر التقسيم تجد امامها متسعا من الوقت للاهتمام ببناء المسرح وصناعة السينما .
أما فى بيروت فان رئيس الوزراء مشغول بتدشين الستريوهات !!
والذي يحز فى النفس ويمزقها ان لبنان ليس فقيرا بالامكانيات البشرية القادرة على خلق المسرح .
انه فقير بالاهتمام فقط . .
ترى متى ينفذ الوعد الذى قطعته الحكومة ببناء مسرح وطنى فى لبنان ؟
امس كان شكيب خورى المثل المسرحي الذي تخرج بدرجة ممتازة من الاكاديمية الملكية للتمثيل فى لندن يقلب اوراق مفكرة قديمة .
وفجأة التفت الى وفى عينيه بريق من المرارة : - اقرا ماذا كتبت هنا . .
كان التاريخ 5 نيسان 1954 . . والمكان باريس وقد كتبت :
- صرفنا انا ومنير دبس طوال هذا اليوم فى الحديث عن المسرح اللبنانى وكيف يجب ان نعمل حين نعود الى الوطن وكيف يجب ان نركز على اقامة بناء المسرح الوطني قبل كل شئ .. لقد مرت عشر سنوات منذ ان عاد الرجلان من لندن وباريس وما زالا يحلمان مع غيرهما ببناء المسرح الوطني ..
يحلمان بجيل للمسرح لا جيل للستريوهات !
* مدير اليونسكو العام يحصل على أول دكتوراه فخرية تمنحها جامعة الجزائر
سافر السيد رينيه ماهو مدير اليونسكو العام فى 11 نوفمبر (تشرين الثاني ) الماضى الى الجزائر فى زيارة رسمية استغرقت خمسة ايام .
وقد أقامت جامعة الجزائر حفلا يوم بدء العام الدراسى الجديد منحت خلاله سيادة المدير العام لليونسكو درجة الدكتوراه الفخرية . وقد القى السيد رينيه ما هو بهذه المناسبة خطبة قامت اليونسكو بترجمتها الى اللغة العربية
استهل السيد رينيه ماهو كلمته بتحية الحاضرين ، وشكر جامعة الجزائر على منحه الدكتوراه الفخرية ، ثم قال :
" انى لادرك جيدا ، وهذا ما يمس أعماق نفسى بوصفه الحقيقة الجوهرية فى هذه اللفتة ، انكم اذ تخصون باول دكتوراه فخرية من الجامعة الجزائرية مدير عام منظمة الامم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ، فانما تعنون التعبير على نحو باهر عن استمساك الجزائر الجديدة بقضية التعاون الدولى وثقتها بالمبادىء التى تقوم عليها ، والتعبير فوق كل شىء عن الايمان الذى يستشعره
هذا البلد فى آثار الروح واعمالها باعتبارها مبادئ تقوم عليها الحرية أى الكرامة الانسانية ، وكذلك باعتبارها مبادىء للعدالة أى للبناء الاجتماعى ، وأخيرا باعتبارها مبادئ للتفاهم ، أى لقيام صرح الاخوة بين الشعوب.
اننى أقف اليوم بينكم باسم مؤسسة رسالتها هى بالذات المعاونة على تحقيق هذه الروح الجامعة الحقيقية ، وذلك بالمضي دون توقف فى تقوية الوعى بالتضامن الفكرى والمعنوى وتدعيم جدواه بين افراد الجنس البشرى . اننى اجيئكم شأهدا على سعى المجتمع الدولى نحوكم وحرصه على التعرف على حاجاتكم وأمانيكم ، وعلى ادراك مشاكلكم فتكون معاونته لكم على هذه المشاكل افضل واحدى . وثمة أم جئت أقول على وجه التخصيص . ذلك ان العالم يعرف أن نجاح ما يعنيه ويهمه من جلائل الاعمال متوقف على نجاح هذه الجهود .
هناك وقبل كل شىء جهود تطوير البلاد تطويرا اقتصاديا واجتماعيا فبهما تتألف بقية وجوه التطوير .
وثمة أمر لا أدرى لماذا نسدل عليه ستار الصمت ، ذلك أن الجزائر بلد متخلف ، سواء كان دليل استنباطنا هو متوسط الدخل السنوى أو مقدار استهلاك الصلب او استخدام الطاقة الكهربائية الى آخر هذه الدلائل . فالجزائر بلد يحتل بين المستويات العالمية درجة خفيضة رغم وجود عدد من المنشئات الاقتصادية والمعدات الفنية العصرية . وفى نفس الوقت ترتفع نسبة كثافة السكان فى الجزائر الى المرتبة الثانية بين نسب العالم .
وهنا ، بازاء هذا الموقف المثير ، يرتسم مجهود ضخم ينطوى على دور جوهرى موكول الى الجامعة . هذا الدور هو اولا اعداد القيادات العليا اللازمة ، وعلى الاخص قيادات العلم والتكنيك التى تعتمد عليها السيادة الذاتية فى التطور والتنمية . ولست أجهل ان هذا بدوره يفترض توسعا عدديا ضخما فى مجال التعليم الابتدائى وتوسيعا فى التعليم الثانوى العام والفنى . ولكن دور الجامعة هو أيضا تنشيط الابحاث العلمية فى معاهد التخصص الملحقة بها ، أى قيادتها وتوجيهها على نحو يضمن الوصول الى افضل النتائج الممكنة سواء من الموارد الانسانية أو الموارد الطبيعية . ذلك أن على هذا البلد أن يصطنع لمشاكله حلوله الخاصة . ولعله لا يوجد ، فى الوقت المباشر ، بين كل هذه الاعباء واجب أكثر الحاحا من مذاكرة المشاكل والطرائق على هدى هذا الموقف الخاص . "
وبعد أن تحدث سيادة مدير اليونسكو العام عن دور الجامعة فى دراسة حاجات المجتمع والعمل على تطويره ، استطرد قائلا :
" والى اعباء التطوير تنضاف تلك الواجبات التى تلتزم بلاد حصلت حديثا على استقلالها . مشاكل هى الاخرى ذات طابع خاص تتطلب حرصا
بالغا ، اذ انها لا تتمثل فى قوام موضوعى بحث كما أن الطابع الشخصى يؤدى فيها دورا كبيرا ، وعلى ألاخص ابان سنوات الاستقلال الاولى . "
" هنا أيضا تنهض حاجة ماسة الى تشكيل قيادات : قيادات الادارة التى لا غنى عنها لضمان الكفاءة والفعالية فى تسيير أمور الدولة الناشئة . وهنا نجد العلوم الاجتماعية ذات أهمية عظمى .
" ولكن هناك فيما هو أبعد من احتياجات الاستقلال هذه التى أستطيع أن أسميها احتياجات تكنولوجية ، ثمة ضرورات اكثر حيوية وهذه رغم أنها أقل خضوعا للتمثل العلمي والنتائج السريعة القابلة للقياس ، فانها ليست أقل جوهرية من الاحتياجات السابقة . بل اننى لاعتبرها أساسا لقيام الباقي وشرطا لنجاحه واعنى بذلك ضرورات الثقافة .
" ان كل استبعاد سياسي انما هو استبعاد ثقافى شعورى أو غير شعورى ، مقصود أو عفوى . وكل نضال من أجل الحرية يحتم ويتضمن ، كتحديد أساسى ، الوعى بالشخصية الثقافية للبلاد . وانه لمن أجل هذا تصبح أولى خطوات الاستقلال هى اعادة الثقافة القومية التى خليت وخلق ظروف حياة جديدة لهذه الثقافة ، مالكة بعد ذلك زمام أمرها .
" ان مثل هذا العب ضرورى على نحو خاص فى أمر الجزائر لاسباب معروفة لكل من معنا فى هذه القاعة ، كما أن هذا العب صعب على نحو خاص أيضا . من أجل هذه الاسباب ، ومع أنه فى مثل هذه الظروف تتحد معظم قدرات الصفوة بين المثقفين على مدى فهمهم وادراكهم لتقاليد الكتل الشعبية واحتياجاتها وتطلعاتها وعلى تعاونهم معها تعاونا و ثيقا مخلصا ، فان جامعتكم لن تستطيع أن تقف بمنأى عما ينبغى أن يكون لهذه البلاد تجيشا عاما نحو الوعى والنهضة ، الا اذا ارادت الجامعة أن تنسلخ عن الحياة وتنسحب من التاريخ . وهنا أيضا أهيب بكم أن تأخذوا الامور فى مجملها والا تقاعسوا عن العمل والفعل .
" ولكى تكون عملية التوطيد والتحرير الثقافى هذه فى جزء كبير منها ، عملية استعادة لماض مهجور مستبعد ، فريد بطابعه العربي ، كتابة أو مشافهة ، فان أحدا هنا لا يجهل ذلك . ان كل واحد منا يعرف قيمته وضرورته . ان هذه الجامعة التى توافرت منذ بدايتها على دراسة الحضارة المغربية حيث برز عدد من ألمع شخصيات العلوم المغربية ينبغي أن تشارك اليوم مشاركة نشيطة فعالة فى هذا الموقف الجديد الذى يتجلى فيه منذ الآن أن عنصر الاحداث الجارية هو فى نفس الوقت موضوع تاريخها .
" وبعد هذا وذاك أود أن أبرز الآن ملاحظتين أعلق عليهما أهمية :
" الملاحظة الاولى أن الثقافة ليست فحسب ثقافة الماضي . انما هي أيضا ، ومن هذا الماضى على الاخص لو كانت حقا ثقافة حية دفعة من القوة والنشاط
الخلاقين مضطرمة تتلمس آفاقا أخرى . ان الثقافة أصلا هى معايشة قيم منها ينبثق مصير جديد أو عندها نتلمس هذا المصير الجديد . الا فلا تخلطوا اذن بين وعيكم بشخصيتكم القومية واعادتكم بناء وطنكم على أساس من الماضي .
" وملاحظتي الثانية أنه ليس فى ماضيكم غير اللغة والثقافة العربية تريدون بهما ، عن حق ، أن تستعيدوا عزتكم وتبتعثوا نشاطكم . ولكن ثمة لغة أخرى متداخلة فى نسيجكم التاريخي هى تلك اللغة الفرنسية التى اتحدث اليكم بها الآن فتفهموننى ، ثمة ثقافة اخرى هي هذه التى أحبئكم منها فتعيننى على أن الحق بكم فى كيان الانسانية العام . وانه لمن الخطل أن تغفلوا أمرها بدعوى أن ها رفدت به قد أقبل فى ظروف سياسية هي الان قد زالت . فانما هى فى الواقع حصيلة محققة حرية بان تثرى واقعكم الثقافي وأن تسبغ عليه اصالة متعددة القوام اذ تفتح امامكم مداخل اخرى ، وعلى الاخص فى ميدان الحضارة العلمية والتكنيكية الحديثة ، فضلا عن ثقافة انسانية الطابع هى نتاج خمسة وعشرين قرنا من التاريخ . ان اغفال هذا سوف يكون معناه الرد على انكار جزء من الماضي بانكار جزء من المستقبل ، معناه تشويه يوقع مرة ثانية بشخصة البلاد الثقافية .
والمع السيد رينيه ما هو الى ضخامة الرسالة التى تقع على عاتق جامعة الجزائر فقال :
" واذ ينهض هذا البلد كالمنار على شطئان الحضارة الانسانية حيث انبثقت انوار الامانات الثلاثة العظمى حاملات الرسالة للانسانية شاملة ، وحيث مولد العلم ومذاهب الفكر والحكمة امتدادا من الفكر الفرنسى الى أرض افريقيا ، وهو الآن هضبة عالية فى هذه القارة المحررة في ارض السلام ، عاصمة بلد ناهض بعمل ثورى يهم العالم قاطبة الى أين بتجه والى ماذا ينتهى من أجل هذا كله فان جامعتكم هذه قائمة لتستقبل من كل الافاق ما تأتي به رياح الفكر ومجارى التاريخ ولتصدر أقباسها هى الى كل نواحي الدنيا ومراكز التطور الانساني .
" وما أدرى ابدا من تناقض بين واجباتكم القومية وهذا الدور الدولى ، بل اننى لا تتبين ، على العكس من ذلك ، وحدة عميقة على نحو ما تنهض تجربة منظمة اليونسكو وكلها دليلا وبرهانا على صدق ذلك . ان هذا عهد أصبح التداخل فيه بين الناس قاعدة تزداد رسوخا ، وان هذا البلد ليحس فى الحقيقة تأكيد ذاته بأقباله على مواجهة بقية العالم والتداخل معه ، وانه لمستطيع أن يجد ما يبتغى لمشاكله من حلول أصيلة وناجعة بنشدان محمولات العالم الخارجي وقبولها متخيرا فى حرص وعناية . "
وهكذا اختتم السيد رينيه ماهو حديثه مهيبا بالجزائر الفتية أن توثق أواصر التعاون مع شعوب العالم قاطبة بغية الوصول الى ما تنشده من تطور ونجاح .
