ان اى قارئ للمسرحية الذهنية لتوفيق الحكيم - شهر زاد - اذا برئ من بلادة الحس واعتلال الشعور - لن يأمن من حال طمأنينة نفسه ولذة فنية اثناء مطالعة هذا الاثر لاسباب لا تعود الى مضمونها الرمزى وشكلها الذهنى فى رأيى بقدر ما تعود الى هذا الطابع الشرقى الذى يلقاك مند الصفحة الاولى الى آخر لحظاتها ، ويظهر سواء فى اطارها المكانى او اطارها الزمانى وما يعمرهما من اشخاص ثانويين ورئيسيين وفى الكلمات للمفاتيح التى تتردد فى مناظرها او فى نهايتها .
1) الاطار المكانى :
أما اطارها المكانى فلن تجدك الا بين صحراء ممتدة ومتفتحة لقيظ الهاجرة ولن تبصر الا قصر ملك تصاعد منه موسيقى رائعة توحى بمصير فاجع كما تصاعدت من خان أبى مسور رائحة المخدرات القائمة فى وجه كل بطل شرقى يرنو إلى آفاق المعرفة والسيطرة على الكون .
ولن تجد الا خدر شهرزاد الذى يوحى منذ بداية المسرحية بانتظار أحداث مأسوية .
2) الاطار الزمانى :
ولم يسلم الاطار الزمانى من هذا الطابع الشرقى بغروبه الموحش ولياليه الصاخبة بموسيقى المجون والمغامرات فى قصور الملوك والامراء قديما وحديثا ( فى بعض الاماكن ) .
ألم تكن المسرحية زمنيا امتدادا لمسيرة شهرزاد في قصص الف ليلة وليلة الموروثة عن الثقافة الفارسية وقصصها العجيبة التى سحرت القراء منذ القدم ابتداء بالملوك وانتهاء بالرعية والمعذبين فى الارض .
لقد كان الاطار المكانى والزمانى بسائر عناصرهما الثانوية كالابل والسيف والجلاد وآلات التدخين تبرز نمطين من الناس متمايزين ماديا ومعنويا وفقا لطبيعة المجتمعات الشرقية المبنية عادة على طبقية واضحة وان ادعت بعضها الشيوعية العلمية والمساواة المطلقة بين الافراد - نعم ان طبيعة الاحداث التى دارت حول شخصيتين رئيسيتين هما شهريار وشهرزاد اللذين اخذا نصيب الاسد فى الرواية نفسها تؤكد التناقض الطبقى الموجود فى البلاد الشرقية حيث ما يزال الايمان بالبطولة والابطال وبالاصلى والثانوى وبالجوهرى والعارض ، وبالخالص والزائف .
الا نجد ملكا وملكة يجسدان بشعورهما ومسيرتهما الفكرية ومغامرتهما الذهنية الصراع المستمر في وجدان الشرق للتخلص من الاسطورة والحلم والكهف والماضى ليتنفس هواء العصر - وان اعتراه تلوث احيانا ؟
ألا يمثل الملك والملكة ووزيرهما المخلص الى حد الغباوة نمطا اجتماعيا متناقضا مع نمط آخر يمثله الجلاد والعبد والساحر والعذراء وغيرهم من الذين لا يستمدون وجودهم ومعناهم الا من الصلة التى تربطهم بالاشخاص المحورية ؟
3) الكلمات المحورية :
الا ان ما يعطى للمسرحية بعدها الشرقى ايضا هو تردد الكثير من الالفاظ المفاتيح المحورية التى تكاد تتحكم فى سير الاحداث وسلوك الاشخاص وكانت مأخوذة من القصص الشعبى وأسطورة الف ليلة وليلة حينا ( كالسفر والابل - والساحر والعبد الاسود .. ) ومن القاموس الصوفى حينا ( كالرحيل والعقل - والمعرفة والمادة والشوق ) .
الم يكن التصوف نفسه مذهبا شرقيا مبنيا على الزهد فى اللذائذ وفى مظاهر الترف والحضارة للاغراق فى العبادة والتأمل والتهليل والتكبير واقامة الشطحات والحلقات ؟ فى الواقع ان بعض النقاد يرجعون اصول التصوف الاسلامى الى جذور شرقية هندية ، وقد لعبت هذه الالفاظ دورها فى صياغة نهاية المسرحية التى كانت وفية هى الاخرى الى الروح الشرقية .
4) النهاية المأسوية :
ان في بقاء شهريار " معلقا بين الارض والسماء ينخر فيه القلق " على حد تعبير شهرزاد ليحدد تحديدا واضحا الروح الشرقية التى تحكمت فى نهايتها وفقا لنظرة المؤلف لمكانة الانسان فى الكون ولقوله بالتعادليه اى بالصراع بين الشهوات والمطامح الفكرية .
فلم يكن الحكيم اذن فى رسم نهاية مسرحيه الذهنية الا مؤكدا على ما آمن به من نظرة شرقية هي نتيجة لازمة عن التيار الملح المؤلف للانسان والساخر من فكرة الاله والمنتشر فى اوروبا المصنعة وقد مثله خاصه بكتابه ( هكذا تحدث زاردشت ) وعن التيار الشرقى الداعى الى قبول الانسان بححمه الحقيقي دون تزوير او تضليل والى الاسلام الى المشيئة الالهية التى ترسم حد الانسان وتصوغ له مصيره ، ( فيظل يعيش ويريد ويكافح فى اطار قوى غيبية غير منظورة ) .
ولن تأخذ هذه الابعاد الشرقية قيمتها الفنية الا اذا علمنا ان هذا التيار أثر فى كتاب المسرح العربى المعاصر شرقا ومغربا .
فكان السد فى بعض اطواره امتدادا لمأساة شهريار محتوى وطابعا .
لكن الا يجب تحديد الابعاد الزمنية والفلسفية حتى تتضح العلاقة بين محتوى المسرحية وطابعها الشرقى ؟ .
