الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 1الرجوع إلى "الفكر"

الأدب ملحمة

Share

ليس القول بأن الأدب مأساة (*) ، نابعا فحسب من نظرة تشاؤمية الى الكون ، وسوء ظن بامكانيات الانسان فى الخلق والتأثير على الواقع ، بل انه ، فى آخر الأمر ، نفي لحرية البشر ، واقرار لتفاهتهم ، وبالتابع اعتماد على روح الاتكال والاستسلام أو ترنم بنغمة التشاكى والتباكى والتوسل .

واذا اقتضى الأدب مناخا من الحرية ، بدونه لا يكون أدب ولا أدباء ! - وجب ألا يفهم بذلك حرية التفكير والتعبير فقط ، بل ، وقبل كل شئ ، الحرية أزاء الأشياء وهي التى لا يمكن السيطرة عليها فالتأثير فيها الا بعد معرفة نواميسها وكشف أسرارها ، وكذلك الحرية ازاء النفس بالخصوص النفس وما فطرت عليه - أو ألهمت اياه - من فجور وتقوى وضعف وقوة أو شر وخير .

والحرية ، كالذكاء والثقافة والفضيلة والعظمة ... ليست هبة ولا فطرة ولا حظا ، انها كسب متزايد ، وغزو متواصل ، وكفاح لا يني ؛ الأديب الحق يطلب - أول ما يطلب - الحرية ويتفاني في ممارستها ، ويجاهد للابقاء عليها والزيادة فى حظه منها .

ان الأديب يجاهد أهواءه ويروض نفسه ليكون حرا ازاء نفسه ، والأديب يغالب المادة ويواجه العبث ، ليكون خليفة الله فى الأرض ، ويريد كي يستجيب له القدر ! والأديب يتحدى الموت بروائع فنه وطرائف ابتكاراته فيزول الجانب الفانى منه أما فنه واراؤه ورسالته فهى نور يضئ دائما رغم السحب والعواصف ، وهي حية لا تموت .

الادب فن ، والفن لا يفرض فرضا ولكنه لا يكتسب أيضا . انه كريح الصبا يهب هبوبا فيتهيأ لاستنشاقه كل ذى نفس كبيرة وحساسية مرهفة .

الادب يعمل عمله ويؤثر فى حياة الانسان ويساهم فى تبديل نفسيته وتطوير قيمه العليا وتغيير نظرته للوجود .

الأدب لا يتوسل للتمتع بالحرية لأنه فى جوهره حرية واختيار . الادب يعزز سلطان الحرية فى كل نفس تتذوقه وتتفتح لروعته ، انه تلقيح يقى من تبعات العجز والنقائص والخوف والجبروت بكل ألوانه ، وهو تجاوز للفناء .

الأدب ملحمة لأن وظيفته الفعل ، ولأنه تعبير صادق ورائع عن كفاح الانسان من أجل السيطرة على نفسه والرفع من منزلته ، وصراعه الدائم في سبيل حياة أفضل .

فيذكر أدباءنا الشبان كل ذلك وليكونوا من ذوى البأس والقوة واعين لمسؤليتهم معتمدين على أنفسهم متمسكين بحريتهم ، انهم سيكونون ما يريدون ان يكونوا .

اشترك في نشرتنا البريدية